من أسرار «العربي»

من أسرار «العربي»

حمل‭ ‬لنا‭ ‬بريد‭ ‬العربي‭ - ‬ولا‭ ‬يزال‭ - ‬مئات‭ ‬الرسائل‭ ‬المعاتبة‭ ‬والمتضمنة‭ ‬للسؤال‭ ‬المحرج‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تزور‭ ‬عدسة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬مدينتنا؟‭ ‬وبقدر‭ ‬المحبة‭ ‬وارتباط‭ ‬قرّاء‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬بمجلتهم‭ ‬يزداد‭ ‬العتب،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬محرج؟‭! ‬لأن‭ ‬جوابه‭ ‬متوافر‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نشره،‭ ‬كونه‭ ‬متعلقاً‭ ‬بإجراءات‭ ‬وضعتها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تعيق‭ ‬حركة‭ ‬بعثة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬وتقيّد‭ ‬عمل‭ ‬كاتبها‭ ‬وعدسة‭ ‬مصورها‭.‬

مازلت‭ ‬أتذكر‭ ‬تلك‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬القرّاء‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬تصوره‭ ‬الكامل‭ ‬للكيفية‭ ‬التي‭ ‬ستغطي‭ ‬فيها‭ ‬بعثة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬أهم‭ ‬معالم‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬يسكن‭ ‬فيها،‭ ‬والمناطق‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬ذلك‭ ‬القارئ‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬لديه‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬لنا‭ ‬بوضع‭ ‬برنامج‭ ‬غير‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬لديهم،‭ ‬نزور‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وهذا‭ ‬المعْلَم‭ ‬وذاك‭ ‬المتحف،‭ ‬ولا‭ ‬نلتقي‭ ‬سوى‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الرسميين،‭ ‬والتقاط‭ ‬الصور‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بوجود‭ ‬مشرف‭ ‬لديه‭ ‬ورقة‭ ‬تصريح‭ ‬مهمته‭ ‬الأساسية‭ ‬مراقبة‭ ‬خطواتنا‭.‬

إن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬مجلة‭ ‬ثقافية‭ ‬بالأساس،‭ ‬ولا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬استطلاعاتها‭ ‬إلا‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يفسر‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬الناس‭ ‬وأحوالهم‭ ‬المتغيرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬‮«‬صحافة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬الحذر‭ ‬منها،‭ ‬وهنا‭ ‬سأفشي‭ ‬لكم‭ ‬سراً،‭ ‬لقد‭ ‬باءت‭ ‬محاولاتي‭ ‬لزيارة‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصلها‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بالفشل‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬منذ‭ ‬2009،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المحاولات‭ ‬لإتمام‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬متواصلة،‭ ‬لكي‭ ‬تكتمل‭ ‬تغطية‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬لكل‭ ‬بلدان‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭.‬

قد‭ ‬تعتقدون‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بمرافقة‭ ‬مراسلي‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ولكن‭ ‬الأصعب‭ ‬هو‭ ‬الرفض‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المدن،‭ ‬وأكرر‭ ‬المدن‭ ‬وليس‭ ‬القرى‭ ‬والأرياف،‭ ‬للتصوير‭ ‬بصورة‭ ‬تفوق‭ ‬الوصف‭. ‬ففي‭ ‬أحد‭ ‬الأسواق‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬يُصنَّع‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بالماضي‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬ومفروشات‭ ‬وملابس،‭ ‬جلس‭ ‬رجل‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭ ‬أمام‭ ‬مدخل‭ ‬متجره‭ ‬
منشــــغلاً‭ ‬بصناعة‭ ‬سلة‭ ‬من‭ ‬القش،‭ ‬كان‭ ‬زميلي‭ ‬المصوّر‭ ‬فهد‭ ‬الكوح‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬الصورة‭ ‬المثالية‭ ‬لغلاف‭ ‬العدد،‭ ‬اتخذ‭ ‬وضعية‭ ‬التصوير‭ ‬أمام‭ ‬صانع‭ ‬سلال‭ ‬القش‭ ‬وطلب‭ ‬الإذن‭ ‬منه‭ ‬للتصوير،‭ ‬والجواب‭ ‬أتاه‭ ‬بالرفض،‭ ‬وتكرر‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬أغلب‭ ‬المتاجر‭ ‬التي‭ ‬زرناها،‭ ‬لتفشل‭ ‬مهمتا‭ ‬التصوير‭ ‬والكتابة‭ ‬معاً،‭ ‬حينها‭ ‬سألت‭ ‬نفسي‭: ‬ألم‭ ‬يفكر‭ ‬مَن‭ ‬رفضوا‭ ‬التصوير‭ ‬أنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬إعلاناً‭ ‬مجانياً‭ ‬لبضائعهم؟‭!‬

الشيء‭ ‬المفرح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الزمنية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التصوير‭ ‬هو‭ ‬انتشار‭ ‬حمى‭ ‬التصوير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدسات‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬بصورة‭ ‬ضاغطة‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬المجال‭ ‬لأي‭ ‬فئة‭ ‬عمرية‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬أن‭ ‬التصوير‭ ‬بات‭ ‬خبزاً‭ ‬يومياً‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ومن‭ ‬يرفض‭ ‬اقتناء‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬فلا‭ ‬يمانع‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬صورة‭ ‬تذكارية‭ ‬مع‭ ‬أحفاده‭.‬

أخيراً،‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬عالم‭ ‬التصوير‭ ‬من‭ ‬الطرافة،‭ ‬فبينما‭ ‬يتقبل‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬وجود‭ ‬عشرات‭ ‬المصورين‭ ‬من‭ ‬حولهم،‭ ‬نجدهم‭ ‬يتحسّسون‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخرج‭ ‬مصور‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬كاميرا‭ ‬التصوير‭ ‬بعدستها‭ ‬الطويلة،‭ ‬ليسود‭ ‬الترقب‭ ‬أجواء‭ ‬المكان‭. ‬لقد‭ ‬عشت‭ ‬أخيراً‭ ‬تجربة‭ ‬التصوير‭ ‬المخصص‭ ‬للنشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدسة‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي‭ ‬ذ‭ ‬عالية‭ ‬الجودة‭ - ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬استمتعت‭ ‬بالتصوير‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬لم‭ ‬يأبه‭ ‬أحد‭ ‬فيها‭ ‬بما‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬

 

 

 

‭ ‬