مشاركة مجتمعية... تنمية شاملة شعار منتدى الشارقة الدولي للاتصال الحكومي
تحت شعار «مشاركة مجتمعية... تنمية شاملة» انطلقت في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، فعاليات الدورة السادسة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي خلال الفترة من 22 إلى 23 مارس الماضي في مركز إكسبو الشارقة بحضور ومشاركة صاحب السمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
تركزت أعمال الدورة السادسة من المنتدى على دور الاتصال الحكومي المحوري في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي تمثل انعكاساً للدور الرائد لإمارة الشارقة ودولة الإمارات بتعزيز دور الاتصال الحكومي لدعم كل الجهود الحكومية في مختلف القطاعات وعلى المستويات كافة بما يؤمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.
مجلة العربي كانت في الشارقة وقامت بتغطية العديد من الجلسات وورشات العمل التي أقيمت ضمن فعاليات المنتدى الدولي للاتصال الحكومي وخرجت بهذه الحصيلة.
خطة «خدمة الإنسان»
في حفل الافتتاح الرسمي لأعمال المنتدى الدولي للاتصال الحكومي أكد سمو الشيخ د. سلطان القاسمي أن إمارة الشارقة أولت بناء الإنسان والتنمية المستدامة أهمية خاصة ووضعتها على سلم اهتماماتها، ووضعت الخطط والرؤى التي تركز على الفرد خلال مرحلة حياته، لأنه الثروة الحقيقية والاستثمار الأمثل للمجتمعات، مبيناً أن إمارة الشارقة تبنت خطة عنوانها «خدمة الإنسان»، بدأت منذ أكثر من 30 سنة، فاهتمت بالتنشئة الاجتماعية في الصغر وأنشأت حضانات للأطفال، حيث أُنشئت 66 حضانة تُعنى بالأطفال منذ البدايات الأولى لينشأ الطفل تنشئة صحيحة وسليمة، مع الأخذ في الاعتبار حاجة الطفل إلى حنان الأم.
وتطرق سموه إلى تجربة إمارة الشارقة في برنامج برلمان الأطفال الذي يبدأ من سن الخامسة وحتى الثانية عشرة، وشملت التجربة عدداً من الإيجابيات، منها أنها علمت أطفالنا الجرأة والمسؤولية والشجاعة والانحياز للحق وتعليمهم على بعض الأمور التي ستخدمهم في المستقبل مثل الترشيح الحر والانتخابات المباشرة.
كما أكّد سموه أن إمارة الشارقة عنيت بكبار السن واهتمت بهم وبصحتهم، وقدمت لهم الخدمات الطبية والرعاية الاجتماعية المجانية، مبيناً سموه أن جميع من هم فوق سن الـ 60 يتمتعون برعاية طبية مجانية مباشرة من دون الحاجة إلى وساطة شركات التأمين، بالإضافة إلى المبادرة التي أمر بها سموه بتوفير عيادات طبية متنقلة تخدم كبار السن في بيوتهم، معتبراً أن من يريد التنمية المستدامة فليبنِ الإنسان منذ صغره وليرعه في كبره. وشدد سموه على أهمية التعليم والبحث العلمي في بناء الكوادر والمهارات اللازمة لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، كما أوضح سموه أن جامعات الشارقة خصصت 1200 منحة دراسية سنوياً لطلبة الجامعات، وللراغبين في استكمال دراساتهم العليا قدمت 350 منحة لطلبة ماجستير، و120 لطلبة الدكتوراه، ودعمت حكومة الشارقة برامج البحث العلمي، حيث خصصت 120 مليون دولار لها.
واختتم سمو الشيخ د. القاسمي كلمته مؤكداً أن المشاركة الاجتماعية اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لاتزال غائبة، وأنه بالرغم من وجود مساهمات قليلة من بعض الشركات فإنها غير كافية.
الالتفاف حول التنمية المستدامة
وألقى نائب رئيس وزراء جمهورية أذربيجان علي أحمدوف كلمة بالنيابة عن رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف، شدّد فيها على أن القضايا العالمية كالجوع والفقر والأمراض وعدم المساواة ومخالفة التوازن البيئي والحروب والإرهاب، تدفع بالدول والشعوب إلى الالتفاف حول أهداف التنمية المستدامة التي تدعمها حكومة أذربيجان، وأضاف أحمدوف: مما يثير الأسف أن سكان العالم الأكثر فقراً، يتوزعون على القارات الأكثر غناءً من ناحية الموارد الطبيعية والبشرية. ويتضمن تقرير الأمم المتحدة أن 33 دولة من الدول الـ 48 الأكثر فقراً، تتمركز في إفريقيا، في حين 14 دولة منها في آسيا وأوقيانوسيا ودولة واحدة فقط في أمريكا الجنوبية.
التغيّر المناخي... هل من حلول؟
وحظيت القضية البيئية بجانب مهم من أعمال المنتدى الدولي للاتصال الحكومي, حيث خصصت جلسة حوارية، تحدث فيها نائب رئيس الولايات المتحدة الأسبق رئيس ومؤسس مشروع «الواقع المناخي» ألبرت غور حملت عنوان «التغيّر المناخي... هل من حلول؟»، وحاوره فيها رئيس دائرة العلاقات الحكومية الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي. وشدّد آل غور على أن قضية التغير المناخي ليست تحدياً لمنطقة دون غيرها في العالم، بل هو تحدٍ أخلاقي للبشرية، مضيفاً أن التغير المناخي الراهن ليس مجرد أزمة عادية فهو عبارة عن تصادم مباشر للحضارة البشرية مع كوكب الأرض نتيجة التقدم التكنولوجي وتنامي عدد السكان، الأمر الذي يستدعي ضرورة التحرك السريع لتغيير نمط التفكير السائد في العالم حالياً.
السماء غلاف رقيق يتداعى
وحول تداعيات التغير المناخي قال آل غور: قد تبدو لنا السماء بوابة لفضاء واسع، ولكنها في الحقيقة غلاف رقيق يتداعى كل يوم نتيجة للملوثات التي يتلقاها الجو وتؤدي بشكل مباشر إلى اتساع ثقب الأوزون، مما يؤدي لارتفاع درجات الحرارة ومنسوب مياه البحر.
وأوضح آل غور أن الأرقام المتعلقة بالتدهور البيئي تشكل جرس إنذار في جميع أنحاء العالم، واستشهد بتقرير للبنك الدولي بالتعاون مع معهد المقاييس والتقييم الصحي الصادر في سبتمبر 2016، ويشير إلى أن تلوث الهواء يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 225 مليار دولار، بسبب غياب الموظفين عن العمل والتكاليف المستحقة للرعاية الصحية، كما أشار التقرير أيضا إلى أن 5.5 ملايين حالة وفاة في عام 2013 كانت نتيجة مباشرة لتلوث الهواء.
وبيّن آل غور أن الاستقرار السياسي مهم لتعزيز منظومة التعاون الدولي بهدف وضع الحلول للحد من تداعيات التغير المناخي، موضحاً أن كل الأديان السماوية «الإسلام والمسيحية واليهودية» تشجع على ثقافة الحياة وتدين ثقافة التدمير، مؤكداً ضرورة تبني شعوب العالم لثقافة الحياة والتوعية العامة لفهم خطورة الموقف الراهن، وأنه يجب على الجميع التحرك معاً لحماية الكوكب كشرط لاستمرار الحياة للأجيال القادمة. وفي ختام كلمته بين آل غور أن التطور التكنولوجي المتسارع يتيح اليوم فرصة لمعالجة الآثار الناجمة عن التغير المناخي وتبعاته، مشيراً إلى ضرورة طرح الحلول المبتكرة ومنها التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة.
التغيير الجذري لطريقة تفكيرنا
في الجلسة الحوارية التي تحدث فيها د. محمد يونس الحاصل على جائزة نوبل للسلام، عن الفجوة الهائلة بين أهداف التنمية المستدامة والسياسات الحالية التي تسهم في جعلها واقعاً ملموساً، قال يونس: في ظل المشكلات التي يواجهها عالمنا اليوم والمتمثلة في تركز الثروات والمشكلات البيئية وانحدار الوظائف، يجب علينا أن ننظر إلى تاريخنا، إذ لطالما استطعنا حل المشكلات، وفي الواقع لاحظت أن السيدات الأمّيات في بنك غرامين استطعن التحول إلى رائدات أعمال بالتصميم والعمل الدؤوب، لذا ليس هناك ما يدعو الشباب المتعلم اليوم في بنغلاديش وحول العالم إلى أن يبحثوا عن عمل، بل يجب عليهم أن يسهموا في خلق فرص العمل. يجب علينا أن نغير من طريقة تفكيرنا جذرياً لكي نتلاءم مع العالم المتغير.
الفئات المتضررة تجاوبها أكبر
في الجلسة التي حملت عنوان «البيئة والتغير المناخي في السياسات الإعلامية» أشار وزير التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات د. ثاني بن أحمد الزيودي إلى أن التغير المناخي له تأثير مختلف بحسب الموقع العالمي، وبالتالي يختلف مستوى الوعي المطلوب وحجم التأثير المستهدف.
وبين الزيودي أنه من الناحية النفسية عند الحديث عن الكوارث طويلة الأمد، لن يكون هناك تجاوب كبير، ويجب العمل على ربط تحديات التغير المناخي بنتائج ملموسة على الأرض، وإذا تحدثنا عن جفاف المياه وتأثيرها على الزراعة مثلاً نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، فإن حجم التجاوب من الفئات الأكثر تضرراً سيكون كبيراً للغاية وتليه فئات المجتمع الأخرى، وبالتالي يجب التواصل مع الجمهور في المواضيع التي تعنيهم وتؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية.
واختتم الزيودي بأن دولة الإمارات باتت اليوم رائدة في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة، وأنها أصبحت جزءاً من منظومة التقدم الاقتصادي والاجتماعي الإقليمي والدولي التي تسهم في الحد من تبعات التغير المناخي في المنطقة والعالم.
من جانبه، أكد رئيس وزراء أيرلندا الأسبق (1994-1997)، الرئيس التنفيذي الحالي لمركز الخدمات المالية العالمية بجمهورية أيرلندا جون بروتون أن بلاده والاتحاد الأوربي تمكنا من تحقيق نمو اقتصادي بالقضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة، و«حددنا هدفا لإعادة التدوير وإلغاء مطامر النفايات، وقد نجحنا في تطبيق توجهاتنا إلى حد بعيد، وأوربياً تم وضع معايير لكل الدول ومعدلات ونسب تلوث لا ينبغي تجاوزها، وفي حال حدوث ذلك فإن تلك الدولة تتعرض للمساءلة من الاتحاد».
وتحدث الرئيس التنفيذي لمجموعة شركة «بيئة» خالد الحريمل عن دور الشركة في مسيرة التنمية المستدامة بالشارقة قائلاً: «كان أمراً مهماً أن نصوغ استراتيجية ورؤية للتخلص من النفايات وإعادة تدويرها بدعم حكومي، وهكذا نجحت البيئة في جعل الشارقة العاصمة البيئية وأكثر المدن نظافة، وقد أطلقنا الشركة قبل 7 أعوام, ونستطيع القول إنه من خلال عملنا الدؤوب نجحت الشارقة في تحقيق 70 في المائة من رؤيتها بأن نصل إلى مستوى صفر في المائة من النفايات».
وفي ختام تلك الجلسة تحدثت مؤسسة والمديرة التنفيذية لمنظمة إندي - أكت الأردن، مسؤولة حملات المناخ والطاقة في العالم العربي حائزة جائزة أفضل خبيرة طاقة في العالم عن فئة الشباب صفاء الجيوسي عن دور المسؤولين في التوعية عن تغير المناخ، وقالت: «يجب أن يكون أولوية ولا يتم التعاطي معه كهامش أعمال حكومي، والحقيقة أن تحديات التغير المناخي ليست أولوية في العالم العربي، وهو أمر مؤسف، وعالمياً هناك 8 دول في العام ستعاني جفاف المياه في عام 2035، وهو موضوع بالغ الخطورة».
نهاية كل دورة بداية لمرحلة أكثر تطوراً
في الحفل الختامي الذي أسدل فيه الستار على أعمال الدورة السادســـــة من المنـــتدى الدولي للاتصال الحكومي، قال رئيس مجلس الشارقة للإعلام الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي: «إن نهاية كل دورة من المنتدى هي بداية جديدة لمرحلة أكثر تطوراً في الاتصال الحكومي، مؤكداً مباشرة العمل على تنفيذ توصيات ومخرجات المنتدى لترجمتها إلى مبادرات فعلية تنعكس إيجاباً على منظومة الاتصال الحكومي، وتساهم في تطويرها بما يفيد المجتمعات».
وأعرب الشيخ القاسمي عن تقديره للجهود والخبرات المتميزة التي استضافتها جلسات ومنصات المنتدى على مدار يومين، وانبثق عنها إرث معرفي جديد تستفيد منه جميع القطاعات المعنية بالاتصال الحكومي وتدعم جهود تحقيق التنمية الشاملة.
وأوصى المشاركون في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي ببدء تنفيذ شبكة الاتصال الحكومي العربية، وتأسيس لجنة عربية مشتركة مهمتها تقديم الدعم وإطلاق المبادرات التي من شأنها تحفيز برامج الاتصال الحكومي الداعمة لجهود الدول العربية نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وأوصى المنتدى بحزمة مبادرات تنفــــيذية تستــــــهدف تفعــــيل المشاركة المجتمــــعية، وتدعم البحث العلمي والبيئة والإعلام وتهتم بالأطفال والشــــباب وكـــبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة .