آبــاء اليــوم

آبــاء اليــوم

بين آباء الأمس وآباء اليوم، هل يمكن عقد مقارنة في شأن تربية الأبناء وكيفية التعامل معهم؟! أم أن لكل جيل عصره وبيئته وتكوينه وأعرافه وتقاليده؟

مع‭ ‬غياب‭ ‬دراسات‭ ‬تفصيلية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬العربية‭ ‬تأتي‭ ‬الإحصاءات‭ ‬والدراسات‭ ‬الغربية‭ ‬لتسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬تجلي‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬آباء‭ ‬اليوم‭ ‬يعاملون‭ ‬أبناءهم‭.‬

فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬دراسة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للجمعيات‭ ‬الوطنية‭ ‬UNAF‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحاضر‭ ‬أكثر‭ ‬قرباً‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭. ‬وأنهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المسؤولية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭. ‬

وفي‭ ‬دراسة‭ ‬للمركز‭ ‬نفسه‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أباً‭ ‬اليوم‮»‬،‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الماضية،‭ ‬ذكر‭ ‬نصف‭ ‬الرجال‭ ‬المستجوبين‭ ‬أنهم‭ ‬يتعاملون‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬آباؤهم‭ ‬يتعاملون‭ ‬معهم‭. ‬ينصتون‭ ‬لهم،‭ ‬يتحاورون‭ ‬معهم،‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬الآباء‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬في‭ ‬أبنائهم‭.‬

وفي‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬الكتاب‭ ‬الكبير‭ ‬للآباء‭ ‬الجدد‮»‬‭ ‬Le‭ ‬grand‭ ‬livre‭ ‬des‭ ‬nouveaux‭ ‬papas‭ ‬يذكر‭ ‬المؤلف‭ ‬إيرك‭ ‬سابان‭ ‬Eric‭ ‬Saban‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬آباء‭ ‬اليوم‭ ‬ليسوا‭ ‬كآباء‭ ‬الأمس‭. ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬آباء‭ ‬اليوم‭ ‬يعاملون‭ ‬أبناءهم‭ ‬كمعاملة‭ ‬الدجاجة‭ ‬لصغارها،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬سماهم‭ ‬هو‭: ‬papas‭ ‬poules‮ ‬‭ ‬les،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬القرب‭ ‬والحنان‭ ‬وإبداء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تصرف‭ ‬الآباء‭ ‬إذا‭ ‬صادفتهم‭ ‬مشكلات‭ ‬عملية‭ ‬مع‭ ‬أبنائهم،‭ ‬فإنه‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استجوابات‭ ‬مباشرة‭ ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬آباء‭ ‬اليوم‭ ‬مستعدين‭ ‬لحمل‭ ‬أبنائهم‭ ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬الأمهات‭ ‬يفعلن‭ ‬لعصور‭ ‬مديدة‭. ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬يغيرون‭ ‬الحفاظات،‭ ‬ويصطحبون‭ ‬أبناءهم‭ ‬إلى‭ ‬الطبيب‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬رياض‭ ‬الأطفال‭. ‬

 

الأسباب

في‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬يصعب‭ ‬تحديد‭ ‬أسباب‭ ‬تغير‭ ‬أنماط‭ ‬العلاقات‭ ‬الأسرية،‭ ‬وتبادل‭ ‬الأدوار‭ ‬بين‭ ‬آباء‭ ‬الأمس‭ ‬وآباء‭ ‬اليوم،‭ ‬ولكن‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تجتمع‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬معينة،‭ ‬وقد‭ ‬تفترق‭ ‬في‭ ‬أخرى‭. ‬فمما‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭:‬

‭- ‬انتشار‭ ‬الوعي‭ ‬بثقافة‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬بين‭ ‬آباء‭ ‬اليوم‭ ‬مقارنة‭ ‬بآباء‭ ‬الأمس‭.‬

‭- ‬التخفف‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬الأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬العناية‭ ‬بالطفل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬نوع‭  ‬من‭ ‬الدونية‭ ‬والخضوع‭ ‬لسلطة‭ ‬المرأة‭.‬

‭- ‬خروج‭ ‬المرأة‭ ‬للعمل‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬بالأب‭ ‬إلى‭ ‬اقتحام‭ ‬عالم‭ ‬الأطفال‭ ‬غذاء‭ ‬وكساء‭ ‬وعناية‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬الجوانب‭.‬

‭- ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬الإعلام‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬للرجل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬إلا‭ ‬بالشؤون‭ ‬المادية‭ ‬للبيت،‭ ‬بينما‭ ‬تهتم‭ ‬المرأة‭ ‬بالشؤون‭ ‬الأخرى‭ ‬بمفردها‭ ‬بعدما‭ ‬أصبحت‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬ترى‭ ‬الإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬يحمل‭ ‬ابنه‭ ‬على‭ ‬صدره‭ ‬ويطعمه‭ ‬ويلبسه‭... ‬وهي‭ ‬داخلة‭ ‬في‭ ‬النظرية‭ ‬الخلدونية‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬المغلوب‭ ‬مولع‭ ‬بتقليد‭ ‬الغالب‭.‬

‭-‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إشباع‭ ‬غريزة‭ ‬الأبوة‭. ‬فالأب‭ ‬أيضاً‭ ‬بفطرته‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأبنائه‭ ‬والعناية‭ ‬بهم‭ ‬والخروج‭ ‬معهم‭ ‬واغتنام‭ ‬أوقات‭ ‬فراغه‭ ‬وعطله‭ ‬للتقرب‭ ‬إليهم‭ ‬وإشعارهم‭ ‬بوجوده،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يألو‭ ‬جهداً‭ ‬في‭ ‬الإحسان‭ ‬إليهم‭ ‬والبر‭ ‬بهم‭.‬‮ ‬

 

الأب‭ ‬السلطوي

لقد‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬الماضية‭ ‬صورة‭ ‬الأب‭ ‬السلطوي‭ ‬الذي‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬الأمور‭ ‬وأحداث‭ ‬المنزل،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬حركة‭ ‬أو‭ ‬سكون‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬إلا‭ ‬بأمره‭ ‬وعلى‭ ‬يديه‭. ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬ذكرنا‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬السلوك‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬ذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬56‭ ‬في‭ ‬المائة‭ - ‬لايزالون‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الرجل‭ ‬ثانوي‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬الأبناء،‭ ‬فإن‭ ‬الواقع‭ ‬يظهر‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬بدأت‭ ‬تختلف‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً،‭ ‬وأن‭ ‬آباء‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬انخراطاً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطفولة،‭ ‬وأنهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬يزاوجون‭ ‬
ذ‭ ‬وإن‭ ‬بنسب‭ ‬مختلفة‭ - ‬بين‭ ‬عملهم‭ ‬وهواياتهم‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬
وتخصيص‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أوقاتهم‭ ‬لأطفالهم‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬بمشاطرة‭ ‬الأمهات‭ ‬الأعباء‭ ‬والأفراح‭ ‬ومتعة‭ ‬التقرب‭ ‬والدنو‭ ‬من‭ ‬فلذات‭ ‬الأكباد‭ ‬