ثانيتان بعيداً عن الطريق

ثانيتان بعيداً عن الطريق

هي ظاهرة جديرة بالاهتمام لخطورتها ودورها المباشر في التسبب في عديد من الحوادث المرورية، ففي عصر وفرة وسائل التواصل الاجتماعي وإدمان البشر عليها، أصبح الحضور المستمر على صفحات «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«سناب شات» وبرامج أخرى تقدمها شركات الهواتف الذكية لمستخدميها مجاناً ضرورة ملحة خاصة لدى الشباب، ومع تزايد حالة هوس التصوير بالهاتف النقال ونشر الصور على صفحاتهم الشخصية، من دون مراعاة لمكان وجودهم، وبالأخص عند قيادة المركبات بلا حدود ولا ضوابط تحكمها، فهل الانشغال بالهواتف الذكية يساوي حياتنا؟ الجواب نعم... فتلك الثواني كفيلة لتكون الحد الفاصل بين الموت والحياة.

أظهرت‭ ‬دراسات‭ ‬عديدة‭ ‬أن‭ ‬الثانيتين‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬مقلة‭ ‬العين‭ ‬باتجاه‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬كانتا‭ ‬سبباً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬ينجم‭ ‬عنها‭ ‬الندم‭ ‬أو‭ ‬الإعاقة‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬أحياناً،‭ ‬وتوصل‭ ‬الباحثون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التحدث‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬بطء‭ ‬مرات‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬بين‭ ‬السائقين‭ ‬الشباب‭ ‬للمستويات‭ ‬الموجودة‭ ‬عند‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬وعليه‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الحكومات‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬وتدابير‭ ‬تشريعية‭ ‬استباقية،‭ ‬وإطلاق‭ ‬حملات‭ ‬للتوعية‭ ‬العامة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬السهو‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬القيادة‭.‬

ووفقاً‭ ‬لتقارير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬نحو‭ ‬1.25‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬يقضون‭ ‬نحبهم‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬نتيجة‭ ‬حوادث‭ ‬المرور،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬3000‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وقد‭ ‬حذرت‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السائقين‭ ‬الذين‭ ‬يستخدمون‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬يواجهون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬بأربع‭ ‬مرات‭ ‬تقريباً‭ ‬مخاطر‭ ‬التعرض‭ ‬لحوادث‭ ‬المرور‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بخاصية‭ ‬التحدث‭ ‬في‭ ‬الهاتف‭ ‬دون‭ ‬استخدام‭ ‬اليد،‭ ‬فإن‭ ‬استخدام‭ ‬السماعات‭ ‬بدلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬الوضع‭ ‬أفضل‭ ‬بسبب‭ ‬تشتت‭ ‬الذهن‭ ‬والحواس‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬أشياء‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭.   

ونشرت‭ ‬شركة‭ ‬التأمين‭ ‬العملاقة‭ ‬اليانس،‭ ‬دراسة‭ ‬بيّنت‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المخالفات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬بألمانيا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬1.3‭ ‬مليار‭ ‬مخالفة‭ ‬سنوياً‭. ‬بينما‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬14‭ ‬ولاية‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تمنع‭ ‬استخدام‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة،‭ ‬كما‭ ‬تمنع‭ ‬46‭ ‬ولاية‭ ‬التراسل‭ ‬النصي‭ ‬خلال‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭.‬

وتتسابق‭ ‬الدول‭ ‬لحصر‭ ‬المشكلة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬ووضع‭ ‬الحلول‭ ‬لها،‭ ‬وبرغم‭ ‬تباين‭ ‬الدراسات‭ ‬والإحصاءات‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬لآخر،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬جميعها‭ ‬متفق‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬الانشغال‭ ‬بالهاتف‭ ‬النقال‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬القيادة،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عواقبه‭ ‬مميتة،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و50‭ ‬مليوناً‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬يتعرضون‭ ‬سنوياً‭ ‬للإصابات‭ ‬وأحياناً‭ ‬للعجز‭ ‬بسبب‭ ‬تلك‭ ‬الحوادث،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬تصادم‭ ‬المركبات‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬1‭ ‬و3‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الإجمالي‭ ‬لبلدان‭ ‬العالم،‭ ‬ليصل‭ ‬الإجمالي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬500‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتلك‭ ‬الإحصاءات‭ ‬تثير‭ ‬قلقاً‭ ‬متنامياً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السلامة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭.‬

وقد‭ ‬أعد‭ ‬فريق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المعني‭ ‬بمجال‭ ‬السلامة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬خطة‭ ‬عالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬السلامة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬2011-2020‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬خطط‭ ‬العمل‭ ‬الوطنية‭ ‬والمحلية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الأنشطة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭. ‬وهي‭ ‬موجهة‭ ‬لجمهور‭ ‬عريض‭ ‬يشمل‭ ‬ممثلي‭ ‬الحكومات‭ ‬الوطنية‭ ‬والمحلية،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭  ‬والشركات‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬أنشطتها‭ ‬للعقد‭ ‬المقبل‭ ‬وفق‭ ‬الإطار‭ ‬العالمي‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬باتت‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬ضبط‭ ‬الأوضاع‭ ‬المرورية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬تفعيل‭ ‬قانون‭ ‬منع‭ ‬استخدام‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬القيادة‭ ‬وربط‭ ‬حزام‭ ‬الأمان،‭ ‬ويبدأ‭ ‬ذلك‭ ‬بإطلاق‭ ‬حملات‭ ‬للتوعية‭ ‬العامة‭ ‬بمخاطر‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬فهم‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬ومخاطر‭ ‬الحوادث‭ ‬المرورية‭ ‬المهلكة‭ ‬