مسيرة الاقتصاد الصيني وتحدياته

مسيرة الاقتصاد الصيني  وتحدياته

أشارت تقارير اقتصادية إلى أن الصين تمكنت خلال العام الماضي من تحقيق معدل نمو يعادل 6.7 في المائة. ولا شك في أن هذا المعدل هو ما سعت إليه الإدارة الاقتصادية في الصين بموجب مخططاتها المعلومة، بالرغم من أن هناك مراقبين يزعمون أن الحكومة الصينية تجمل البيانات للتأكيد على متانة اقتصادها وحسن أدائه.

ما‭ ‬يهم‭ ‬هو‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬ومدى‭ ‬تطورها‭ ‬بموجب‭ ‬المعايير‭ ‬العصرية‭ ‬وكيف‭ ‬هي‭ ‬انعكاساتها‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬ونوعية‭ ‬الحياة‭. ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الصين‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬1.4‭ ‬مليار‭ ‬نسمة‭ ‬يتوزعون‭ ‬على‭ ‬عشر‭ ‬مقاطعات،‭ ‬حيث‭ ‬يتراوح‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬المقاطعة‭ ‬بين‭ ‬43‭ ‬و108‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭.‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬آلاف‭ ‬دولار،‭ ‬ويتراوح‭ ‬بين‭ ‬6‭ ‬و14‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المقاطعات‭. ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ليست‭ ‬متكافئة،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬مقاطعات‭ ‬تتميز‭ ‬بالحيوية‭ ‬والانتعاش‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تظل‭ ‬المقاطعات‭ ‬الداخلية‭ ‬والبعيدة‭ ‬عن‭ ‬الساحل‭ ‬فقيرة‭ ‬نسبياً،‭ ‬ولايزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬يعانون‭ ‬الفقر‭ ‬وتدني‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬معطيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التفاوت‭ ‬يظل‭ ‬مفهوماً‭ ‬ومقبولاً،‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬البحار،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬تتمتع‭ ‬بميزات‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وتكون‭ ‬أكثر‭ ‬جذباً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭.‬

 

بداية‭ ‬الاشتراكية

يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬الصين‭ ‬الحديث‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1949،‭ ‬بعد‭ ‬انتصار‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬حكومة‭ ‬جانغ‭ ‬كاي‭ ‬شيك‭ ‬Chiang‭ ‬Kai‭ - ‬Shek،‭ ‬أو‭ ‬الحكومة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وقد‭ ‬أقرت‭ ‬الحكومة‭ ‬الشيوعية‭ ‬مراسيم‭ ‬وقوانين‭ ‬جعلت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬بأكمله‭ ‬يخضع‭ ‬لهيمنة‭ ‬الدولة،‭ ‬أو‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كان‭ ‬خاضعاً‭ ‬لنظام‭ ‬التخطيط‭ ‬الحكومي‭ ‬الموجه‭.‬

كانت‭ ‬الصين‭ ‬بعد‭ ‬انتصار‭ ‬الاشتراكية‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬سياسية‭ ‬صعبة،‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عداء‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬تهديداً‭ ‬لاستقلال‭ ‬البلاد،‭ ‬وعانت‭ ‬الصين‭ ‬اعتداءات‭ ‬اليابانيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يحكمون‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬استبدادي‭ ‬وتوسعي،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تنامت‭ ‬حال‭ ‬التوجس‭ ‬والاستنفار‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تحديداً‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬دخل‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬مع‭ ‬الهند‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬أموال‭ ‬كبيرة‭ ‬للإنفاق‭ ‬العسكري‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬عطل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الشمولي‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الأموال‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬عن‭ ‬توظيف‭ ‬أموالهم‭ ‬داخل‭ ‬البلاد،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تم‭ ‬تأميمها‭ ‬أو‭ ‬مصادرتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬لمصلحة‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭.‬

أما‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬خاضعاً‭ ‬لمتطلبات‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬وتعطلت‭ ‬التمويلات‭ ‬التقليدية،‭ ‬وبات‭ ‬نظام‭ ‬صرف‭ ‬العملة‭ ‬محكوماً‭ ‬بإجراءات‭ ‬بيروقراطية‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬معايير‭ ‬التبادل‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬العملة‭. ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬وحتى‭ ‬بداية‭ ‬عصر‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كان‭ ‬رهينة‭ ‬لتوجهات‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬المتطرفة‭ ‬والمعادية‭ ‬لنشاط‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭.‬

مر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬بمراحل‭ ‬متنوعة،‭ ‬كانت‭ ‬الأولى‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬حتى‭ ‬1952‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬التعافي‭ ‬من‭ ‬أوزار‭ ‬وتبعات‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭. ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬اعتمـاد‭ ‬خطة‭ ‬تنمية‭ (‬1953‭ ‬ذ‭ ‬1957‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬الخطة‭ ‬الأولى‭. ‬واعتمدت‭ ‬فلسفة‭ ‬الخطة‭ ‬وبرامجها‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬قاعدة‭ ‬صناعية‭ ‬مهمة،‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬إلى‭ ‬الصناعة‭ ‬الثقيلة‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الخطة‭ ‬أكدت‭ ‬تبني‭ ‬الاشتراكية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتبني‭ ‬النموذج‭ ‬السوفييتي‭. ‬وحاول‭ ‬المخططون‭ ‬تحقيق‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالية‭ ‬للارتقاء‭ ‬بمستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬وتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬كذلك‭ ‬شملت‭ ‬برامج‭ ‬الخطة‭ ‬تحويل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الزراعي‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬متطور‭ ‬وتأسيس‭ ‬التعاونيات‭ ‬الزراعية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الإقطاعي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جرى‭ ‬اعتماد‭ ‬قانون‭ ‬للإصلاح‭ ‬الزراعي‭. ‬وشملت‭ ‬أنظمة‭ ‬تجميع‭ ‬المزارع،‭ ‬collectives،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬93.5‭ ‬من‭ ‬الملكيات‭ ‬الزراعية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬عام‭ ‬1957‭.‬

وتمكنت‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬زراعة‭ ‬القمح،‭ ‬وارتفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬بمعدل‭ ‬سنوي‭ ‬قارب‭ ‬الـ‭ ‬4‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬أما‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬تطورات‭ ‬معقولة،‭ ‬حيث‭ ‬تحسن‭ ‬إنتاج‭ ‬الأسمنت،‭ ‬بعد‭ ‬زيادة‭ ‬الطلب‭ ‬نتيجة‭ ‬للتوسع‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الإنشائي‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وزاد‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬البلاد،‭ ‬لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحسن‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قيادة‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج‭ ‬مقتنعة‭ ‬بما‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭.‬

 

القفزة‭ ‬العظيمة‭ ‬للأمام

اعتمدت‭ ‬القيادة‭ ‬الصينية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الخطة‭ ‬الخمسيــة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬خطــة‭ ‬جديدة‭ ‬للأعـوام‭ ‬من‭ ‬1958‭ ‬إلى‭ ‬1960‭ ‬أطلـق‭ ‬عليها‭ ‬خطـة‭ ‬القفـزة‭ ‬العظيمــة‭ ‬للأمــام‭ ‬Great‭ ‬Leap‭ ‬Forward،‭ ‬وأكدت‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬نقل‭ ‬الصلاحيات‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬المقاطعات،‭ ‬وأصبح‭ ‬لدى‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج‭ ‬اقتناع‭ ‬بأن‭ ‬النموذج‭ ‬السوفييتي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صالحاً‭ ‬للتطبيق‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬افترضت‭ ‬فلسفة‭ ‬البرنامج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الجديد‭ ‬تعاون‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬ورفع‭ ‬الكفاءة‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭. ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مشكلات‭ ‬هيكلية‭ ‬واضحة،‭ ‬أهمها‭ ‬الافتقار‭ ‬لرأس‭ ‬المال‭ ‬اللازم‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القطاعات‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭. ‬واعتمدت‭ ‬الإدارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬تكثيف‭ ‬العمالة‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الجديدة‭ ‬تعويضاً‭ ‬عن‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬اللازم،‭ ‬ووظفت‭ ‬تقنيات‭ ‬بدائية‭ ‬في‭ ‬منشآت‭ ‬صغيرة‭. ‬وتم‭ ‬نقل‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الزراعيين‭ ‬إلى‭ ‬المراكز‭ ‬الصناعية‭ ‬لتوظيفهم‭ ‬في‭ ‬الصناعات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬افترض‭ ‬المسؤولون‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬العمال‭ ‬فائضون‭ ‬عن‭ ‬احتياجات‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الزراعة،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬الحماس‭ ‬السياسي‭ ‬والتعبئة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬يرتقي‭ ‬بمستويات‭ ‬الإنتاج،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬المشاريع‭ ‬بموجب‭ ‬معايير‭ ‬وشروط‭ ‬فنية‭ ‬ملائمة،‭ ‬وهكذا‭ ‬تراجع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي،‭ ‬وواجهت‭ ‬الصين‭ ‬مجاعة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المناطق،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وفاة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1958‭ ‬و1961‭.‬

وقد‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الحكومة‭ ‬باستيراد‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬عطل‭ ‬استيراد‭ ‬المعدات‭ ‬الصناعية‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مستلزمات‭ ‬القطاع‭ ‬الصناعي‭. ‬وقد‭ ‬تبنت‭ ‬الحكومة‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الأزمة‭ ‬تدابير‭ ‬لرفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬لمواجهة‭ ‬الطلب‭ ‬المتزايد‭ ‬من‭ ‬السكان‭.‬

 

الثورة‭ ‬الثقافية

لكن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬الصين‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬اقتصادية‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نتجت‭ ‬عما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬لعقد‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1966‭ ‬و1976،‭ ‬والتي‭ ‬تبناها‭ ‬اليسار‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭.‬

كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭ ‬تغيير‭ ‬مفاهيم‭ ‬وقيم‭ ‬المواطنين‭ ‬وتحريرهم‭ ‬من‭ ‬النزعات‭ ‬‮«‬البرجوازية‮»‬،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬شغب‭ ‬واعتداءات‭ ‬واعتقالات‭ ‬عطل‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المنشآت،‭ ‬وتأثرت‭ ‬منشآت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والمناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬بشكل‭ ‬مهم‭. ‬كما‭ ‬برزت‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬نزعات‭ ‬انعزالية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬استيراد‭ ‬المعدات‭ ‬والسلع‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭.‬

وأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المدارس‭ ‬والمعاهد‭ ‬والجامعات‭ ‬تعطلت،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬افتقار‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الكفاءات‭ ‬المتعلمة،‭ ‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬توقف‭ ‬الاستيعاب‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬التقنية‭ ‬والفنية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬متقدمة‭. ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الراحل‭ ‬شوان‭ ‬لاي‭ ‬Zhou‭ ‬Enlai‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها،‭ ‬واستعان‭ ‬بالجيش‭ ‬لدعم‭ ‬القانون‭ ‬والنظام،‭ ‬وتدريجياً‭ ‬تم‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬اللجان‭ ‬الثورية‭ ‬وتأكيد‭ ‬دور‭ ‬المراكز‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وتمت‭ ‬إعادة‭ ‬المهنيين‭ ‬والتكنوقراطيين‭ ‬والمتعلمين،‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭. ‬وتمكنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬بعد‭ ‬أواسط‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬أجنبية‭ ‬لتنشيط‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمارية‭. ‬وأدت‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬إلى‭ ‬تدفقات‭ ‬استثمارية‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية‭ ‬وتوقيع‭ ‬عقود‭ ‬للبناء‭ ‬واستخراج‭ ‬النفط‭ ‬وبناء‭ ‬مصانع‭ ‬للأسمدة‭ ‬والحديد‭ ‬والصلب،‭ ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬من‭ ‬1970‭ ‬إلى‭ ‬1974‭ ‬تمكنت‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬قدر‭ ‬بـ‭ ‬8‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنوياً‭.‬

 

تحديد‭ ‬النمو‭ ‬السكاني

بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضح‭ ‬للقيادة‭ ‬الصينية‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬السكان‭ ‬المتزايدة‭ ‬سوف‭ ‬تشكل‭ ‬أكبر‭ ‬المشكلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬تقرر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬تبني‭ ‬خطة‭ ‬لتنظيم‭ ‬النمو‭ ‬الطبيعي‭ ‬للسكان،‭ ‬باعتماد‭ ‬سياسة‭ ‬الطفل‭ ‬الواحد‭ ‬للأسرة‭. ‬ويذكر‭ ‬المسؤولون‭ ‬الحاليون‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬زيادة‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بنحو‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الدارسين‭ ‬يؤكدون‭ ‬أن‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬كان‭ ‬نتيجة‭ ‬لمعطيات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬تطورات‭ ‬حضرية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬تايلند‭ ‬وإيران‭ ‬ومقاطعات‭ ‬عديدة‭ ‬متحضرة‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬مثل‭ ‬كيرالا،‭ ‬ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬السياسة‭ ‬أدت‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬قسوتها‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مفاهيم‭ ‬الأسرة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬هـو‭ ‬الارتقاء‭ ‬بمستويات‭ ‬المعيشة،‭ ‬وتمكين‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادية‭ ‬ملائمة‭.‬

 

مرحلة‭ ‬جديدة

بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الزعيم‭ ‬التاريخي‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬وبعد‭ ‬اعتقال‭ ‬عصابة‭ ‬الأربعة،‭ ‬قيادة‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية،‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬تقرر‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1977‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للقيادات‭ ‬الحزبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطالب‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬المغامرات،‭ ‬ولذلك‭ ‬تمكن‭ ‬دينج‭ ‬زوا‭ ‬بنج‭ ‬Deng‭ ‬Xiaping‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬خطط‭ ‬لتحديث‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والتي‭ ‬سبق‭ ‬لشوان‭ ‬لاي‭ ‬أن‭ ‬تبناها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975‭.‬‭ ‬وتعتمد‭ ‬تلك‭ ‬الخطط‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬إدارية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬المديرين‭ ‬التنفيذيين‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القيادات‭ ‬الحزبية‭. ‬كما‭ ‬اعتمدت‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬مبدأ‭ ‬التحفيز‭ ‬المادي‭ ‬للعاملين‭ ‬بهدف‭ ‬رفع‭ ‬معدلات‭ ‬الإنتاجية‭. ‬كذلك‭ ‬اعتمدت‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬للصرف‭ ‬على‭ ‬البحوث‭ ‬والتطوير‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي،‭ ‬وزيادة‭ ‬أعداد‭ ‬الطلبة‭ ‬المبتعثين‭ ‬لتلقي‭ ‬العلم‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭.‬‭ ‬أيضاً،‭ ‬قامت‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة‭ ‬بتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأوربا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭. ‬وتم‭ ‬تأكيد‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬خطة‭ ‬تنمية‭ ‬طموحة‭ ‬أمدها‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ (‬1976‭ - ‬1985‭) ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬مؤتمر‭ ‬الشعب‭ ‬الوطني‭ ‬الخامس‭ ‬خلال‭ ‬شهري‭ ‬فبراير‭ ‬ومارس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬ويمثل‭ ‬المؤتمر‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬وقد‭ ‬طرح‭ ‬في‭ ‬الخطة‭ ‬المذكورة‭ ‬أهدافاً‭ ‬لرفع‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬التحويلية‭ ‬والزراعة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استيراد‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬وتخصيص‭ ‬أموال‭ ‬مهمة‭ ‬لذلك‭. ‬وبدأ‭ ‬حصاد‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬التالية،‭ ‬وأخذت‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬بالتحسن‭ ‬التدريجي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭.‬

 

تحولات‭ ‬مهمة

منذ‭ ‬نهاية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬ثقلاً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬بالإمكان‭ ‬تجاهل‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬تجارية‭ ‬أو‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تدفقات‭ ‬استثمارية‭ ‬مباشرة‭. ‬وأكد‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬بعد‭ ‬الاجتماع‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬للجنة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1978‭ ‬الانعتاق‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬العقائدية‭ ‬القديمة‭ ‬والشروع‭ ‬بتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬إصلاح‭ ‬اقتصادية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬البرامج‭ ‬تجميلية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬بنيوية‭ ‬وأساسية،‭ ‬وأكدت‭ ‬البرامج‭ ‬طلاقاً‭ ‬بائناً‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونج،‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬نظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬يتسم‭ ‬بالكفاءة‭ ‬وحسن‭ ‬الأداء‭.‬

بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لم‭ ‬يزعم‭ ‬قياديو‭ ‬الحزب‭ ‬أنهم‭ ‬سيتخلون‭ ‬عن‭ ‬مبادئ‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬ولكنهم‭ ‬طرحوا‭ ‬ما‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليه‭ ‬دور‭ ‬السوق‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إنجاز‭ ‬أهداف‭ ‬الاشتراكية‭ ‬وأبدوا‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتقليص‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وتم‭ ‬تأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬الصادرات‭ ‬لتحصيل‭ ‬إيرادات‭ ‬بالعملات‭ ‬الصعبة،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬احتياطيات‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬المتطلبات‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬والبضائع‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استيرادها‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وتوظيف‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬حيوية‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭. ‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬وتوفير‭ ‬الغذاء‭ ‬والمواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الأساسية‭.‬

وظهرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬التطورات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬قيمة‭ ‬الصادرات‭ ‬والواردات‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬إلى‭ ‬35‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1986‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬السماح‭ ‬للمستثمرين‭ ‬الأجانب‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬صناعية‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬قد‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬التصديرية‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

 

سياسات‭ ‬جديدة

بعد‭ ‬أن‭ ‬انطلق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وتعزز‭ ‬الأداء‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬الإدارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬باتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬مهمة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التضخم‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التوسع‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬النمو،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬عام‭ ‬1999م‭ ‬1.25‭ ‬مليار‭ ‬نسمة‭. ‬وأصبح‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬السنوي‭ ‬3.800‭ ‬دولار،‭ ‬وأصبح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الاقتصادات‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬لكن‭ ‬مستوى‭ ‬الدخل‭ ‬ظل‭ ‬متواضعاً‭ ‬لبلد‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬صناعياً‭ ‬وزراعياً‭ ‬وفي‭ ‬اقتصاد‭ ‬الخدمات‭. ‬وكما‭ ‬أشرنا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬فإن‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬السنوي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬دولار‭. ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬ناتج‭ ‬محلي‭ ‬إجمالي‭ ‬مهم‭ ‬يؤهلها‭ ‬لتبوء‭ ‬موقع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الثاني‭ ‬عالمياً‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬تواجه‭ ‬مشكلات‭ ‬عميقة‭ ‬وأساسية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتحرير‭ ‬الأسواق‭ ‬وعمليات‭ ‬التجارة‭ ‬والتملك‭ ‬لم‭ ‬يواكبه‭ ‬تطوير‭ ‬مؤسسي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬والعمل‭ ‬المصرفي‭ ‬والأسواق‭ ‬المالية‭. ‬فمثلاً‭ ‬ظلت‭ ‬البلدان‭ ‬الرئيسة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬المهمة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬تطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬وملاحظات‭ ‬حول‭ ‬أساليب‭ ‬تحديد‭ ‬سعر‭ ‬‮«‬اليوان‮»‬‭ (‬العملة‭ ‬الصينية‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الشعور‭ ‬بأن‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬تعتمد‭ ‬تخفيض‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬أسواق‭ ‬تصديرية‭ ‬لسلعها‭ ‬وبضائعها‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أنظمة‭ ‬البنوك‭ ‬متوائمة‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭ ‬الدولي‭ ‬ومعايير‭ ‬‮«‬بازل‮»‬،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬المطالبات،‭ ‬ومازالت،‭ ‬تؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬تعديل‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬للارتقاء‭ ‬بعمل‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشفافية‭.‬

 

معالجات‭ ‬مستحقة

بالرغم‭ ‬من‭ ‬انبهار‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والمواطنين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬النامية،‭ ‬بالتطورات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لمعالجة‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬الرئيسة،‭ ‬حيث‭ ‬يقدر‭ ‬المختصون‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬35‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الصين‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬خط‭ ‬الفقر،‭ ‬أي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬دولارين‭ ‬للفرد‭ ‬يومياً‭. ‬كذلك‭ ‬هناك‭ ‬نسبة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬تعدوا‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬للمسنين‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تؤكد‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬تعاني‭ ‬مشكلات‭ ‬التلوث‭ ‬الصناعي‭. ‬وأكدت‭ ‬وكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للبيئة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬إنسان‭ ‬يموتون‭ ‬سنوياً‭ ‬نتيجة‭ ‬للتلوث‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬عوادم‭ ‬السيارات‭ ‬والمصانع‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مليون‭ ‬صيني‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموتى‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الفحم‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬تلويثاً‭ ‬للبيئة‭. ‬وقد‭ ‬اضطرت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭ ‬لإغلاق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬ووقف‭ ‬تدفق‭ ‬السيارات‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬مدينة‭.‬

إذاً‭ ‬فالصين‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬نتائج‭ ‬التطورات‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬اقتصادها‭ ‬والتوسع‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية،‭ ‬وأن‭ ‬تقوم‭ ‬بتوفير‭ ‬الأموال‭ ‬لتهيئة‭ ‬بيئة‭ ‬نظيفة‭ ‬صالحة‭ ‬للحياة‭. ‬ولا‭ ‬ريب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬بأن‭ ‬يواكب‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الارتقاء‭ ‬بنوعية‭ ‬الحياة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الفقر‭ ‬ورفع‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭.‬

غني‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬مؤهلة‭ ‬لمواجهة‭ ‬استحقاقات‭ ‬التطور‭ ‬ومعالجة‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬الناتجة‭ ‬عنه،‭ ‬فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬نظام‭ ‬تعليمي‭ ‬متميز،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬جامعات‭ ‬كبرى‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الجامعات‭ ‬حسب‭ ‬المقاييس‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الصارمة‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬تنظيم‭ ‬الأسرة‭ ‬مكنت‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬السكاني،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬0.43‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العمر‭ ‬الوسيط‭ ‬Median‭ ‬Age‭ ‬هو‭ ‬37‭ ‬عاماً،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬نصف‭ ‬السكان‭ ‬يقعون‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬العمر،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الصيني‭ ‬مازال‭ ‬شاباً‭ ‬لدرجة‭ ‬ما،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬تعدت‭ ‬أعمارهم‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭ ‬عاماً‭ ‬يمثلون‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬مرتفعة‭ ‬نسبياً‭.‬

وفي‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬كانت‭ ‬مفيدة‭ ‬للإدارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لإنجاز‭ ‬المعالجات‭ ‬الضرورية‭ ‬التي‭ ‬تجاهلتها‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭. ‬ويمكن‭ ‬للأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬مناخات‭ ‬مناسبة‭ ‬للإصلاح‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬يتعين‭ ‬تحفيز‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬ورفع‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الداخلية،‭ ‬وإنجاز‭ ‬مشاريع‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأقاليم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأموال‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬توافرت‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬أو‭ ‬التصدير،‭ ‬التي‭ ‬وظفت‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬أجنبية‭ ‬وتقدر‭ ‬قيمتها‭ ‬بـ‭ ‬5.9‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار،‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬11‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭.‬

ويمكن‭ ‬توظيف‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬لتحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وتطوير‭ ‬مناطق‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭. ‬لكن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬يظل‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ومحركاً‭ ‬حيوياَ‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬