أمين الريحاني... فلسفة إنسانية رائدة للتغييـر العربي

أمين الريحاني... فلسفة إنسانية رائدة للتغييـر العربي

«يجب أن تكون الروح حرة، والعقل، قبل أن نستحق حكومة حرة، ونتمتع بالمساواة في الحقوق والواجبات...».
«الثورة السياسية يجب أن تسبقها دائماً ثورة روحية، ليكون فعلها دائماً وثابتاً».

هكذا‭ ‬منذ‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬رأى‭ ‬أمين‭ ‬الريحاني‭ ‬حركات‭ ‬التحرّر‭ ‬في‭ ‬زمانه‭. ‬رأي‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬خالد‭ (‬1911‭)‬،‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬يؤلفه‭ ‬عربي‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وفي‭ ‬كتاباته‭ ‬الأخرى‭ ‬وخطبه‭ ‬بالعربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتطور‭ ‬والاستقلال‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭. ‬

كان‭ ‬الريحاني‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬روّاد‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭. ‬ومازال‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬وأعماله‭ ‬وفكره‭ ‬وأدبه،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬مائة‭ ‬سنة،‭ ‬نموذجاً‭ ‬للمفكــﱢـــرين‭ ‬الفاعلين،‭ ‬المثقِّفين‭ ‬والمثقفين،‭ ‬الذين‭ ‬نتطلع‭ ‬إليهم‭ ‬‮«‬لإعادة‭ ‬تصويب‭ ‬البوصلة‮»‬‭ (‬كلوفيس‭ ‬مقصود،‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ص13‭)‬،‭ ‬ولإحداث‭ ‬التغيير‭ ‬المنشود‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭. ‬

ككاتب‭ ‬ومفكــﱢـــر‭ ‬فعّال‭ ‬في‭ ‬عصره‭ ‬وبيئته،‭ ‬انشغل‭ ‬الريحاني‭ ‬بقضايا‭ ‬الشعوب‭ ‬والمجتمعات‭ ‬التي‭ ‬انتمى‭ ‬إليها‭. ‬هجرته‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكّرة،‭ ‬وتحرّكه‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬وتثقُّفه‭ ‬بثقافاتهما‭ ‬التي‭ ‬استفاد‭ ‬منها‭ ‬وانتقدها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬جميعها‭ ‬وثَّقت‭ ‬علاقته‭ ‬بالعالمين‭ ‬العربي‭ ‬والغربي‭. ‬فالتزم،‭ ‬بالقول‭ ‬والفعل،‭ ‬بخدمتهما‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إنساني‭ ‬شامل‭. ‬انتماء‭ ‬الريحاني‭ ‬الغربي‭ ‬لم‭ ‬يزعزع‭ ‬يوماً‭ ‬ولاءه‭ ‬للوطن‭ ‬العربي‭ ‬والتزامه‭ ‬بخدمة‭ ‬العرب‭ ‬والإنسانية‭ ‬جمعاء‭. ‬بالعكس،‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬أهله‭ ‬ووطنه‭ ‬الأول‭ ‬زادته‭ ‬إصراراً‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬قضاياهم‭ ‬والنضال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحق‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭. ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬كمفكــﱢـــر‭ ‬وناشط‭ ‬عربي‭ ‬يعتزّ‭ ‬بجنسيته‭ ‬الأمريكية‭ ‬المكتسبة،‭ ‬ارتحل‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ (‬1922‭-‬1923‭) ‬لــ«تمهيد‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬التفاهم‮»‬‭ ‬بين‭ ‬العرب‭. ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ (‬بين‭ ‬1929‭ ‬و1939‭) ‬كان‭ ‬أول‭ ‬عربي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬منابر‭ ‬الجمعيات‭ ‬والجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬مدافعاً‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ومحذراً‭ ‬من‭ ‬‮«‬نكبة‭ ‬فلسطين‭ ‬بالصهيونية‮»‬‭ (‬المغرب‭ ‬الأقصى‭)‬،‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭. ‬

تحرُّك‭ ‬الريحاني‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬نـمّى‭ ‬شخصيته‭ ‬في‭ ‬خطين‭ ‬متوازيين‭: ‬انفتاح‭ ‬فاعِل‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬والتزام‭ ‬فعلي‭ ‬بالقضايا‭ ‬العربية‭.‬‭ ‬فَتَنَته‭ ‬الحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬فسألها‭: ‬‮«‬متى‭ ‬تحوّلين‭ ‬وجهك‭ ‬نحو‭ ‬الشرق‭ ‬أيتها‭ ‬الحرية؟‮»‬،‭  ‬لكن‭ ‬استبداد‭ ‬الرأسمالية‭ ‬ومساوئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الليبرالية،‭ ‬كما‭ ‬خبِـرها‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬أقلقته‭. ‬فانتقد‭ ‬تمدّن‭ ‬الغرب‭ ‬المؤسِّس‭ ‬على‭ ‬‮«‬الاستئثار‮»‬‭ ‬و«روح‭ ‬التجارة‭ ‬الخبيثة‮»‬‭ (‬الريحانيّات‭). ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬نبهه‭ ‬تفاعُله‭ ‬مع‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬والمهجر‭ ‬إلى‭ ‬مشكلات‭ ‬التخلّف‭ ‬والجهل‭ ‬والتعصّب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وإلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬ومصير‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭. ‬فالتزم‭ ‬فكرياً‭ ‬وفعلياً‭ ‬ببرنامج‭ ‬للعمل‭ ‬الدؤوب‭. ‬كتب‭ ‬المقالات‭ ‬وألقى‭ ‬المحاضرات‭ ‬ونشر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬أدبية‭ ‬جديدة‭ ‬وكتب‭ ‬باللغتين‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬فكرية‭ ‬متنوعة‭. ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬مفكــﱢـر‭ ‬عربي‭ ‬ثنائي‭ ‬اللغة‭ ‬وأول‭ ‬كاتب‭ ‬باللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬الأمريكي‭.‬

لحكمته‭ ‬ومعرفته‭ ‬الموسوعية‭ ‬لقّب‭ ‬الريحاني‭ ‬في‭ ‬زمانه‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬فيلسوف‭ ‬الفريكة‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬بتصوّره‭ ‬لمجتمع‭ ‬متكافئ‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الحرية‭ ‬والحق‭ ‬والعدالة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبجهادِه‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬ارتفع‭ ‬الريحاني‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكــﱢـــرين‭ ‬العالميين‭ ‬الذين‭ ‬أعجب‭ ‬بهم‭ ‬أمثال‭ ‬أبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭ ‬وتولستوي‭. ‬

وضع‭ ‬الريحاني‭ ‬لنفسه‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬قل‭ ‬كلمتك‭ ‬وامْشِ‮»‬‭ ‬وعاش‭ ‬بموجبه‭. ‬كتب‭ ‬سنة‭ ‬1935،‭ ‬‮«‬هدفي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭: ‬أن‭ ‬أبذل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬طاقتي‭ ‬كتابة‭ ‬وخطابة‭ ‬وعملاً‭ ‬لتحرير‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الجهل‭ ‬والفقر‭ ‬والخوف،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الآلام‭ ‬البشرية‭ ‬وإزالة‭ ‬الأوهام‭ ‬والأضاليل‭ ‬في‭ ‬العقائد‭ ‬والتعاليم‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والدينية‭. ‬ووسيلتي‭ ‬إليه‭: ‬الفكر‭ ‬الحر‭ ‬والبحث‭ ‬الحر‭ ‬والقول‭ ‬الحر‭ ‬مجرداً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تحزب‭ ‬وتعصب‭ ‬وأهواء‭ ‬شخصية‮»‬‭ (‬الريحانيّات‭).‬

في‭ ‬غايته‭ ‬وأسلوبه،‭ ‬تميّز‭ ‬الريحاني‭ ‬المفكــﱢـــر‭ ‬الفاعِل‭ ‬عن‭ ‬مفكــﱢـــري‭ ‬زمانه،‭ ‬وكثيرين‭ ‬من‭ ‬مثقِّفي‭ ‬عصرنا‭. ‬وما‭ ‬يتفرّد‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬رغبته‭ ‬الصادقة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬البشرية‭ ‬رافقتها‭ ‬ثقة‭ ‬أكيدة‭ ‬بالنفس‭ ‬وشعور‭ ‬بالواجب‭ ‬لانتقاد‭ ‬ثقافتي‭ ‬ومجتمعي‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬لكشف‭ ‬عيوبهما‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬حسنات‭ ‬كل‭ ‬منهما‭. ‬النقد‭ ‬المزدوج‭ ‬البنّاء،‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬حضارية‭ ‬كالتساهل‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬فكرة‭ ‬التقدم‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬عند‭ ‬الريحاني‭ ‬مع‭ ‬إرهاصات‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬ولآخر‭ ‬أيامه،‭ ‬بقي‭ ‬مؤمناً‭ ‬بأن‭ ‬التبادل‭ ‬الحضاري‭ ‬هو‭ ‬السبيل‭ ‬الأضمن‭ ‬ليحقق‭ ‬العرب‭ ‬التقدم‭ ‬المنشود‭ ‬ويفوزوا‭ ‬بمعركة‭ ‬الحضارة،‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬ومع‭ ‬الأمم‭ ‬الشرقية‭ ‬الأخرى‭ (‬إيران‭ ‬مثلاً‭) ‬ومع‭ ‬الغرب‭ (‬القوميّات‭). ‬

بأسلوبه‭ ‬الجريء‭ ‬انتقد‭ ‬الريحاني‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬معوّقاً‭ ‬لمسيرة‭ ‬التقدم‭. ‬انتقد‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التعصّب‭ ‬الديني‭ ‬والطائفي‭ ‬والمذهبي‭ ‬والقبلي‭ ‬والإقليمي‭. ‬هاجم‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوربي‭ (‬أعظم‭ ‬النكبات‭ ‬التي‭ ‬ألـمّت‭ ‬بالعرب‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬الحديث‭)‬،‭ ‬وانتقد‭ ‬خطاب‭ ‬الاستشراق‭ ‬الاستعلائي‭ ‬ومدارس‭ ‬الإرساليات‭ ‬الأجنبية‭. ‬كما‭ ‬استنكر‭ ‬تشرذم‭ ‬العرب‭ ‬وخضوعهم‭ ‬لسياسات‭ ‬التفرقة‭ ‬الاستعمارية‭. ‬الظلم‭ (‬بحق‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭) ‬والجهل‭ ‬والتخلّف‭ ‬والانشطارات‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬كلها‭ ‬شدّدت‭ ‬من‭ ‬عزمه‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬والالتزام‭ ‬بالقضايا‭ ‬الوطنية‭. ‬

أود‭ ‬التوقف‭ ‬هنا‭ ‬عند‭ ‬دفاع‭ ‬الريحاني‭ ‬الشجاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومناشدته‭ ‬الملوك‭ ‬والرؤساء‭ ‬العرب‭ ‬الوقوف‭ ‬بوجه‭ ‬المخططات‭ ‬الصهيونية‭. ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬ليرى‭ ‬النكبة‭ ‬التي‭ ‬حذّر‭ ‬منها‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تقديرنا‭ ‬لجهوده‭ ‬الفكرية‭ ‬والفعلية،‭ ‬خاصة‭ ‬فهمه‭ ‬المتعمّق‭ ‬للأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وتحذيره‭ ‬من‭ ‬انقسامات‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ورؤيته‭ ‬الواضحة‭ ‬للسلام‭ ‬العالمي‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

أدرك‭ ‬الريحاني‭ ‬بدقة‭ ‬ملاحظته‭ ‬أن‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يعيق‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬الانقسامات‭ ‬التي‭ ‬تشجعها‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬فرّق‭ ‬تَسُد‮»‬‭ ‬الاستعمارية‭. ‬وأيقن‭ ‬أن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭. ‬نادى‭ ‬ببناء‭ ‬مجتمع‭ ‬عربي‭ ‬موحّد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬كالمساواة‭ (‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬والأديان‭ ‬وبين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭)‬،‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬والحرية‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المشروعة‭. ‬بذل‭ ‬جهداً‭ ‬جبّاراً‭ ‬لمساعدة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬والوحدة‭. ‬وحثّهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬مباشرة‭ ‬حوار‭ ‬ثقافي‭ ‬فاعل‭ ‬وبنّاء‭ (‬قائم‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الحق‭ ‬والعدالة‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭) ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬أولاً‭ ‬ومع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬ثانياً‭. ‬

أصرّ‭ ‬الريحاني‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬الحقيقي‭ ‬مستحيل‭ ‬خارج‭ ‬الوحدة؛‭ ‬وهذه‭ ‬مستحيلة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تحل‭ ‬الهوية‭ ‬الشاملة‭ ‬محلّ‭ ‬الهويات‭ ‬الضيقة‭. ‬فناشد‭ ‬العرب‭ ‬تنمية‭ ‬الروح‭ ‬الوطنية‭ ‬القومية‭ ‬غير‭ ‬الدينية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الولاءات‭ ‬الطائفية‭ ‬والمحلية‭ ‬والقبلية‭. ‬هذه‭ ‬الروح‭ ‬الجامعة‭ ‬هي‭ ‬العروبة‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬مع‭ ‬التعليم‭ ‬‮«‬العَلماني‮»‬‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬وطنية‭ ‬‮«‬عَلمانية‮»‬‭ ‬للبنين‭ ‬والبنات‭ (‬القوميّات‭). ‬العروبة‭ ‬وحدها‭ (‬وهي‭ ‬عنده‭ ‬فكرة‭ ‬ثقافية‭ ‬لا‭ ‬عرقية‭ ‬ولا‭ ‬دينية‭)‬‭ ‬تمنح‭ ‬الأقليات‭ ‬حق‭ ‬المواطنة‭ ‬وتؤسس‭ ‬لدولة‭ ‬يتساوى‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭. ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬والشؤون‭ ‬الزمنية،‭ ‬رأى‭ ‬الريحاني‭ ‬الحل‭ ‬لمشكلة‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والإثنية‭ ‬التي‭ ‬استغلتها‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬لاستعمار‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭. ‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬تصوّر‭ ‬الريحاني‭ ‬العملي‭ ‬والديناميكي‭ ‬للوحدة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اشترط‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬تدريجياً‭ ‬وأن‭ ‬تحترم‭ ‬حرية‭ ‬وإرادة‭ ‬ومصالح‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬المعنية‭ ‬بالوحدة،‭ ‬وأن‭ ‬يتناسب‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬ظروف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وخصوصياتها‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬رأى‭ ‬لزوم‭ ‬تطوير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السياسية‭ (‬الملكية‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬ونظام‭ ‬برلماني‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬ولبنان‭)‬؛‭ ‬وتنمية‭ ‬الطاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭ ‬بالتربية‭ ‬والتعليم‭. ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بمبادئ‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬التي‭ ‬أصرّ‭ ‬الريحاني‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬شروط‭ ‬جوهرية‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬الجديدة‭. ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬رؤية‭ ‬الريحاني‭ ‬الإنسانية‭ ‬للقومية‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬رائد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬العربي‭ ‬القومي‭ ‬المعاصر‭.‬

لابد‭ ‬أن‭ ‬نسأل،‭ ‬ونحن‭ ‬نواجه‭ ‬تحدّيات‭ ‬التغيير‭ ‬والأزمات‭ ‬المصيرية‭ ‬الوجودية،‭ ‬ماذا‭ ‬نتعلّم‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬الريحاني‭ ‬منذ‭ ‬مائة‭ ‬عام؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬رؤيته‭ ‬المنفتحة‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬والشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬بديلة‭ ‬لأيديولوجيا‭ ‬التطرف،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬والمذهبي‭ ‬والطائفي،‭ ‬أو‭ ‬خطاب‭ ‬‮«‬صراع‭ ‬الحضارات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يروّج‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬المستشرقين‭ ‬والاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬وكذلك‭ ‬مواقفه‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬التدخل‭ ‬الغربي‭ ‬والهيمنة‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الريحاني‭ ‬اجتهد‭ ‬فكراً‭ ‬وفعلاً‭ ‬لمساعدة‭ ‬العرب‭ ‬لبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي‭ ‬حرّ‭ ‬بمساعدة‭ ‬غربية‭ (‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والإدارة‭). ‬لكنه‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وبالأخص‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬ذواتهم‭. ‬

في‭ ‬محاضرة‭ ‬أمام‭ ‬جمهور‭ ‬أميركي‭ ‬مثقف‭ (‬1930‭)‬،‭ ‬حذّر‭ ‬الريحاني‭ ‬الغربيين‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬مفهومهم‭ ‬للحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنمو‭ ‬قدراتهم‭ ‬الفكرية‭ ‬‭... ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬فرض‭ ‬التغيير‭ ‬عليهم‭ ‬بالقوة‮»‬‭.‬

وشدّد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭ ‬هو‭ ‬‮«‬التفاهم‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬‮«‬بغضِّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الطبقة‭ ‬أو‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬اللون‮»‬‭ (‬Rihani‭,‬‭ ‬The‭ ‬White‭ ‬Way‭ ‬and‭ ‬the‭ ‬Desert‭). ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬انشغل‭ ‬الريحاني‭ ‬بتفعيل‭ ‬الدور‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬الثقافي‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ (‬وهو‭ ‬الهم‭ ‬الرئيس‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المفكــﱢـــرين‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭)‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتزعزع‭ ‬التزامه‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬كرامة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وحقوقها‭ ‬المهدورة‭. 

بجرأة‭ ‬وثبات‭ ‬دافع‭ ‬الريحاني‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬بتقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬لأنه‭ ‬‮«‬حق‭ ‬مقدس‮»‬‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ (‬وصيّتي‭). ‬عمل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬استقلال‭ ‬لبنان‭ ‬وسورية‭. ‬ردّ‭ ‬على‭ ‬الادعاءات‭ ‬الصهيونية،‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كان‭ ‬نابعاً‭ ‬من‭ ‬إيمانه‭ ‬الثابت‭ ‬بعدالة‭ ‬قضيتهم‭ ‬وحقهم‭ ‬بالحرية‭ ‬كحق‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬إيمانه‭ ‬المخلص‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‮»‬‭ ‬
‭(‬Rihani‭ ‬The‭ ‬Fate‭ ‬of‭ ‬Palestine‭).‬

قبل‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬أعلن‭ ‬الريحاني‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ (‬الشخصية‭ ‬والسياسية‭) ‬حق‭ ‬إنساني‭ ‬‮«‬مقدّس‮»‬،‭ ‬وحثّ‭ ‬المستعبَدين‭ ‬على‭ ‬‮«‬الجهاد‮»‬‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭. ‬ورفع‭ ‬الجهاد‭ ‬الروحي‭ ‬والمقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬فوق‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ (‬وصيّتي‭). ‬

طالب‭ ‬الريحاني‭ ‬بالتغيير‭ ‬الثوري،‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬الحقيقية‮»‬‭ ‬كما‭ ‬فهمها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنبثق‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬رجالاً‭ ‬ونساء‭. ‬إنها‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬الخلقية‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ستُحدث‭ ‬‮«‬الانقلاب‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬وتساعد‭ ‬في‭ ‬‮«‬ارتقاء‮»‬‭ ‬الحياة‭ ‬العربية‭. ‬‮«‬أناشدكم‭ ‬بالحرية‮»‬،‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬الخلقية‮»‬‭: ‬‮«‬إخواني‭! ‬ارفعوا‭ ‬أعلام‭ ‬الآداب‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬شيّدوا‭ ‬صروح‭ ‬التهذيب،‭ ‬أسّسوا‭ ‬معاهد‭ ‬للفنون،‭ ‬فإن‭ ‬الآداب‭ ‬والتهذيب‭ ‬والفنون‭ ‬هي‭ ‬القوى‭ ‬المعنوية‭ ‬الروحية‭ ‬التي‭ ‬يتوقف‭ ‬عليها‭ ‬تحرير‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتحرير‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‮»‬‭ (‬القوميّات‭). ‬

أمل‭ ‬الريحاني‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬إصلاح‭ ‬الأمة‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بالتربية‭ ‬العصرية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭: ‬‮«‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬كرامة‭ ‬النفس،‭ ‬حسن‭ ‬الظن‭ ‬بالناس،‭ ‬حرية‭ ‬الإرادة،‭ ‬الجرأة‭ ‬الأدبية،‭ ‬نبذ‭ ‬العقائد‭ ‬والتقاليد‭ ‬القديمة‭ ‬البالية،‭ ‬الصراحة‭ ‬في‭ ‬الصدق‭ ‬والقول،‭ ‬الاستقامة‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬وفي‭ ‬العمل،‭ ‬حب‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬واللاطائفية‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وفي‭ ‬الآداب‮»‬‭ (‬التطرّف‭ ‬والإصلاح‭). ‬هذا‭ ‬برأيه‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬التحرّر،‭ ‬لا‭ ‬للرمح‭ ‬والسيف،‭ ‬ولا‭ ‬للمدافع‭ ‬والمدرعات،‭ ‬ولا‭ ‬للطائرات‭ ‬المدمرة،‭ ‬بل‭ ‬لــ‭ ‬‮«‬سلاح‭ ‬الفكر‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ (‬التطرّف‭ ‬والإصلاح‭).‬

منذ‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬أعلن‭ ‬الريحاني‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬الجديد‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬العقلانية‭ ‬والحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬العَلمانية‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬وأصرّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬بثورة‭ ‬مسلحة،‭ ‬لا‭ ‬حركات‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬مقاومة‭ ‬مسلحة‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬ولا‭ ‬معارضة‭ ‬داخلية‭ ‬أو‭ ‬خارجية‭ ‬تدعمها‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬والجوية‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬الغرب‭. ‬فـالثورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬مسؤولية‭ ‬المفكرين‭ ‬والمثقفين،‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭. ‬هم‭ ‬روّاد‭ ‬الثورة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الثابتة،‭ ‬وهم‭ ‬‮«‬مثقفونا‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬كنا‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الغرب‮»‬‭ ‬
‭(‬Rihani‭,‬‭ ‬The‭ ‬White‭ ‬Way‭ ‬and‭ ‬the‭ ‬Desert‭)‬‭ ‬