الفنان التشكيلي العالمي إبراهيم الصلحي: «ما بين السجن والشجرة» ما أنا إلا قبضة من تراب

الفنان التشكيلي العالمي إبراهيم الصلحي: «ما بين السجن والشجرة»  ما أنا إلا قبضة من تراب

يعد الفنان التشكيلي إبراهيم الصلحي من أبرز رموز فن التشكيل المعاصر في السودان وإفريقيا والعالم العربي، وهو أحد رواد الحداثوية الإفريقية، لمساهماته الثرة في هذا الضرب من الفنون، وليس غريباً أو من باب المصادفة أن يُعرض كثيرٌ من أعماله ويُقتنى من قبل المتاحف، والصالات الفنية، والمجموعات الشخصية الخاصة في شتّى أصقاع العالم، التي يطول عدّها وحصرها. وذلك لريادته وامتلاكه ناصية الإبداع التشكيلي، ولفرادة أسلوبه الذي يجمع بين التراث والمعاصرة، والحضارتين الإفريقية والعربية.

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ (‬المحلي‭)‬،‭ ‬كانت‭ ‬للصلحي‭ ‬إسهاماته‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬بعجلة‭ ‬الثقافة‭ ‬السودانية‭ ‬إلى‭ ‬مراقٍ‭ ‬جديدة‭ ‬رحبة،‭ ‬سواء‭ ‬بتأسيسه‭ ‬‮«‬مصلحة‭ ‬الثقافة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬البرامج‭ ‬والخطط‭ ‬والحوارات‭ ‬التي‭ ‬تعهدها‭ ‬وأدارها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوزارة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإعلامية‭ ‬والندوات‭ ‬أو‭ ‬المهرجانات‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬كوكيل‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬السودان‭. ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬أجرت‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬إبراهيم‭ ‬الصلحي‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬أكسفورد‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭.‬

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬عودة‭ ‬نهائية؟

‭- ‬أولادي،‭ ‬وأحفادي،‭ ‬وعملي،‭ ‬وكل‭ ‬أشيائي‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬لكنني‭ ‬أعيش‭ ‬فيها‭ ‬بجسدي‭ ‬فقط،‭ ‬لأن‭ ‬روحي‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وفي‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬بالتحديد‭. ‬وعندما‭ ‬أحضر‭ ‬إلى‭ ‬السودان‭ ‬أترك‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬خلفي‭ ‬وأتفرغ‭ ‬له‭... ‬أحضر‭ ‬إليه‭ ‬لأكون‭ ‬مع‭ ‬أهلي،‭ ‬وأصحابي،‭ ‬وطلبتي،‭ ‬والآخرين،‭ ‬وهذه‭ ‬عملية‭ ‬مهمة‭ ‬تذكر‭ ‬الإنسان‭ ‬بالأصول‭ ‬والجذور،‭ ‬وتعيدني‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬والغرفة‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬فيها‭ ‬عام‭ ‬1930،‭ ‬وإلى‭ ‬سريري‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أنام‭ ‬وأصحو‭ ‬عليه‭. ‬

‭<‬‭ ‬كأول‭ ‬فنان‭ ‬إفروعربي‭ ‬تعرض‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬وأعرق‭ ‬صالات‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬صالة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬تيت‭ ‬الحديثة‮»‬‭ ‬للفنون‭ ‬المعاصرة‭ ‬ببريطانيا،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تعرض‭ ‬إلا‭ ‬أعمال‭ ‬كبار‭ ‬التشكيليين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كيف‭ ‬تأتى‭ ‬لكم‭ ‬ذلك؟

‭- ‬أولاً‭ ‬ذلك‭ ‬بتوفيق‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬وبإعداد‭ ‬الناقد‭ ‬السوداني‭ ‬البروفيسور‭ ‬صلاح‭ ‬حسن‭ ‬الجرق،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يقام‭ ‬لي‭ ‬معرض‭ ‬وعرض‭ ‬لكتاب‭ ‬يحمل‭ ‬سيرتي‭ ‬الذاتية‭ ‬وأعمالي‭ ‬التشكيلية‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬الفن‭ ‬الإفريقي‭ ‬بأمريكا،‭ ‬بمجهود‭ ‬منه،‭ ‬ونسبة‭ ‬لعدم‭ ‬اكتمال‭ ‬المبنى،‭ ‬نقل‭ ‬المعرض‭ ‬إلى‭ ‬الشارقة‭ ‬بجهوده‭ ‬ومعاونة‭ ‬إدارة‭ ‬متاحف‭ ‬الشارقة‭ ‬للفنون‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2012،‭ ‬وكان‭ ‬معرضاً‭ ‬استعادياً‭ (‬retrospective‭) ‬بعنوان‭ ‬‮«‬رؤى‭ ‬الحداثة‮»‬،‭ ‬وحدث‭ ‬أن‭ ‬اقتنى‭ ‬منه‭ ‬متحف‭ ‬الدوحة‭ ‬لوحات‭ ‬كثيرة‭. ‬وبالمصادفة‭ ‬شاهدت‭ ‬ذلك‭ ‬المعرض‭ ‬مسؤولة‭ ‬صالة‭ ‬الـ«تيت‭ ‬الحديثة‮»‬‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ -‬Tate‭ ‬Modern‭ - ‬خلال‭ ‬زيارتها‭ ‬للشارقة،‭ ‬فذكرت‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬عندهم‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬تيت‮»‬‭ ‬بلندن،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬قامت‭ ‬بالاتصال‭ ‬بالجهات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬وتقتني‭ ‬أعمالي،‭ ‬فتم‭ ‬تجميع‭ ‬100‭ ‬لوحة‭ ‬من‭ ‬المتاحف‭ ‬والصالات‭ ‬والأفراد‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬لعرضها‭ ‬في‭ ‬صالتهم‭.‬

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬المصادفة‭ ‬أيضاً‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬إحدى‭ ‬لوحاتك‭ ‬تحتل‭ ‬مكان‭ ‬لوحة‭ ‬الفنان‭ ‬العالمي‭ ‬الشهير‭ ‬بيكاسو‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬تيـــــت‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬ضجة‭ ‬كبيرة؟

‭- ‬عندما‭ ‬أرادوا‭ ‬تعليق‭ ‬اللوحة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬اقتناها‭ ‬المعرض‭ ‬نفسه‭ - ‬صدى‭ ‬أحلام‭ ‬الطفولة‭ - ‬Reborn‭ ‬Sounds‭ ‬Of‭ ‬Childhood‭ ‬Dreams‭ -‬،‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬لها‭ ‬مكاناً‭ ‬مناسباً‭ ‬لكبر‭ ‬حجمهـــا‭ ‬3X3‭ ‬أمتار‭ ‬إلا‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تعلق‭ ‬عليه‭ ‬إحدى‭ ‬لوحات‭ ‬الفنان‭ ‬العالمي‭ ‬بيكاسو‭ ‬في‭ ‬الصدارة،‭ ‬فتم‭ ‬إنزالها‭ ‬لوضع‭ ‬لوحتي‭ ‬في‭ ‬مكانها‭. ‬وهذا‭ ‬التحويل‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬الظرف‭ ‬والتنظيم‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭ ‬أثار‭ ‬ضجة‭ ‬إعلامية‭ ‬كبيرة‭.‬

‭ ‬ولاحقاً‭ ‬لذلك‭ ‬المعرض‭ ‬ولتاريخي‭ ‬الفني‭ ‬ككل،‭ ‬قامت‭ ‬كلية‭ ‬لندن‭ ‬الجامعية‭ ‬بمنحي‭ ‬الدكتوراه‭ ‬الفخرية‭ ‬عام‭ ‬2014‭. ‬

‭<‬‭ ‬كفنان‭ ‬مسلم،‭ ‬ترى‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬استطاع‭ ‬الفنان‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬الدهشة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أهل‭ ‬الغرب؟

‭- ‬ترتكز‭ ‬الدهشة‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬التجلي،‭ ‬وفي‭ ‬إبراز‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬تتقبله‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬يخاطبها‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬العادة‭:‬‭ ‬ذاته‭ ‬أو‭ ‬الأنا‭ ‬الصغيرة‭ ‬بتغيراتها،‭ ‬متطلباتها،‭ ‬نقاشاتها،‭ ‬وحواراتها،‭ ‬ثم‭ ‬يخاطب‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬أسرته،‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬في‭ ‬منطقته،‭ ‬وفي‭ ‬إقليمه‭ ‬بجميع‭ ‬الثقافات‭ ‬المحلية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬ثم‭ ‬يخاطب‭ ‬العنصر‭ ‬الثالث‭ ‬وهو‭ ‬الكل‭ ‬أو‭ ‬الجميع‭... ‬فإذا‭ ‬تجمعت‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬الثلاثة‭ ‬لدى‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬عمله،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يتخاطب‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬بصدق‭ ‬لارتقى‭ ‬عمله‭ ‬طبيعياً‭ ‬من‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬العالمية،‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬شاملاً‭.‬

‭<‬‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فيها‭ ‬فن‭ ‬التشكيل‭ ‬الحديث‭ ‬معروفاً‭ ‬لدى‭ ‬السودانيين‭- ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ - ‬كيف‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬باللوحة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬البصرية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأفكار؟

‭- ‬هذا‭ ‬أيضاً‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الفرد،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ«مدرسة‭ ‬الخرطوم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التشكيليين‭ ‬لا‭ ‬يجمع‭ ‬بينهم‭ ‬بيان‭ ‬ولا‭ ‬يتفقون‭ ‬بالنظرة،‭ ‬وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬رحابة‭ ‬التراث،‭ ‬وإعادة‭ ‬استقرائه‭ ‬وتنقيحه‭ ‬من‭ ‬الشوائب‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬عليه‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬بيننا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الأستاذ‭ ‬شبرين‭ ‬الذي‭ ‬ركز‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭. ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬انطلاقة‭ ‬فردية‭ ‬بحتة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التشكيلي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الصورة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬موحد‭ ‬لخلق‭ ‬الجديد،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬قديمنا‭ ‬وتراثنا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬وإعادة‭ ‬صوغ‭ ‬ملامحه‭ ‬كما‭ ‬ترى‭ ‬سجايانا‭ ‬الفردية‭. ‬

‭ ‬‭<‬‭ ‬هل‭ ‬مازالت‭ ‬أعمالكم‭ ‬‮«‬محلّك‭ ‬سِرْ‮»‬‭ ‬في‭ ‬القبول‭ ‬والرواج‭ ‬لدى‭ ‬العامة؟

‭- ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬وجدت‭ ‬قبولاً‭ ‬مقدراً‭ ‬نحمد‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬قبول‭ ‬إطلاقاً‭. ‬القبول‭ ‬عندنا‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬النظر‭ ‬أو‭ ‬الإطراء‭ ‬على‭ ‬اللوحة،‭ ‬وليس‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬لوحة‭ ‬أو‭ ‬اقتنائها،‭ ‬وحتى‭ ‬الذين‭ ‬أهديتهم‭ ‬بعض‭ ‬رسوماتي‭ ‬فقد‭ ‬أضاعوها‭. ‬لكن‭ ‬الأمل‭ ‬يقبع‭ ‬في‭ ‬التربية،‭ ‬والتربية‭ ‬الجمالية‭ ‬تحديداً،‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬الأمّية‭ ‬الجمالية‭ (‬البصرية‭)‬،‭ ‬وهذه‭ ‬لا‭ ‬تتأتى‭ ‬إلا‭ ‬بترقية‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭.‬

‭<‬‭ ‬كما‭ ‬تعلم‭ ‬يواجه‭ ‬الفن‭ ‬والفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إشكاليات‭ ‬عدة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمّية‭ ‬الجمالية‭ ‬إحدى‭ ‬أزماته،‭ ‬فلماذا‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬منذ‭ ‬البداية؟

‭- ‬أنا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬التشكيلي‭ ‬هبة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لبعض‭ ‬عباده،‭ ‬وهي‭ ‬أمانة‭ ‬يحاسب‭ ‬عليها‭,‬‭ ‬حسب‭ ‬اعتقادي‭ ‬الشخصي‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬نجوده‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬تجويده‭ ‬والاستمرار‭ ‬فيه‭ ‬واجب‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬عدمه‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬العين‭ ‬لا‭ ‬يستوعبه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وفيه‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الأسرار،‭ ‬أسرار‭ ‬الخلق،‭ ‬أسرار‭ ‬إيجاد‭ ‬الكون،‭ ‬أسرار‭ ‬النسب‭ ‬والأبعاد،‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬الغامق‭ ‬والفاتح‭. ‬وعندما‭ ‬يتأمل‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬الأساسية‭ ‬يجد‭ ‬عن‭ ‬طريقها‭ ‬معاني‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الله‭.‬

‭<‬‭ ‬بصورة‭ ‬ما‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الموهبة،‭ ‬فهل‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬برزت،‭ ‬ونمت،‭ ‬وتطورت،‭ ‬لتنتج‭ ‬أفكاراً‭ ‬خلاقة،‭ ‬وما‭ ‬الطرائق‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬المواهب‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي؟

‭- ‬برزت‭ ‬موهبة‭ ‬الرسم‭ ‬لدي‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الوسطى‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أقوم‭ ‬بتلوين‭ ‬الرسومات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الدراسة،‭ ‬وعندما‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أم‭ ‬درمان‭ ‬الثانوية‮»‬‭ ‬رسمت‭ ‬لوحة‭ ‬كبيرة‭ (‬بيت‭ ‬اللعبة‭)‬،‭ ‬وتعنى‭ ‬بالجو‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬الأعراس،‭ ‬وهي‭ ‬رسم‭ ‬بصري‭ ‬بمجهود‭ ‬شخصي‭. ‬

‭ ‬وعندما‭ ‬نُقِلت‭ ‬المدرسة‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬سيدنا‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬رعاية‭ ‬واهتماماً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأساتذة‭ ‬الخير‭ ‬هاشم،‭ ‬وتلودي،‭ ‬ومستر‭ ‬ديفيز،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأوا‭ ‬فيّ‭ ‬موهبة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتشكيل‭ ‬الفني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُنمى،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬وقتها‭ ‬لدي‭ ‬أفكار‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الموضوعي‭ ‬سوى‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬السجين‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬كتعبير‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬سياسي‭ ‬خاص‭ ‬بالاستعمار،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المرحلة‭ ‬ورؤى‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الاستعمار‭. ‬وتفجُر‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إثر‭ ‬قيام‭ ‬أحداث‭ ‬كوبري‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1946،‭ ‬وقيام‭ ‬النشاط‭ ‬الطلابي‭ ‬المناهض‭ ‬للمستعمر‭. ‬وأذكر‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬رآها‭ ‬أحد‭ ‬الخواجات‭ ‬المهتمين‭ ‬بالتعليم‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الآباء‭ ‬بالمدرسة‭ ‬أخذها‭ ‬وأعطاني‭ ‬وأنا‭ ‬غير‭ ‬مصدق‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬جنيهاً،‭ ‬وكانت‭ ‬حافزاً‭ ‬ودافعاً‭ ‬كبيراً‭ ‬للمواصلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

‭ ‬وظللت‭ ‬مشغولاً‭ ‬أغلب‭ ‬الوقت‭ ‬بالعمل‭ ‬التشكيلي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬مهتماً‭ ‬بالجانب‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬التشكيل،‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬أكثر‭ ‬اهتماماً‭ ‬بعلم‭ ‬المنظور،‭ ‬ويسمى‭ ‬بشكل‭ ‬آخر‭ ‬بالقانون‭ ‬النظري،‭ ‬وهو‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬العين‭ ‬المرئيات،‭ ‬وقياس‭ ‬النسب‭ ‬والأبعاد،‭ ‬وفي‭ ‬أوائل‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬التحقت‭ ‬بمدرسة‭ ‬التصميم‭ ‬بكلية‭ ‬غردون‭ ‬التذكارية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬نيتي‭ ‬دراسة‭ ‬الطب،‭ ‬لكنني‭ ‬اخترت‭ ‬الفنون‭ ‬بدفع‭ ‬من‭ ‬المستر‭ ‬ديفيز‭ ‬ومباركة‭ ‬الأسرة‭.‬‭ ‬ووجدت‭ ‬رعاية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عميدها‭ ‬المستر‭ ‬غرين‭ ‬لو،‭ ‬ومن‭ ‬بعده‭ ‬مستر‭ ‬كوترون‭ ‬بعدما‭ ‬انتقلت‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬إلى‭ ‬معهد‭ ‬الخرطوم‭ ‬الفني‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تخرجت‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬عملت‭ ‬فيها‭ ‬مدرساً‭ ‬للفنون،‭ ‬ثم‭ ‬ابتعثت‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬عام‭ ‬1954‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬سلاد‭ ‬للفنون‭  Slade‭ ‬School‭ ‬of‭ ‬Fine‭ ‬Art  ‬التابعة‭ ‬لكلية‭ ‬لندن‭ ‬الجامعية،‭ ‬وهي‭ ‬أكبر‭ ‬مدرسة‭ ‬للفنون‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفيها‭ ‬بدأت‭ ‬التجريد،‭ ‬حيث‭ ‬تفتحت‭ ‬عيناي‭ ‬على‭ ‬مدارس‭ ‬أخرى‭ ‬وعلى‭ ‬توجهات‭ ‬ورؤى‭ ‬ونظريات‭ ‬غربية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الصورة،‭ ‬وعندها‭ ‬بدأت‭ ‬المحاولة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭. ‬

‭ ‬وعندما‭ ‬رجعت‭ ‬للسودان‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬مدرساً‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الفنون‭ ‬ازدادت‭ ‬معرفتي‭ ‬وخبرتي‭ ‬باحترامي‭ ‬لعقلية‭ ‬طلابي‭ ‬وبحواراتي،‭ ‬ونقاشاتي‭ ‬معهم،‭ ‬وما‭ ‬تعلمته‭ ‬منهم،‭ ‬وطبعاً‭ ‬بالعمل‭ ‬والإتقان‭ ‬والصبر‭ ‬وصدق‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬الموهبة‭. ‬

‭<‬‭ ‬عرف‭ ‬السودان‭ ‬فن‭ ‬الرسم‭ ‬منذ‭ ‬عصور‭ ‬بعيدة‭ ‬جداً،‭ ‬فما‭ ‬الينابيع‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬وعيكم،‭ ‬وأسهمت‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬وترقية‭ ‬تجربتكم‭ ‬الإبداعية؟

‭- ‬في‭ ‬عملي‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬تأثرت‭ ‬بفن‭ ‬الخلوة،‭ ‬وهو‭ ‬مرتبط‭ ‬أساساً‭ ‬بالطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬تعلمنا‭ ‬عن‭ ‬طريقها‭ ‬الإسلام،‭ ‬وفي‭ ‬الخلوة‭ ‬نبدأ‭ ‬تعلم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والحساب،‭ ‬وكانت‭ ‬أمام‭ ‬منزلنا‭ ‬خلوة‭ ‬‮«‬الصلحي‮»‬،‭ ‬وكما‭ ‬علمت‭ ‬من‭ ‬والدتي‭ ‬أنني‭ ‬درست‭ ‬فيها‭ ‬وعمري‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬العامين،‭ ‬وكان‭ ‬يُدرِس‭ ‬فيها‭ ‬والدي‭ ‬محمد‭ ‬عثمان‭ ‬حسين‭ ‬عربي‭ ‬الشهير‭ ‬بالصلحي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أستاذاً‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العلمي‭ ‬بأم‭ ‬درمان،‭ ‬وهو‭ ‬خطاط‭ ‬ممتاز‭ ‬رفيع‭ ‬اليد‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬وكان‭ ‬يعلمنا‭ ‬كلما‭ ‬حفظنا‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ووصلنا‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬جزء‭ ‬أو‭ ‬ربع‭ ‬جزء‭ ‬عمل‭ ‬‮«‬الشرافة‮»‬‭ (‬اللوح‭ ‬المزخرف‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬فن‭ ‬زخرفي‭ ‬جميل‭ ‬للغاية‭ ‬يربط‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬الإسلامية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وبين‭ ‬الزخرف‭ ‬الإفريقي‭ ‬كنمط‭ ‬للخطوط‭ ‬المتقاطعة،‭ ‬وهي‭ ‬ملونة‭ ‬بألوان‭ ‬جميلة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬الأرابيسك‭ ‬في‭ ‬تعاملي‭ ‬معه‭.‬

‭<‬‭ ‬‮«‬الشرافة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أدواتك‭ ‬أو‭ ‬الحاضنة‭ ‬التي‭ ‬استندت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬رحلتك‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التشكيل،‭ ‬إذن‭ ‬ما‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الصورة؟

‭- ‬نعم‭... ‬بلا‭ ‬شك،‭ ‬فمازلت‭ ‬أستند‭ ‬‮«‬الشرافة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬وأستلهم‭ ‬من‭ ‬شكل‭ ‬اللوح‭ ‬الشبيه‭ ‬لجسد‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬معاني‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭. ‬

‭ ‬وحتى‭ ‬بعدما‭ ‬رجعت‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬عام‭ ‬1957،‭ ‬تساءلت‭ ‬عن‭ ‬مكونات‭ ‬ودوافع‭ ‬وأسس‭ ‬الفن‭ ‬السوداني،‭ ‬فوجدت‭ ‬أنه‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشرافة‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬بالكاد‭ ‬يمثل‭ ‬لي‭ ‬ذروة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬الفني،‭ ‬وفي‭ ‬التشكيل‭ ‬ككل‭. ‬وحينذاك‭ ‬اكتشفت‭ ‬وأدركت‭ ‬القيم‭ ‬الكامنة‭ ‬فيها،‭ ‬وتنبهت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الزخرف‭ ‬الإفريقي‭ ‬والخط‭ ‬العربي‭ ‬المكتوب‭ ‬باليد‭ ‬السودانية‭ ‬وهي‭ ‬قريبة‭ ‬الصلة‭ ‬باليد‭ ‬المغاربية‭ ‬التي‭ ‬نكتب‭ ‬بها‭ ‬الألواح،‭ ‬والتي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬السنغال‭ ‬إلي‭ ‬إريتريا‭. ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬أنسب‭ ‬من‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الأصول‭ ‬القديمة،‭ ‬وأتمعن‭ ‬فيها،‭ ‬وأعيد‭ ‬استقراءها‭ ‬استقراءً‭ ‬جديداً،‭ ‬لأهجر‭ ‬الجانب‭ ‬السلبي‭ ‬وأهمله،‭ ‬وآخذ‭ ‬الجانب‭ ‬الإيجابي‭ ‬وأقويه‭. ‬وعملي‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الصورة‭ ‬يرتبط‭ ‬دائماً‭ ‬بإيقاع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬النسق‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬أعتمد‭ ‬عليها،‭ ‬تاركاً‭ ‬للدفع‭ ‬الداخلي‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭.‬

‭<‬‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ألقى‭ ‬الحدث‭ ‬الوظيفي‭ ‬كوكيل‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والإعلام،‭ ‬بظلاله‭ ‬على‭ ‬حياتك؟

‭- ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬وألقى‭ ‬بظلال‭ ‬كثيفة‭ ‬عليّ،‭ ‬لأنني‭ ‬عادة‭ ‬أحسن‭ ‬الظن‭ ‬بالناس،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬أقاويل‭ ‬وإشاعات‭ ‬نسجت‭ ‬حولي‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬زجي‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬كوبر‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬سبتمبر‭ ‬1975‭ ‬بعد‭ ‬انقلاب‭ ‬ابن‭ ‬عمي‭ ‬المقدم‭ ‬حسن‭ ‬حسين‭ ‬عثمان،‭ ‬واعتقاد‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬ضلعاً‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬جعلني‭ ‬أراجع‭ ‬نفسي‭ ‬كثيراً،‭ ‬وأكون‭ ‬حذراً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬وأن‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬صمت،‭ ‬حتى‭ ‬بعدما‭ ‬تركت‭ ‬السودان‭ ‬مهاجراً‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬عام‭ ‬1977،‭ ‬ولم‭ ‬أتخل‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بعدما‭ ‬تركت‭ ‬الخليج‭ ‬عام‭ ‬1998،‭ ‬للاستقرار‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭.‬

‭ ‬فهل‭ ‬تصدق‭ ‬أنني‭ ‬مكثت‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬21‭ ‬عاماً‭ ‬أعمل‭ ‬مستشاراً‭ ‬فنياً‭ ‬لوزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬القطرية،‭ ‬ثم‭ ‬كلفت‭ ‬بـعمل‭ ‬وثائقي‭ ‬لسمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬ثاني‭ (‬إعادة‭ ‬تدوين‭ ‬تاريخ‭ ‬قطر‭ ‬الحديث‭)‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعلم‭ ‬بأنني‭ ‬رسام،‭ ‬ولم‭ ‬أقم‭ ‬معرضاً‭ ‬واحداً،‭ ‬وإنما‭ ‬ركزت‭ ‬في‭ ‬عملي،‭ ‬وفيما‭ ‬ينفعني‭ ‬كرسام‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭.‬

‭<‬‭ ‬يقولون‭ ‬‮«‬المعاناة‭ ‬تولد‭ ‬الإبداع‮»‬،‭ ‬فهل‭ ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬وعذابات‭ ‬السجن‭ ‬في‭ ‬توجهاتك‭ ‬الإبداعية؟

‭- ‬يقولون‭ ‬ربَّ‭ ‬ضارة‭ ‬نافعة،‭ ‬حقيقة‭ ‬السجن‭ ‬أفادني‭ ‬كثيراً،‭ ‬إذ‭ ‬كسر‭ ‬نفسي‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬ولأنني‭ ‬مهتم‭ ‬بالجانب‭ ‬الصوفي،‭ ‬فلما‭ ‬أُدخلت‭ ‬السجن‭ ‬ظلماً‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قضاء‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬الإنسان‭ ‬مهما‭ ‬عظم‭ ‬شأنه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬فرد‭ ‬يتساوى‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬فكنا‭ ‬قد‭ ‬وضعنا‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬واحدة،‭ ‬فيها‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬أما‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب‭ ‬فحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭. ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬بالذات‭ ‬رجعت‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬بمراجعة‭ ‬النفس،‭ ‬ولابد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬خالصة‭ ‬لوجهه‭ ‬الكريم‭.‬

‭ ‬وغير‭ ‬هذا‭ ‬كنت‭ ‬أمارس‭ ‬الرسم‭ ‬داخل‭ ‬السجن،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬قلم‭ ‬رصاص‭ ‬صغير،‭ ‬وكان‭ ‬الأكل‭ ‬يأتي‭ ‬إلينا‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ملفوفاً‭ ‬بالأوراق،‭ ‬وكنت‭ ‬أجمعها‭ ‬وأقطعها‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة،‭ ‬وأرسم‭ ‬عليها‭ ‬ثم‭ ‬أدفنها‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينكشف‭ ‬أمري‭ ‬وأخضع‭ ‬للحبس‭ ‬الانفرادي‭ ‬لأسبوعين‭. ‬وهذه‭ ‬الرسومات‭ ‬أعطتني‭ ‬لاحقاً‭ ‬فكرة‭ ‬الأعمال‭ ‬المركبة‭. ‬وهي‭ ‬كيف‭ ‬تنشأ‭ ‬اللوحة‭ ‬بين‭ ‬فرد‭ ‬وبين‭ ‬مجموعة‭ ‬أو‭ ‬جماعة،‭ ‬وبين‭ ‬الجزء‭ ‬وبين‭ ‬الكل،‭ ‬وبين‭ ‬الفرد‭ ‬المخلوق‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬الإفراج‭ ‬عني‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مارس‭ ‬1976‭ ‬كنت‭ ‬غير‭ ‬مصدق‭ ‬لذلك،‭ ‬فخرجت‭ ‬ناسياً‭ ‬إياها‭ ‬مدفونة‭ ‬تحت‭ ‬تراب‭ ‬الزنزانة‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المرور‭ ‬الشهري‭ ‬لمدير‭ ‬السجن،‭ ‬كان‭ ‬يسألنا‭ ‬عن‭ ‬أحوالنا،‭ ‬وعما‭ ‬نريده،‭ ‬فكان‭ ‬زملائي‭ ‬يطلبون‭ ‬البصل‭ ‬ليضعوه‭ ‬على‭ ‬أنوفهم‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الأكل‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشموا‭ ‬الروائح‭ ‬الكريهة‭ ‬وكنت‭ ‬مستغرباً‭ ‬لذلك،‭ ‬لكنني‭ ‬وعيت‭ ‬الدرس‭ ‬تماماً،‭ ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬وسألني‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬زياراته‭ ‬الروتينية،‭ ‬طلبت‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬البصل،‭ ‬فأحضروا‭ ‬لنا‭ ‬أربع‭ ‬بصلات،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬إحداها‭ ‬نبتة‭ ‬خضراء‭ ‬فقمت‭ ‬بزراعتها‭ ‬تحت‭ ‬زير‭ ‬الماء‭ ‬الموجود‭ ‬داخل‭ ‬الزنزانة‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الخضرة،‭ ‬وعكفت‭ ‬على‭ ‬رعايتها‭ ‬باهتمام‭ ‬حتى‭ ‬نمت‭ ‬واخضرت،‭ ‬فأطلق‭ ‬عليها‭ ‬زملاء‭ ‬الحبس‭ ‬‮«‬جنينة‭ ‬الصلحي‮»‬‭... ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلني‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬لاحقة‭ ‬أستقي‭ ‬فكرة‭ ‬الشجرة‭ ‬في‭ ‬أعمالي‭ ‬التشكيلية،‭ ‬لكونها‭ ‬هي‭ ‬الإنسان،‭ ‬لذا‭ ‬أصبحت‭ ‬الفائدة‭ ‬مكثفة‭. ‬

‭<‬‭ ‬عندما‭ ‬التقينا‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬المولد‭ ‬الأخير،‭ ‬شاهدتك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬جذب‭ ‬واستغراق‭ ‬روحاني‭ ‬كثيف،‭ ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬تلك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الوجد‭ ‬والأشواق‭ ‬لحلقات‭ ‬الذكر،‭ ‬أم‭ ‬نزوع‭ ‬وانتماء‭ ‬حقيقي‭ ‬لحركات‭ ‬التصوف؟

‭- ‬نحن‭ ‬كأسرة‭ ‬ننتمي‭ ‬إلى‭ ‬الطريقة‭ ‬الختمية‭ ‬بالتوارث،‭ ‬لكن‭ ‬تحقق‭ ‬لي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬السجن‭ ‬جانب‭ ‬الضبط‭ ‬النفسي،‭ ‬وهذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأشياء،‭ ‬كما‭ ‬ازداد‭ ‬ارتباطي‭ ‬بالجانب‭ ‬الصوفي‭. ‬وقبل‭ ‬سنوات‭ ‬انتميت‭ ‬للطريقة‭ ‬القادرية،‭ ‬وتلبسني‭ ‬فيض‭ ‬شيخها‭ ‬وأسراره‭ ‬وذخائره‭ ‬المعرفية‭ ‬وأفادني‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬يعتريني‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬الذكر،‭ ‬فأنا‭ ‬أحب‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬جانب‭ ‬الإيقاع،‭ ‬وهو‭ ‬مثل‭ ‬الإيقاع‭ ‬الخطي‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الخطوط،‭ ‬وعندما‭ ‬استمع‭ ‬للإيقاع‭ ‬الصوتي‭ ‬في‭ ‬ضربات‭ ‬الطبول‭ ‬والنوبات‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬الذكر‭ ‬أرى‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أشياء‭ ‬روحانية‭ ‬كثيرة،‭ ‬وأجد‭ ‬متعة‭ ‬بالغة،‭ ‬تقودني‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإيقاع‭ ‬والنغم‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬أخرى‭ ‬بعيدة،‭ ‬وانسجام‭ ‬تام،‭ ‬وتوازن‭ ‬روحي‭ ‬رهيب‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الفكاك‭ ‬منه‭ ‬بسهولة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬وجدته‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬القادرية،‭ ‬وهي‭ ‬كاسم‭ ‬تعني‭ ‬لي‭ ‬الكثير،‭ ‬لأن‭ ‬ضربات‭ ‬طبولهم‭ ‬ونوباتهم‭ ‬الكبيرة‭ ‬أسمعها‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬واحد‭... ‬واحد‮»‬‭ ‬ويعني‭ ‬عندي‭ ‬الوحدانية،‭ ‬فأظل‭ ‬منسجماً‭ ‬معها‭ ‬انسجاماً‭ ‬تاماً‭ ‬وأسبح‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬لي‭ ‬جانب‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬عملي،‭ ‬الذي‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬أربط‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬الحواس،‭ ‬إذ‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬جانب‭ ‬صوتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإيقاع‭.‬

‭ ‬‭<‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حديثك‭ ‬ومشاهدة‭ ‬بعض‭ ‬لوحاتك‭ ‬أدركت‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬بعدين‭... ‬بعد‭ ‬سياسي‭ ‬وآخر‭ ‬صوفي‭... ‬فما‭ ‬تعليقك؟

‭- ‬نعم‭ ‬هي‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الاثنين،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الصوفية‭ ‬توجه‭ ‬وتسامح‭ ‬وقبول‭ ‬للآخر،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬بها‭ ‬جانب‭ ‬تفرد‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬العليا،‭ ‬وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صوفياً‭ ‬وألا‭ ‬تناهض‭ ‬الاستعمار‭. ‬هذا‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬فالإمام‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬المهدي‭ ‬كان‭ ‬صوفياً‭ ‬وناهض‭ ‬الحكم‭ ‬التركي،‭ ‬فهنا‭ ‬تمتزج‭ ‬الدوافع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صوفي‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬سياسي‭.‬

بعد‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬رسمت‭ ‬لوحات‭ ‬عديدة،‭ ‬أغلبها‭ ‬ذات‭ ‬موضوعات‭ ‬سياسية‭ ‬بذات‭ ‬الفكرة،‭ ‬منها‭ ‬لوحة‭ ‬خاصة‭ ‬بالحرية‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬انتصار‭ ‬الصدق‮»‬‭ ‬‮«‬Victory‭ ‬of‭ ‬Truth‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬ثورة‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عندما‭ ‬قذفوا‭ ‬بطاقات‭ ‬الهوية‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬تغول‭ ‬البيض،‭ ‬وهي‭ ‬حالياً‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المتاحف‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬رسمت‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬لوحة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬الزعيم‭ ‬باتريس‭ ‬لومومبا‭ ‬غدراً،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬المشهورة‭ ‬جداً،‭ ‬وتوجد‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬جونسون‭ ‬بنيويورك‭ ‬Johnson‭ ‬Museum‭ ‬of‭ ‬Art،‭ ‬ويتم‭ ‬عرضها‭ ‬باستمرار‭.‬

‭<‬‭ ‬كيف‭ ‬يستطيع‭ ‬المبدع‭ ‬خلق‭ ‬لوحات‭ ‬متباينة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجالاً‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وفرصة‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالنظر؟

‭- ‬تعمل‭ ‬اللوحة‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬الأفق‭ ‬البصري،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬تفتح‭ ‬باب‭ ‬البصيرة،‭ ‬أي‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬البصر‭ ‬إلى‭ ‬البصيرة،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬عرف‭ ‬الإنسان‭ ‬مفرداتها‭ ‬أو‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬لها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عندما‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تتوسع‭ ‬آفاقه‭ ‬وتتفتح‭ ‬أمامه‭ ‬مجالات‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬والجمال‭ ‬هو‭ ‬تناسق‭ ‬الأضداد،‭ ‬كالغامق‭ ‬مع‭ ‬الفاتح،‭ ‬وكيف‭ ‬يخلق‭ ‬منهما‭ ‬انسجام‭... ‬البعيد‭ ‬والقريب‭ ‬وكيف‭ ‬يُخلق‭ ‬منهما‭ ‬تقارب،‭ ‬وهذه‭ ‬العناصر‭ ‬كثيرة‭ ‬جداً‭ ‬كمكونات‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬العين‭ ‬الأشياء‭.  ‬وإذا‭ ‬نظر‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬اللوحة‭ ‬ملياً‭ ‬وبتمعن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬أشياء‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يدركها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وتعطيه‭ ‬الفرص‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالنظر‭ ‬للأشياء‭ ‬التي‭ ‬أمامه،‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬أشكالاً‭ ‬مرئية،‭ ‬أو‭ ‬منقولات‭ ‬أو‭ ‬أشكالاً‭ ‬فكرية،‭ ‬أو‭ ‬كذا‭.‬‭.. ‬ويعيد‭ ‬ترتيبها‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النظر‭... ‬والنظر‭ ‬لغة‭ ‬قائمة‭ ‬بذاتها‭.‬

‭<‬‭ ‬كيف‭ ‬تستخدم‭ ‬لغة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬اللوحة؟

‭- ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬أجري‭ ‬حواراً‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الصورة،‭ ‬وقد‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الجنون‭. ‬فأنا‭ ‬أتكلم‭ ‬مع‭ ‬اللوحة،‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬غير‭ ‬لفظي،‭ ‬أي‭ ‬بصري،‭ ‬لأن‭ ‬العملية‭ ‬كلها‭ ‬بصرية،‭ ‬واللوحة‭ ‬تكلمني،‭ ‬وتقول‭ ‬لي‭ ‬‮«‬أشعر‭ ‬بحالة‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الناحية،‭ ‬وأحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تقوية،‭ ‬ولدي‭ ‬هنا‭ ‬زوائد،‭ ‬ينبغي‭ ‬إبعادها‭ ‬عني،‭ ‬وهكذا‮»‬‭... ‬أنا‭ ‬أصغي‭ ‬لحديث‭ ‬لوحتي‭ ‬وهي‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬حديثي،‭ ‬والعين‭ ‬هي‭ ‬وسيلتنا‭ ‬في‭ ‬التخاطب،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬متصلة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬بالمرة‭. ‬ففي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬اللوحة‭ ‬اكتملت‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬اقتناؤها،‭ ‬ثم‭ ‬يخطر‭ ‬ببالي‭ ‬أن‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬النواقص،‭ ‬متمنياً‭ ‬استعادتها‭ ‬لإكمالها‭. ‬

‭<‬‭ ‬إذن‭ ‬ما‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬تستغرقه‭ ‬اللوحة‭ ‬عند‭ ‬الصلحي؟‭ ‬

‭- ‬لا‭ ‬أعرف،‭ ‬وهذا‭ ‬يخضع‭ ‬لعوامل‭ ‬عدة،‭ ‬وقد‭ ‬يطول‭ ‬الزمن‭ ‬أو‭ ‬يقصر،‭ ‬فلوحة‭ ‬‮«‬صدى‭ ‬أحلام‭ ‬الطفولة‮»‬‭ ‬مثلاً‭ ‬أخذت‭ ‬مني‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭ ‬السنة،‭ ‬واقتناها‭ ‬أحد‭ ‬الألمان،‭ ‬حيث‭ ‬رسمتها‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬وربطت‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬عاملي‭ ‬البصر‭ ‬والصوت‭ ‬كتشكيل،‭ ‬والفكرة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬غريبة‭ ‬لبعض‭ ‬الناس،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يسألون‭ ‬أين‭ ‬الصوت‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬لي‭ ‬دائماً،‭ ‬فمثلاً‭ ‬عندما‭ ‬ذوبت‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬سألني‭ ‬البعض‭: ‬أين‭ ‬الخط‭ ‬العربي؟‭ ‬فاضطررت‭ ‬لأن‭ ‬أرد‭ ‬على‭ ‬أحدهم‭ ‬عندما‭ ‬ألح‭ ‬عليّ،‭ ‬بقولي‭ ‬له‭: ‬عندما‭ ‬تشرب‭ ‬الشاي‭ ‬فهل‭ ‬ترى‭ ‬السكر؟‭ ‬فقال‭: ‬لا‭... ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬هنا،‭ ‬الخط‭ ‬كما‭ ‬السكر‭ ‬الذي‭ ‬ذاب‭ ‬في‭ ‬الطعم‭.‬

‭<‬‭ ‬استخدامك‭ ‬للألوان‭ ‬هل‭ ‬لديه‭ ‬علاقة‭ ‬بالزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والمزاج؟

‭- ‬بالمزاج‭ ‬والمكان،‭ ‬وفي‭ ‬العادة‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أكرر‭ ‬نفسي،‭ ‬فقد‭ ‬مررت‭ ‬مراحل‭ ‬عدة‭ ‬مثل‭ ‬مرحلة‭ ‬الألوان‭ ‬الترابية،‭ ‬والألوان‭ ‬المحروقة‭ ‬Burnt‭ ‬sienna،‭ ‬وبين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬والألوان‭ ‬الداكنة،‭ ‬وهذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬كنت‭ ‬أرسم‭ ‬اللوحة‭ ‬لأشم‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬تراب‭ ‬أم‭ ‬درمان،‭ ‬لتكون‭ ‬اللوحة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالمكان،‭ ‬ليس‭ ‬بأهميته،‭ ‬بل‭ ‬لأنني‭ ‬أتكلم‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭. ‬أي‭ ‬هوية‭ ‬الإنسان‭ ‬السوداني،‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬يتوصلوا‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬واضح‭ ‬حولها‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يرتبط‭ ‬عملي‭ ‬بتراب‭ ‬أم‭ ‬درمان،‭ ‬لذلك‭ ‬ألواني‭ ‬الداكنة‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬مبانيها‭.‬

وبالمناسبة‭ ‬مازلت‭ ‬أحتفظ‭ ‬بعشر‭ ‬لوحات‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬النسق‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬ضياعها،‭ ‬لكي‭ ‬تُعطَى‭ ‬للسودان‭ ‬عندما‭ ‬يأخذ‭ ‬صاحب‭ ‬الوديعة‭ ‬وديعته،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬يصحو‭ ‬الناس‭ ‬ويشيدون‭ ‬فيه‭ ‬المتاحف‭ ‬والصالات‭ ‬ويحدث‭ ‬وعي‭ ‬بأهمية‭ ‬التشكيل،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللوحات‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬لا‭ ‬ظل‭ ‬إلا‭ ‬ظله‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬والظل‭ ‬ظل‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وهي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬قمة‭ ‬الأعمال‭ ‬الداكنة‭.‬

وعندما‭ ‬جئت‭ ‬إلى‭ ‬قطر‭ ‬كنت‭ ‬مهتماً‭ ‬بإيجاد‭ ‬الدرجة‭ ‬اللونية‭ ‬الرمادية‭ (‬كحالة‭ ‬مزاجية‭) ‬أي‭ ‬الجانب‭ ‬الرمادي‭ ‬كلون‭ ‬باستعمال‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬الصافي،‭ ‬بحسب‭ ‬التنغيم‭ ‬بينهما،‭ ‬وملء‭ ‬الفراغ‭ ‬التشكيلي،‭ ‬بحيث‭ ‬تتكون‭ ‬منهما‭ ‬درجة‭ ‬لونية‭ ‬رمادية‭ ‬كلون‭ ‬قائم‭ ‬بذاته،‭ ‬وليس‭ ‬مزيجاً‭ ‬بين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭.‬

أما‭ ‬عندما‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬وبقيت‭ ‬فيها‭ ‬متفرغاً‭ ‬تماماً‭ ‬للتشكيل،‭ ‬فقد‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وأخذت‭ ‬منها،‭ ‬لكن‭ ‬بأسلوبي‭ ‬الخاص،‭ ‬وكانت‭ ‬الشجرة‭ ‬محور‭ ‬اهتمامي،‭ ‬ورسمت‭ ‬منها‭ ‬68‭ ‬أو‭ ‬69‭ ‬لوحة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الشجرة‮»‬‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬تجريدية،‭ ‬أو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الشجرة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ويتم‭ ‬الفرز‭ ‬بينها‭ ‬بالترقيم‭.‬

والشجرة‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬خاطري‭ ‬هي‭ ‬شجرة‭ ‬الإنسان،‭ ‬فمن‭ ‬خلالها‭ ‬أرى‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬طبيعته،‭ ‬وهذه‭ ‬كنت‭ ‬أرسمها‭ ‬بطريقة‭ ‬الجنين‭ ‬Nucleus،‭ ‬إذ‭ ‬ينشأ‭ ‬الجنين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬اللوحة،‭ ‬ثم‭ ‬يتكون‭ ‬وينمو‭ ‬ويزداد‭ ‬ويتواصل‭ ‬في‭ ‬الأطراف‭ ‬الجانبية‭ ‬شمالاً‭ ‬وجنوباً،‭ ‬ومن‭ ‬أعلى‭ ‬ومن‭ ‬أسفل‭ ‬حتى‭ ‬يكتمل‭.‬

ولما‭ ‬دعيت‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬الأندلس‭ ‬لرؤية‭ ‬كنوزها‭ ‬التراثية‭ ‬شهدت‭ ‬في‭ ‬مسارحها‭ ‬رقصات‭ ‬الفلامنجو،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مصدر‭ ‬دهشة‭ ‬لي‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬وإثارة‭ ‬بالغة‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التحدي،‭ ‬والنظر‭ ‬عبر‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصححوا‭ ‬فيه‭ ‬أوضاعهم‭ ‬كغجر،‭ ‬ونظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسباني‭ ‬الدونية‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬المسيحي‭ ‬الكاثوليكي،‭ ‬وهذا‭ ‬دفعني‭ ‬لعمل‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬تحوي‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب،‭ ‬وعن‭ ‬الرقص‭ ‬بأحجام‭ ‬مختلفة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬لوحة‭ (‬3X3‭) ‬أمتار،‭ ‬ولوحات‭ ‬أخرى‭ ‬صغيرة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الفلامنجو‮»‬‭ ‬مفرزة‭ ‬بترقيمها‭. ‬

أما‭ ‬اللون‭ ‬الرمادي‭ ‬فهو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الأوربي‭ ‬لأن‭ ‬الضوء‭ ‬فيه‭ ‬مخفف،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬أتعامل‭ ‬معه‭ ‬كثيراً،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬كخلفية‭. ‬ورغماً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬فناناً‭ ‬ملوناً،‭ ‬وإنما‭ ‬أعتمد‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬الشكل‭.‬

‭<‬‭ ‬هل‭ ‬تمارس‭ ‬طقوساً‭ ‬معينة‭ ‬قبل‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬المرسم؟

‭- ‬أحب‭ ‬الهدوء،‭ ‬لذا‭ ‬يظل‭ ‬مرسمي‭ ‬دائماً‭ ‬خالياً‭ ‬عما‭ ‬يشغلني‭ ‬بتاتاً،‭ ‬وأظل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تركيز‭ ‬دائم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الدفع‭ ‬الداخلي‭ ‬لأبتدئ‭ ‬عملي،‭ ‬كما‭ ‬أحبذ‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬طهارة،‭ ‬متوضئاً‭ ‬أو‭ ‬متيمماً،‭ ‬لأن‭ ‬العملية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية،‭ ‬سيما‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬خاصة‭ ‬بمنحة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭. ‬

‭<‬‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬فيه‭ ‬الصلحي‭ ‬حالياً؟

‭- ‬حالياً‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التأمل‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر،‭ ‬حيث‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬عملي‭ ‬مزدحماً،‭ ‬والآن‭ ‬فيه‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الصفاء‭ ‬والاختصار،‭ ‬أي‭ ‬أختصر‭ ‬الأشياء‭ ‬بما‭ ‬قلّ‭ ‬ودلّ‭.‬

‭<‬‭ ‬كانت‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬السجين‮»‬‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬مشوارك‭ ‬الفني،‭ ‬وحزت‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬جنيهاً‭... ‬عذراً‭ ‬فهل‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬حققت‭ ‬لك‭ ‬آخر‭ ‬لوحة‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬الشجرة‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬سعر‭ ‬للوحاتك؟

‭- ‬دعني‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬لأنني‭ ‬مؤمن‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬زوال‭ ‬كما‭ ‬الدنيا،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬قبضة‭ ‬من‭ ‬تراب‮»‬‭ (‬‭ ‬كتاب‭ ‬ألفه‭ ‬الصلحي‭ ‬عن‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬■