القلب المرهق متى يحتاج إلى الجراحة؟ مصطفي حلمي النجار

القلب المرهق متى يحتاج إلى الجراحة؟

إن اتخاذ قرار بإجراء جراحة في قلبك، لا يتم إلا بعد إجراء فحوصات عديدة، تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الجراحة هي العلاج المناسب والآمن أيضا. والأسباب الرئيسية لإجراء جراحة القلب هي مرض الشريان التاجي وتلف صمامات القلب.

والشرايين التاجية هي أوعية دموية تغذي عضلة القلب بالطاقة والأكسجين اللازم، وهي تؤدي وظيفتها بكفاءة منذ ما قبل الولادة، وخلال حياة الإنسان. وقد يضطرب أداؤها نظرا لتراكم بعض المواد الدهنية على جدرانها مما قد يؤدي للانسداد - الذي لو كان شديدا يحدث آلاما بالصدر تعرف ب. "الذبحة الصدرية". وفي حالات أخرى يؤدي انسداد الشريان التاجي لحدوث نوبة قلبية وموت بعض ألياف عضلة القلب بما يعرف ب "احتشاء عضلة القلب".ومرض الشريان التاجي منتشر جدا في العالم بأجمعه، ويعتبر السبب الرئيسي لمعظم وفيات العالم الغربي، وأكثر من نصف عمليات القلب يتم إجراؤها بسبب مرض الشريان التاجي.

ويعمل القلب أساسا كمضخة لدفع الدم لجميع أجزاء الجسم ووجود الصمامات الأربعة داخل القلب ضرورة لضمان تدفق الدم باستمرار وفي نفس الاتجاه، وهذه الصمامات قد يصيبها التلف أو العطب (لعيب خلقي أو مرضي مثل الحمى الروماتيزمية)، وبالتالي يضطرب عملها وقد تؤدي لعرقلة سير الدم في الاتجاه الصحيح أو سيره في اتجاه عكسي مما يترتب عليه وضع عبء إضافي على عضلة القلب، يشعر بها المريض على هيئة إجهاد أو تعب من أقل مجهود أو نهجان وخفقان. وفي أحيان أخرى يكتشف وجود مرض بالصمامات عند سماع الطبيب لغط بالقلب أثناء كشف دوري.. وأحيانا أخرى قد لا يشكو المريض إطلاقا برغم أن إصابة الصمام قد تكون شديدة.

وأكثر الصمامات الأربعة إصابة هو الصمام الميترالي (القلنسوي). يليه الصمام الأورطى (الأبهر) وقد يتم إصلاح أو استبدال صمام أو أكثر خلال عملية واحدة. وأحيانا أخرى قد يتم استبدال الصمام مع استبدال الشريان التاجي بعملية واحدة أيضا.

ومعظم عمليات القلب يتم إجراؤها من خلال شق طولي بعظمة القص بالصدر، كي يتمكن الجراح من مشاهدة مسرح العملية جيدا، وعند إجراء الجزء الرئيسي من العملية فإنه يتم إيقاف القلب عن العمل، وإيقاف ضخ الدم من وإلى القلب والرئتين، ويتم الاستعانة مؤقتا بجهاز خاص يقوم بعمل القلب والرئتين حتى الانتهاء من العملية الجراحية.

وتنقسم وسائل جراحة الشريان التاجي إلى:
أ- الجراحة التقليدية: وفيها يتم عمل وصلة شريانية أو وريدية تتخطى مكان إصابة الشريان التاجي. حيث يتم توصيل الشريان أو الوريد البديل بالشريان الرئيسي بالجسم وهو الشريان الأورطى (الأبهر) من جهة، ومن جهة أخرى يتم توصيله بالشريان التاجي، متجاوزا مكان الانسداد، مما يمكن الدم من الوصول من الشريان الأورطي إلى عضلة القلب. والوصلة الوريدية يتم الحصول عليها من أوردة ساق المريض في نفس وقت إجراء الجراحة، وقد تكون أوردة الساقين غير ملائمة، نظرا لإصابتها بدوالي الساقين أو بإكزيما جلدية، فيمكن حينئذ الاستعاضة عنها باستعمال أوردة من الذراعين، وخلال السنوات القليلة الماضية أمكن الاستغناء عن أوردة الساقين، باستعمال شريان من داخل القفص الصدري، يسمى بالشريان الثديي الداخلي، وهو يعطي نتائج ممتازة على المدى البعيد خاصة في المرضى صغار السن. وجراحة الشريان التاجي تعطي نتائج رائعة، فهي تشفي المريض من أعراض الذبحة الصدرية بالإضافة لسهولة إجرائها وقلة مضاعفاتها.

ب -القسطرة والبالون الجراحي يتم إدخال قسطرة شريانية - من شريان الفخذ - مصحوبة ببالون توسيع، ويستعمل أساسا لتوسيع ضيق الشريان التاجي خاصة في المرضى صغار السن، وفي بعض الحالات الأخرى وبالرغم من كون هذه الطريقة تحمل معدل خطورة أقل، ولا يستمر المريض داخل المستشفى لأكثر من 48 ساعة، فإنها لا تصلح لكل حالات مرض الشريان التاجي، وهناك طريقة أكثر تقدما وهي تركيب وصلة داخل الشريان التاجي - باستعمال القسطرة أيضا - لكنها تستعمل فقط في الشريان التاجي الرئيسي، وقد يحدث بها انسداد وبعض المضاعفات الأخرى، ومازالت في طور التطوير.

جراحة صمامات القلب

وفيها يتم شق عظمة الصدر طوليا، ويتم إيقاف القلب والرئتين مؤقتا، باستعمال جهاز خاص. ويتم إجراء فتح جراحي على الصمام المصاب وأحيانا يتم توسيعه أو تضييقه، وفي الغالب يتم استبدال صمام آخر به. والصمامات الاستيعاضية نوعان رئيسيان:

أولا: صمامات نسيجية وهي صمامات يتم الحصول عليها من الحيوانات. لكنها تعالج كميائيا لحفظها ولمنع لفظ الجسم لها، وتصلح أساسا للمرأة التي ترغب في الحمل والإنجاب. وللمتقدمين في السن حيث إنها لا تحتاج إلى أدوية مثبطة للتخثر، لكن عمرها الافتراضي محدود.

ثانيا: صمامات صناعية: هي صمامات مصنعة كاملة من المواد المعدنية والبلاستيكية وهي لا تحوي أنسجة حية، لكن استعمالها يحمل معه احتمال حدوث تخثرات دموية، لذا فاستعمال الأدوية المثبطة للتخثر واجبة مدى الحياة.

والاختيار بين أنواع الصمامات المختلفة يخضع لعوامل كثيرة منها عمر المريض والسيدات في عمر الإنجاب والحالة الصحية للمريض.

وقبل إجراء الجراحة على المريض ضرورة اكتساب لياقة بدنية مناسبة عن طريق الإقلاع تماما عن التدخين. وإلى الأبد وتقليل الوزن في حالة زيادته، بالإضافة للكشف الدقيق على الأسنان لضمان سلامتها وعدم تأثرها السلبي بعد الجراحة.

ماذا بعد الجراحة؟

يتم نقل المريض لغرفة العناية المركزة لأمراض القلب لمدة 24 - 48 ساعة، وفيها تتم مراقبة عمل القلب والرئتين وباقي أجهزة الجسم بكل دقة وفي الغالب يتم تخدير المريض حتى صباح اليوم التالي وأيضا يتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي لتجنيب الجسم المجهود العضلي اللازم لعملية التنفس. وبعد استقرار حالة المريض يتم نقله لغرفة بقسم جراحة القلب حيث تبدأ مرحلة أخرى. بالإضافة لمراقبة الأعراض الحيوية. تبدأ بتدريب المريض على الحركة المحدودة وتتم تغذيته باستعمال السوائل والوجبات الخفيفة ويستمر بقاء المريض بالمستشفى حوالي عشرة أيام، يراقب جيدا خلالها ويعطى الدواء الملائم، ويتم الاطمئنان على جرح الصدر وتنتزع الخيوط الجراحية في اليوم الثامن إذا كانت خيوطا حريرية.

العودة سالماً للمنزل

بعد الانتهاء من الجراحة فإن العودة للمنزل تمثل للمريض حلما جميلا، لكن بعض المرضى عندما يتحقق لهم ذلك قد يشعرون ببعض القلق والاضطراب وعدم الاطمئنان بعد ترك المستشفي حيث العناية الفائقة في كل وقت. لهذا فإنه من المستحب وجود شخص متفرغ بجوارك خلال الأسبوعين التاليين لخروجك من المستشفى، بالإضافة لترتيب زيارة دورية يقوم بها طبيب العائلة للاطمئنان. وقد يشعر المريض ببعض أعراض الكآبة، هذا شيء متوقع ويجب ألا يزعج المريض أو أسرته، فهذا رد فعل طبيعي لعوامل التوتر والإثارة المصاحبة لعمليات القلب الكبرى.
بمرور الأيام تتحسن أحوال المريض ويبدأ في ممارسة أنشطته الطبيعية بالتدريج وهناك إرشادات بسيطة تساعد على سرعة الشفاء منها ما يلي:
1 - فترة النقاهة اللازمة لشفاء المريض وهي تتراوح بين 6 - 8 أسابيع بعد الجراحة، وقد تتغير قليلا من مريض لآخر، حسب نوع العملية وعمر المريض وشدة المرض، فهي مثلا أقصر بعد عملية استبدال شرايين القلب عنها في استبدال صمامات القلب.

2 - الأيام الأولى بعد العودة للمنزل يجب أن ينعم المريض بالراحة الكافية ويتحرك داخل المنزل بنفس الطريقة التي تدرب عليها في المستشفى بعد العملية، ويتبع إرشادات أخصائي الطب الطبيعي بدقة، كما يجب تناول الأدوية اللازمة بنفس نظامها السابق.

3 - الأسابيع الستة الأولى بعد الجراحة بعد مرور يومين أو ثلاثة من الراحة المناسبة، يبدأ المريض في زيادة مستوى النشاط، والمشي هو الرياضة المثالية إذا كان الجو مناسبا وفي وجود مرافق، فالمشي في الهواء الطلق يساعد على سرعة الشفاء الجسدي والنفسي، ولا داعي إطلاقا للقلق إذا أحسست ببعض الآلام في الصدر والرقبة والكتفين أو الظهر، فهي تمثل رد فعل طبيعيا للعضلات وعظام الصدر في طريق العودة لحالتها الطبيعية. وقد يشعر المريض بالتعب والنهجان عند بداية التدريبات لكنه سرعان ما يتحسن بمرور الوقت.

ماذا عن .. التزامات الحياة العادية؟

1 -قيادة السيارات: ينصح معظم الجراحين - المرضى بعدم قيادة السيارة خلال الأسابيع الستة الأولى بعد الجراحة. وفي بريطانيا يجب إبلاغ إدارات المرور بالجراحة. وقد يتم حجب رخصة القيادة لبعض السائقين مثل: سائقي النقل الثقيل وسائقي النقل العام والسائقين الذين استبدلوا صمامات القلب

أما سائقو السيارات الخاصة فلا تحجب عنهم رخص القيادة، لكن لا يسمح لهم بالقيادة قبل انتهاء الأسابيع الستة الأولى بعد العملية الجراحية.

2 - العمل داخل المنزل: عندما يصبح المريض قادرا على العمل. فإن القيام ببعض - الأعمال الخفيفة مثل ري حديقة المنزل أو ترتيب مائدة الطعام شيء مستحب، أما إذا كان العمل عنيفا يستعمل فيه الشخص الذراعين والكتفين بقوة، مثل حفر الحديقة أو رفع الأحمال الثقيلة، فهذا غير مسموح به إطلاقا في الشهور الثلاثة الأولى.

3 - الحياة الجنسية: الحياة الجنسية الطبيعية مرتبطة باستكمال اللياقة البدنية للجسم كله، وممارسة الجنس خلال الأسابيع الأربعة الأولى غير مستحب. ومن الضروري أن يتفهم الزوجان طبيعة الموقف باتخاذ أوضاع مناسبة للطرفين وتجنب إحداث الضرر بجرح الصدر أو إعاقة التنفس. وقد تكون هناك بعض الصعوبات في البداية لكنها سرعان ما تزول ويعود الشخص طبيعيا.

4 - الاستحمام: بداية يفضل الاستحمام السلبي. الذي لا يبذل فيه المريض مجهودا كبيرا، مثل الاستحمام بالبانيو في وجود مرافق، وبعد عدة أسابيع يمكن الاستحمام بالدش بماء دافئ. ويجب أن يتذكر المريض أن نزول بعض الخيوط الجراحية وبقايا الجلد شيء طبيعي ولا يدعو للقلق.

5 - التغذية: الهدف من التغذية الصحيحة هو الوصول بالمريض لمستوى جيد من اللياقة الجسدية، وهذا يعني اتخاذ سياسة غذائية متوازنة وملائمة لكل مريض. فمثلا المريض البدين يجب وضع برنامج غذائي مناسب له عن طريق أخصائي التغذية. وبوجه عام يجب الإقلال من الدهون الحيوانية والنباتية المشبعة والاستعاضة عنها بزيوت نباتية غير مشبعة، وتفضل الأسماك والدواجن منزوعة الدهون عن اللحوم الحمراء. والنظام الغذائي يجب أن يكون قناعة ثابتة لكل شخص مدى الحياة.

6 - الكحوليات: يجب تجنب تناول الكحوليات بعد الجراحة.والنصيحة الأولى بالطبع أن يكف من تعاطي هذه المشروبات نهائيا عن تعاطيها لما فيها من ضرر وحرمة أيضا، ويجب ملاحظة تأثير الكحول على بعض الأدوية مثل المهدئات ومانعات التخثر.

7 - العودة للعمل: بعد مرور ثمانية أسابيع بعد الجراحة يقوم جراح واستشاري القلب بتقييم حالة المريض بدقة وإجراء بعض التحاليل والأبحاث اللازمة، وستجد لديهم الإجابة عن موعد العودة للعمل ثانية.وعموما فإن أكثر من 80% من المرضى يعودون لعملهم السابق. إذا كان خفيفا. بعد شهرين من الجراحة، أما الأعمال اليدوية فتحتاج إلى ثلاثة شهور على الأقل، وقرار العودة للعمل يجب مناقشته مع الطبيب المعالج وصاحب العمل. ومن الممكن تغيير طبيعة الوظيفة في الشهور الأولى بعد العودة، ثم العودة تدريجيا لمهام الوظيفة السابقة.

وفي فترة النقاهة يجب الحذر من الأعراض الآتية: خفقان الصدر، بصورة سريعة أو لم تحدث من قبل، النهجان وضيق التنفس، العرق الزائد أو ارتفاع ملموس في درجة الحرارة، تغير مفاجئ في حدة البصر والدوار الشديد.

فعند حدوث أي منها يجب إبلاغ الطبيب فورا، وسيقوم بتقييم هذه الأعراض، وفي حالة الضرورة سيقوم بتحويلك إلى المستشفى لعرضك على استشاري القلب لاتخاذ الإجراء المناسب.

 

مصطفي حلمي النجار

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أكثر من ملياري نبضة يحدثها قلب الإنسان في متوسط عمره





القلب من الداخل، يظهر أعلي الصمام الأورطي التالف