المؤرخ محمد عبدالحي شعبان «تفسير جديد» أم قراءة مختلفة للتاريخ الإسلامي؟

المؤرخ محمد عبدالحي شعبان «تفسير جديد» أم قراءة مختلفة  للتاريخ الإسلامي؟

مبكّراً نزعتُ إلى الاهتمام بالتاريخ الإسلامي، ولكنني تمرّدت على المناهج التي واكبتها طالباً، واخترت منهجاً، أو بدأت أختاره، أو لعلني وجدتُ نفسي في سياقه أكثر قابليةً لاستيعاب التجديد، من دون المسّ  بجوهر النص، إلا ما كان من الأخبار المدخولة، المفعمة بالأسطرة والتحريف. وإذ أعرضتُ عن الكتابات التقليدية، وبعضها، أو جلّها نال شهرة عريضة، لفتني المؤرخ عبدالعزيز الدوري في معظم دراساته، خصوصاً ذات الاتجاه الاقتصادي الأكثر استجابة للمنهج العلمي، وإن لم يكن مجدداً في «عباسياته». 

لفتني‭ ‬أيضاً‭ ‬صالح‭ ‬أحمد‭ ‬العلي،‭ ‬مؤرخاً‭ ‬اقتصادياً‭ - ‬اجتماعياً،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أبحاثه‭: ‬‮«‬التنظيمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬الهجري‮»‬،‭ ‬ملكيات‭ ‬الأراضي‭ ‬في‭ ‬الحجاز،‭ ‬العطاء‭ ‬في‭ ‬الحجاز‭... ‬إلى‭ ‬كتابات‭ ‬باهرة‭ ‬في‭ ‬مادتها‭ ‬الغزيرة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ميلاً‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬التحليل‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬الجيل،‭ ‬برز‭ ‬فاروق‭ ‬عمر‭ ‬فوزي‭ ‬في‭ ‬أبحاثه‭ ‬عن‭ ‬العباسيين،‭ ‬دعوةً‭ ‬وثورةً‭ ‬وتنظيماً،‭ ‬مع‭ ‬لمعة‭ ‬تجديدية‭ ‬ما،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ظلّ‭ ‬وراء‭ ‬المؤرخين‭ ‬السالفين‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التنوّع‭ ‬والعمق‭.‬

 

منهج‭ ‬مختلف

ليس‭ ‬خافياً،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سلف،‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تبوأته‭ ‬المدرسة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬متفوقةً‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬الأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مركز‭ ‬الحركة‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬وحين‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مدرسة‭ ‬العراق،‭ ‬نستذكر‭ ‬‮«‬مدرسة‭ ‬الرأي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الكوفة،‭ ‬المتقدّمة‭ ‬حينئذٍ‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬المعاصرة‭ ‬لها،‭ ‬الملتزمة‭ ‬بنص‭ ‬‮«‬الحديث‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬ذهب‭ ‬بي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬المستنير‭ ‬بضوء‭ ‬العقل،‭ ‬يستولد‭ ‬فكراً‭ ‬يواكب‭ ‬الحضارة‭ ‬في‭ ‬مسيرتها‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭. ‬وقد‭ ‬وجدتني‭ ‬منحازاً‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة،‭ ‬متأثراً‭ ‬لحينٍ‭ ‬بمناهجها،‭ ‬ودورها‭ ‬الريادي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وعندما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬يدي،‭ ‬مصادفةً،‭ ‬كتاب‭ ‬للمؤرخ‭ ‬محمد‭ ‬عبدالحيّ‭ ‬شعبان‭ (‬1922-1992‭)‬،‭ ‬ولمستُ‭ ‬فيه‭ ‬نمطاً‭ ‬مختلفاً‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لم‭ ‬أتأخر‭ ‬في‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدرسة،‭ ‬وظلّ‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬سائداً‭ ‬لنحو‭ ‬عقود‭ ‬ثلاثة،‭ ‬فاكتشفت‭ ‬بعدئذٍ‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬مصري‭ ‬ريفي،‭ ‬ومن‭ ‬جيل‭ ‬الدوري‭ ‬والعلي،‭ ‬ومثلهما‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬ولكن‭ ‬بإشراف‭ ‬هاملتون‭ ‬جب،‭ ‬أبرز‭ ‬المستشرقين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬في‭ ‬زمانه‭. ‬كما‭ ‬اختلف‭ - ‬أي‭ ‬شعبان‭ - ‬بأن‭ ‬كتاباته‭ ‬كانت‭ ‬غالباً‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬إلى‭ ‬تباينات‭ ‬عن‭ ‬المؤرخين‭ ‬السالفين،‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬الحياتية‭ ‬التي‭ ‬جنحت‭ ‬عن‭ ‬خطّها‭ ‬الاعتيادي‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬انتظام‭.‬

الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬صادفته‭ ‬أو‭ ‬صادفني،‭ ‬كان‭ ‬‮«‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬والدولة‭ ‬الأموية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭. ‬ولطالما‭ ‬أغرى‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬عشرات‭ ‬المؤرخين،‭ ‬بالكتابة‭ ‬فيه،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬مادةً‭ ‬غزيرة،‭ ‬متوافرة‭ ‬لكل‭ ‬طارئ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬الأول‭ ‬وتداعياته‭. ‬ولكن،‭ ‬علينا‭ ‬الاعتراف،‭ ‬ولا‭ ‬نجافي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكثرة،‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬القارئ‭ ‬سوى‭ ‬ركامات‭ ‬مجوّفة،‭ ‬أو‭ ‬مفاهيم‭ ‬مغلوطة،‭ ‬ما‭ ‬انفكت‭ ‬تُستعاد‭ ‬بالقليل‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬النقد،‭ ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬شيء‭ ‬منه‭.‬

 

التاريخ‭ ‬بين‭ ‬النقد‭ ‬والتفسير

محمد‭ ‬عبدالحيّ‭ ‬شعبان،‭ ‬تجرّأ،‭ ‬فأضاف‭ ‬إلى‭ ‬العنوان‭: ‬‮«‬تفسير‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‮»‬،‭ ‬مستفزاً‭ ‬بذلك،‭ ‬ليس‭ ‬فضول‭ ‬القارئ‭ ‬وإنما‭ ‬المؤرخ‭ ‬الذي‭ ‬قطع‭ ‬مراحل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭. ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬يراوده‭ ‬سؤال‭: ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬تفسير‭ ‬للتاريخ،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬تفاسير‭ ‬للقرآن‭ ‬والحديث؟‭ ‬وبمعنى‭ ‬أكثر‭ ‬تحديداً،‭ ‬هل‭ ‬يحتاج‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬معمقة،‭ ‬مشبوكة‭ ‬بثقافة‭ ‬متنوعة،‭ ‬تبدأ‭ ‬باللغة‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬عند‭ ‬حدّ‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية؟‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يسوّغ‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬لا‭ ‬يطابق‭ ‬هذه‭ ‬المفردة،‭ ‬والمؤرخ‭ ‬شعبان‭ ‬بدوره‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬أو‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬ضفافها،‭ ‬إذ‭ ‬هي‭ ‬أساساً‭ ‬في‭ ‬محلها‭ ‬المناسب‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬شعبان‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬توصيف،‭ ‬حقّق‭ ‬دراسة‭ ‬رصينة‭ ‬لمرحلة‭ ‬صعبة،‭ ‬وهي‭ ‬مؤسسة‭ ‬على‭ ‬النقد،‭ ‬ورصد‭ ‬الإشكالية‭ ‬بوعي‭ ‬لمّاح،‭ ‬وإن‭ ‬شابت‭ ‬المنهج‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر،‭ ‬أفكار‭ ‬أخلّت‭ ‬به‭ ‬طريقاً‭ ‬لاكتناه‭ ‬حقائق‭ ‬أو‭ ‬مقاربات‭ ‬لها‭.‬

يستوقفنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشوائب،‭ ‬عنوان‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭: ‬‮«‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬بيئتها‮»‬،‭ ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬كلام‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬تماماً،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬تصعب‭ ‬الكتابة‭ ‬بصورة‭ ‬موضوعية‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬دين‭ ‬آخر‭. ‬فالمؤرخ‭ ‬لو‭ ‬طرح‭ ‬الاعتقادات‭ ‬الشخصية‭ ‬جانباً،‭ ‬لوجد‭ ‬نفسه‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬أمام‭ ‬غموض‭ ‬شديد‭ ‬حول‭ ‬نشأة‭ ‬الدين‭ ‬المعني،‭ ‬ولئن‭ ‬بقيت‭ ‬لنا‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل‭ ‬عن‭ ‬تطور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬عهده،‭ ‬فإنها‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬ملوّنة‭ ‬منمّقة‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬كبير،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مبالغاً‭ ‬فيها،‭ ‬بحيث‭ ‬يصعب‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والأسطورة‮»‬‭. ‬

من‭ ‬يستطيع‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬والأسطورة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي؟‭ ‬ولكن‭ ‬المؤرخ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موروثه‭ ‬الثقافي‭ ‬أكثر‭ ‬اكتناهاً‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة،‭ ‬وليس‭ ‬أمامه‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬الإبحار‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬برغم‭ ‬ثغراته،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬مفرّ‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬واستلال‭ ‬المعطيات‭ ‬التاريخية‭ ‬وليس‭ ‬الدينية‭ ‬منه‭.‬‭ ‬والمؤرخ،‭ ‬حينئذ‭ ‬بأدواته،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬أو‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬المدخول‭ ‬والمؤسطر،‭ ‬وبين‭ ‬مرويّات‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الشكوك‭ ‬أو‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬عاملين‭ ‬أثّرا‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬الثقافي‭ ‬التاريخي‭ ‬لشعبان‭: ‬الأول،‭ ‬أنه‭ ‬مرّ‭ ‬بتجربة‭ ‬عسكرية،‭ ‬رقّي‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬رتبة‭ ‬ضابط،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬بعض‭ ‬أحكامه‭ ‬المتشددّة،‭ ‬أو‭ ‬تفسيرات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التأويل‭. ‬والثاني‭: ‬النّفَس‭ ‬الاستشراقي‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬ويبدو‭ ‬ذلك‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬التوكؤ‭ ‬أحياناً‭ ‬على‭ ‬مؤرخين‭ ‬غربيين‭ ‬مثل‭ ‬كيستر‭ ‬ووات‭ ‬وبلييايف‭ ‬في‭ ‬موضوعة‭ ‬‮«‬الإيلاف‮»‬‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬لابدّ‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬الطبري،‭ ‬أو‭ ‬سورة‭ ‬قريش،‭ ‬في‭ ‬التأشير‭ ‬إلى‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وليس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فقط‭ ‬للمنظومة‭ ‬السالفة،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يغنيه‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مرجع‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البيئة‭ ‬ودلالاتها‭ ‬الخاصة؟‭ ‬

في‭ ‬العادة،‭ ‬الكبار‭ ‬لا‭ ‬يؤخذون‭ ‬بالنقد‭ ‬السلبي،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬المنهج،‭ ‬تقديراً‭ ‬لمواقعهم‭ ‬ومنجزاتهم،‭ ‬سأتوقف‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬مسائل‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالمضمون،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الفتوحات‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬الراشدية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‭]‬،‭ ‬وقد‭ ‬عالج‭ ‬شعبان‭ ‬هذه‭ ‬الموضوعية‭ ‬برويّة‭ ‬ورصانة،‭ ‬مبتعداً‭ ‬عن‭ ‬المصطلحات‭ ‬النافرة،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬التنظيم‭ ‬العسكري‭ ‬للمسلمين،‭ ‬وتكوين‭ ‬جيوشهم،‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬والضرائب‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وهي‭ ‬عناوين‭ ‬لم‭ ‬تعبأ‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى،‭ ‬الكتابات‭ ‬السالفة‭.‬

ويلفت‭ ‬شعبان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬معقدة،‭ ‬وهي‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الأراضي‭ ‬المهجورة‭ ‬والممتلكات‭ ‬الشاسعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخصّ‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬وكبار‭ ‬النبلاء‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الأراضي‭ ‬معروفة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬السواد‮»‬‭.‬

ويعلّق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬لما‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬قد‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬الشديدة‭ ‬الخصب‭ ‬محروثة‭ ‬ومزروعة،‭ ‬فقد‭ ‬عمدوا‭ ‬إلى‭ ‬إبقاء‭ ‬الفلاحين‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لمواصلة‭ ‬العمل‮»‬‭. ‬وليس‭ ‬العرب‭ ‬هنا‭ ‬سوى‭ ‬القبائل‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬العراق،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬نسب‭ ‬لها‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬الأرض،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قادتها،‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭ ‬يلحّون‭ ‬على‭ ‬تقسيمها‭. ‬ولكن‭ ‬الخليفة‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬موقف‭ ‬أكثر‭ ‬موضوعية،‭ ‬فهذه‭ ‬القبائل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديها‭ ‬خبرة،‭ ‬نسبياً‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬موازية‭ ‬لخبرات‭ ‬المزارعين‭ ‬الفرس،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬‮«‬السواد‮»‬‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الرّي،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬له‭ ‬شروطه‭ ‬ومعاملاته،‭ ‬ولا‭ ‬يتّفق‭ ‬عملياً‭ ‬مع‭ ‬النزعة‭ ‬الفردية‭ ‬للقبائل‭. ‬ولهذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬رفض‭ ‬الخليفة‭ ‬مبدأ‭ ‬التقسيم،‭ ‬معبّراً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بمقولته‭ ‬المعروفة‭: ‬‮«‬أخاف‭ ‬إن‭ ‬قسّمتُه‭ - ‬أي‭ ‬السواد‭ - ‬أن‭ ‬تفاسدوا‭ ‬بينكم‭ ‬في‭ ‬المياه‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬للخليفة‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬موقف‭ ‬مشابه،‭ ‬ولكن‭ ‬ضغط‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬النافذة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬خرق‭ ‬القاعدة،‭ ‬جزئياً‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬بتوزيع‭ ‬أراضٍ‭  ‬على‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬الوالي‭ ‬الأموي‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬في‭ ‬الكوفة،‭ ‬وهو‭ ‬القائل،‭ ‬أو‭ ‬يُنسب‭ ‬له‭: ‬‮«‬السواد‭ ‬بستان‭ ‬لقريش‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬احتجاج‭ ‬القبائل‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الفتوح،‭ ‬وما‭ ‬لبث‭ ‬الوضع‭ ‬أن‭ ‬تفجّر‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬عامين،‭ ‬مسفراً‭ ‬عمّا‭ ‬عُرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الفتنة‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬مفاعيل‭ ‬شديدة‭ ‬الخطورة‭ ‬وانتهت‭ ‬إلى‭ ‬تحولات‭ ‬أصابت‭ ‬النظام‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬صميمه‭.‬

 

التحليل‭ ‬المعرفي‭ ‬لوقائع‭ ‬التاريخ

لم‭ ‬يكن‭ ‬شعبان‭ ‬غائباً‭ ‬عن‭ ‬المتغيّرات‭ ‬وارتداداتها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬الأمة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬مقاربته‭ ‬لمشكلة‭ ‬الأرض‭ ‬ظلّت‭ ‬ملتبسة،‭ ‬فهو‭ ‬يردّها‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭/ ‬القبائل‭ ‬ممن‭ ‬كانوا‭ ‬يطالبون‭ ‬بالأرض،‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭/ ‬السلطة‭ ‬الرافضين‭ ‬لذلك‭ ‬كما‭ ‬سلفت‭ ‬الإشارة‭. ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬حلاً‭ ‬جذرياً‭ ‬لها‭ ‬بعدما‭ ‬اتسعت‭ ‬دائرتها‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬‭]‬‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬‭]‬‭ ‬الذي‭ ‬تشدد‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الأرض‭ ‬لعاملين‭: ‬الأول‭ ‬جغرافي،‭ ‬تفادياً‭ ‬لهجرة‭ ‬حجازية‭ ‬واسعة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التفريغ‭ ‬البشري‭ ‬لمركز‭ ‬الإسلام،‭ ‬والثاني‭ ‬إقليمي‭ ‬متّصل‭ ‬بحركة‭ ‬الفتوح‭ ‬وانعكاسها‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬العسكري‭ ‬للقبائل‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهي‭ ‬مادة‭ ‬الفتوح‭ ‬آنذاك‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬اغتيال‭ ‬الخليفة‭ ‬القوي‭ ‬عمر‭ ‬‭]‬،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الترجيح‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بهذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لخليفته‭ ‬ليس‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استبعاد‭ ‬الاغتيال‭ ‬الثالث‭ ‬لعلي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬‭]‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شبيهاً‭ ‬في‭ ‬تعليلاته‭ ‬السطحية،‭ ‬بتلك‭ ‬التي‭ ‬رُوجت‭ ‬عن‭ ‬سلفه‭ ‬عمر‭  ‭]‬،‭ ‬وشعار‭ ‬‮«‬لا‭ ‬حكم‭ ‬إلا‭ ‬لله‮»‬،‭ ‬إنما‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬النفوذ،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬وجوهه‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬إذ‭ ‬التزم‭ ‬علي‭ ‬‭]‬‭ ‬بالقاعدة‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬الخليفة‭ ‬الثاني،‭ ‬بإبقائها‭ ‬ملكاً‭ ‬للأمة،‭ ‬حسب‭ ‬رواية‭ ‬المسعودي‭.‬

ثمة‭ ‬مسألة‭ ‬أخرى‭ ‬مهمة‭ ‬التبست‭ ‬على‭ ‬المؤرخ‭ ‬شعبان‭ ‬أو‭ ‬تعمّد‭ ‬تفسيرها‭ ‬على‭ ‬طريقته،‭ ‬أعني‭ ‬بذلك‭ ‬تأويله‭ ‬لمفردة‭ ‬‮«‬القراء‮»‬‭ ‬المتداولة‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬الإسلام،‭ ‬نافياً‭ ‬أنها‭ ‬تعني‭ ‬حافظي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭. ‬ويميل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬قراء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُفهم‭ ‬بأنها‭ ‬اشتقاق‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬قرى،‭ ‬وهي‭ ‬تعني‭ ‬أهل‭ ‬القرى‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬ينفك‭ ‬متشبثاً‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬معطيات‭ ‬واهية،‭ ‬كأن‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬الحاشية‭ ‬إن‭ ‬الفرزدق‭ ‬استعمل‭ ‬‮«‬أهل‭ ‬القرى‮»‬،‭ ‬إشارة‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬القرّاء‭ ‬الذين‭ ‬قُتلوا‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬ابن‭ ‬الأشعث‭.‬

ولعل‭ ‬المتتبع‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة‭ ‬في‭ ‬الموضوعة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فأولئك‭ ‬خصوصاً،‭ ‬وقد‭ ‬أقام‭ ‬لهم‭ ‬الحجّاج‭ ‬‮«‬محكمة‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬الثورة،‭ ‬وانتهى‭ ‬معظمهم‭ ‬إلى‭ ‬القتل،‭ ‬كانوا‭ ‬ممّن‭ ‬يحفظون‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ويتداولون‭ ‬الأحاديث‭. ‬فهي‭ ‬إذاً‭ ‬كلمة‭ ‬شائعة‭ ‬بالمعنى‭ ‬السالف،‭ ‬ولم‭ ‬ترد‭ ‬بمعناها‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬التاريخية،‭ ‬بينما‭ ‬وردت‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬حاملةً‭ ‬مضمونها‭ ‬القرآني،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القول‭ ‬المنسوب‭ ‬لمعاذ‭ ‬ابن‭ ‬جبل‭ ‬عشية‭ ‬معركة‭ ‬اليرموك،‭ ‬مخاطباً‭ ‬أولئك‭ ‬النخب،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬دورهم‭ ‬خافياً‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬القتال،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬عملياته‭: ‬‮«‬يا‭ ‬قرّاء‭ ‬القرآن‭ ‬ومستحفظي‭ ‬الكتاب‭ ‬وأنصار‭ ‬الهدى‭ ‬وأولياء‭ ‬الحّق‮»‬‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬مخنف‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الطبري،‭ ‬بصدد‭ ‬توزيع‭ ‬القيادات‭ ‬في‭ ‬جيش‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬‭]‬‭ ‬بمعركة‭ ‬صفين‭: ‬‮«‬الأشتر‭ ‬على‭ ‬خيل‭ ‬الكوفة،‭ ‬وعمّار‭ ‬بن‭ ‬ياسر‭ ‬على‭ ‬رجالاتها،‭ ‬وسهل‭ ‬بن‭ ‬حنيف‭ ‬الأنصاري‭ ‬على‭ ‬خيل‭ ‬البصرة،‭ ‬وقيس‭ ‬بن‭ ‬سعد‭ ‬وهاشم‭ ‬بن‭ ‬عتبة‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬وقاص‭... ‬على‭ ‬قرّائها‮»‬‭.‬

وكانت‭ ‬جرأة‭ ‬‮«‬شعبان‮»‬‭ ‬في‭ ‬تصديه‭ ‬لمرحلة‭ ‬كتب‭ ‬فيها‭ ‬عشرات‭ ‬المؤرخين‭ ‬والقليلون‭ ‬من‭ ‬حقّق‭ ‬عملاً‭ ‬جيداً،‭ ‬أو‭ ‬استبر‭ ‬المرحلة‭ ‬إلى‭ ‬أعماقها‭. ‬أما‭ ‬شعبان‭ ‬فقد‭ ‬وجد‭ ‬الكثير‭ ‬ليضيفه‭ ‬ويبدع‭ ‬فيه،‭ ‬والعقل‭ ‬ما‭ ‬اهتدى‭ ‬به‭ ‬غالباً‭ ‬في‭ ‬مقاربته‭ ‬الحقيقة‭.‬

أتوقف‭ ‬هنا‭ ‬عند‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬تنبّه‭ ‬إلى‭ ‬أبعادها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدينية،‭ ‬أعني‭ ‬بذلك‭ ‬صراع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬ودعاة‭ ‬التبشير‭ ‬على‭ ‬اليمن،‭ ‬وما‭ ‬نجم‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تحوّلات‭ ‬مثيرة‭ ‬عشية‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭.‬

وفيما‭ ‬كان‭ ‬الفرس‭ ‬حذرين‭ ‬من‭ ‬الوغول‭ ‬بعيداً‭ ‬في‭ ‬شِعاب‭ ‬المنطقة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬البيزنطيون‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة،‭ ‬معتبرين‭ ‬بالحملة‭ ‬الرومانية‭ ‬الفاشلة‭ (‬24‭ ‬ق‭.‬م‭). ‬و«كان‭ ‬البيزنطيون‭ - ‬والكلام‭ ‬لشعبان‭ - ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬في‭ ‬سياساتهم،‭ ‬فقد‭ ‬امتنعوا‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬مباشرة‭ ‬بأي‭ ‬مغامرات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬ولكنهم‭ ‬شهدوا،‭ ‬أو‭ ‬لعلهم‭ ‬شجّعوا‭ ‬محاولة‭ ‬الأحباش،‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬مذهبهم‭ ‬الديني،‭ ‬لفتح‭ ‬اليمن‭ ‬نحو‭ ‬525م‭ ‬ومهاجمة‭ ‬مكة‭ ‬بالذات‭ ‬بعد‭ ‬قليل،‭ ‬لتوطيد‭ ‬سيطرتهم‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬اليمن‭ - ‬سورية،‭ ‬وبعد‭ ‬فشل‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات،‭ ‬اكتفى‭ ‬البيزنطيون‭ ‬بالمناورات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬مدّ‭ ‬نفوذهم‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬لإقامة‭ ‬نفوذ‭ ‬تابع‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬شبيه‭ ‬بمملكة‭ ‬‮«‬غسان‮»‬‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬سورية‭. ‬ولمّا‭ ‬باءت‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة‭ ‬بالإخفاق،‭ ‬كانوا‭ ‬سعداء‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬مكة‭ ‬لضمان‭ ‬‮«‬سير‭ ‬تجارتهم‮»‬‭. ‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬شعبان‭ ‬عن‭ ‬المناورات‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬محاولة‭ ‬البيزنطيين‭ ‬اصطناع‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬قريش،‭ ‬دفعوه‭ ‬إلى‭ ‬التنصّر،‭ ‬وهو‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬الحويرث‭ (‬من‭ ‬أسد‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزى‭) ‬وأحاطوه‭ ‬بالرعاية،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬استقبال‭ ‬القيصر‭ ‬له،‭ ‬طامعاً‭ ‬بفضل‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬أن‭ ‬يُتّوج‭ ‬ملكاً‭ ‬على‭ ‬مكة،‭ ‬ولكن‭ ‬قريشاً‭ ‬‮«‬لقاح‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يحكمها‭ ‬فرد،‭ ‬فقد‭ ‬خيبت‭ ‬آماله‭ ‬وفشلت‭ ‬المحاولة‭ ‬أيضاً‭. ‬وثمة‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬توضيح،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الملكيين‮»‬‭ ‬البيزنطيين‭ ‬أتباع‭ ‬الطبيعتين‭ ‬الإلهية‭ ‬والبشرية،‭ ‬واليعاقبة‭ ‬الأحباش،‭ ‬أتباع‭ ‬الطبيعة‭ ‬الواحدة‭ (‬الإلهية‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬إنهما‭ ‬لا‭ ‬يلتئمان‭ ‬في‭ ‬مذهب‭ ‬واحد‭. ‬

ومن‭ ‬صراعات‭ ‬عشية‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعده‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬دولة‭ ‬الرسول‭ ‬‭[‬‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الخلافة‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬عمر‭ ‬‭]‬،‭ ‬كما‭ ‬سلفت‭ ‬الإشارة،‭ ‬وهو‭ ‬محصلة‭ ‬محنتين‭ ‬أو‭ ‬حربين‭ ‬أهليتين،‭ ‬وفاقاً‭ ‬لتعبير‭ ‬شعبان،‭ ‬أطاحتا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بالعهد‭ ‬الراشدي،‭ ‬ليستبدل‭ ‬به‭ ‬نمط‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬السلطة،‭ ‬عادت‭ ‬في‭ ‬ظله‭ ‬البداوة‭ ‬تتفشى‭ ‬في‭ ‬شرايين‭ ‬المجتمع،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬السلالة‭ ‬المروانية‭ ‬انبثقت‭ ‬من‭ ‬‮«‬يوم‮»‬‭ ‬عاصف‭ (‬مرج‭ ‬راهط‭) ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أيام‮»‬‭ ‬القبائل‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬سقوطها‭ ‬في‭ ‬صخب‭ ‬حرب‭ ‬قبلية‭ ‬شرسة‭ ‬بين‭ ‬اليمنيين‭ ‬والقيسيين،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المؤرخ‭ (‬المستشرق‭) ‬دانيال‭ ‬دينيت‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الإمبراطورية‮»‬‭ ‬الأموية‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬معقلها‭ ‬الشامي‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬خراسان،‭ ‬وهو‭ ‬رأي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬ثناياه‭ ‬دلالات‭ ‬وليس‭ ‬فرضيات‭ ‬فقط‭.‬

من‭ ‬الصعب‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إجراء‭ ‬دراسة‭ ‬شاملة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬فهو‭ ‬مزدحم‭ ‬بالأفكار‭ ‬الجديدة،‭ ‬إلى‭ ‬صياغة‭ ‬مكثّفة،‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬موضوعية‭ ‬صارمة‭... ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يجعله‭ ‬مرجعاً‭ ‬شديد‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬مجاله،‭ ‬ولا‭ ‬يشينه‭ ‬سوى‭ ‬بعض‭ ‬إسقاطات،‭ ‬واجتهادات‭ ‬ليست‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬السببية،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬تماسك‭ ‬واستنتاجات‭ ‬علمية‭ ‬هادئة،‭ ‬ولا‭ ‬نفتئت‭ ‬على‭ ‬المؤلف،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فحين‭ ‬نجد‭ ‬أمامنا‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬الحجاج‮»‬‭ ‬عنواناً،‭ ‬فذلك‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬التسرع‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬من‭ ‬مؤرخ‭ ‬في‭ ‬وزن‭ ‬شعبان،‭ ‬يعرف‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬والي‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬تابعاً‭ ‬إدارياً‭ ‬وسياسياً‭ ‬لخليفتين‭ ‬مشتهرين‭ ‬هما‭ ‬عبدالملك‭ ‬والوليد،‭ ‬لاسيما‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يوصف‭ ‬بالمؤسس‭ ‬الثاني‭ ‬للحكم‭ ‬الأموي،‭ ‬بل‭ ‬بالشخصية‭ ‬الأقوى‭ ‬والأكثر‭ ‬تميّزاً‭ ‬فيه‭.‬

وثمة‭ ‬عنوان‭ ‬يستدرج‭ ‬القلم‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الإصلاح‭ ‬المعتدل‭ ‬والإصلاح‭ ‬الجذري‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬خص‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭ ‬وعمر‭ ‬بن‭ ‬العزيز،‭ ‬وكلاهما‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬سوى‭ ‬نيف‭ ‬وخمسة‭ ‬أعوام،‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬إصلاحية‭ ‬فعلية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجانب‭ ‬الإصلاحي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬سليمان‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬كل‭ ‬عهده‭ ‬بالحملة‭ ‬إلى‭ ‬القسطنطينية،‭ ‬فإن‭ ‬المرتجى‭ ‬حينذاك‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬متكامل،‭ ‬كانت‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬خلفاؤها‭ ‬في‭ ‬أمسِّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه،‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬تفشّت‭ ‬ودخلت‭ ‬السلطة‭ ‬فيه‭ ‬طرفاً‭ ‬مباشراً‭ ‬فيها،‭ ‬مما‭ ‬صعب‭ ‬على‭ ‬الخليفة‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬محاولته‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬معارضة‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬الأموية‭.‬

وترجّح‭ ‬روايات‭ ‬أن‭ ‬مؤامرة‭ ‬استهدفته‭ ‬من‭ ‬داخلها،‭ ‬وربما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً،‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬البيعة‭ ‬لشخصية‭ ‬نقيضة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬سلوكه،‭ ‬ومنهاجه،‭ ‬وهو‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭.‬

يبقى‭ ‬أن‭ ‬مسألةً‭ ‬لم‭ ‬أشأ‭ ‬مغادرة‭ ‬الكتاب،‭ ‬قبل‭ ‬التوقف‭ ‬عندها،‭ ‬وهي‭ ‬الخاصة‭ ‬بحركة‭ ‬المختار‭ ‬الثقفي‭ ‬التي‭ ‬التبست‭ ‬على‭ ‬المؤرخين‭ ‬بصورة‭ ‬شبه‭ ‬عامة‭. ‬ولعل‭ ‬تقويم‭ ‬شعبان‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬اتّسم‭ ‬بالموضوعية،‭ ‬فيبدو‭ ‬لنا‭ ‬الثقفي‭ ‬مغامراً‭ ‬باحثاً‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬طريق‭ ‬جاءت‭. ‬فقد‭ ‬حاول‭ ‬بدايةً‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬ابن‭ ‬الزبير،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬محلاً‭ ‬مناسباً‭ ‬له،‭ ‬عند‭ ‬ذاك‭ - ‬والكلام‭ ‬لشعبان‭ - ‬‮«‬قرّر‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬لحسابه‭... ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬انتهازياً‭ ‬طامعاً‭ ‬يتصف‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬والحذر‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬وجد‭ ‬ضالّته‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬ارتباكاً‭ ‬حينذاك‭ ‬بعد‭ ‬كربلاء،‭ ‬زاعماً‭ ‬أنه‭ ‬يحظى‭ ‬بدعم‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬الحنفية‭ (‬أخٌ‭ ‬غير‭ ‬شقيق‭ ‬للحسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭) ‬باعتباره‭ ‬‮«‬المهدي‮»‬‭ ‬وأنه‭ ‬أمينه‭. ‬لم‭ ‬يقنع‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬القوي‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬الأشتر،‭ ‬فشكّك‭ ‬في‭ ‬مزاعمه،‭ ‬ورأى‭ ‬أنه‭ ‬منافق‭ ‬ومجرّد‭ ‬طالب‭ ‬سلطة‭. ‬ولولا‭ ‬ضغط‭ ‬فقيه‭ ‬الكوفة‭ (‬الشعبي‭) ‬على‭ ‬ابن‭ ‬الأشتر،‭ ‬وقوله‭ ‬للأخير‭ ‬‮«‬إن‭ ‬هوى‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬الثأر‮»‬،‭ ‬لما‭ ‬استطاع‭ ‬تحقيق‭ ‬مأربه‭ ‬في‭ ‬الصعود‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬الإمارة‭. ‬وكان‭ ‬شعبان‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬لحركة‭ ‬المختار،‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬استبرت‭ ‬شخصية‭ ‬الأخير،‭ ‬واكتنهت‭ ‬أبعاد‭ ‬مشروعه،‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬ثناياه‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬تتقاطع‭ ‬مع‭ ‬تيار‭ ‬التشيع‭ ‬حينذاك،‭ ‬ويمكن‭ ‬اختصاره‭ ‬بما‭ ‬يوائم‭ ‬توصيف‭ ‬البلاذري‭ ‬في‭ ‬‮«‬أنسابه‮»‬‭: ‬

‮«‬كان‭ ‬في‭ ‬الذروة‭ ‬وكان‭ ‬أيضاً‭ ‬أمام‭ ‬الهاوية‮»‬‭.‬

ليس‭ ‬ثمة‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬موضوع‭ ‬هذه‭ ‬المقالة،‭ ‬يشكل‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬التاريخي‭ ‬الإسلامي‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬تفسير‭ ‬جديد‮»‬‭ ‬التي‭ ‬توّجت‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬الدّقة‭ ‬ما‭ ‬توخاه‭ ‬شعبان،‭ ‬ولو‭ ‬استُبدلت‭ ‬بها‭ ‬قراءة‭ ‬مختلفة‭ ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬مواءمة‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الكاتبات‭ ‬السردية‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الموضوعة‭.‬

لقد‭ ‬أصاب‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اجتهاداته،‭ ‬وكان‭ ‬موضوعياً‭ ‬وانسيابياً،‭ ‬ولكنه‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬منها،‭ ‬مما‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ‬سالفاً‭. ‬وفي‭ ‬المحصلة‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬فرض‭ ‬نفسه‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة،‭ ‬قارب‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حقائق‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭. ‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬والدولة‭ ‬الأموية‮»‬‭ ‬برغم‭ ‬ثغراتٍ‭ ‬فيه،‭ ‬كتاب‭ ‬مميّز‭ ‬في‭ ‬مجاله،‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ذخيرة‭ ‬المرويات،‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬قبسات‭ ‬‮«‬الأستاذ‮»‬‭ ‬هاملتون‭ ‬جب،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تسلب‭ ‬الكتاب‭ ‬أصالته‭ ‬وشخصيته‭ ‬الجديدة‭.‬

يبقى‭ ‬أنني‭ ‬اخترتُ‭ ‬‮«‬صدر‭ ‬الإسلام‭ ‬والدولة‭ ‬الأموية‮»‬‭ ‬موضوعاً‭ ‬لهذه‭ ‬المقالة،‭ ‬اعتقاداً‭ ‬بأنه‭ ‬الأفضل‭ ‬بين‭ ‬أبحاث‭ ‬المؤرخ‭ ‬شعبان‭. ‬ولعلني‭ ‬أحسنت‭ ‬الاختيار،‭ ‬فلم‭ ‬أشأ‭ ‬الوغول‭ ‬أكثر،‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬الآخر‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬العباسية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬نال‭ ‬عليه‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬هارفرد،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬صدر‭ ‬الإسلام‮»‬‭ ‬بنحو‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديه‭ ‬الخبرة‭ ‬والأدوات‭ ‬المناسبة،‭ ‬اللتين‭ ‬اكتسبهما‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬ترك‭ ‬دمغة‭ ‬في‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬ما‭ ‬انفكّت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عرضةً‭ ‬للجدل‭ ‬والنقاش‭ ‬