قراءة في كتاب «إستبانة» للدكتور عبدالله العروي

قراءة في كتاب «إستبانة» للدكتور عبدالله العروي

صدر أخيراً للمفكر المغربي  الدكتور عبدالله العروي، كتاب بعنوان «إستبانة» عن المركز الثقافي العربي للكتاب – الدار البيضاء - بيروت، في 142 صفحة، وهو كتاب كما يقول عنه مؤلفه، يتعلق بـ «طلب إبانة» للكشف عن قضايا ملتبسة تتعلق بأحداث ثقافية، تاريخية وفكرية وسياسية، مرتبطة بوقائع حياتية تتقاطع مع سيرة التعلم وطفولة المؤلف منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حتى مجيء الاستقلال في أواسط عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك من خلال تفعيل تقنية جديدة في التأليف المعتمدة على الحوار التفاعلي بين العروي المواطن العادي، الذي يوجه أسئلته إلى المفكر عبدالله العروي.

 

‭ ‬يمثل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الموجة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬طرائق‭ ‬التأليف،‭ ‬التي‭ ‬وظفها‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬عبر‭ ‬مساره‭ ‬الفكري‭. ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى،‭ ‬اهتم‭ ‬المؤلف‭ ‬بالقضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬والأطروحات‭ ‬الفكرية‭ ‬الشاملة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الأيديولوجية‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‮»‬‭ ‬و‮«‬العرب‭ ‬والفكر‭ ‬التاريخي‮»‬‭ ‬و«ثقافتنا‭ ‬في‭ ‬منظور‭ ‬التاريخ‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تتطرق‭ ‬للأنساق‭ ‬الثقافية،‭ ‬تفرعت‭ ‬عنها‭ ‬مؤلفات‭ ‬تعريفية‭ ‬شارحة‭ ‬بالمعنى‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الباذخ،‭ ‬حيث‭ ‬انصبت‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬المفاهيم‭ ‬المؤسسة‭ ‬للفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬عموماً،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬المهاد‭ ‬المعرفي‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬القضايا‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬طبقها‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬النظري،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مؤلفاته‭ ‬حول‭ ‬‮«‬مفهوم‭ ‬التاريخ‮»‬‭ ‬و«مفهوم‭ ‬الدولة‮»‬‭ ‬و«مفهوم‭ ‬الأيديولوجيا‮»‬‭ ‬و«مفهوم‭ ‬العقل‮»‬‭ ‬و‮«‬مفهوم‭ ‬الحرية‮»‬،‭ ‬وكلها‭ ‬مؤلفات‭ ‬تمثل‭ ‬المرتكزات‭ ‬الأساسية،‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬ملامح‭ ‬كتاباته‭ ‬النظرية‭ ‬الأولى‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬التأليف‭ ‬الثالثة‭ ‬والأخيرة‭ ‬عند‭ ‬العروي،‭ ‬ففد‭ ‬اتبع‭ ‬فيها‭ ‬أسلوب‭ ‬التكثيف‭ ‬والمحكيات‭ ‬الصغرى،‭ ‬الموظفة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬خواطر‭ ‬الصباح‮»‬‭ ‬بأجزائه‭ ‬الثلاثة،‭ ‬وفي‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬السنة‭ ‬والإصلاح‮»‬‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬إستبانة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تغلب‭ ‬عليه‭ ‬شذرية‭ ‬الكتابة‭ ‬وتوجهها‭ ‬إلى‭ ‬الحكي‭ ‬السير‭ - ‬ذاتي،‭ ‬وكأننا‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬إبانة‮»‬‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬معجم‭ ‬مفاهيمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تيسير‭ ‬قراءة‭ ‬كتبه‭ ‬لغير‭ ‬المختصين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬جدة‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬إستبانة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬المؤلف‭ ‬يسائل‭ ‬ذاته،‭ ‬تتجسد‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬الكتابة‭ ‬الميتاتخيل‭ ‬Metafiction‭ ‬أو‭ ‬تقنية‭ ‬التخييل‭ ‬الواصف،‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬تطرحها‭ ‬الذات‭ ‬المتكلمة‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬التعلم،‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬والد‭ ‬المؤلف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬أدنى‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬توجيهه‭ ‬في‭ ‬‮«‬التربية‭ ‬النظامية‮»‬،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬توجيهه‭ ‬الدراسي‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬أخيه‭ ‬الأكبر‭ ‬‮«‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الدور‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬أخي‭ ‬الأكبر‮»‬‭ (‬ص‭ ‬13‭).‬

أما‭ ‬حول‭ ‬تحقيق‭ ‬نطق‭ ‬اسم‭ ‬العروي،‭ ‬فإنه‭ ‬يذكر‭ ‬لنا‭ ‬الأشكال‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينطق‭ ‬بها‭ ‬‮«‬نبدأ‭ ‬بالاسم‭ ‬العروي‭ ‬بفتح‭ ‬ثم‭ ‬سكون،‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬ينطق‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬العروي‭ ‬برفع‭ ‬العين‭ ‬ظناً‭ ‬منه،‭ ‬أن‭ ‬نسبته‭ ‬إلى‭ ‬عروة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬العروي‭ ‬بكسر‭ ‬العين‭ ‬لغلبة‭ ‬الإمالة‭ ‬على‭ ‬لسانه،‭ ‬ومن‭ ‬يقول‭ ‬عروي‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬عمري،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬عروي‭ ‬لانتشار‭ ‬اسم‭ ‬علوي،‭ ‬وكلما‭ ‬سمعت‭ ‬اسمي‭ ‬محرفاً‭ ‬تضايقت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كغالب‭ ‬الناس‭ ‬فيما‭ ‬أعتقد‮»‬‭ (‬ص،‭ ‬5‭).‬

ومن‭ ‬المصادفات‭ ‬الطريفة‭ ‬المتعلقة‭ ‬باسم‭ ‬المؤلف،‭ ‬التي‭ ‬اندهش‭ ‬لها‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أرخ‭ ‬للأندلس‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬العروي‮»‬‭ (‬ص‭ ‬9‭) . ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يمكن‭ ‬القول،‭ ‬إن‭ ‬العروي‭ ‬عرف‭ ‬بامتهان‭ ‬صناعة‭ ‬التاريخ،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتبه‭ ‬حول‭ ‬‮«‬مجمل‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‮»‬‭.‬

من‭ ‬أجل‭ ‬تحديد‭ ‬السياق‭ ‬التداولي،‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬فيه‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬إستبانة‮»‬،‭ ‬يجب‭ ‬ربطه‭ ‬بالكتاب‭ ‬الأول،‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الأصول‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬للوطنية‭ ‬المغربية‭ ‬1830‭-‬1912‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬أطروحة‭ ‬جامعية‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬لنيل‭ ‬شهادة‭ ‬دكتوراه‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬السوربون‭ ‬عام‭ ‬1976‭. ‬وتمت‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.‬

لقد‭ ‬جاء‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬إستبانة‮»‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تفكيك‭ ‬المفاهيم‭ ‬المركزية‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬أطروحته‭ ‬الجامعية،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬العروي‭ ‬على‭ ‬ذاته،‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬هل‭ ‬وُجد‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬شعب‭ ‬مغربي‭ ‬أو‭ ‬أمة‭ ‬مغربية؟‭ ‬ما‭ ‬عناصر‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية؟‭ ‬هل‭ ‬تأثر‭ ‬المغرب‭ ‬دوماً‭ ‬بحضارة‭ ‬الغير؟‭ ‬كما‭ ‬يطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالثقافة‭ ‬الوطنية‭ ‬واللغة‭ ‬الوطنية،‭ ‬كيف‭ ‬تعرف‭ ‬‮«‬الوطنية»؟‭ ‬هل‭ ‬حققت‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬أهدافها؟‭ ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الوطنية‭ ‬كحزب‭ ‬والوطنية‭ ‬كحركة‭ ‬اجتماعية؟‭ ‬هل‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬أكثر‭ ‬انسجاماً‭ ‬اليوم،‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬أيام‭ ‬‮«‬الحماية‮»‬‭ ‬الاستعمارية؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬أن‭ ‬تنحل،‭ ‬بمجرد‭ ‬ما‭ ‬أعلن‭ ‬استقلال‭ ‬البلاد؟‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد؟‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬المغرب‭ ‬يشكل‭ ‬استثناء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬لأنه‭ ‬وحده‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬ينعت‭ ‬بأنه‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬وطنية»؟‭ ‬

في‭ ‬جواب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬حساس‭ ‬جداً،‭ ‬يتعلق‭ ‬بمصلحة‭ ‬المغرب‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬الحامية‭ ‬غير‭ ‬فرنسا؟‭ ‬يجيب‭ ‬العروي‭: ‬‮«‬أما‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬إنجليزية،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ممكنة‭ ‬جداً،‭ ‬لو‭ ‬توافرت‭ ‬للمغرب‭ ‬نخبة‭ ‬واعية‭ ‬مثقفة‭ ‬وجريئة‭ ‬كالتي‭ ‬تواجدت‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وفي‭ ‬تركيا‮»‬‭ (‬ص‭ ‬78‭). ‬

أما‭ ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬الوطنية،‭ ‬فأجاب‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الوطنية‭ ‬هي‭ ‬شعور‭ ‬وسلوك‭ ‬وتطلع،‭ ‬الشعور‭ ‬هو‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بالذات‭ ‬والأجداد،‭ ‬السلوك‭ ‬هو‭ ‬الإيثار‭ ‬والتضحية،‭ ‬والتطلع‭ ‬هو‭ ‬طلب‭ ‬الحرية‭ ‬والتقدم‭ ‬والرفاهية‮»‬‭ (‬ص83‭).‬

وعند‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعامل‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬استقلال‭ ‬المغرب‭ ‬1956،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬العروي‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬‮«‬إن‭ ‬استقلال‭ ‬المغرب‭ ‬معجزة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬آخر‭ ‬دولة‭ ‬استعمرت‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وأول‭ ‬دولة‭ ‬استقلت،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يهضمه‭ ‬البعض‭ (‬ص‭ ‬126‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬جواب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬المغربية‭ ‬لأهدافها،‭ ‬نجده‭ ‬يستخلص‭ ‬النتيجة‭ ‬التالية‭: ‬‮«‬بما‭ ‬أن‭ ‬لفظ‭ ‬الاستقلال‭ ‬لفظ‭ ‬مشترك،‭ ‬ويحمل‭ ‬معاني‭ ‬شتى،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية‭ ‬حققت‭ ‬هدفها‭ ‬بفسخ‭ ‬عقد‭ ‬الحماية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬لم‭ ‬تحققه‭ ‬بمجرد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الاستقلال،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الفرد‭ ‬المغربي‭ ‬لايزال‭ ‬يعاني‭ ‬آلام‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والمرض‮»‬‭ (‬ص‭ ‬130‭). ‬وعند‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتمييز‭ ‬بين‭ ‬الوطنية‭ ‬كحزب‭ ‬والوطنية‭ ‬كحركة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬يقول‭ ‬العروي‭: ‬‮«‬بما‭ ‬أن‭ ‬المجتمعات‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬تمثلها‭ ‬للماضي‭ ‬وفي‭ ‬تطلعاتها‭ ‬للمستقبل،‭ ‬فإن‭ ‬وطنية‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬وطني‭ ‬له‭ ‬خصائصه،‭ ‬الحزب‭ ‬تابع‭ ‬للحركة‭ ‬وهذه‭ ‬تابعة‭ ‬للمجتمع‮»‬‭ (‬ص131‭).‬

أما‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬الجديد،‭ ‬فإن‭ ‬العروي‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬حفزه‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬موضوع‭ ‬أصول‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬المغربية،‭ ‬بهدف‭ ‬استشراف‭ ‬مستقبلها،‭ ‬و«أن‭ ‬النتيجة‭ ‬التي‭ ‬انتهيت‭ ‬إليها،‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬كأدلوجة،‭ ‬كتعبير‭ ‬بالمفاهيم‭ ‬والألفاظ،‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬استحضاراً‭ ‬وتنميطاً‭ ‬لمسار‭ ‬تاريخي‭ ‬متميز،‭ ‬التاريخ‭ ‬الوطني‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يروى‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬مبسطاً‭ ‬ومنسقاً‭ ‬ومقوماً،‭ ‬ويرسخ‭ ‬في‭ ‬الوجدان،‭ ‬لا‭ ‬تاريخ‭ ‬الباحثين‭ ‬النقاد،‭ ‬هو‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬الأسطورة‭ ‬الذهبية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬أنا‭ ‬بلفظ‭ ‬المخزن‮»‬‭ (‬ص135‭).‬

لكن‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬نختم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬هو‭ ‬سؤال‭ ‬العروي‭ ‬الموجه‭ ‬لذاته‭: ‬هل‭ ‬النخبة‭ ‬المغربية‭ ‬الحالية‭ ‬أقل‭ ‬وطنية‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬سبقتها؟‭ ‬فكان‭ ‬جوابه‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬ووضوحاً،‭ ‬‮«‬بالمعنى‭ ‬المقرر‭ ‬أعلاه،‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬النخبة‭ ‬الحالية‭ ‬المسيرة‭ ‬لدواليب‭ ‬الدولة‭ ‬أقل‭ ‬‮«‬وطنية‮»‬‭. ‬لا‭ ‬أعني‭ ‬أقل‭ ‬غيرة‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن،‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬تعلقا‭ ‬برفاهية‭ ‬الشعب،‭ ‬لكنها‭ ‬إما‭ ‬جاهلة‭ ‬وإما‭ ‬رافضة‭ ‬للتصور‭ ‬الذي‭ ‬حددناه،‭ ‬وإن‭ ‬أقسمت‭ ‬بالثلاثي‭ ‬الشهير‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‮»‬،‭ (‬ص‭ ‬137‭ - ‬138‭).‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬القيِّم‭ ‬يمثل‭ ‬حصيلة‭ ‬تركيبية‭ ‬لأبحاث‭ ‬استغرقت‭ ‬قرابة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬حول‭ ‬جذور‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية،‭ ‬يقدم‭ ‬فيه‭ ‬المؤلف‭ ‬أجوبة‭ ‬جامعة‭ ‬ومانعة،‭ ‬تحترم‭ ‬شروط‭ ‬المنهجية‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬المؤرخ‭ ‬الموضوعي‭. ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬طابعها‭ ‬التاريخي،‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬العروي‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تحيينها‭ ‬وتسييقها‭ ‬مع‭ ‬راهن‭ ‬الأحداث‭ ‬المعاصرة،‭ ‬إنه‭ ‬كتاب‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬مسار‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬تبسيط‭ ‬ما‭ ‬استعصى‭ ‬على‭ ‬الغير‭ ‬فهمه‭ ‬وإدراكه‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي‭ (‬1933‭) ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬مدينة‭ ‬أزمور،‭ ‬مفكر‭ ‬وأديب‭ ‬مغربي،‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬في‭ ‬الرباط‭ ‬وتابع‭ ‬تعليمه‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بجامعة‭ ‬السوربون‭ ‬وفي‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس،‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬سنة‭ ‬1958،‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬التبريز‭ ‬في‭ ‬الإسلاميات‭ ‬سنة‭ ‬1963،‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1976‭ ‬قدم‭ ‬أطروحة‭ ‬لنيل‭ ‬دكتوراه‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬السوربون‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الأصول‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬للوطنية‭ ‬المغربية‭ ‬1830‭-‬1912‮»‬‭ ‬