«بيت عبدالله».. أول مؤسسة متخصصة في العلاج التلطيفي بالكويت

«بيت عبدالله».. أول مؤسسة متخصصة  في العلاج التلطيفي بالكويت

ابيت‭ ‬عبداللهب‭... ‬اسم‭ ‬يبدو‭ ‬غامضاً‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى،‭ ‬لكنه‭ ‬يوحي،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬قصة‭ ‬ما‭ ‬خلفه‭. ‬هو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ليس‭ ‬سكناً،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬اسمه‭ ‬ومضمونه‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬مشفى‭ ‬أيضاً‭ ‬بالمعنى‭ ‬المعروف‭ ‬للمشافي،‭ ‬لكنه‭ ‬يجمع‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭. ‬إنه‭ ‬ربما‭ ‬منزل‭ ‬المواساة،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الألم،‭ ‬والانتصار‭ ‬للحياة‭.‬

 وببعض الأســــئلة المبدئـــية تبين لنــــا أن أكثر من سيتعرفون على هـــذا الاســـم هم أفراد العائلات الذين تــعرض أطفـــالهم لمرض السرطان، أو للأمراض المزمنة. وكذلك المستشفيات المتخصصة في علاج سرطان الأطفال بالكويت. 

«العربي» توجهــــت إلى «بيــــت عبدالله» للتعرف على قصة هذه المؤسسة الخاصة جداً، والأولى من نوعــها فــــي العالم الــــعربي، والتي تعد أيضاً مؤسسة نادرة في العالــــم، بسبــــب حداثـــة هذا التخصص. فما هي قصة هذه المؤسسة؟ ومن هو عبدالله الذي سُمي المشروع باسمه؟ 

في التحقيق التالي نتعرف على التفاصيل.

حين دخلنا إلى بيت عبدالله تبين لنا بالفعل أننا في مبنى مختلف، يصعب تصنيفه، فهو ممتلئ بالألوان، والتصميمات الطفولية المبهجة، والمساحات الكبيرة. 

ولاحقاً سنتعرف على أجنحة عدة مخصصة لقضاء الأطفال المرضى الوقت في هذا المكان، غرف للعلاج بالموسيقى والفنون، وغرف نوم مجهزة لوجود الأهل مع أطفالهم المرضى، وقاعات للقراءة، وأماكن مصممة بطريقة طفولية لممارسة الهوايات المختلفة، بالإضافة طبعاً إلى قاعات مخصصة لعلاج الألم الذي يعد التخصص الرئيس للمعالجين في بيت عبدالله. وهكذا تولدت أسئلة عدة، وكان علينا أن نبحث عن إجابتها.

التقينا في البداية السيدة رشا عبداللطيف الحمد، المدير التنفيذي لبيت عبدالله، والتي أوضحت أن هذه المؤسسة هي جمعية نفع عام، تتبع المؤسسة الأم واسمها «كاتش»، وهي اختصار لاسم الجمعية الكويتية لرعاية الأطفال في المستشفيات. وقد أُسست في عام 1989 ولكن لم تسجل إلا بعد ذلك بفترة. 

تضيف الحمد أن بداية الفكرة تعود إلى سنوات عدة في ثمانينيات القرن الماضي، حين قام الدكتور هلال الساير، وزير الصحة الكويتي الأسبق، وزوجته السيدة مارجريت، بالدخول لإحدى المستشفيات بصحبة أحد أبنائهما الذي تعرض لوعكة صحيــة، وقرر الأطباء ضرورة مبيت الطفل في جنـــاح الأطفال في المستشفى. 

وتبين لهما أن الجناح لم يكن مجهزاً بأي وسيلة جمالية، عدا عن عدم تزويده بأي وسائل لتخفيف العبء النفسي عن الأطفال المرضى. فهو في النهاية لا يختلف عن جناح الكبار على أي مستوى. وهكذا قامت السيدة مارجريت الساير في اليوم التالي بإحضار مجموعة من الألعاب، لتخفيف أجواء المستشفى عليه، وتوفيراً لوسيلة ترفيه يحتاج إليها الطفل خلال الفترة التي سيقضيها في المستشفى. وحين رأى الأطفال المرضى الآخرون هذه الألعاب، جاءوا أيضاً للعب بها. ومن هنا بدأت الساير في التفكير في الموضوع بجدية. 

وقررت أن تعرض الموضوع على عدد من المتبرعين لإنشاء جمعية مهمتها تزيين أجنحة الأطفال وتوفير ألعاب للأطفال الذين يدخلون للعلاج في المستشفى. 

وكان د. هلال الساير في ذلك الوقت يعمل طبيباً في المستشفى الأميري، فسعى بدوره إلى إقناع بعض المتبرعين، وبالفعل بدأ البعض في التطوع بعمل غرف مزينة للأطفال، وأدركت السيدة مارجريت أن هناك احتياجاً فعلياً للأمر، خصوصاً أن المشكلة بالنسبة إلينا في الثقافة العامة لا تمنح الأطفال خصوصيتهم وفرديتهم ككائنات لهم شخصيات مستقلة واحتياجات خاصة. وبدأت السيدة مارجريت تبحث في الموضوع وتقرأ حول الأمر حتى وجدت أن هناك تخصصاً في الولايات المتحدة، بدأ في سبعينيات القرن الماضي اسمه Child Life Specialist، وهو تخصص يدرسونه ويحصلون على شهادات فيه.

 ‭< ‬ما‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬التخصص،‭ ‬وما‭ ‬طبيعة‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬يقومون‭ ‬بالتخصص‭ ‬فيه؟‭ ‬

- المتخصصون في هذا المجال في الحقيقة يعملون في المستشفيات، ويكونون بمنزلة حلقة الوصل بين الأطباء المعالجين وبين الأطفال المرضى وأهاليهم. فعندما يحتاج الطفل المريض لإجراء تحاليل مختبرية أو أشعات أو أي إجراء طبي قد يسبب الخوف للأطفال، يتولى هؤلاء المتخصصون مهمة التسرية عنهم، أو إشغالهم بمرح للقضاء على أي مشاعر سلبية أو خوف أو توتر. وعلى سبيل المثال إذا تقرر أن يتعرض الطفل المريض لفحص بالأشعة المقطعية أو المغناطسيسة مثلاً، فإن هؤلاء المتخصصين يقومون بتجهيز لعبة تشبه فكرتها، فكرة الأشعة المقطعية، بحيث لا يخاف الطفل حينما يقوم بعمل الأشعة المقطعية الحقيقية. وفي الوقت نفسه يقومون بمساعدة الأهل ويقدمون لهم الدعم والمساندة حينما يمرون بأي ظرف صعب، في أي مرض يتعرض له الطفل وليس بالضرورة السرطان. 

‭ < ‬حين‭ ‬تعرفت‭ ‬السيدة‭ ‬مارجريت‭ ‬الساير‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التخصص‭ ‬الجديد،‭ ‬هل‭ ‬تبنت‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬لدعمها‭ ‬في‭ ‬الكويت؟‭ ‬

- الحقيقة أن السيدة مارجريت بدأت تهتم بهذا القطاع، لأنها فكرت في بدء حملة للتعريف بهذا التخصص على نطاق طبي، وتولت في الفترة التي سبقت الغزو، بالفعل، مسؤولية دعوة بعض المحاضرين من الخارج لكي يقوموا بتعليم عدد من المتطوعين في هذا المجال. وأيضاً لتدريب أطباء الأطفال. 

‭< ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تمهيداً‭ ‬لفكرة‭ ‬بيت‭ ‬عبدالله؟‭ ‬

- هذا ما كنت سأقوله فوراً، ففي واحدة من تلك المحاضرات تبنى المحاضر توضيح موضوع تأهيل التعامل مع مرضى السرطان من الأطفال الذين يصلون إلى مرحلة استحالة العلاج وانتظار الموت. 

وكانت بين الحضور إحدى الأمهات التي كانت عائدة لتوها من بريطانيا بعد رحلة علاج أوفدتها لها الحكومة الكويتية، وبعد أربع سنوات أخبرها الأطباء بأن المرض تمكَّن من الطفل، وأنه لم يعد قابلاً للعلاج. وكان اسم هذا الطفل «عبدالله»، وحكت الأم للسيدة مارجريت أن ابنها أخبرها بعدم رغبته البقاء في المستشفى، وتفضيله للبقاء في البيت. 

فجاءت أم عبدالله للدكتور هلال الساير وزوجته وأخبرتهما عن حالة ابنها وقالت لهما إنها لا تريد أن يجلس الولد في مستشفى، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى نوع من الرعاية التي لا تتوافر في البيت، فمع الأسف، نحن لا توجد لدينا خدمات من هذا النوع خارج المستشفيات في الكويت. بينما في أوربا مثلاً، هم يمتلكون النظام نفسه الموجود لدينا من حيث الرعاية الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للمواطنين، لكن الاختلاف أنهم لديهم نظام رعاية خارج المستشفى يقوم به فريق مؤهل. وهنا كانت بداية التفكير الجاد في فكرة بيت عبدالله بالشكل الذي وصلنا إليه الآن. 

‭< ‬وكيف‭ ‬بدأ‭ ‬تجهيز‭ ‬الفكرة؟‭ ‬

- بدأت الفكرة من خلال تجهيز متطوعين لعمل نظام خاص لغرفة عبدالله، بإعداد الغرفة الخاصة به، وكذلك توفير نظام علاجي يهتم بإدارة الألم، أي بكيفية التعامل مع الألم وكيفية تعاطي المسكنات المناسبة، لأن هذا هو تخصصنا الرئيس هنا بالمناسبة، وهو إدارة الألم. إذا قلنا بيت عبدالله تعني باختصار: من دون ألم، وهذا أهم شيء عندنا. فصحيح أن الأطفال المصابين بالسرطان في حالاته الحرجة ليس لهم علاج، لكنهم يعانون آلاماً قوية جداً، ومع الأسف، في السابق لم تكن هناك مسكنات للأطفال في الكويت سوى البنادول. ولم تكن هناك رعاية علاجية خاصة للأطفال.

وهكذا تمت العناية بعبدالله، وعاش ما تبقى له من عمره في البيت كما أراد، وفي رعاية بالمستوى الذي أرادته والدته، حتى توفي. لكن هذه الخبرة كشفت عن كيفية أو طبيعة الاحتياج الكبير إلى هذه الخدمة في الكويت. 

‭< ‬ما‭ ‬طبيعة‭ ‬الخدمة‭ ‬الطبية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬بيت‭ ‬عبدالله‭ ‬إذن؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬تسمية‭ ‬طبية‭ ‬اصطلاحية‭ ‬متفق‭ ‬عليها؟‭ ‬

- هذه الخدمة الطبية معروفة باسم الرعاية التلطيفية للأطفال (Pediatric Palliative Care)، وهو النشاط الذي بدأ تقريباً بعد عام 1992، لأن هذا المشروع تعطل في فترة الغزو، وتوقف كما كل شيء آخر في البلاد. وكان على القائمين على المشروع أن يبدأوا تقريباً من جديد، وهذا ما استلزم وقتاً، خصوصاً كما قلت سابقاً أن هذا التخصص يعتبر، حتى يومنا هذا، تخصصاً شديد الندرة، وعدد المتخصصين به في العالم محدود للغاية. فالنموذج الذي نقدمه ونمثله نادر جداً، وليس له تقريباً شبيه في العالم، وهذا سر اختلافنا، لكن الجميل أن ما نقوم به أصبح اليوم ملهماً للآخرين. 

المهم أنه في عام 2005 تمت دعوة مجموعة متميزة من أبرز المتخصصين في العلاج التلطيفي، ونُظم مؤتمر طبي كبير، بهدف التفكير في كيفية إعداد المشروع بشكل مخطط، وبدأت مرحلة جمع التبرعات، من جهات عديدة تحمست للفكرة. وصحيـــــح أن الأرض الــتي أنشئ عليها المشروع حكومية ندفع عنــها إيجاراً، لكن تخصيص الأرض من أجل مشروع كان مهماً. لأن بيت عبدالله في النهاية يقدم خدماته مجاناً لكل من يحتاج إلى الخدمة من أي جنسية. 

‭< ‬ومتى‭ ‬بدأ‭ ‬تنفيذ‭ ‬الخدمة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل؟‭ ‬

- بدأ الإعداد للفكرة كما قلت بين عامي 2005 و2007 وهو العام الذي بدأت فيه أعمال تصميم وإنشاء المبنى، ودعمه بكل التجهيزات الخاصة اللازمة له، والتي تلائم الخدمة. وبصراحة تأخرت هذه الفترة قليلاً، لأن المشروع لم يكن له مثيل، أو نموذج سابق نبني عليه، وبالتالي كان علينا وضع جميع الأمور والتفاصيل في الاعتبار حتى يتم تضمينها في المبنى. لذلك لم يبدأ التشغيل الفعلي إلا في منتصف عام 2012، خصوصاً أن المتبرعين كانوا قد تبرعوا منذ فترة طويلة نسبياً وكان لابد أن يروا نتائج ما تبرعوا به على أرض الواقع. 

‭< ‬إذن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الموقع‭ ‬القانوني‭ ‬أو‭ ‬الوظيفي‭ ‬لبيت‭ ‬عبدالله؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مستشفى؟‭ ‬

- نحن نعتبر الجهة الوحيدة التي تقدم هذه الخدمة في الكويت، فهناك اتفاق مع وزارة الصحة أن تقدم للمشروع تمويلاً عينياً غير مادي يتمثل في الأدوية، كما يتم إحضار الفرق الطبية غير المتخصصة من الوزارة، بحيث نتولى تدريبهم على تخصصات العلاج التلطيفي المختلفة، وتتم الاستفادة منهم في وزارة الصحة. إذن نحن لنا صفتان، الأولى كجمعية نفع عام تخضع لوزارة الشؤون في هذا الجانب، ثم كمستشفى أطفال متخصص نتبع وزارة الصحة في هذا الجانب. 

‭< ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعرفينا‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬الخدمات‭ ‬العلاجية‭ ‬التي‭ ‬تقدمونها،‭ ‬وطبيعة‭ ‬أنشطتكم‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟‭ ‬

- التخصص العام لنا اسمه الرعاية التلطيفية، والمقصود به أننا نقدم خدمات لأي طفل يعاني مرضاً مزمناً يجعل احتمال استمرار حياته حتى سن العشرين احتمالاً ضعيفاً، وهي أمراض عديدة من بينها السرطان وأمراض القلب، وبعض الأمراض العصبية، وهذه الخدمات التي نوفرها تكون على النحو التالي: 

أولاً: علاج الألم، فهذا فرع نحن متخصصون فيه جداً. 

ثانياً: جميع عناصر المساندة الاجتماعية والنفسية، فنحن مكان يتطلب زيارة المريض بصحبة الأب والأم أو أشقائه وشقيقاته، لأننا لا يمكن أن نأخذ الطفل بمفرده، لأن العائلات التي يعاني أحد أطفالها أي مرض عصي، يعاني أفرادها جميعاً عاطفياً ومادياً، وأيضاً على مستوى الجهد العصبي والبدني. وبالتالي فجزء من دورنا هو الاهتمام بالعائلة ودعمهم نفسياً، وتقديم بعض الراحة لهم، ومساعدتهم على استكمال مهام رعايتهم للمريض. 

‭< ‬وهل‭ ‬العائلة‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬مريض‭ ‬تأتي‭ ‬إليكم‭ ‬مباشرة؟‭ ‬

- لا، النظام المعمول به في وزارة الصحة بالكويت، أن أي مريض يصاب بمرض مزمن يذهب أولاً إلى وزارة الصحة عن طريق المستشفيات التي تحوّل الحالات التي يرى المختصون أنها تحتاج إلى خدماتنا، أي إن الوزارة هي التي تحول الأطفال الذين يحتاجون إلى الخدمة. 

‭< ‬هل‭ ‬يعاني‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬خدماتكم‭ ‬العلاجية‭ ‬مرض‭ ‬السرطان‭ ‬فقط؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمراضاً‭ ‬أخرى؟

- في بداية تقديمنا للخدمة كانت بالفعل النسبة الأكبر للأطفال الذين نقدم لهم خدماتنا من مرضى السرطان. لكن الآن لدينا نحو 65 في المائة من المرضى مصابين بالسرطان، سواء سرطان دم أو أورام، بينما هناك نسبة 35 في المائة ممن نقدم لهم الخدمة مرضى بأمراض أخرى مختلفة مثل مرض جلدي مزمن اسمه «إي بي»، يؤدي إلى إصابة الجلد، الذي لا يتوقف عن إنتاج القرح الخارجية والداخلية، وأيضاً هناك أمراض أعصاب، وفي العام الحالي سوف ننفتح أكثر على الأمراض الأخرى.

‭< ‬ما‭ ‬الفلسفة‭ ‬العامة‭ ‬للمؤسسة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأطفال؟‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يظن‭ ‬أنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بأطفال‭ ‬ميؤوس‭ ‬من‭ ‬شفائهم؟

- في الحقيقة، وهذه مسألة مهمة جداً، نحن لا نهتم إطلاقاً بفكرة الموت، بل نهتم بالحياة. فهناك أطفال يأتون إلينا وبعضهم لا يمكنه المشي أو حتى الوقوف على قدميه، وبعد 4 شهور من المتابعة معنا تحسنت أحوال كثيرين منهم، لأننا نقدم رعاية تتعلق بالوضع الطبي والنفسي ونظام التغذية، وغير ذلك. فدورنا كمؤسسة يتمثل في رعاية الطفل نفسياً وبدنياً بأفضل شكل ممكن حتى يأتي قضاء الله. فكل دورنا أن نقوم بكل ما من شأنه أن يحسن من حياة الطفل المريض وحياة عائلته.

‭< ‬هل‭ ‬الوسائل‭ ‬أو‭ ‬الخطط‭ ‬العلاجية‭ ‬واحدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الأطفال؟‭ ‬

- لا بالعكس، فالطريقة التي نمارس بها خطط العلاج تتغير، لأننا نتابع الجديد في هذا المجال، بالإضافة إلى اختلاف الظروف النفسية لكل طفل. والآن - مثلاً - لدينا العلاج باللعب من الوسائل الأساسية والمهمة. لأن بعض الأطفال المرضى لا يحبون أن يتحدثوا كثيراً عمّا يمرون به أو يشعرون به ويفضلون اللعب، لأنهم يشعرون بالذنب لأنهم يتسببون في الألم لأهلهم مثلاً، لكن اللعب يعطيهم الإحساس بالقدرة على التعبير عن أنفسهم. ولدينا - مثلاً - مرحلة نغير فيها العلاج التلطيفي من اللعب إلى الموسيقى، ثم ربما بعد وقت آخر نرى الطفل بسبب الألم لا يحتاج إلا إلى الرعاية لتخفيف الألم والمعونة الطبية، فنحن نغيِّر الوسيلة بحسب احتياج الحالة.

 ‭< ‬ما‭ ‬طبيعة‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال؟‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬أطباء‭ ‬متخصصون‭ ‬أم‭ ‬معالجون‭ ‬لهم‭ ‬وضع‭ ‬خاص؟‭ ‬

- الحقيقة أنه في العالم كله يعتــــمد نظــــام الـ «Hospice» فقط على الممرضات، اللائي يعملن كوسيط بين المريض والأطباء، أو بين العائلة والطبيب ويقدمن الرعاية، وغير ذلك، لكن الوضع هنا لدينا مختلف بعض الشيء. فنحن لدينا الفريق الخاص الذي يتكون من أطباء متخصصين في الطب التلطيفي، والتغذية، وفي العلاج الطبيعي، ولدينا قسم العلاج بالفن، والعلاج بالموسيقى، كما أن لدينا مدرسين ومدرسات متطوعين ومتطوعات للأطفال الذين يحتاجون إلى الدراسة ولا يستطيعون الذهاب للمدرسة، وهذا لا يعني أن الطفل عندما يتحول إلى بيت عبدالله ينفصل عن الأطباء الذين يعالجونه، بل العكس، لأن ما يحدث هو تكامل العلاج بيننا وبين الأطباء المعالجين لكل حالة. فيصبح الفريق المتكامل هو الطبيب المتخصص، سواء كان في السرطان أو القلب أو أيّاً كان، ونحن معهم كفريق واحد.

 ‭< ‬هل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أدواركم‭ ‬هنا‭ ‬تقديم‭ ‬علاج‭ ‬طبي‭ ‬متخصص؟

- ليس بدرجة كبيرة، فلا يتعدى الدور العلاجي الطبي إلا العلاج التلطيفي، ولكن دون علاج المرض نفسه، بمعالجة بعض الأعراض مثل الحرارة أو سوء تناول الأكل، أو مشكلات صغيرة كهذه، لكننا لا نعطي «الكيماوي» مثلاً، وإذا احتاج الطفل إلى الانتقال للمستشفى ننقله ونستكمل متابعة حالته هناك.

‭< ‬وما‭ ‬الخدمات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تقدمونها؟‭ ‬

- بالإضافة إلى ما سبق، لدينا أيضاً فرق الرعاية المنزلية، بمعنى أننا نوفر في البيوت للأهل كل ما يحتاج إليه الطفل المريض من الفرش والمراتب الطبية الهوائية من أجل تجنب القرح، والأجهزة التي يحتاج إليها، والأدوية، كما نزودهم بالخدمات المختلفة، ونعمل على تهيئة الأهل للتعامل مع الأوضاع بالشكل الأمثل.

والسبب في هذه الخدمة يعود إلى أن نتائج الدراسات الحديثة تقول إنه كلما كان الطفل مرتاحاً نفسياً ويــــشعر بالرعاية كانت الإجراءات العلاجية التلطيفية أسرع وأكثر فعالية، على مستوى النتائج، وهذا بالتالي يعني من جهة أخرى تحقيق نوع من توفير الأعباء على الوزارة، فحيــــن تنقل الخدمة للبـــيوت فأنت توفر للمستشفيات أسرّة، وأعباء، لمن قد يحتاج إليها، أو لحالات الطوارئ، وهذا لا يعني أنها خدمة تمريض 24 ساعة، لا، نحن نعتبر أنفسنا شركاء مع الأهل، دورنا ليس استبدال دور الأم أو الأب، بل مساندتهما بنقل خبراتنا في التعامل مع الطفل ورعايته، فليس دوري أن آخذ مكان الأم وأعطي الطفل الطعام، لكن دوري توفير الرعاية والنصـــيحة والخدمة 24 ساعة في اليوم متى ما احتاجت إليّ العائلة أو المريض. 

وهذا أساسي جداً أيضاً لأنه بعد وفاة الطفل، عادة ما يشعر الأهل بنوع من تأنيب الضمير القوي، لكنهم حين يعرفون أنهم أدوا كل ما يمكن أن يقوموا به لراحة الطفل ورعايته طوال فترة حياته، فإن هذا يساعد كثيراً في اجتياز أزمات ما بعد وفاته. 

‭< ‬لماذا‭ ‬تقتصر‭ ‬مهمات‭ ‬مؤسسة‭ ‬بيت‭ ‬عبدالله‭ ‬على‭ ‬الحالات‭ ‬الميؤوس‭ ‬منها؟‭ ‬

- لأن هذه طبيعة العمل الذي نقوم به، ولأن المفهوم غير واضح حتى الآن، إذ إن مفهوم العلاج التلطيفي في النهاية لا يقتصر على الحالة الميؤوس منها فقط، فهو يبدأ من مرحلة التشخيص، وحتى في مرحلة الشك إذا كان الطفل مريضاً أم لا، ولدينا ثلاث حالات من الأطفال تم علاجهم، لكن التلطيف يجب أن يكون في المستشفيات, فالمفهوم ليس شائعاً ومفهوماً حتى الآن، ليس هنا فقط، بل حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، الأطباء لا يريدون تحويل الأطفال عندهم لأنهم يقولون إن تحويل الأطفال للعلاج التلطيفي معناه أنني يئست من العلاج. 

بمعنى أن كثيراً من الأطباء الأمريكيين يترددون في تحويل مرضاهم للعلاج التلطيفي، لأنهم يتصورون أن هذا يعني فشلهم أو يأسهم من علاج مرضاهم، والحقيقة هذا تصور غير حقيقي. لأن ما يقدمه العلاج التلطيفي هو مساعدة حقيقية وضرورية للمرضى وعائلاتهم. 

‭< ‬وهل‭ ‬لديكم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬العيادات‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬علاج‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬طارئ،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬في‭ ‬المستشفيات؟‭ ‬

- صحيح، وهذا بالضبط ما نوفره في حالات معينة، مثل مرحلة تجهيز الطفل المريض بين خروجه من المستشفى وذهابه إلى البيت، لتأهيله نفسياً ومحاولة الترفيه عنه، وبث حالة من المرح في الأجواء، وتخفيف وطأة العلاج. أو حينما يمر المريض - مثلاً- بحالة تشنج، أو حين يعاني الحرارة، فنقوم من خلال متخصصينا بعلاج كل هذه الأمور أو الحالات الطارئة ثم يعود الطفل إلى البيت. 

فالبعض - مثلاً - يتصور أننا مستشفى يمكن لهم أن يودعوا الطفل لدينا ويغادرون، لا، ليس هذا دورنا. فهذا لا يفيد الطفل أو العائلة.

‭< ‬كنا‭ ‬شاهدنا‭ ‬غرفاً‭ ‬مجهزة‭ ‬لاستقبال‭ ‬الطفل‭ ‬المريض‭ ‬بصحبة‭ ‬والدته،‭ ‬كما‭ ‬شاهدنا‭ ‬شاليهات‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬تقريباً‭... ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأجنحة؟‭ ‬

- هذا هو المستوى الرابع بين مجموعة الخدمات التي نقدمها للمرضى. وما رأيتموه هو الأجنحة الداخلية، وهي مخصصة للمرضى وأسرهم. وما نقدمه هو خدمة الرعاية النفسية للأسرة. أما عن الشاليهات فهي لإقامة أسرة الطفل في فترة الترويح بالعطلة الأسبوعية (من الخميس إلى السبت) وفقاً لم يتم ترتيبه، حيث تأتي العائلة كلها للترويح وتمضية وقت هادئ هنا في أماكن مجهزة للمرضى وأسرهم، في شاليهات على البحر، أو بالغرف المطلة على مناظر طبيعية جميلة. فنحن نعلم أن الأسر التي يتعرض أطفالها لأمراض مستعصية أو مزمنة يمرون بفترة صعبة جداً من حياتهم، نفسياً وبدنياً، لأن الرعاية تتطلب تركيزاً وجهداً وضغطاً نفسياً كبيراً، ولذلك نوفر للأسرة فترة من الراحة، حتى نساعدهم على الهدوء والتماسك من شدة الضغوط التي يتعرضون لها، لأن الأب والأم - مثلاً - قد يكونان يحتاجان إلى النوم فقط وهم بكامل الاطمئنان لكوننا نقدم الرعاية اللازمة وخدمات التمريض للطفل المريض طوال فترة وجوده معنا. 

‭< ‬طبعاً‭ ‬منذ‭ ‬مررنا‭ ‬على‭ ‬المطبخ‭ ‬الكبير‭ ‬الملحق‭ ‬بالمطعم‭ ‬وقد‭ ‬فهمنا‭ ‬أن‭ ‬التغذية‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدمونها،‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬صحيح؟‭ ‬

- صحيح، فلدينا اختصاصيون في علوم التغذية بإمكانهم تحديد أنواع التغذية المثلى لأطفالنا. في بداية الأمر نتوجه بزيارة منزلية إلى المريض، ونتعرف على الأنظمة والأساليب الغذائية المتبعة لديهم، ونوصي بنظام غذائي معيَّن، وندرب الأهل على كيفية إعداده، وكيفية تجهيز العناصر الغذائية المناسبة لحالة الطفل. 

أما هنا في بيت عبدالله، فالمطبخ معد ومجهز باختصاصيين في الأطفال والتغذية، لأن كل طفل له نظام غذائي حسب مرضه واحتياجاته، حيث إن بعض الأطفال قد لا يستطيعون تناول الطعام بشكل طبيعي بسبب تقدم حالتهم المرضية، أو بسبب الأعراض التي تجعل عملية تناول الطعام غاية في الصعوبة، فلابد في مثل هذه الحالات من توفير طرق التغذية المناسبة التي تطمئن بها الأم إلى أن الطفل يحصل على الفائدة من العناصر الغذائية الموجودة في الأكل وليس الأكل نفسه. 

‭< ‬أخيراً‭ ‬نود‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬للأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يصابون‭ ‬بمرض‭ ‬مستعص‭. ‬هل‭ ‬يعرفون‭ ‬أنهم‭ ‬ربما‭ ‬يموتون؟‭ ‬

- البعض يعرف نعم، لأنهم لو سألوا فلابد أن نخبرهم. وبالطبع فإن وفاة أي طفل، سواء كان مريضاً أو سليماً يعد أمراً غاية في الصعوبة على الجميع، وقد تمكنا في مستشفى بيت عبدالله من توفير المساعدة التي خففت عنهم الكثير خلال فترة وجودهم، وباحترام كامل وتقديم أفضل نوعية من جودة الحياة، وهو ما يمثل جوهر رسالتنا والخدمة التي نقدمها، ونساند أسرة الطفل بعد الوفاة ونتواصل معهم ونقوم بمواساتهم وتعزيز تأهيلهم على تحمل تلك التجربة والتعامل مرة أخرى مع الحياة بشكل طبيعي وعلى الوجه الأمثل.

‭< ‬أليس‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬نعلق‭ ‬الطفل‭ ‬بالأمل‭ ‬حتى‭ ‬يشعر‭ ‬بمشاعر‭ ‬إيجابية‭ ‬ويقاوم؟‭ ‬

  • علينا ألا نفقد الأمل أبداً، ولكن كثيراً من الأطفال يفهمون ويشعرون بما يحدث لجسمهم ويرون الحالات الشبيهة ويدركون الأمر بشكل كامل حتى مع صغر أعمارهم. والأطفال غير الكبار في هذه المسألة، حيث يتمنى الكبار زوال الألم وفور اختفائه يكون هناك عقد كثيرة ومخاوف. أما الأطفال فمع اختفاء الألم، يحتفون بالحياة، ويعبِّرون عن رغبتهم في اللعب، حتى لو كان البعض يستخدم كرسياً متحركاً، حيث إن لديهم وعياً مختلفاً فعلاً، سبحان الله. ونحن في بيت عبدالله على أتم الاستعداد لتلبية احتياجات ومتطلبات الأطفال وأسرهم لتجاوز تلك الظروف التي يمرون بها، ومواجهة تلك الفترات الصعبة في حياتهم بتحسين جودة الحياة والدعم المتواصل للطفل والأسرة .

 

فريق‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬بيت‭ ‬عبدالله

إلى‭ ‬اليسار‭ ‬الدكتورة‭ ‬مارجريت‭ ‬الساير‭ ‬وبجوارها‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الحمد‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لبيت‭ ‬عبدالله