ذكريات كويتية (2)

ذكريات كويتية (2)

كانت‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬سنوات‭ ‬عمري،‭ ‬فهي‭ ‬سنوات‭ ‬اكتمال‭ ‬النشأة‭ ‬العلمية،‭ ‬وتكوين‭ ‬صداقات‭ ‬جديدة،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬مجتمع‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬عنه‭ ‬شيئاً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطأ‭ ‬قدماي‭ ‬ثراه‭ ‬العزيز‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬صداقات‭ ‬وتكوين‭ ‬دوائر‭ ‬معارف‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أعمق‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬أسهم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬اكتمال‭ ‬تكويني‭ ‬النفسي‭ ‬والفكري‭. ‬ولا‭ ‬أنكر‭ ‬أن‭ ‬تكويني‭ ‬النفسي‭ ‬والفكري‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اكتمل‭ ‬نسبيا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطأ‭ ‬قدماي‭ ‬أرض‭ ‬الكويت،‭ ‬فقد‭ ‬ذهبت‭ ‬إليها‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬الأربعين‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬وغادرتها‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬الخامسة‭ ‬والأربعين‭ ‬من‭ ‬سني‭ ‬عمري‭ ‬الذي‭ ‬تطاول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬السبعين،‭ ‬وهذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬أشكره‭ ‬عليها‭. ‬

كانت الكويت في هذه السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي تمتلئ بالرجال الكبار والعظام الذين نفخر بهم في مجال الثقافة إلى اليوم. 

وكان على رأسهم الأستاذ الكبير عبدالعزيز حسين الذي أعتبره «طه حسين الكويت»، لأنه هو المؤسس الحقيقي للثقافة الكويتية، وصاحب الرؤية القومية التي جعلت من الكويت الصغيرة جغرافياً بلداً كبيراً له تأثير ثقافي يجاوز حدودها ويمتد إلى الأقطار العربية كلها، وكان ذلك من خلال النهوض بالتعليم الكويتي من ناحية، وتأسيس بناء ثقافي للكويت يمتد بإشعاعه ليشمل الأرض العربية كلها من ناحية موازية.

ولا أظن أن الكويت الحالية سوف تنسى فضل عبدالعزيز حسين الذي هو المؤسس الحقيقي للنهضة الثقافية الحديثة للكويت، والأب الروحي لكل الأجيال التي جاءت من بعده على امتداد التاريخ الكويتي المعاصر. وقد أسعدني الحظ بلقائه أكثر من مرة في المؤتمرات القومية الحديثة والكبرى التي كانت تقيمها الكويت لإعداد الخطة الاستراتيـجية القومية للثقافة العربية، وهي الخطة التي تتولى الكويت الإعداد لها عن طريق دعوة كبار المثقفين العرب من كل قطر عربي ليؤسسوا استراتيـجية مستقبلية للثقافة العربية، وقد طبعت في مجلدات عديدة، إن لم تخني الذاكرة، وتم اختصارها في طبعة ميسرة، ولكن كالعادة لم أر على أرض الواقع العربي المضطرب تنفيذاً لهذه الخطة العظيمة التي اشتركت فيها أعظم العقول العربية وأكثرها طموحاً واستنارة، ولكن هكذا كان، ولايزال، الواقع العربي الذي تحلم طليعته، ولا تستطيع أبنيته السياسية والحكومية أن تنفذ هذه الأحلام على أرض الواقع الذي لايزال – مع الأسف - على النقيض من هذه الأحلام. 

وتذكُّر عبدالعزيز حسين بما له من إسهامات عظيمة يستدعي إلى ذهني رائداً آخر من رواد النهضة الثقافية في الكويت من الذين عرفتهم طوال سنوات إقامتي بها، وهو الأستاذ أحمد مشاري العدواني. وهو ليس رائداً في المجال الثقافي فحسب، بل هو شاعر أيضاً ينتسب إلى الحركة الشعرية في الكويت التي تبدأ قبله بعقود والتي لاتزال مستمرة إلى اليوم، ولا تتوقف عن منح ثمارها الطيبة إلى الأمة العربية كلها. وأنا هنا لا أخص مجلة العربي التي لاأزال أشارك فيها بالكتابة، وإنما أتحدث عن غيرها من المجلات والمطبوعات التي يدين لها العالم العربي بالكثير، والتي تمثل الإنجاز الحقيقي والإسهام الخلاق لدولة الكويت في الثقافة العربية من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج، وهو إسهام يجاوز الحدود الجغرافية الصغيرة لدولة الكويت بما يؤكد أن الحضور الثقافي للكويت يؤسس لمكانتها ويزيد مفاخرها إذا أرادت الكويت أن تحصي مفاخرها العظيمة، ضمن الأقطار العربية المؤسسة للنهضة الثقافية المعاصرة للعالم العربي كله. ولا أكاد أذكر أحمد العدواني إلا ويرد على ذهني ذكر مساعده الأستاذ صدقي حطاب، الفلسطيني الجنسية، الذي عاش أغلب سنوات عمره في الكويت، بعد أن تخرج في قسم اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة. 

ولاتزال صلتي بالأستاذ حطاب قائمة، وأسأل عنه دائماً كلما ذهبت إلى عمَّان، فهو من أصدقاء الزمن الجميل بسنواته التي لا تنسى، والتي لاأزال أراها بمنزلة الحلم الذي كان يجمعني بشخصيات هي رموز مضيئة في كل مجال من مجالات المعرفة. وأعتقد أن إسهام صدقي حطاب في تأسيس سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية كان عظيماً، فهو الذي كان بمنزلة الدينامو، الذي كان يكمن وراءها، والذي ظل يعمل على استمرارها وتجددها إلى أن اضطرته أحواله الصحية إلى التخلي عنها والعودة إلى مستقره الدائم في عمَّان، حفظه الله ومنحه المزيد من العمر والعافية.

 

جيل‭ ‬التلامذة

ويبقى الجيل الذي يعد التلامذة المباشرين لكل من عبدالعزيز حسين وأحمد العدواني. وأعني به جيل الأصدقاء الذين عرفتهم واقتربت منهم بالقدر الذي عرفوني واقتربوا مني، وكان من هؤلاء في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كل من د. سليمان العسكري وخليفة الوقيان اللذين سرعان ما انتقلا إلى البحث العلمي، وأصبحا أستاذين في جامعة الكويت. وأخص بالذكر د. العسكري الذي درس التاريخ في إنجلترا، ثم أصبح أستاذاً بقسم التاريخ في جامعة الكويت، شأنه في ذلك شأن أبناء الكويت الصاعدين في هذه المرحلة، أمثال خلدون النقيب الذي درس في إنجلترا والولايات المتحدة، وعبدالمالك التميمي أستاذ التاريخ، وسليمان الشطي وعبدالله المهنا زميلي في قسم اللغة العربية، وهم الزملاء الذين سعدت بهم وبمعرفتهم إلى جانب الصديق الذي كان قريباً كل القرب من قلبي، وهو المرحوم عبدالله العتيبي، الذي توفاه الله شاباً يافعاً، وكان شاعراً من شعراء الكويت المعاصرين في ذلك الزمان، إلى جانب علي السبتي ومحمد الفايز وخالد سعود الزيد ويعقوب السبيعي. وأذكر أن هذه الأسماء لمعت وأضاءت سماوات الكويت بعد أسماء الجيل السابق الذي كان يتألف من أمثال أحمد العدواني. ولن أنسى علي السبتي الذي كان له فضل كبير على بدر شاكر السياب، شاعر العراق الكبير، عندما عمل على نقله إلى الكويت لعلاجه في المستشفى الأميري على نفقة الدولة الكويتية، إلى أن ودع الحياة الثقافية وتوفاه الله في أحد أسرَّة المستشفى، إن لم تخني الذاكرة. وأذكر أنني قضيت مع عبدالله العتيبي، وكان رئيساً لقسم اللغة العربية وصديقاً لي، ليلة جميلة في أحد منتجعات جزيرة فيلكا، وكان معنا على ما أذكر المرحوم محمد رجب النجار، أستاذ الأدب الشعبي في قسم اللغة العربية وعلي السبتي ويعقوب السبيعي. 

 

مجدد‭ ‬عقلاني

ولاأزال أذكر من هذه المجموعة التي عرفتها من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، خليفة الوقيان الذي أكن له كل التقدير والاحترام، والذي كنت حريصاً على لقائه كلما ذهبت إلى مؤتمرات الكويت العديدة وأنشطتها الثقافية التي لم تكن تتوقف. وكان الوقيان بأبحاثه وصنوه سليمان الشطي، الذي كان يوازيه في المكانة البحثية وفي اتساع الأفق، ورجاحة العقل، وصفاء السريرة التي تدل على سماحة النفس وانفتاح العقل، يملكان عقلية متميزة؛ فقد كان الشطي ينفتح على الأدب بما يجمع بين رمزيات نجيب محفوظ وأقنعة السياب، أو ما بين شعر أدونيس وشعر صلاح عبدالصبور، وذلك في موازاة الوقيان الذي كان مجدداً عقلانياً يصل ما بين التراث والمعاصرة، ويضع لنفسه معياراً يجمع بين التقليد والتجديد في آن. ومع الأسف لم تسمح لي سنوات الكويت أن أعبِّر لكليهما عن تقديري العلمي لكل منهما، فلهما مني التحية والدعاء بطول العمر. ولماذا أنسى الجيل الأكثر شباباً؟ وهو الجيل الذي عرفت منه صديقي المرحوم أحمد الربعي، وهو من أنبل وأصفى عقول أبناء الكويت. وكانت رحلته القتالية والنضالية من أجل الحرية والعدل مثلاً أعلى ينبغي أن يتعلمه شباب هذه الأيام، فهي رحلة امتدت من ظفار وانتهت بجامعة هارفـارد بالولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة، ليعود بعدها للتدريس في جامعة الكويت. وكان الربعي شاباً يسعى إلى امتلاك العالم كله، ومستعداً للتأثير في كل أرجاء الدنيا. وكنا، ولانزال، نحبه حباً صادقاً، ونرى فيه نموذجاً ألقاً للمستقبل الواعد بالحرية والعدل. وقد تولى وزارة التربية والتعليم، إن لم تخني الذاكرة، بعد أن تركت الكويت وعدت إلى مصر لأشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، حيث زارني وهو وزير في مقر عملي، وتناقشنا كثيراً في مشروعاته وأحلامه التي كان يريد أن يحققها، وقد ظل الربعي منطوياً على هذه الأحلام، داعياً إليها، ورمزاً مضيئاً من رموز الاستنارة في الكويت، أعني رمزاً تتجاوب أضواؤه مع الآثار التي كان ولايزال يخلفها خليفة الوقيان وسليمان الشطي وعبدالمالك التميمي. 

أما خلدون النقيب الذي لاأزال أراه أقرب إخوان الصفا وخلان الوفاء إلى نفسي، علماً وخلقاً وانضباطاً منهجياً صارماً، فقد توفاه الله، تاركاً ثغرة لا يستطيع أحد في دراسات علم الاجتماع السياسي أن يسدها. وقد شاركت في الاحتفال بذكراه والكشف عن جوانب إسهاماته الفكرية في علم الاجتماع السياسي ودراسات التخلف بوجه عام، في الندوة التي نظمتها مؤسسة العويس الثقافية في دبي، وكان كل المشاركين في هذه الندوة يشعرون بفداحة الخسارة التي خسرتها الدراسات الأكاديمية بوفاته. ولا أزال أذكر أنني تعلمت منه ما لم أنسه على مستوى الإدارة وآفاق الثقافة التي لم يكن تخصصي بمعناه الضيق يسمح لي بالاقتراب منه. 

 

جيل‭ ‬من‭ ‬العمالقة

يبقى الحديث عن الطليعة النسائية التي كنت أراها صاعدة في السنوات التي عشتها بجامعة الكويت. ولاأزال أذكر بالخير زميلتي نوال الإبراهيم التي كانت أما ثانية لأولادي ومصدراً للعون في كثير من المشكلات التي واجهتني في أشهر إقامتي الأولى بالكويت، وكانت تشاركني التخصص في النقد العربي القديم، وهو أحد فروع الاهتمامات العديدة التي كانت تشغلني. وأضيف إلى الدكتورة نوال الدكتورة نورية الرومي التي كانت متخصصة في الأدب الكويتي الحديث، وتلميذة الدكتور إبراهيم عبدالرحمن، عليه رحمة الله. وتبقى الصديقة الدكتورة سهام الفريح التي تولت رئاسة القسم بعد وفاة العزيز عبدالله العتيبي. ولن أنسى عبدالله المهنا، ذلك الصديق الذي لا أستطيع أن أنكر صداقته أو أخوته، أو مسارعته إلى العون وحسن الاستقبال. وأذكر أنه في الشهر الأول لي بجامعة الكويت لم يتركني دون عون أو دون دعوات للقاء كي يزيدني علماً بما لا أعرفه. وهؤلاء هم من كانوا أصدقائي في جامعة الكويت ومن كنت أرى في حضورهم الثقافي والأكاديمي حضوراً داعماً وأخوياً على السواء، وذلك في موازاة الحياة الثقافية التي كانت تزخر بأسماء أعلام من أعلام الأمة العربية على المستويين الأكاديمي والثقافي على السواء.

ولا أنسى أنني عاصرت نازك الملائكة وزوجها الدكتور عبدالهادي محبوبة الذي ظلت علاقتي به قائمة، حتى بعد أن تركت الكويت وعدت إلى القاهرة. ولاأزال أذكر أن صديقنا عبدالله المهنا طلب مني أن أشترك في إصدار كتاب تكريمي لنازك الملائكة الشاعرة والناقدة، وقد شاركت في هذا الكتاب مع المهنا ومع الشاعر المصري المعروف والأستاذ الأكاديمي الذي كان زميلاً لنا عبده بدوي والدكتور محمد رجب النجار، عليهما رحمة الله، وعدد من محبي نازك الملائكة، فضلاً عن زوجها الراحل محبوبة. ولم تكن نازك تحضر إلى الجامعة في ذلك الوقت، لأنها دخلت في نوبة اكتئاب ظلت عليها، إلى أن توفاها الله غريبة عن وطنها العراق، تماماً كما فعل زميلها بدر شاكر السياب، وكلاهما كان ينازع الآخر فضل السبق إلى كتابة القصيدة الحرة الأولى في حركة الشعر الحديث أو الحر في الأدب العربي المعاصر. ومع الأسف لم تتح لي الظروف الصحية لنازك أن أراها عن قرب أو أجلس معها، ولذلك كنت أكتفي برؤيتها في طرقات الشويخ بالقرب من مساكن أعضاء هيئة التدريس، يصطحبها زوجها الحنون للتريض، وكانت في حالة من الغياب عن العالم أو الحضور فيه. وكانت رؤيتها تبعث في نفسي حزناً عميق الأغوار على هذه الشاعرة العظيمة التي انتهت بها الحال إلى اكتئاب لم يفارقها قط. وبرغم أنها انتقلت مع زوجها إلى القاهرة بعد الاعتداء العراقي الغادر من صدام حسين على الكويت، فقد ظلت على اكتئابها برغم كل ما حاولته في المجلس الأعلى للثقافة من تكريم لها واحتفاء بها، إلى أن توفاها الله في القاهرة، وكنت على رأس المشيعين لجثمانها الطاهر، والمكرمين لها أكثر من مرة في المجلس الأعلى للثقافة. الغريب أن السنة الأولى لي في الكويت كانت السنة الأخيرة للمرحوم علي الراعي، الناقد الأدبي الذي يقل نظراؤه في هذه الأيام، والمرحوم عبدالسلام هارون شيخ المحققين العرب، ومثل هذين، المرحوم أحمد أبوزيد الذي كان أهم رئيس تحرير شهدته مجلة «عالم المعرفة»، والذي حاول أن يجمعني كثيراً بالمرحوم عبدالرحمن بدوي، ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح بسبب طبيعة بدوي ونفوري من شخصيته بالدرجة الأولى.

فقد كانت سنوات إقامتي في الكويت هي السنوات التي تجمع بين حضور جيل العمالقة من الأساتذة العرب الذين احتفت بهم وأُسست بفضلهم جامعة الكويت، والأجيال الجديدة الصاعدة من الكويتيين والكويتيات الذين أخذوا على عاتقهم الاستمرار في حمل رسالة الجامعة والمضي بها إلى الأمام. ولا شك في أن هذه الطبيعة الخاصة لتأسيس جامعة الكويت وما تركته من أثر كانت هي التي جعلت إقامتي في الكويت وتدريسي في جامعتها سنوات من التواصل بين المعارف وعلاقات التأثر والتأثير بين الأجيال التي كانت أكبر مني سناً والأجيال التي كنت أنتسب إليها، فضلاً عن الأجيال التي لحقت بنا. وهكذا كان من حظي أن أشهد الآثار البارزة للتأسيس الأول لجامعة الكويت، وأن أضيف مع أقراني العرب إلى هذا التأسيس ما ترك من آثار موجبة، خصوصاً على المستويات التي كانت تتصل بالتخطيط للبعثات الخارجية، أو تبادل الأساتذة واستضافتهم من أنحاء العالم المتعددة، وكلاهما أسهم في تكوين أجيال واعدة من الباحثين الذين أفخر بأن عدداً منهم من تلامذتي الذين أعتز بأستاذيتي لهم بالقدر الذي أعتز بأستاذيتي لمن يماثلهم في مصر أو غيرها من الأقطار العربية.

والحق أنني أكتب كثيراً أو طويلاً عن العلاقات الشخصية والأحداث التي وضعتني في مواجهات صعبة أو علاقات حميمة مع كل الشخصيات التي أتاحت لي إقامتي في الكويت أن أعرفها عن قرب وعلى نحو حميم، ولكني لا أريد لهذه الذكريات أن تأخذ منحى شخصياً، وإنما أريد لها أن تكون أقرب إلى تسجيل وقائع موضوعية وأحداث ثقافية جعلت للكويت مكانة متميزة في نفسي لاتزال باقية إلى اليوم. ومن المؤكد أن هذه المكانة هي التي جعلتني أسارع على الفور إلى إدانة غزو صدام للكويت، وأرى فيه اعتداء أثيماً من دكتاتور عربي على بلد لم يتأخر قط في عون كل العرب من حولهم. ولهذا كتبت أكثر من مرة دفاعاً عن الكويت، وكنت أشعر دائماً بأن قلبي ينبض محبة عندما أسمع كلمات النشيد الوطني التي كتبها صديقي أحمد العدواني، وهو الصديق الذي كتبت عنه مقالات عدة في جريدة الحياة اللندنية، كما كتبت عن غيره في مجلات أخرى، فجامعة الكويت والكويت نفسها لاتزال تمثل لي سنوات عزيزة من سنوات زمن جميل مضى .