متحف السينما الإيرانية خزانة أهل الفن السابع

متحف السينما الإيرانية خزانة أهل الفن السابع

لم‭ ‬أكن‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬تخبئ‭ ‬لي‭ ‬العاصمة‭ ‬الإيرانية‭ ‬طهران‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدهشة‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬فبينما‭ ‬كنت‭ ‬أبحث‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬جميل‭ ‬رائق‭ ‬ماطر‭ ‬عن‭ ‬متحف‭ ‬الساعات‭ ‬القديمة،‭ ‬انجذبت‭ ‬إطارات‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬تقلني‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬مختلف‭ ‬أعاد‭ ‬تشكيل‭ ‬مخطط‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬اتجريش‭ ‬الشعبيب،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬الضيقة‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬خطاط‭ ‬يرسم‭ ‬لنا‭ ‬أبياتاً‭ ‬من‭ ‬رباعيات‭ ‬عمر‭ ‬الخيام،‭ ‬وأخيراً‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬متحف‭ ‬السينما‭ ‬الإيرانية‭ ‬الذي‭ ‬زرناه‭ ‬لنسرد‭ ‬حكايته‭ ‬هنا‭. ‬

قصر‭ ‬جنة‭ ‬الفردوس

تعني كلمة «موزه» بالفارسية «متحف»، ولأن جميع اللوحات الإرشادية في إيران تكتب بأحرف اللغة العربية، فقد لاحظنا وجود «موزه» أخرى غير «موزه» الساعات القديمة، ومن هنا أتى السؤال: هل يوجد متحف آخر غير المتحف الذي كنا نبحث عنه؟ كنا لانزال على خط سيرنا القديم ولم نكن نعلم أن الحديقة الغناء التي نمر بجانبها هي جزء من مكونات متحف السينما، ولحسن الحظ كان أول من سألناه أجاب على الفور: هنا متحف السينما الإيرانيـــة.

نزلت من السيارة ممتشقاً «كاميرتي» لأبدأ عملية التصوير من الخارج، لم أشك لحظة في أن المبنى الذي يقع آخر الحديقة هو قصر، وبعد أن قطعنا تذاكر الدخول بدأت المعلومات عن هذا المكان تتراكم، إن قصر جنة الفردوس هو المكان الذي اختاره السينمائيون الإيرانيون ليكون بمنزلة الخزانة الآمنة لمتعلقات صناعتهم والمكان المثالي لحفظ الجوائز التي يحصدونها. 

 

‮«‬موزه‮»‬‭ ‬حلم‭ ‬ونبراس‭ ‬

قصر جنة الفردوس، بناه محمد شاه قاجار ثالث ملوك العهد القاجاري (1737-1848)، حيث كان يهتم بترجمة المصادر العلمية من اللغات الأوربية إلى الفارسية، وأنشأ أول مطبعة لطباعة الكتب في إيران، وقام بإيفاد العشرات من الطلاب إلى أوربا.

 تسلمت وزارة الثقافة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قصر جنة الفردوس ليكون معهداً للسينما، قبل أن يتحول إلى متحف للسينما الإيرانية عام 2002، ويعتبر هذا المتحف أحد أهم المتاحف في العاصمة الإيرانية طهران، ويضم كنزاً ضخماً من الوثائق والصور والمعدات الفنية والسينمائية القديمة، حيث بدأ نشاطه في شهر سبتمبر عام 1994 في مبنى تراثي قديم في شارع لاله زار، ثم انتقل في عام 2002 إلى قصر جنة الفردوس في شمال طهران، ليفتتحه الرئيس الإيراني الأسبق الدكتور محمد خاتمي، وتبلغ المساحة الإجمالية للمتحف وبساتينه 30 ألف متر مربع، ومساحة البناء 1000 متر مربع، ويضم ثلاثة طوابق.

فكرة إنشاء متحف السينما الإيرانية، كانت حلماً يراود أهالي الفن السابع لتوثيق نتاجاتهم وأعمالهم الفنية لتكون نبراساً تهتدي به الأجيال القادمة، ويساهم في نقل الخبرات والتجارب المهنية والفنية إلى الشباب المتطلعين إلى إنجاز أعمال تعكس طموحاتهم وأمانيهم.

وقد لعبت الجهود التي بذلها المخرجَان عباس كيا رستمي وعزت الله انتظامي في رصد وجمع أهم الأفلام الإيرانية والصور التذكارية لكبار المخرجين والممثلين القدماء دوراً كبيراً في إنجاح المشروع وخروجه إلى النور.

 

القاعة‭ ‬الزرقاء

وتضم لمحات نادرة من تاريخ السينما الإيرانية، من بينها صور تؤرخ لليوم الذي أحضر فيه الشاه الإيراني مظفر الدين شاه، خلال زيارته لإحدى الدول الأوربية، أول آلة تصوير في عام 1900، ثم افتتاح أول صالة عرض للسينما في إيران في عام 1904 وحتى إنتاج أول فيلم إيراني في عام 1930 بعنوان «آبي ورابي» على يد المخرج آفانيس أوهانيان، وتضم القاعة صوراً لأول عمليات تصوير سينمائي وأول إعلان صحافي عن السينما الإيرانية، ثم تبدأ بتسليط الضوء على الرعيل الأول للسينما وأهم المنتجين والمخرجين والمصورين القدامى.

القاعة الزرقاء لا تكتفي بكل ما سبق، إذ يمكن ملاحظة وجود كثير من لمسات الوفاء لمن عملوا في دور السينما المختلفة من خلال عرض هويات وأوراق العمل من مراسلات ومخاطبات. 

 

المستقر‭ ‬الآمن‭ ‬

جمع في قاعة المعاصرين كل ما أمكن جمعه من صور وملصقات إعلانية لأشهر وأهم الأفلام السينمائية والمخرجين والممثلين ومصممي الملابس والديكور والمكياج، كما نشاهد في هذه القاعة أجنحة خاصة للمخرجة الإيرانية رخشان بني اعتماد وصاموئيل خاجيكيان وعزت الله انتظامي وبوران درخشنده وداريوش مهرجوئي وفاطمة معتمد آريا ونيكي كريمي وعلي طالبي، وهم عمالقة الفن السابع في إيران، وأخيراً نصل إلى القاعة الدولية التي أطلقت عليها لقب «المستقر الآمن»، لأنها تجيب عن السؤال المحير الذي يواجه كل من حصلوا على جوائز سينمائية مهمة ولا يعرفون مآلها النهائي على وجه الدقة بعد رحيلهم، أهو الضياع والتلف؟ أم البيع في سوق الخردة؟

في القاعة الدولية سنجد أهم الجوائز التي حصلت عليها السينما الإيرانية في المهرجانات الدولية والمسابقات العالمية كمهرجان «كان» وبرلين وفينيسيا، ومجموع الأوسمة والميداليات المعروضة في القاعة، وقد بلغ عدد تلك الجوائز خمسة وأربعين جائزة حتى الآن. 

 

شهادة‭ ‬محمد‭ ‬خان‭ ‬

في مدونته الإلكترونية التي لاتزال على قيد الحياة يتساءل المخرج المصري الراحل محمد خان (1942 - 2016): «لو كنت حاصلاً على أكثر من ألفي جائزة سينمائية دولية, منها السعفة الذهبية لمهرجان كان والدب الذهبي لمهرجان برلين والأسد الذهبي لمهرجان البندقية والفهد الذهبي لمهرجان لوكارنو... أين كنت ستحتفظ بكل تلك الجوائز النفيسة؟» ويواصل مجيباً عن سؤاله: «متحف السينما الإيراني هو المكان الذي اختارته السينما الإيرانية للاحتفاظ بكل تلك الجوائز وذكريات أخرى، حصلت عليها طوال أكثر من مائة عام من تاريخها الحافل». 

تلك الشهادة من ذلك المخرج المبدع قادتني إلى منطقة الأسئلة القلقة التي تستحق أن تنقل إلى جميع المهتمين بشؤون السينما في المنطقة العربية، متى سنرى متاحف سينمائية في المدن العربية تحفظ وتؤرخ أعمالهم ومقتنياتهم؟ من سينهض بتلك المهمة؟ الدولة أم القطاع الخاص؟ وهل سنرى المختص والعارف على رأس دائرة اتخاذ القرار؟ هل ستنطلق المتاحف المرجوة من حيث انتهى الآخرون في جودة العرض وحرفية التوزيع وبث روح الطمأنينة لاستخراج الكنوز المدفونة لدى أصحابها؟ أعتقد أن الفائدة التي تحققت من هذه الزيارة لمتحف السينما الإيرانية ملخصها في الأسئلة المطروحة أعلاه .

تلقى‭ ‬متحف‭ ‬السينما‭ ‬الإيرانية‭ ‬هدية‭ ‬قيمة‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬كاوه‭ ‬شيرواني‭ ‬زاده‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬آلة‭ ‬تصوير‭ ‬سينمائية‭ ‬ومعداتها‭ ‬استعملت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬1900‭ ‬و‭ ‬1920‭ ‬