قضايا رئيسية في فكر الأنصاري

قضايا رئيسية في فكر الأنصاري

نشرت مجلة العربي في عددها رقم (576) والصادر في نوفمبر 2006، ملفا خاصا عن أحد رواد الثقافة الكويتية والعربية ألا وهو الأستاذ عبد الله زكريا الأنصاري رحمه الله، وقد جاء هذا الملف في جانبين اثنين، الأول هو حوار خاص معه سبق إجراؤه قبل وفاته تناول من خلاله الأنصاري بعض القضايا والأمور، والثاني حول شعره وبنائه وعناصره، وكان الملف بعنوان «سفير الشعر».

وفي الحقيقة هناك جوانب مهمة جدًا في فكر عبد الله زكريا الأنصاري والتي توجها بإصدار عدد من الكتب والتي كان لها أثرها البالغ بداية من كتابه «فهد العسكر حياته وشعره» 1956، «مع الكتب والمجلات» 1972، «الساسة والسياسة» 1975، «روح القلم» 1977، و«البحث عن السلام» 1979 وغيرها من المؤلفات.

وكانت كتابات الأنصاري في غالبيتها لا تخلو من أبيات الشعر سواء التي نظمها بنفسه أو التي اقتبسها من شعراء آخرين، حيث أصبح ذلك إحدى السمات الأساسية لكتابات الأنصاري إضافة الى أسلوبه السهل والواقعي في تناوله للعديد من الأفكار، وهو ما سنتوقف أمامه بإشارات سريعة في هذا المقال.

لقد دافع الأنصاري عن التجربة الإنسانية باعتبارها هي التي تقود إلى الطريق الصحيح، وانتقد الواقع العربي والشعارات التي يطرحها بعض القادة والزعماء بالقول بأن « الديمقراطية إرهاب لدى الكثيرين، والسعادة شقاء عند البائسين والمحرومين، والحرية متعة عند الأقوياء والمتنفذين ».

ويحدد الخلل في هذا الأمر بمجيء « رعاة هنا ورعاة هناك، ويتمركزون في السلطة ويستحلون الجلوس على الكراسي الوثيرة ويوصدون الأبواب أمام الآخرين، فذلك هو الإرهاب الفكري الذي يقتل في الإنسان روح الطموح، ويقضي فيه على مصادر الإشعاع ويمحو منه أي بادرة إبداع أو أي عطاء مفيد ».

البحث عن السلام

ويبحث الأنصاري عن السلام بين العرب وإسرائيل وأين وكيف ومتى يكون، من خلال طرح أسئلة عدة باحثا عن إجابات محددة لها : هل السلام المفروض بالقوة يعد سلاما؟ وما هو الفرق بين السلام والاستسلام؟ وهل الأمة العربية عاجزة وغير قادرة على الصمود واسترجاع حقوقها؟ ولماذا هي عاجزة عن فرض إرادتها؟ وهل هذا الجيل أصبح عاجزا عن رد كرامته واسترجاع حقه؟

ويستعرض الأنصاري في تعليقه على هذه الأسئلة ببيت شعر لأحد الشعراء العرب:

السيفُ أصدق إنباءً من الكتبِ في حدّه الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ


ثم يوضح معنى السلام المطلوب والذي يجب أن يكون قائما على العدل لا على الخوف والإرهاب والظلم، ولا يكون فيه انتقاص للحقوق ولا اعتداء على الكرامة ولا نيل من الشرف، مطالبا في الوقت ذاته الجيل العربي الجديد بعدم الخلط بين السلام والاستسلام.

فإذا كان ما سبق اعتبر واقعا لا مفر منه كما يرى الأنصاري والذي يطالب برفضه والانقضاض عليه، فإن « روح القلم » لديه تلتمس الواقع الفكري للأدباء والمثقفين، حيث يؤكد وجود أزمة وتذبذب فكري حاد بينهم وهو ما «يمزق أفراد هذه الأمة ويفتك بهم» والذي له تأثيره المباشر على مستقبل هذه الأمة، وهذا التفكك الفكري والتمزق العقلي هما اللذان يفتكان بشبابنا. ويطالب الأنصاري بـ « ثورة ثقافية اجتماعية تمهد السبيل أمام وحدة عربية قائمة على الحرية في الرأي والعدالة في الحكم والمساواة بين العاملين من الناس».

كلمة أخيرة

نعم.. هذا بعض مما طرحه الأنصاري، والذي جميعنا يبحث عنه، كان يحلم بمجتمع عربي وحدوي ركائزه الأساسية قائمة على الديمقراطية والعدالة وحرية الرأي والمساواة، رافضا في المقابل كل الحلول الاستسلامية، باحثا عن السلام بقوة الإرادة والعزيمة لا ببعثرة الكرامة والشرف.

وأخيرا.. عبد الله زكريا الأنصاري ليس شاعرا أو أديبا فقط، بل مفكر من طراز نادر له رؤاه الخاصة تجاه عدد من القضايا التي تمس واقع المجتمع العربي.

علي حسين العوضي
كاتب كويتي