لم يعد السكوت ممكناً...

لم يعد السكوت ممكناً...

«.... ولم يعد الانتظار جائزاً، ولم تعد لغة الإتيكيت الثقافي في مواجهة الإجرام (الصهيوني) إلا إضافة إلى (هذا) الإجرام ».

بهذه العبارات البيانية القوية أطل علينا الدكتور سـليمان إبراهيم العسكري رئيس تحرير مجلة العربي الغراء في حديثة الشهرى، أكتوبر 2006 - العدد (575) تحت عنوان دال.. «في مواجهة ثقافة العنصرية».

وكان حديثاً كله أسىً وحزن ودهشة ممزوجة بالغضب على ما أصاب شـعبنا العربي فوق أرض لبنان الحبيب من أهوال العدوان الصهيوني الذي كان«حافلا بحقد التدمير ودموية المجازر إلى درجة لا معقولة من التوحش و البربرية». علماً بأن تيودور هرتزل المعروف بـ«الأب الروحي» للدولة الصهيونيه قد كان يستخدم صفة الوحشية  والبربرية لمصلحة دعايته وترويجه للدولة اليهودية القادمة كاتباً في «يومياته» بأن دولته ستكون بالنسبة لأوربا... «الحاجز المواجه لآسيا والمدافع المتقدم عن الحضارة الأوربية ضد التوحش والبربرية الشرقية».

وفي حديثة ذاك، وجه إلينا الدكتور سـليمان إبراهيم العسكري دعوة وصفها بـ «السلمية تماماً» يناشد فيها كل المثقفين العرب بأن يخوضوا معركة مقاومة بالقلم يستوحون صلابتها من المقاومة اللبنانية، ضد الثقافة الصهيونية العنصرية التي تستبيح على أرض فلسطين كل صور الحياة وبلا ردع و بلا حدود ابتداءً من سرقة لعب أطفال فلسطين إلى خطف أرواحهم بدم بارد مثلما فعلوا مع الطفل محمد الدرة ومع أطفال قانا بقذائف حرصوا على أن تحمل توقيعات أطفال يهود. فقد عرضت علينا مختلف المحطات الفضائية التلفزيونية منظرًا مروعًا للغاية يظهر فيه أطفال يهود تتراوح أعمارهم بين السادسة و الثامنة وهم يكتبون مبتسمين على قذائف مدفعية أعدها الجيش الصهيوني لضرب لبنان باعتبارها هدايا من أطفال يهود إلى أطفال لبنان.

واليوم تتوجه أنياب مصاصي دماء صهاينة إلى حناجر أطفال بيت حانون في بلدنا العربي الآخر فلسطين عطشى لم ترتو بعد من دماء أطفال لبنان.

إن إبادة العرب فى عقلية الصهاينة هى عقيدة، وفي إسرائيل صارت ثقافة شعبية أنه إذا لم يرتكب القائد الصهيوني مجازر فى صفوف الفلسطينيين بالتحديد، تسقط شعبيته ولكن إذا ارتكب مجزرة أو مجزرتين فترتفع إلى مرتبة النجوم.

وتبلغ عقيدة إبادة الشعب العربى الفلسطيني ذروتها فى تمييز اليهود عن سائر البشر وتغذية روح التطرف والعصبية ضد الشعوب الأخرى، وهو ما استغله الصهاينه استغلالا بشعا محكما، كما يروى لنا مؤلفون تخصصوا فى هذا المجال مثل د.عبدالوهاب المسيري فى عدد من مؤلفاته وأكثرها سلاسة مقارنته بين «بروتوكولات حكماء صهيون» المزعومة، وكتب اليهود المقدسة المثبتة مثل التوراة والتلمود والقبالاة، وقد أبدع فى هذا الجانب المفكر الفرنسى روجيه جارودى الذي تعرض لـ«الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» فى كتابه الذي نشره باللغة الفرنسيه إلى هيجان اليهود فى فرنسا وتقديمه للمحاكمة بذريعة «اللاسامية» وهى تهمة جاهزة ضد كل من ينتقد سياسة إسرائيل وهذا بالضبط ماقصده شارون فى تصريحه حول جواز قيام إسرائيل بمحاكمة الآخرين وتحريم مقاضاتها.

ويسرد لنا الدكتور أسعد السحمراني فى كتابه الشائق «من اليهودية إلى الصهيونية» معلقًا أن صور الوحشية اليهودية تبدو لك حيث ماجلت ببصرك فى طيات العهد القديم (التوراة)لذلك من المفيد أن نورد بعض النصوص ليعرف معاصرونا فى أمة العرب، أو فى العالم قاطبة حقيقة النفس اليهودية...لنقرأ معًا هذا النص من سفر يشوع! «  ولما فرغ بنو إسرائيل من قتل جميع سكان العي فى الصحراء وفى البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعهم بحد السيف وكان جملة من قتل فى ذلك اليوم من رجل وامرأة اثني عشر ألفًا جميع أهل العى.... أما البهائم وسلب تلك المدينة فغنمها إسرائيل لأنفسهم على حسب أمر الرب الذى أمر به يشوع وأحرق يشوع العى وجعلها تل ردم إلى الأبد خرابًا إلى هذا اليوم » سفر يشوع الأصحاح 8 (من كتابه المذكور ص 178 / 179 دار النفائس 2000).

لقد احتاج جنكيز خان سبعة أيام بلياليها لكي يبني هرمًا من عشرة آلاف جمجمة عندما احتل مدينه أصفهان، بينما لم يتطلب الأمر من يشوع بن نون سوى يوم واحد لكي يذبح اثني عشر ألف رجلاً وامرأة بحد السيف تلبية لأوامر المتعطش للدماء «فلماذا تتأزمون ياعرب»؟!.... كانت تلك هي الدهشة التي بدت فى عيون وزيرة خارجية أولمرت  عندما اضطرت أن تتأسف بامتعاض على مقتل تسعة عشر فلسطينيًا (فقط!) فى مجزرة بيت حانون وكأني بذلك الوجه «الجامد» الخالي من أي تعبير وهي تنظر بقلة صبر إلى كاميرا المصور أتخيلها تقول.... بطل التوراة كان قادرًا قبل ثلاثة آلاف سنة أن يذبح بسلاح متخلف (السيف) اثني عشر ألف عربي في يوم واحد فما بال تقديراتكم ونحن نملك اليوم أسلحة دمار شامل نستطيع بواسطتها أن نبيد في لحظه واحدة أكثر من سبعين ألف شخص كما فعلت قنبلة هيروشيما»؟!

وكما هي العادة يتولى وزير خارجية الكيان الصهيوني أو شخص متحدث عن وزارة الخارجية قيادة «جوقة التأسف والاعتذار». ثم يليه وزير الدفاع فرئيس أركان الجيش إلى أن يصل الميكروفون إلى رأس الأفعى لتعلن بفحيحها نهاية «الجرعة» وترقب جرعة جديدة من الدم. لقد تأسفوا عن خطأ ارتكب في قانا الأولى (1996) فيما التقطت قبيل وقوع المجزرة بلحظات إشارات باللغة العبرية تقول... «اقصفوا واقتلوا هذه النفايات»!

أما الجنود الخمسة اليهود المسؤلون عن عملية قصف قانا فلم يتحدثوا عن خطأ، بل عن أمر مباشر بالقصف. وعندما سألوهم هل يشعرون بوخز الضمير عما فعلوه؟ قالوا إنهم فعلوا واجبهم إطاعة للأوامر ولكن إذا سألهم أحد عن آرائهم فسوف يقذفون المزيد من القنابل ويقتلون المزيد من العرب، كما أفاد الكاتب المفكر الفرنسي الكبير روجيه جارودي في كتابه «محاكمة الصهيونية الإسرائيلية» (ص 198 / 199- دار الشروق 1999).

وعن مجزرة بيت حانون فقد نطق شاهد منهم مصرحاً بأن... «القذائف التي استخدمت في بيت حانون هي نفسها التي أسقطت على قانا الثانية (يوليو2006) وهي من عيار 155mm التي اشتهرت بأنها قذائف غير دقيقة في إصابة الهدف ويمكن أن تخطئ إلى مسافة تبعد مئات الأمتار من الهدف (Uri Avnery : « In One word : MASSACRE ! »-Rense.com)

بعبارات أخرى فإن الخطأ كان في كل الحالات مقصوداً لكي تحصد القذيفة الواحدة أكبر مجموعة ممكنة من المدنيين وهدا هو الهدف الحقيقي في إستراتيجية الحروب الصهيونية. فالمقاتلون العرب عددهم قليل في العادة ودماؤهم شحيحة ولكن وفرة الدم تكون عند المدنيين العرب غير المحتاطين الأمنيين في بيوتهم المطمئنين إلى أنه لن يصيبهم مكروه وبالتالى فهم هدف سهل ووفيرالدم يشفي غليل الصهيوني المتعطش لدماء بلا حدود. هذا وقد صرح قائد القوات الجوية الصهيونية أثناء أحداث بيت حانون بأنه... «ينام براحة تامة عندما يسقط قنبلة متطورة زنة واحد طن من المتفجرات على منطقه فلسطينية آهلة بالسكان»! (Uri Avnery فى المصدر نفسه).

وقد أعطى البروفسور زيمرمان شهادة مخيفة لعملية تجريد الإنسان من إنسانيته بتكريس ثقافة الكراهية ضد العرب وتعزيز عقيدة الإبادة عند المواطن اليهودي الإسرائيلي منذ نعومة أظفاره معترفًا بالقول: «هناك وحش في داخل كل منا وإذا استمررنا في التأكيد على أن أعمالنا (ضد العرب) دائمًا مبررة، فإن هذا الوحش سيكبر».... (فالأطفال) «يتم إشباعهم بفكرة أن كل عربي سيئ وأن كل غير اليهود ضدنا». (جارودى المصدر نفسه ص196).

د. أحمد عبدالله القاضي
عدن - اليمن