مندلسون: الموسيقى نبض الحياة

مندلسون: الموسيقى نبض الحياة

إن أعمال مندلسون، المؤلف، عازف البيانو والقائد الموسيقي، تُعد محورية في تاريخ الموسيقى إلى قدر كبير، وقد اتخذ القوالب التقليدية ومارسها ودشن المفاتيح الرئيسية في أخريات ظهور هذه الحركة، في القرن الثامن عشر، والتي كانت تُعلي من المشاعر، وتسمو بالخيال على حساب التقاليد والأنماط المتكررة الراكدة.

ولد جاكوب لودفيج فيلكس مندلسون، في هامبورج، في الثالث من فبراير عام 1809 لأبوين يهوديين، والدته تدعى لي سالومون، وكان حفيدًا لفيلسوف يدعى Moses، وكانت عائلة مندلسون فخورة بأصلها، طبقًا لما كان شائعًا للأفكار الليبرالية التي كانت تسود القرن التاسع عشر. وفي عام 1811 ، إبان الاحتلال الفرنسي لهامبورج، انتقلت الأسرة إلى برلين، هناك درس «البيانو» مع لودفيج بيرجر، و«التآلف الموسيقي» مع كارل فريدريك زيلتر، الذي كان مؤلفًا ومدرسًا، وكان له تأثير كبير على مسار ومسيرة مندلسون، وتلقى دروسًا في الأدب والرسم المعماري، مما أكسبه في بواكير فتوته عقلاً خصبًا وثقافة واسعة.

سافر إلى باريس مع شقيقته Fanny، حيث تلقى دروسًا أخرى في العزف على البيانو، وبدا أنه مُتيم بموزارت، كتب العديد من القطع الموسيقية خلال فترة صبوته، من بينها خمس من الأوبرات وإحدى عشرة من السيمفونيات، عدا الكونشيرتات Concertos والسوناتات Sonnets وغالبية أعماله تلك حفظت لمدة طويلة في مخطوطات مدونة باليد في مكتبة برلين.

بداية الشهرة

في ربيع عام 1829 قام بأولى جولاته إلى إنجلترا قاد سيمفونية في (جمعية بحي الموسيقى) بلندن. وفي صيف ذلك العام يمم وجهه شطر أسكوتلندا، هناك ألقى الكثير من قصائده الشعرية التي تبعث على الذكريات الشجية، وبين أعوام 1830 ، 1832 شدّ الرحال إلى ألمانيا، النمسا، إيطاليا، سويسرا وعاد مرة أخرى إلى لندن حيث قاد Hebrides Overture ونشر كتابه الأول بالألمانية تحت عنوان «أغان بلا كلمات» Lieder Ohne Worte الذي استكمله في فيينا عام 1830 ، رويدًا رويدًا، باتت موسيقاه تصدح عبر ضفاف «التايمز»، ويتردد صداها في «هايد بارك»، وصار أكثر العازفين شعبية في القرن التاسع عشر في إنجلترا، التي زارها أكثر من عشر مرات، وبصمة موسيقاه المخضبة بالعصر الفيكتوري باتت جلية،بل أصبح الموسيقي المفضل لدى الملكة فيكتوريا ذاتها وأصبح مقربًا منها، وأهدى إياها السيمفونية الأسكتلندية ، ومضت أعوام كتب فيها أوبرا Camacho's Wedding التي أخذ منها مارش الزفاف المأخوذ من «حلم ليلة صيف»، والذي صمم خصيصًا لمواكب الأمراء الملكيين لزفافهم.

في تلك الآونة طبقت شهرته الآفاق، حيث عزف مقطوعة الإمبراطور Emperor، من الذاكرة أمام العامة، ولاسيما عندما كان يعزف على آلة الأرغن، وفيما بعد فإن شعبية «ELIJAH إليجاه» - التي تعتمد على التأليف الموسيقي على أساس ديني، ليس بها تمثيل، والتي أخرجها في برمنجهام عام 1846 ، والتي جعلت قامة مندلسون تطول قامة هاندل.

بيد أن الأجيال اللاحقة من الموسيقيين الذين فُتنوا بفاجنر (1813 - 1883)، أو كلود دبسي (1862 - 1918) أو إيجور سترافنسكي (1882 - 1949)، ثاروا ضد هيمنة مندلسون، وازدروا الإفراط في تقلب العاطفة لأعماله المتواضعة. ومما لاشك فيه أنه، على الرغم من ذلك، نجح في قدح زناد العبقرية الموسيقية الفطرية الأصيلة، بادئ ذي بدء بأدائه وفي مرحلة لاحقة بموسيقاه الخلاّقةالتي أيقظها من سُباتها.

العمل بغزارة

في عام 1835 صعقته وفاة والده، ولم يجد عزاء إلا في الانغماس في العمل بعزيمة وإصرار، وفي العام ذاته، قابل سيسيل جيزتور وهي ابنة قسيس بورتستانتي فرنسي، وكانت تصغره بعشر سنوات، وسرعان ما تمت الخطبة ولحق بها الزواج الذي كُلل في 28 مارس 1837، وكتبت شقيقته الأثيرة لديه انطباعاتها عنها في رسالة إلى شقيقة زوجها: «كانت رضية الخلق، تحمل محيا الطفولة، طليقة كالنسيم عذبة كالماء، وأعتقد أن أخي جد محظوظ، وكان كلفًا بها بصورة يعجز اللسان فيها عن التعبير عنها. وبالرغم من تقلبه، كانت تقابل هذا بهدوء وسكينة». في عام 1838 عمل مندلسون كونشيرتو الكمان وأضحت السنوات الست اللاحقة بمنزلة مرجل متقد للعمل، وقد أسس معهدًا للكونسرفاتوار، وبدأ الطلاب يفدون إليه من كل فج عميق.

في مايو 1847، فقد شقيقته التي كانت ملاذًا له عندما تحدق به النوائب، ومرفأ حنونًا عندما تجنح به سفائن الدهر، وبفقدانها انحطت قواه وخارت عزائمه، ولم يمر سوى أشهر ست حتى لقيها في الرابع من نوفمبر عام 1847 حيث يمر هذا العام 2007 مائة وستون عامًا على وفاته.

وبأسلوب سردي وبصفحات بلغت زهاء 716 صفحة، أراد المؤلف لاري توود، أن يسترعي الانتباه إلى رجل تقرأ سيرته مع إشادة بذكرى يرافقها رواية موثوق بها، وحياة خلاّقة تلفت إليه الأنظار.

 

لاري توود