65 عاما على صدور مجلة الرسالة جامعة، وضوءا، وسلاحا

65 عاما على صدور مجلة الرسالة جامعة، وضوءا، وسلاحا

يمر هذا العام ستة وستون عاما على صدور أول عدد من مجلة "الرسالة الأسبوعية" التي لم تكن مجلة عادية لا نحفل بظهورها أو اختفائها، بل كانت مدرسة في الثقافة والصحافة.

كانت "الرسالة"- في النصف الأول من القرن العشرين- أطول المجلات الثقافية العربية عمرا بعد مجلة "الهلال" التي أسسها في القاهرة الكاتب السوري جورجي زيدان عام 1892 ومازالت تصدر حتى الآن، أطال الله في عمرها.

أصدر أحمد حسن الزيات العدد الأول من "الرسالة" في 15 يناير 1933 وصدر عددها الأخير في 23 فبراير 1953 أي أنها استمرت عشرين عاما، قضتها كلها في عطاء ثقافي وحيوية فكرية وخدمة للعرب: ثقافتهم وقضايا مجتمعاتهم. ولعل السر في استمرارها هذه المدة غير هذا العطاء وتلك الخدمة أنها عفت عن المال الحرام، فلا تجد لها اسما في "المصروفات السرية"، ولا فعلا في المهاترات الحزبية، ولا حرفا من الإعلانات اليهودية.

ويحكي الزيات نتفة من قصة إصداره لها. ففي ذات عشية من عشايا نوفمبر من عام 1932 زار الدكتور طة حسين في دارته بالزمالك. وكان الزيات قد رجع منذ أربعة اشهر من العراق بعدما أغلقت دار المعلمين العليا ببغداد، وكان طه حسين قد أنزل عن كرسيه في كلية الأداب من جامعة فؤاد. فعرض الزيات على طه أن يصدرا معا مجلة أسبوعية للأدب الرفيع. فضحك طه ضحكته التي تبتدئ بابتسامة عريضة، ثم تتهي بقهقهة طويلة، ورفض العرض لأنه رأى أنهما لن يجدا لمجلة الأدب الرفيع قراء في مجتمع ثقافة خاصة أوربية، وعقلية عامتة أمية، المذبذبون بين ذلك لا يقرأون- إذا قرأوا- إلا التفاهات. وحى إذا أقبلوا عليك أول الأمر حبا في التغيير فسوف يسأمونها بعد ذلك. وضرب طه حسين مثالا بجريدة "السياسة الأسبوعية". لكن الزيات اختلف معه. وأصر على إصدار الرسالة يدعمه في هذا أصدقاؤه الأدنون من لجنة التأليف والترجمة والنشر.

ويشبه الزيات نشأة الرسالة بنشأة حزب الوفد من كل الوجوه. وتطورها كتطوره من بعضها:

نشأت الرسالة كما نشأ الوفد لضرورة، لأن مصر كانت تفتقد مثلهما. وقد التف حول كليهما! الكثيرون، كما انشق عليهما أيضا كتاب اشتقوا من الرسالة صحفا، ومن الوفد شعبا. "وأصبحت الرسالة رجلا واحدا يجتمع من حوله أشياع الفكرة، كما أصبح الوفد رجلا واحدا يشير من خلفه أتباع المبدأ".

صدرت "الرسالة" منذ عددها الأول في شكل صحفي بسيط بغير بهرجة، وفي مضمون جاد بغير تكلف. وبرغم أنها كانت إصالحية لا ثورية في مضمونها، مطنبة ومزخرفة غلى حدما في أساليب معظم كتابها وبخاصة الزيات صاحبها، إلا أنه يبدو أن الحياة الثقافية والصحفية في تلك الفترة كانت تحتاج إليها. فأقبل عليها القراء، ذلك لأنها كما قال صاحبها ورئيس تحريرها: "كانت صرخة الحق في ضجة الباطل، دلت على العمق الصحيح لثقافة الكتاب، والاتجاه الصادق لهوى القراء، والمستوى الحق لرقي الأمة، وكان لها أن تزعم- إذا استجازت الفخر- بأن مجموعتها سجل مضبوط لألوان الأدب العربي في هذا العصر".

الدور العربى

والدور العربي للرسالة من أهم أدوارها. هذا الدور الذي نفتقده الأن بشدة في الصحافة العربية ثقافية كانت أم عامة. ففى سنوات "الرسالة" لم تكن هناك صراعات حدود ولا صراعات زعامات عربية. فتحت "الرسالة" صفحاتهـا " لتلك الأصوات الصوادح بالمجد العربي والأدب العربي في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر والسودان والمغرب.

من المصادفات أن تولد "الرسالة" مع ولادة "رجاء" ابن أحمد حسن الزيات. وبالتالي كان يحتفل بميلاد الأثنين معا كل عام. وهذه المناسبة كتب الدكتور طه حسين مقالا إنسانيا بديعا، يوضح فيه أيضا أهميةالرسالة وانتشارها بعنوان "من جد الشتاء".

كان من الطبيعي أن يولد مع ميلاد الرسالة أعداؤها، وأن تثور الغيرة منها، وتشتعل الحروب ضدها. ولولا- كما قال الزيات أيضا- "الإيمان بصحة الفكرة وشف الوسيلة ونبل الغاية وضرورة العمل، لا نقطعت الأسباب وأبدعت ركائب الأمل". وكان أهم نصير للرسالة وحام لها هم القراء، في وقت شكا فيه الزيات من أن "أنصراف الشباب عن المطالعة الجديدة داء أعيا على العلاج وأشفى على الخطر. وهو وحده علة ما نشكوه من بطء الثقافة وضعف الصحافة وقلة الإنتاج وشيوع الجهالة". فماذا كان سيقول اليزات الأن في عصر الأقمار الصناعية و"الدش" لكل مواطن!!

كانت الرسالة حريصة على عرض الأراء المختلفة والأقلام الجديدة. مثلما كانت حريصة على عرض أروع ما نقرؤه من الآداب الأجنبية منقولا إلى العربية العالية ومختارات من الآداب العربية مأخوذا من العصور المختلفة. وكانت تخفف من جدها بنشر طرائف وملخصات من بعض ما تنشره صحف أخرى، بالإضافة إلى نشر الجديد من القصص والشعر مؤلفا ومترجما.

وكان من بين المعارضين للرسالة من يتهمها بأنها تنشر ثقافة العصور المظلمة وتجدد أساليب البيان القديم. والواقع أيضاً أن الرسالة فيما نشرته عن العصور العربية السابقة كان تنتقي الحديث عن عصور الرشيد وابنه المأمون في آسيا والناصر وابنه الحكم في أوربا والعزيز بالله وابنه الحاكم في إفريقيا. هذه العصور التي وصفها الزيات بأنها "جلت عن الأرض دياجير القرون". ويتهم معارضية في هذا بأنهم "يقلدون الكتاب الأوربيين في نعتهم عصور الجرمان بالظلام، كأنما ظنوا قبائل البربر من جزيرة العرب". ويدافع الزيات عن أسلوب الرسالة بأنه "ليس فيه ما يشبه القديم إلا في الصحة. إنما هو اختيار اللفظ الجميل القوي للمعنى الجديد القوي ليس غير". ويعترف الزيات بأن الرسالة بين خصومها "إنما تنحت في الصخر طريقها الطويل. تسير ببطء ولكنها لاتقف، وتعالج برفق ولكنها لا تهن، وتصطدم بالأحداث ولكنا لا تحيد".

كانت الرسالة صريحة في معارضتها للحكومات المتعاقبة على إهمالها أحوال الثقافة والكتاب والأدباء. وموضحة ومدافعة عن دور الكتاب والأدباء والفنانين في رقى الأمم وتطورها الروحي والمادي. كتب الزيات أن الحكومة التي لا يعدو هـمها إصلاح الأرض وتوفير العدة وتقويم البدن لا تخلق الا مجتمعا من الشهوات الفاجرة والنزوات الثائرة والغرائز الخشنة. وان المدرسة وحدها لا تستطيع مهما انفسح ذراعهـا واتسع مداها أن تربي العقول وتهذب الأخلاق وتثقف العواطف. فأخطروا ببالكم أولئك المجاهدين في سبيل الروح، المجدين في خدمة الفكر، الذائدين عن قدس الخلق. أولئك هم الأدباء الأحرار الأبرار الذين يبلغون رسا لة الحق في كتاب، أو يؤدون أمانة الخير في صحيفة. أعينوهم على أكلاف العيش بالرعاية، وشجعوهم على إجادة الإنتاج بالجوائز. ولا تكلوهم إلى هوى النفس وجهل العامة فينطفئوا انطفاء السراج في عين الأعمى، ويموتوا ميتة البلبل في أذن الأصم". لاحظ بلاغة التعبير وجمال التشبيه في كلام الزيات.

الحرب الهتلرية

ولقد عانت الرسالة عن تبعات الحرب العالمية الثانية والتي أسمتها "الحرب الهتلرية، مثلما عانت الصحافة بشكل عام: قطعت عنها الوارد من الحبر والورق حتى بلغ ثمنه اثني عشر ضعفا، وأدوات الطباعة، فنقصت في الكيف والكم "قدر ما زادت في النفقة والهم. وقطعت عليها السبيل إلى الأقطار الأخربصعوبة النقل وشدة المراقبة وضيق المعاملة، فتعذر وصولها إلى البلاد المحاربة، وقل انتشارها في الأقطار البعيدة، وشغل الناس بأخبار الحرب عن النظر في الأدب اللباب والفن الخالص". وكان من أثار الحرب المباشرة أن توقفت مجلة "الرواية"، كما نقص حجم الرسالة بعض النقص.

ولكن من جهة أخرى دفعت الحرب بالرسالة غلى أن تؤائم بين الأدب والواقع، فجعلت من الأقلام المرهفة اسلحة مشروعة في هذه الحرب، تهاجم الطغيا، وتؤيد الحق، وتمهد للسلام، وتبحث في المستقبل. حتى تهيأ لها من أدب الحرب في أبواب المقالة والشعر والقصص ما لم يتهيا مثله للأدب العربي من قبل... علما بأن الرسالة كانت في هذه الحرب مؤيدة للحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا المحتلة لمصر. وكانت الرسالة ترى أن السلامة والسلم من وراء هذه الحرب في الدين.

يوضح اليزات عقيدة الرسالة التي ترتكز على محورين اساسيين: الإسلام والعروبة. بقول الزيات: "إنانعتقد مخلصين أنالعروبة إذا اتحدث كانت بقوميتها أساسا لنهضة الشرق، وأن الشرق إذا نهض كان بطبيعته أضمن للسلام من الغرب، وأن الإسلام إذا تجدد كان بسياسته أصلح لاقرار العدل من كل نظام، وأن الأزهر إذا أصلح كان بثقافته أهدى إلى تريبتنا من أية جامعة". وعقيدة الزيات في العروبة والإسلام هنا مشروطة: العروبة إذا اتحدت، والإسلام إذا تجدد. ويضيف: الأزهر إذا أصلح.. والواقع أن هذه الشروط لم تتحقق حتى اليؤم وبعد 57 سنة من كلام الزيات! وقد هاجم الزيات تخلف الأزهر أكثر من مرة مثلما قال قاصدا الأزهر لة لكنه انقطع عن ركب الحياة فخضع لعوادى الدهر القاهر، خضوع القلعة المحصورة للمغير آلقادر! ". وسبب إضافة الزيات الأزهر إلى عقيدته؟ أنه أن الدين لا ينهض إلا بهء لقد كان الزيات يريد من الأزهر أن يقيم "من القواعد والنظم ما يقره العقل ويؤيده العلم ويتقبله العصر وتقتضيه الحاجة" وسبب اشتراط الزيات للتجديد في الإسلام أنه يريد الدين "النقي القوي الذي فتح الممالك ومدن الأمم وكر الإنسان واحترم العقل وفرض المعرفة".

مدارس أربع

وقد كتب الدكتور سيد حنفي عن أثر الرسالة في الأدب العربي المعاصر يركز فيها على أربع مدارس تكونت من خلال صفحات مجلة الرسالة، هي مدارس: الزيات والرافعي والعقاد والأعلام الثقات.. ويوضح أن أبلغ بيان لمدرسة الزيات هو ما كتبه على صفحات الرسالة في سلسلة مقالاته بعنوان "دفاع عن البلاغة". ومن كتاب هذه المدرسة "مع تفاوت في القرب أو البعد عن الأصل: صلاح الدين المنجد وشكري فيصل ودريني خشبة ومحمد فهمي عبداللطيف ومحمد محمد المدني وعبد الرحمن عيسى ومحمود عزت عرفة". أما الشعراء الذين تلمح أثر الزيات فيهم ففي مقدمتهم "على محمود طه وعبدالغني حسن ومحمود الخفيف وحسين محمود البشبيشي وأنور العطار ومحمود السيد شعبان ".

من جهته، بين العقاد أهمية الرسالة في بعض من الدولة العربية في افتتاحيته التي كتبهـا بعنوان "رسالة إلى الرسالة" قال في بدايتها: "في رحلتي إلى السودان" سمعت حديث "الرسالة" في أول مكان طرقته من السودان.. ولم تتغير العادة في فلسطين. فقد سمعت حديث "الرسالة" في كل ناد من أندية الأدب، وحملة إليها رسالة علنية في أحفل جلسة من الجلسات الأدبيةشهدتها في مدينة يافا". وكانت الرسالة التي حملها القعاد من يافا إلى مجلة الرسالة أنها تضن بالنشر والتنوية على القصائد والفصول التي تأتيها من أدباء فلسطين، وقد حاول العقاد تصحيح ما سماه بـ "الوهم".

ردت الرسالة في العدد التالي على الرسالة التي حملها إليها العقاد من يافا، قائلة بأن مثل هذا العتب طالما تردد على بعض الأفواه في سائر البلاد "فالرسالة هناك متهمة بإيثار مصر، وهي هنا متهمة بالإثار على مصر. وفي التهمتين- علم الله- مبانية الوجه الحق". وتدلل الرسالة على دفاعها بأن في مجلدتها "أسماء كتاب العرب في جميع بلاد العرب مسجلة بالحق فهارسها الحافلة. ولكن عاتب فلسطين الفاضل لا يريد أن يرى إلا اسمه، فإذا رأى أسماء: النشاشيبي وطوقان وحمدان ورشدان ومخلص، حسبها من أسماء الدلتا أو الصعيد، وأكرم بها لو كانت".

والرسالة هنا فى سخريتها من العاتب. تتهمه أيضا بالجهل بأدباء من بلده. وتوضح الرسالة بعد ذلك مقاييس النشر فيها: الاجادة والجودة.

موضوعي وإنشائي

في مقارنته بين مجلتى السياسة الأسبوعية والرسالة يوضع أنور الجندي جوانب أخرى من تأثير الرسالة على الثقافة العربية... بعد أن كانت الكتابة في السياسة من ذلك النوع الذي أطلق عليه الدكتور طه حسين اسم "الأدب الموضوعي" وهو النقد، جمعت الرسالة بين الأدب الموضوعي والأدب الانشائي. وكان الخلق والفن الجديد أغلب". و"بالرغم من أن بعض كتاب السياسه انتقلوا إلى الرسالة إلا أن انتاجهم قد تطور".

"فالدكتور طه حسين الذي كان يكتب فصولا في تصوير الحياة الاجتماعية في العصرين الأموي والعباسي تحت عنوان "حديث الأربعاء" في السياسة، كتب فصولا غاية في الروعة عن سيرة الرسول في الرسالة باسم "علىهامش السيرة"، وكان هذا فنا جديدا من فنون القول والإنشاء. والرافعي الذي كان يكتب حديث القمر، وأوراق الورد، والمساكين وغيرها قبل أن يتصل بالرسالة، فلا يقرأها إلا صفوة قليلة من الأدباء، كتب في الرسالة أجود إنتاجه، ونزل إلى مرتبة القراء الوسط، وخلف كتاب ضخما هو "وحي القلم". وتوفيق الحكيم بدأ على صفحات الرسالة أول كتاباته في الأدب والفن في مساجلات مع طه حسين عن نشأة الحوار، والفن الإغريقي والفرعوني. وعلى صفحات الرسالة بدأ العقاد عبقرية محمد، والحكيم قصة محمد المسرحية، ومن ذا الذي ينسى مقالات عبدالرحنن شكري في الرسالةبعد أن ظل أعواما وأعواما لا يكتب حتى نسيه الناس. وعبدالوهاب عزام وأسفاره ورحلاته، وكتاباته عن التصوف".

موت الرسالة

ماتت مجلة الرسالة، ومن قبلها بشهر واحد ماتت مجلة الثفافة- كما وصف الزيات- في ضجة من أناشيد النصر في مصر وأهارزيج الحرية في السودان، فلا يفطن إلى نزعهما هاتف، ولا يصغي إلى أنينهما منشد! ماتت المجلتان ولم تبكهما عين قارئ، ولم يرثهما قلم كاتب! كان عشرين سنة للرسالة، وست عشرة سنة للثقافة قضتاهما في خدمة الأدب والعلم والفن والإسلام والعروبة لم تهيئ لهما مكانا في الوجود، ولم تنشئ لهما أثرا في الخواطر! وكان هاتين المجلتين اللتين أنشاتا في أدب العصر مدرستين تشئ فيهما جيل، وابتدأت بهما نهضة، واجتمعت عليهما وحدة، لم تكونا إلا ورقا مما ينشر في الطريق للإعلان، يجئ به الموزع وتذهب به الريح!

ونشر الزيت افتتاحية الاحتجاب في 23 فبراير 1953 "في الرقت الذي أشرق فيه على مصر صباح الخير بثورة الجيش المظفر، بعد ليل طال في الظلام... "، "وشعر كل مصرى في ظلال العهد الجديد أن وجوده إلى سمو.. ". "نعم في هذا الوقت الذى نشأ فيه لتوجيه الإرشاد وزارة، ولتنمية الإنتاج مجلس، ولتعميم الاصلاح خطة، تسقط الرسالة فيميدان الجهاد الثقافي صريعة بعد أن انكسر في يدها آخر سلاح". ويصرخ الزيات متسائلا: "فبأي سبب من أسباب الفساد يؤتي المجاهد من جهة أمنه لا من جهة خوفه، ويقتل بيد شعيته لا بيد عدوه؟".

لماذا؟

من وجهة نظر الزيات كما كتبها "التبعة في خذلان الرسالة والثقافة على الحكومة بوجه أعم، وعلى رزارة المعارف بوجه أخص". الحكومة من عدلها الذي أخجل عدل عمر أرسلت إلى الرسالة مأمور الضرائب الذي ترسله إلى الجرائد العظمى!! وقدر المأمور ضرائب جزافية على الرسالة حتى بلغت جملة ما على الرسالة لمصلحة الضرائب 24855 جنيها في سبع سنوات!! وهذا رقم يعادل مثله ملايين اليوم.. ولما لم تسدد الرسالة حجزوا على المطبعة والدار. فلجأت إلى القضاء وظلمت قضيتها منظورة لاكثر من سنتين حتى احتجبت. كما امتنعت الحكومة عن تزويد الرسالة بالإعلانات... أما وزارة المعارف قد ألغت اشتراكها الضعيف في خمسمائة نسخة من الرسالة والثقافة!! بدأ كل ذلك قبل قيام الثورة وليس بسببها... لكن الثورة لم تنقذ الرسالة من الموت.. في الوقت الذي تمنت فيه الرسالة "أن يكون لها من السيادة والفوز نصيب، في عهد يتولى الأمر فيه بإذن الله محمد نجيب". فلماذا لم تنجدها حكومة "الثورة المباركة"؟ أعتقد أنذلك تم لسببين رئيسيين:

أولهما: أن الرسالة جنحت- بسبب من جنوح الزيات نفسه- في سنواتها الأخيرة قبل قيام الثورة إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين... حتى أن الزيات كتب في افتتاحية المجلة قبل قيام الثورة بسبعة أشهر فقط: "فالإخوان المسلمون الذين يسمون أنفسهم رهبان الليل وفرسان النهار، هم وحدهم الذي يمثلون في هذا المجتمع الممسوخ عقيدة الإسلام الخالص، وعقلية المسلم الحق".

الثاني: أن الثورة لم تكن تثق في وسائل الإعلام التي كانت تصدر قبلها وكانت تريد في نفس الوقت إصدار وسائل أعلامها وأعدت لذلك منذ العام الأول لقيامها. كانت الثورة تريد لسانها الخاص وليس لسان الزيات. ومثلما لم تفكر الثورة في القضاء على الملكية مع الحفاظ على الديمقراطية وإسلاحها، فهي كذلك لم تفرق بين صحافة العقول وصحافة البطون "ولك أجل كتاب. ولكل سافرة حجاب. ولكل بداية نهاية".

 

سمير غريب

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات