الحناء... جمال يدوم

الحناء... جمال يدوم

«الحنّا يا الحنّا يا قطر الندى.. يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوى...» أغنية تعودنا على سماعها و«قطر الندى» هي بنت خمارويه بن أحمد بن طولون لما زفت إلى الخليفة في بغداد.

الحِنَّة أداة من أدوات الزينة التي ارتبطت بالمرأة منذ قديم الأزل. ولكن سحر هذه النقوش والزخارف لم ينطفئ مع مرور الزمن؛ بل إن الولع بها امتد حتى يومنا هذا. فقد صارت موضة العصر، ليس فقط بين نساء الشرق، حيث موطن هذا التقليد، ولكن أيضا بين نساء الغرب اللواتي أحببن التماهي بالشرقيات في أخذهن زينتهنّ. ولعل السر يكمن في تصميماتها المعقدة التي يستغرق رسمها ساعات، ولونها الأحمر القاني الذي يتوهج، ورائحتها العطرة التي تفوح برائحة الطبيعة. ويكفي العرب فخراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملها وأوصى بها، لقيمتها الطبية ولفوائدها العلاجية.

والحنة هي نبات شجري حولي كثير الفروع. تستخرج منه مادة الحنة التي تستخدمها أغلب النساء الشرقيات لصبغ شعورهن في الدول العربية والهند وباكستان. كما تستخدم الحنة أيضاً لعمل نقوش جميلة على أيدي النساء. وهي تحمل اسم الحنة وحنا وحناء عند العرب، وفي الشام سموها «القطب»، وفي اليمن «الحنون» وفي النوبة «الكوفرية».

يوم الحنة

لا تزال تقاليد الزواج في كثير من البلدان تخصص يوماً كاملاً للحناء، تتزين فيه العروس وأفراد أسرتها وأصدقاؤها بأجمل رسومات الحِنَّة، ولعل هذا التقليد يعكس إلى أي مدى حافظ المجتمع التقليدي على تراثه وتقاليده العريقة التي توارثها جيلاً عن جيل. كما أن فنون رسمها هي جزء من ثقافة آسيا و شرق إفريقيا. والحِنَّة بالنسبة لهذه الثقافات ليست مجرد رسومات ونقوش جميلة، لكنها تقليد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعادات والأعراف المتوارثة. والحنة معروفة في تركيا وأغلب البلاد العربية، خصوصاً في مصر والسودان ودول الخليج العربي وسورية وفلسطين والعراق وغيرها. أما في اليمن، فالحناء وسيلة المرأة اليمنية لإرضاء الزوج. والتقاليد في اليمن تفرق بين الفتاة المتزوجة وغير المتزوجة من طريقة النقش. وينحصر تزيين الفتيات غير المتزوجات بالنقش على منطقتي الكف والقدم. وفي مناسبات زواج الأقارب والأعياد، تتزين المرأة المتزوجة في حالة وجود زوجها. فإذا غاب عنها يُعاب عليها وضع النقش. والنقش من أبرز الفنون الشعبية التجميلية لدى المرأة اليمنية؛ فالتقاليد تحظر عليها التزين بالحناء في غياب الزوج.

ولليلة الحنة طقوسها، وهي ممهدة لليلة الزفاف، وتسبقها عادة بيوم أو يومين؛ فيتم فيها وضع الحناء على يدي العروس وصديقاتها وبنقوش جميلة ومنها الرسومات البسيطة كرسمة السعفة والفزارة والجوارح ونقشة الطيور.

ففي دمشق كانت والدة العروس تدعو إلى ليلة الحنة أقاربها ومعارفها وصديقات العروس وأترابها؛ فيحنّون كفي العروس وقدميها، ومثل ذلك لصديقاتها، وتحني المسنات شعورهن في سهرة ماتعة حافلة بالطرب والغناء والسمر. وبعد أيام، تقوم بالنقش امرأة تجيده، يطلقون عليها اسم النقّاشة. ويكون النقش فوق آثار الحنّاء، بأشكال وخطوط بديعة.

وليلة الحنّاء تعتبر تقليداً أساسياً وتعد من أهم طقوس الزواج في كلٍ من البحرين ودولة الإمارات العربية حيث تضع العروس الحناء على يديها ورجليها؛ ولا تقف عند حد وضع الحناء للعروسين بل تشمل أيضاً أفراد عائلاتهما، وخاصة الفتيات الصغيرات. ثم تقوم العروس بارتداء الكندورة والثوب والبرقع والشيله ظهر يوم الزفاف.

وتتميز عليها السعوديات بحرصهن على التحني، وبشكل خاص ليلة العيد. وهي تمثل طقساً نسائياً محترماً جداً تكاد تشترك فيها مناطق السعودية كاقة، وتحرص النساء على «بل» الحنة بماء الورد وتخميرها في الهواء الطلق أو داخل الثلاجة في اليوم الذي يسبق ليلة العيد، لتكون جاهزة بحلول الليلة الكبرى. عندها يقمن بوضع الحناء على الأيدي والأرجل كما يستعملنها أيضاً لتلوين الشعر أحياناً بغية إكسابه لوناً وبريقاً ورائحة تحبها الجدات والأمهات، وتمتع النظر بها في مجلس يعبق بالبخور والأنس، والصلاة على النبي. كما تشتهر المرأة الجيزانية في السعودية بأجمل النقوش بحيث تتفنن وتتفرد بموهبة النقش. أما في تاروت والتي أصبحت الآن جزءًا من القطيف، فعادة تحنى العروس في بيت أهلها قبل زفافها بيومين في جلسة عائلية تضم القريبات، وبعض الصديقات، وتقوم الداية أو إحدى قريباتها بعجن الحناء بماء الورد، وتنشد الفتيات:

ليلة الحنا على العذراء سعود
نورها مثل البدر والعين سود
نورها مثل البدر وسط السما
معوذة بالله ومحمد رسول السما

وفي تركيا تجتمع النساء في بيت العروس، وبعد التسلية و الغناء يبدأن بغناء الأغاني الحزينة ليجعلن العروس تبكي. و يتم إحضار الحناء التي تم بلها بالماء موضوعة في صينية وعليها شمع ويتم الدوران بها حول العروس ومن ثمّ توزع الحناء على الحاضرين، و تُحني العروس حسب رغبتها يديها أو رجليها أو شعرها. و قبل عمل الحناء يُوضع في يد العروس نقود معدنية أو ذهب.كما يحنى العريس وهي عادة أخذتها مدينة بعلبك في لبنان.

ولا تخرج عادات نساء البحرين عن هذه الأعراف، إذ تسبق ليلة الحناء ليلة الزفاف بيومين، وتتشابه طقوس هذه الليلة بمثيلاتها في البلاد العربية؛ ومن أشهر الأغاني التي تردد في تلك الليلة:

حناك عجين يابنية
حناك عجين
ولين دزوك على المعرس
بالك تستحين
حناك ورق يا بنية
حناك ورق
ولين دزوك على المعرس
زخي من العرق

أما في المدن والقرى الفلسطينية، فتترد في ليلة الحناء أغنيات شعبية حزينة تسمى «الترويدة» تصور تشبث العروس بأهلها وبصديقاتها كما تصور حقيقة ارتباط الزوجة في الوسط الشعبي بأهلها أكثر من بيت زوجها. كما تردد الأغنيات وردات جميلة ومعبرة ومنها:

الليلة حنى العرايس يا سلام سلم
فتحلك ورد الجناين يا فلان سلم
الليلة حنى العرايس يا لطيف الطف فتحلك ورد الجناين
يا فلان اقطف
الليلة حنى العرايس يا بنات فتحلك ورد الجناين يا
فلان شمه

رسوم وأشكال

ليس ثمة نمطية واحدة في ابتداع رسومات وأشكال الحنة. فهناك رسومات هندسية وزهور صغيرة وكبيرة! وقد ترسم بعض الطيور أو الأحرف الأولى من اسم العريس أو اسم العروس داخل قلب. وهناك النقشات الهندية والسودانية والمغربية. وتأخذ نقوش الحناء في الخليج وفي السعودية أشكالاً كثيرة منها الروايب وهي طلاء مفصل واحد من كل إصبع، ويرسم خط في منتصف الكف، والقصعة وهي تخطيط الأصابع بالحناء حتى الكف، وهناك الغمسة أو الغمصة وهي طلاء اليد إلى الرسغ، والبايرج وهي عبارة عن عمل مثلثات صغيرة في اليد. فضلاً عن ذلك هناك الأشكال التقليدية ومنها النجوم والحروف والدوائر. وهناك أنواع عدة من الحناء منها العمانية والإماراتية، وهي تستورد من باكستان، كما توجد الحناء الحمراء السودانية والهندية. وعن أنواع الرسومات، هناك النقش السوداني ويكون برسومات عريضة، والنقش الخليجي ويكون برسومات ناعمة، وهناك نقش يشمل النوعين بالرسومات العريضة والناعمة، أي خليجي مع سوداني. والنقش بالحناء له ألوان متعددة منها الأحمر وهو يكون من الحناء، وكذلك النقش الأسود وهو يكون من الصبغة ويسمى بالداج، ومنه المزدوج الأحمر مع الأسود، والموضة حاليا الدمج بين اللونين الأسود مع الأحمر. ونقش العروس يختلف عن بقية الضيوف، ويختلف كذلك في طريقة توزيع الرسومات في اليدين، ولابد أن يكون نقش العروس بدقة أكثر من الضيوف وأهل العريسين. والعروس ينقش لها عادة من الأصابع وحتى الذراع والأرجل من القدم وحتى الركبة بنقوش ظاهرة. أما الضيوف، فينقش لهم الكفان بنقوش بسيطة.

الحنة على الطوابع

أما والحالة هذه فلم يكن مستغرباً أن تكرّم الحناء وتتخذ مكانتها في منظومة الطوابع العربية. فقد أتحفتنا، نحن محبي التراث والطوابع البريدية، إدارة البريد في دولة الإمارات العربية وبلفتة كريمة منها لحفظ التراث الشعبي ليس الإماراتي فحسب بل العربي المشرقي والمغربي بالمجمل. تمثلت هذه اللفتة تجاه تقليد عربي راسخ بإصدار مجموعة تتألف من ستة طوابع وتعدّ إصداراً فريداً بين الطوابع العربية والعالمية. صدرت هذه الطوابع الفائقة الإتقان في العام 1998 حاملة مجموعة رسومات رائعة. وحفظت لنا في منمنمات مخرمة قصة تحنّي المرأة العربية كما حفظت لنا مدلولات تراثية شعبية نمتع بها نظرنا، وتحفزنا في آنٍ معاً لرصد تاريخ الحناء والنظر في أسباب رواجها إلى يومنا هذا. وفي الحقيقة فهذا ما دعاني للكتابة عن هذا الصنف التزيني الشعبي الذي عرفت به النساء عموماً.

 

هدى طالب سراج