مساحة ود

مساحة ود

ثقافة الأقنعة النسائية

إن صدف وانتظرت زوجتك طويلاً قبل خروجكما من البيت لأنها تحاول أن تكمل زينتها على أكمل وجه، فلا تتسرع باتهام جنس النساء بالسطحية والاهتمام بالشكل على حساب المضمون. إن هاجسهن المبالغ فيه بالمظهر، دليل على كونهن ضحايا المجتمع من حولهن، وتستحق الواحدة منهن بعض التفهم والصبر قبل أن ترمى بالتهمة الجاهزة. إنهن بعد كل شيء نتاج مجتمعات تستحسن ثقافة الأقنعة، وتشجع النساء على ارتدائها قبل مواجهة الآخرين، ليتأكدن من أنهن طبقن المعايير العامة للجمال، والتي على أساسها، يتم القبول بهن جنسا آخر مرغوبًا به.الزينة المبالغ فيها عند النساء العربيات تبدو أكثر وضوحًا لمن يعيش في مجتمعات أخرى بعيدة ومختلفة، وأنا وبحكم إقامتي خارج البلدان العربية منذ سنوات، تلفت نظري منذ وصولي لأي مطار عربي، وجوه نسائية بألوان فاقعة تتحايل كثيرًا على ملامح الوجه الأصلية، فالعين مرسومة باتساع من الكحل والظلال، والبؤبؤ بلون كريستالي من الأخضر أو الأزرق، والشفاه مكبرة بخطوط خارج حدودها كأنما صاحبتها من أصول إفريقية.أتحدث ربما عن بضع سنوات مضت، أما الوجوه الجديدة التي تقابل المرء الآن في المنطقة العربية فتتسم بامتلاء «غير طبيعي» لا يشبه النضارة في شيء، بل إنها أقرب إلى ضحايا العنف المنزلي نتيجة عمليات التجميل التي باتت تشبه في سهولتها تغيير تسريحة الشعر ولونه. إنها الوجوه النسائية «المشوهة» التي باتت تطل الآن من شاشات التلفزيون العربية، مغنيات وممثلات ومذيعات وضعن الأقنعة المكونة من سوائل تنفخ الوجه أسوأ مما يفعل الكورتيزون، ولأن هذه النماذج النسائية هي المؤثرة في إطلالة بقية النساء العربيات، باتت موضة تنفيخ الوجه لتغيير ملامحه الأصلية لا تختلف عن خطوط موضة الملابس والأحذية وحقائب اليد. فجأة تبدو الوجوه متشابهة لا خصوصية لها. فهذه موديل الفنانة الفلانية وتلك موديل الفنانة الأخرى، إلخ.

لكن ما الذي يدفع المرأة العربية لوضع كل هذه الأقنعة على وجهها، فلا العين لديها المساحة الكافية لتظهر الذكاء والطموح، ولا الملامح تعبر عن انفعالات النفس البشرية. القسمات جامدة باردة برودة الجثث. وكل شيء موضوع ليخفي ويخاتل ويراوغ، لا ليظهر ويواجه العالم. إن كانت المرأة ترتدي القناع مع الخارج فماذا عنها هي شخصيًا، هل تشعر بالقناع يقف حاجزًا بينها وبين نفسها بعد أن اعتادت على ملامحها السابقة وتآلفت معها لسنوات طويلة بما يشبه الإقامة أو السكن؟ ألا تشعر بالغربة عندما تنظر لنفسها في المرآة فتواجه وجها آخر غير الذي تربت معه؟ إنه قناع أكثر غرابة عندما يشوه صورة المرء أمام نفسه.

وفي مجتمع آخر بعيد مثل المجتمع الأوربي، وفي لندن تحديدًا، أرى وجوهًا نسائية بسيطة، بزينة خفيفة ولباس عملي يتماشيان مع سرعة إيقاع الحياة في مجتمع يتهمه الشرق بماديته وخلوه من الروح، مجتمع لا يطلب من المرأة غير أن تفسح في المجال لشخصيتها كي تظهر وتتقدم، وأن تعرض حقيقتها، مستعينة بملامح الوجه الواضحة وبالنظرات غير المشوش عليها بالألوان المصطنعة.

لكن ماذا يحدث لو أن نساءنا اكتفين ببعض الزينة الخفيفة على وجوهن الطبيعية وركزن فقط على جمال الروح وطموح الشخصية؟ هل يرضى الرجل العربي بهن نموذجًا للجمال الذي يريد؟ ثم ألم تحدد كثير من المجتمعات العربية نموذجًا أعلى للجمال، يتمحور حول البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الملونة. أليس، لهذا السبب، يشتعل اللون الأصفر على رأس حتى السمراوات من نسائنا، وتظهر بشكل مكثف عيون خضراء وزرقاء مزورة على شاشات التلفزيون وفي الأماكن العامة؟ ألا يقدم كثير من الرجال الشرقيين مواصفات الجمال الشكلي على مواصفات الشخصية عند البحث عن فتاة الأحلام، وتساهم بهذا التوجه حتى نساء عائلته؟

بعد ذلك، لماذا يتهم الرجل الشرقي المرأة بالمبالغة في الزينة وقضاء الوقت الطويل أمام صديقتها (المرآة) وإنفاقها المبالغ على تلك الزينة!

إنها مشكلة مجتمع بأكمله، رجالا ونساء. وتغيير المفاهيم والسلوكيات ليس مسئولية طرف واحد فقط. وعندما تتغير قيم المجتمع ويبدأ الرجال الإعجاب بالنساء لعقولهن وأرواحهن والجمال المنعكس من كل ذلك على الوجه، ستتراجع مبيعات الزينة وعمليات التجميل، وتخف الأقنعة الأنثوية الكرنفالية لمصلحة الملامح الحقيقية للمرأة.

 

غالية قباني