تايلاند.. النمر الآسيوى جريحا:

تايلاند.. النمر الآسيوى جريحا:

تصوير: حسين لاري

تقول حكمة تايلاندية قديمة: لا تترك النمر جريحا، إما أن تقتله أو تبتعد عن طريقه، وحتى اليوم مازالت النمور الآسيوية تلعق آثار جراحها، فقد تركت الأزمة الاقتصادية في أجسادها ذلك النوع من الجروح الذي لا تطببه الأعشاب ولا يلتئم بفعل الزمن القريب.

البعض يقول إنهم في حاجة إلى معجزة تستغرق سنوات خمساً، والبعض الآخر يقولون إن الإرادة البشرية قادرة على كل شيء.

هذه هي الزيارة الثانية التي أقوم بها إلى تايلاند، المرة الأولى كانت منذ خمس سنوات، ولم أتصور أن يحدث في تلك الفترة الزمنية تلك التغيرات التي شهدتهـا منذ اللمحة الأولى التي خرجت فيها من المطار، كانت بانكوك قد تحولت إلى غابة من ناطحات السحاب من مختلف الطرز المعمارية، اختفت المعابد القديمة التي كانت تتناثر على الطريق وهدمت والمباني التقليدية التي كانت دوما تميز المناطق الاستوائية، وأخترق قلب العاصمة "هاي واي" واسع وممتد لعله يحل أزمة المرور المتفاقمة فى المدينة، في مدخله أوقفتنا موظفة الرسوم، كانت تضع فوق وجهها كمامة بيضاء لتنقية الهواء الذي تتنفسه، وقد تكرر هذا المشهد كثيرا، معظم شرطة المرور وسائقي سيارات الأجرة والباعه المتجولين بل والكثير من السائحين يفعلون ذلك، كان خطر التلوث يطارد الجميع، فمازالت المدينة تعتبر واحدة من أكثر المدن تلوثا في العالم وأكثرها، وكنت أتوقع بطبيعة الحال أن نخوض في طريقنا إلى الفندق رحلة طويلة وشاقة لا تقل عن رحلة الطيران، ولكن لدهشتي الشديدة وجدت السيارة تنساب في سرعة لم أتوقعها، قلت للسائق مدهوشا: أين ذهب زحام بانكوك؟ قال في ثقة: "إنها الأزمة الاقتصادية يا سيدي أدركت فيما بعد أن هذا هو موطن الجرح الذي تصل إليه مهما كان نوع الحوار الذي تبدؤه مع أي واحد في تايلاند، واصل السائق القول: "في الشهر الماضي سحبت البنوك من الشوارع حوالي 20 ألف سيارة أجرة عجز أصحابها عن دفع أقساطها، إنه أحد الأشياء الايجايية لهذه الأزمة، حل سحري لأزمة المرور لم تكن الحكومة تحلم به" كانت سخريته مريرة يقدر مرارة الأزمة خاصة وهو ينتظر أن تطوله. تتوغل بنا السيارة داخل الشوارع المزدحمة، تبدأ ملامح المدينة في الظهـور وتفوح رائحتها أيضا، خليط من عرق الأجساد وبهارات الطعام والأعشاب المسلوقة، تتزاحم الأجساد الأسيوية التي لاتجد فيهـا السمنة إلا نادرا، الرهبان وهم يقفون على نواصي الطرقات وهم ملتحفون الأردية الأرجوانية يشحذون خبزهم اليومي، تماذج المعابد البوذية المزينة بالزهور التي تجدها في كل الأماكن حتى وسط العقارية، لقد آرتفعوا فجأة وأصبحوا يعقدون الصفقات بواسطة. الفاكس داخل سيارات المرسيدس المتوقفة وسط زحام العاصمة، ولا يكفون عن الحديث في هواتفهم المتنقلة، ويبيعون الناطحات على الورق قبل أن ترتفع أ دوارها. لقد أصابت الضربة أول ما أصابت سوق العقارات، وبدأ واضحا أن كل هذه المباني الضخمة التي امتلات بها العاصمة لن تجد من يشتريها أو يؤجرها، وتسبب ذلك في انهيار حوالي 58 مؤسسة مالية كبرى لم تستطع أن تسترد القروض التي دفعتها بفوائد ضخمة، وأقيم في بانكوك واحد من كبر المزادات التي عرفها التاريخ حين تقرر بيع أصول هذه المؤسسات، فقد عرض للبيع فى وقت واحد حوالي 7 ألاف سيارة وعشرات من البيوت والمكاتب، إضافة إلى أطنان من ديون البيوت والسيارات، يشير لي سائق التاكسي إلى صفوف متتالية من ناطحات السحاب وهو يقول: انظر، كل هده العمارات لم تتم، ولم تجد من يستأجرها، معظم الذين يعملون في هذا المجال قتلوا أنفسهم، أقول له محاولا أن أخفف عن نفسي عبء الرحلة: أنت لهـا تشتغل في هذا المجال، يهز رأسه نافيا وهو يمد يده في درج السيارة ليخرج مجموعة من الصور الملونة لفتيات جميلات وهو يقول: أفضل أن اشتغل في هذا المجال، إنها أقدم مهـنة في التاريخ وهي مجربة ومضمونة، ولحسن الحظ وصلت بنا السيارة إلى الفندق.

الخروج من عنق الأزمة

بالنسبة للغريب فإن بانكوك لم تفقد الكثير من بهجتها، أسعارها قد أصبحت أكثر رخصا بفضل انخفاض العملة، وهو الأمرالذي لا تجد له نظيراً في أي بلد في العالم، فالأسعار تميل دوماً نحو الارتفاع، كما أن أسواقها مزدحمة بالبضائع ولاتكاد حركة البيع والشراء أن تهدأ، كذلك فإن ليلها حافل بعشرات النشاطات المشروعة وغير المشروعة، وبرغم كل ذلك فإن ظلال الأزمة كامنة خلف الرماد، أعداد العاطلين فوق الأرصفة في أرتفاع مستمر، حوادث العنف التي تنشرها الصحف اليومية، أخبار المؤسسات التي تغلق أبوابها أو تخفض أجورها وعمالها، مؤشرات كلها على أن صدمة يوليو 1997 مازالت تترك أثرها فوق كل شيء، صحيح أن تايلاند كانت أكثر دول جنوب شرق آسيا تحكما نفسها، فلم نشهد تظاهرات الفساد التي عمت ماليزيا، ولا قتال الشوارع الذي مازال محتدما في أندونيسيا، كل ذلك توقف على الفور لأن الجيش وهو المستثمر الأول في مجال الاقنصاد قد استطاع أن يحكم قبضته منذ اللحظة الأولى، ولعل تأيلاند هي الوحيدة التي ترى نهاية لهذا النفق المظلم الذي دخلت فيه بقية هذه الدول، فبعد أن قامت بتعويم عملتهـا، أجرت مباحثات مع البنك الدولي، أخذت في تنفيذ شروطه القاسية دون تبرم كأنها تتلقى عقابا تعتقد أنها تستحقه، لقد تقلص اقتصادها بنسبة 8% هذا العام ومن المعتقد أنها سوف تتمكن من التغلب على هذا الانكماش في عامنا هذا، والاعتقاد السائد أنه عندما توفر تايلاند العمالة رخيصة والموارد الطبيعية والاستقرار السياسي فسوف تتوافر لهـا الاستثمارات التي السعي من أجل ذلك من أكثر المجالات بعدا عن الذهن ولكنها أقربها إلى المنطق، بدأت من التعليم، فهي تملك نظاما تعليميا أفضل بقليل من ماليزيا ولكنه أقل بكثير من سنغافورة والفلبين، وهي بخلاف جاراتها تعاني من الافتقار إلى تدريس للغة الإنجليزية، وقد تلافت هذا النقص أخيرا بأن أصدرت قانونا يلزم الأطفال بدءا من ست سنوات بتعلم هذه اللغة، كما أصدر البرلمان مرارا بتقليل المركزية في الإشراف على الجهازالتعليمي واخضاعه لمسئولية المحليات، والمشكلة الآن هي توفيرالأعداد اللازمة من معلمى اللغة الإنجليزية ومن مدرسي الكمبيوتر أيضا "لأن هذا النوع من التعليم يجعلنا شركاء في أي استثمار وليس مجرد تابعين له"- على حد تعبير وزير التعليم التايلاندي- وهم يؤكدون أن التعليم بصورة أ ف ضل هو السبيل لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية بدلا من الاكتفاء بتصديرالموارد الطبيعية، والأمر نفسه بالنسبة لإعداد البنية الأساسية، فهناك أكثر من مشروع لحل مشاكل المرور في شوارع بانكوك، وقد بدأت مشروعا طموحا لبناء خط قطار علوي من المتوقع أن يفتتح في هذا العام.

مشكلة تايلاند الأساسية هي المعاناة من الفساد، وقد انكشفت أخيرا عدة فضائح بينها اختلاسات ورشاوى شملت مجالات التأمين الصحي ومقاولات الطرق السريعة وتوزيع الأغذية، ويقول المتفائلون إن نشر مثل هذا الغسيل الوسخ علامة على أن النظام بدأ يغير وجهه قليلا، وأن هناك جهودا تبذل من أجل فضح هذا الفساد ومحاصرته، كما أن هناك العديد من المشروعات المهمة قد تخلت عنها الحكومة- بعد أن ازدادت درجة الفساد فيها- وأعطتها للقطاع الخاص، مثل تأمين المواصلات، وخدمات المياه ومجال الاتصالات.

ملائكة بانكوك

أشعر أن هذه البداية كانت سياسية أكثر مما ينبغي، لقد أغرقتنا الدوامة الاقتصادية في تفاصيلها المعقدة حتى أنستنا مباهج التجوال في أنحاء العاصمة بانكوك التي يتكون اسمها الحقيقي من 43 حرفا تحتوي على العديد من الصفات التي تجسد طموحات الملك راما الأول عندما اختار هذا المكان لتكون عاصمة لبلاده عام 1782 بدلا من العاصمة القديمة للبلاد "اياتويا" التي كانت تقع في الشمال قبل أن تقوم "يورما" خلال صراعها الطويل مع تايلاند بتدميرها، وإختصارا لكن هذه الصفات يطلق على بانكوك اسم مدينة الملائكة وقد أقامها الملك على حافه نهر "شاو فاريا" وكان أول ما بني مني المدينة هو قصره بطبيعة الحال الذي كانت تشقه قنوات ثلاث وتحول ليكون قلب المدينة النابض، ولأن المكان كان عبارة عن سلسة لاتنتهي من القنوات والأراضي الضحلة فقد تم بناء القصور والمعابد على الأرض الجافة بينما تم بناء البيوت والمحلات على عوامات طافية من أعواد البامبو الصلب وسط الأنهر، أي أنه كانت هناك مدينتان، واحدة رسمية راسخة وأخرى شعبية عائمة، ومازالت آثار هذا النمط من الحياة موجودة في الأسواق العائمة على قناة "ثونبوري" التي تقع خارج العاصمة بحوالي 80 كيلومترا وقد تحولت إلى مزار سياحي دائم.

ويعود الفضل في تطور بانكوك إلى الملك راما الرابع الذي قرر أن يحولها إلى عاصمة على النمط الأوربي الذي كان معجباً به، فصرح للناس أن يبنوا شوارعهم على اليابسة وأنشأ فى بانكوك أول شارع عام 1860.

جولتنا الأولى في بانكوك لابد أن تأخذنا إلى القصرالملكي والمعبد الذهبي الملتصق به، والتصاق الدين بصورة الحكم هو التصاق أبدي، وهو يعطي القوة لواحدة من أقدم الملكيات في التاريخ، كل ملوك تايلاند يدعون "راما" ونحن نعيش الآن في عصر راما الحادي عشر، وهو برغم قدسيته وتجسيده لروح الإله القديم فأنه ملك عصري ولد في بوسطن بالولايات المتحدة عندما كان والده يتلقيان العلم هناك، ولعل تجاوز القصر للمعبد الذهبي فرض عليه- كما فرض على كل من سبقه من "رامات"- التمسك بكل التقاليد التي تقدسه بغض النظرعن البلد الذي ولد فيه. والمجمع الضخم الذي يضم والقصر والمعبد ويشرف على النهر هو وأحد من أشد المجموعات المعمارية إبهاراً في العالم، فقد امتزجت فيه نقوش المعابد الذهبية، والسقوف التي تأخذ شكل انحناءة الأفعى، وتماثيل الألهـة التي تتكون من نصفين، نصف على صورة البشر والنصف الأخر على صورة الحيوانات، وأخيراً المعبدالذي يتوسطه تمثال بوذا المصنوع من الزمرد الذي كان يرتدي حين قمنا بزيارته أردية الشتاء، امتزج كل هذا الفن بالأسطورة ليساهم في تجسيدها على مر السنوات، لقد وصفت هذا المعبد- الذي لم يكن هناك مفر من العودة إليه- في مقالي السابق عن تايلاند، ولكن هذه المرة كنت منشغلا بمحاولة النفاذ إلى روح الأسطورة الدينية التي ربطت كل هذا العدد الهائل من التماثيل والرموز التي تملأ المكان من حولنا وتملأ عشرات المعابد، لا في تايلاند وحدها، ولكن في الصين واليابان والهند وبقية دول جنوب شرق آسيا.

كان الجواب على جدران المعبد، سلسلة طويلة وممتدة من اللوحات الجدارية المتتابعة تحكي ملحمة "الرامايانا" يبلغ طولها اثنين من الكيلومترات وعددها حوالي 178 مرسومة بالذهب والألوان الزاهية، تمت الرسوم الأولى لهذه الملحمة في عهد راما الأول الذي أنشأ القصر والمعبد، ولكنها منذ ذلك التاريخ وهي تتعرض للتدمير والمحو من آلاف الزائرين الذين يتوافدون إليها يوميا، لذلك فإن هناك حالة من الصيانة المستمرة لها، وعندما كنت أتأملها كان هناك أكثر من فنان يقوم بعملية الترميم التي يبدو أنها لاتتوقف، تحكي الملحمة في مجملها قصة ذلك الصراع الأبدي بين الخير والشر، وتبدأ لوحتها الأولى عندما اكتشف أحد الفلاحين وهو يقوم بالحرث البطلة "سيتا"، وهي مازالت طفلة رضيعة طافية على ورقة ذهبية على شكل زهرة اللوتس، واللوتس هو رمز مقدس في معظم الديانات القديمة وتتتابع أحداث القصة حتى تبلغ ذروتها في اللوحة رقم 109 عندما يحتدم الصراع بين البطل "راما" والوحش ذي الرءوس العشرة توتساجان الذي اختطف زوجته "سيتا"، وتتتابع الصور حتى الصورة رقم 113 التي تستعد فيها "سيتا للسير فوق الجمر المشتعل حتى تثبت للجميع- وخاصة لزوجها- أنها ظلت على إخلاصها طوال السنوات الأربع عشرة التي قضتها في قبضة "توتساجان".

والرامايانا ملحمة شفهية تنتمي في جذورها الأول إلى الهند، ولها أكثر من رواية ولكن أشهرها تلك التي وضعها كتابة الشاعر (فلميكي) بأمر من ملك الهند، وقد جمع فى روايته كل الحكايات المتناثرة والتي يعود عمرها إلى الالف عام، ومن الهند أنتشرت الملحمة إلى كل دول جنوب شرق آسيا حيث أخذت طابعهـا القومي وقد وجدت فيها الملكية في تايلاند تأكيدا على جذورها التي تنتمي إلى آلهة الهند، ورسمتها على معابدها وحولت حوادثها إلى رقصات دينية، كما أنها كانت المنبع الذي زودت الشعب التايلاندي بالحكم الأخلاقية والدروس العملية، بل إن ظهورها في أفلام ومجلات مرسومة قد أظهر مدى الشعبية التي تتمتع بها هذه الملحمة، والنسخ المعتمدة في تايلاند رضعها الشاعر الخاص بالملك راما الأول وييلغ طولهـا حوالي 3 آلاف صفحة.

وتدور القصة المحورية في الرامايانا حول راما ابن الملك "أيوداهيا" وزوجته الجميلة "سيتا" التي فاز بها بواسطة قوسه الذهبي، وتبدأ المغامرات عندما قام أبوراما بنفي الزوجين إلى الغابة تحت تأثير زوجة الأب الشريرة، وكان بصحبتهما "الكشمان" الأخ الأصغر لراما، وفي بلدة "لانكا" شاهد الوحش الشرير "توتسجان" الزوجة الجميلة ووقع في غرامهـا، وصمم على الحصول عليها، وهكذا قام الوحش بتغيير صورته إلى غزال جميل وأخذ يجري في الغابة الأمر الذي أغرى "راما" وأخيه "لكشمان" بمطاردته حتى ابتعدا عن الزوجة فعلا فخلا الجو لتوتسجان الذي استطاع أن ينفرد بسيتا ويستولي عليها ويذهب بها إلى ل"انكا"، وكانت هذه هي بداية الحرب التي استعرت بين راما وخاطف زوجته واستغرقت معظم صفحات الملحمة حتى تحررت سيتا في نهاية الأمر وقتل توتسجان، وهو العيد القومي الذي يحتفل به أتباع الديانتين الهندوكية والبوذية ويسمى بعيد الأنوار، وتدخل النسخة التايلاندية بعضا من التغييرات على شخصيات الملحمة، فهي تعطي دورا أكبر للإله القرد، كما أنها تضيف الكثير من الخدع والحيل الفنية التي تناسب طبيعة تايلاند وهو الأمر الذي نجده في العديد من السير الشعبية المعتادة وإن كان الأمر هنا محاطا بالقداسة.

لقد انحدر الشعب التايلاندي من صلب الأمة الصينية الكبرى التي غمرت آسيا، كانت عدة من القيابل الصينية المسالمة التي خرجت من الصين هربا من حكم الامبراطور العظيم "قوبلاي خان" وهربا من حرب بقية القبائل حتى وصلوا إلى آخر الحدود جنوبا ولم يعد أمامهم غير بحر الصين فاستقروا في- هذه الأرض السبخة التي لم يكن يطمع فيها أحد في هذا الوقت، ولكن الدين والعديد عن المؤثرات الثقافية جاءت من الهند بطبيعة الحال، إن 58% من التايلانديين ينتمون إلى الديانة البوذية وهم يتبعون على وجه التحديد ثيرافادا بوذا ويعرف أيضا باسم جواتاما بوذا تميزا له عن ثلاثة آخرين سبقوه ويعرفون بنفس الاسم، والاثنان الآخران تقول الأساطير إنهما سوف يظهران عام 4457 حسب تقويمنا الحالي، والثيرافادا هي واحدة من مدرستين من البوذية تطلق على إحداهـمأ العجلة الكبرى التي توطنت في الصين واليابان والعجلة الصغرى التى انحدرت إلى شعوب الجنوب الآسيوي، وقد أخذت تايلاند منها أكثر المدارس تأثراً بالعناصرالهندية، أما بقية النسب السكانية فتنقسم بين ديانات مختلفة حيث تبلغ نسبة المسلمين 10% أما البقية فهي الهندوس والسيخ والمسيحيين.

صناعة الجنس

على أبواب الفندق الذي كنا نقيم فيه يربض دائماً حفنة من الرجال، يلأحقوننا في إلحاح وهم يلوحون بمجموعة من صور النساء الملونة، وفي الحقيقة فإن مجموعة الصور هذه تجدها في كل مكان، في غرف الفنادق، ومع سائقى سيارات الأجر وفي أي مكان ترويحي تذهب إليه، ولكن هذه الفئة المرابطة هي أشد إلحاحا من الجميع، فهم لايتركون لك الفرصة ولايقبلون الاعتذار المهـذب وهم علي استعداد للدخول في مناقشات مضنية من أجل ترويج بضاعتهم، هتفت في أحدهم صارخاً: دعك من المسألة الأخلاقية، ألا تعرف انه توجد في تايلاند أعلى نسبة للإصابة بمرض الإيدز؟ هتف مدافعا غن كرامته الوطنية: نحن الدولة الوحيدة التي لديها خطط لمحاربة هذا المرض وبالتالي فإن المرض عندنا في انخفاض وليس في ازدياد ونحن أيضا الدولة الأخيرة في ذلك أيضا، إنهم يسيئون إلى سمعتنا واقتصادنا الوطني.

كان كلام القواد المتحمس صحيحا إلى حد كبير، ليس فيما يخص مرض الإيدز ولكن في علاقة صناعة الجنس باقتصاد تايلاند المترنح فالبعض يرى أن هذه الصناعة وحدها- وليس صناعة برمجيات الكمبيوتر كما يشاع- قادرة على إنقاذ هذا الاقتصاد، وكلمة صناعة هنا ليست غريية خاصة إذا عرفنا أن هناك 1000 مهنة مرتبطة بهذه الصناعة التي تعد بانكوك من أكثر المدن كفاءة للقيام بها، وهناك العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية التي أدت لازدهار هذه الصناعة، ولكن مما لاشك فيه أن لها جذورا عميقة في الثقافة التايلاندية، ويقال إن عدد البغايا من النساء حوالي 120 ألف امرأة ومن الرجال حوالي 70 ألف رجل.

هل يحتل الجنس والغلمنة مكانا عميقا في الحياة التايلاندية؟

أعتقد ذلك، فحتى قيام الملك راما السادس بكسر التقاليد المتوارثة في عام 1910 كان ملوك سيام- وهو اسم تايلاند القديم يحتفظون حولهم بحاشية ضخمة من النساء، القليلات منهن يرتفعن إلى مرتبة الأم أ إو الملكة أما الباقيات فيكن نوعا من الحريم الشرقي المعترف به، وكذلك كان الأمر بالنسبة لبقية النبلاء، ومع بداية القرن التاسع عشر بدأ التجار الأغنياء في اتخاذ عشيقات خاصات بهم وحتى الآن مازال الرجال من طبقات مختلفة يحتفظون بعشيقات لهم والاسم الذي يطلق على العشيقة هو "مايا نوي" أى الزوجة الصغرى في الوقت الذي يحتفظ فيه بزوجة رسمية يطلق عليها "ماي لونج"، وتحتل الزوجة الرسمية منزلة تمثال بوذا في المعابد، راسخة وباقية يجب أن تعامل بالتبجيل والاحترام، بينما تكون الزوجة الصغرى أشبه بالتعويذة الصغيرة التي يأخذها معه إلى أي مكان، وتقول الإحصائيات إن حوالي 70% من التايلانديين يترددون على محلات الجنس وعادة ما يفقد الفتيان براءتهم الأولى داخل قاعات التدليك.

وقد بلغت صناعة الجنس هذه الدرجة من التطور أثناء حرب فيتنام عندما أنشأت القوات الأمريكية سبعا من القواعد العسكرية حول تايلاند، وقد جذبت لافتات النيون الملونة التي تعلن عن أماكن الترفيه من الفتيات الفقيرات اللواتي انكسرت ظهورهن من طول الانحناء في مزارع الأرز وكونت منازل البغايا دائرة حمراء حول كل قاعدة من هذه طبقات الأبراج زاد عدد الحمالين القواعد السبع، ولحقت بانكوك بهذه الصناعة المزدهرة في عام 1967 عندما بدأت الحاملات الأمريكية تنقل إليها الجنوت المحاربين في رحلات ترفيهية، وفي منتصف السبعينيات انتهت حرب فيتنام وأصبحت القواعد خالية من الجنود ولكن صناعة الجنس ظلت قائمة وبدأت بنات الهـوى في البحث عن زبائن جدد، وتدفق السياح لملىء الفراغ تجذبهم هذه الصور الملونة إلى كل من بانكوك وباتايا المدينة الأصغر، ومنذ ذلك الوقت وقد أصبحت السياحة الجنسية شيئا أساسيا في الاقتصاد التايلاندي، فقد كان أكثر من مليوني ذكر يتحركون إليها كل عام لينفقوا ما يوازي 50 بليون بات وهو العملة المحلية "ويوازي هذا المبلغ الآن بعد انهـيار العملة حوالي 1.5 بليون دولار" وهو رقم لا يستهـان به، خاصة إذا كان يتم إنفاقه على بند واحد فقط من بنود السياحة، ربرغم كل تبذله شركات السياحة من محارلة لفت الأنظار للمعالم الطبيعية والثقافية في بانكوك وهي كثيرة جداً فإن الجنس ظل ومازال أقصى عوامل الجذب، خاصة بعد أن بدأت الشركات اليابانية والألمانية ترتيب رحلات ترفيهية لموظفيها الذين يحققون مدى جنايتها على المجتمع ككل، فحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية هناك حوالي نصف مليون حامل لهذا المرض في تايلاند، وتوجد امرأة من كل أربع نساء يعملن في هذه الصناعة مصابة بهذا المرض، وفي مدينة مثل شانج راي التي تقع في الشمال ترتفع النسبة إلى 70% بين النساء العاملات وغير العاملات في هذه المهـنة، وترتفع النسبة بين رجال الجيش التايلاندي إلى 12% خاصة أن الجنود لايرتدون أي عوازل طبية، وبالطبع تنتقل العدوى إلى الزوجات والأطفال للصديقات من كل الذكور المترددين على هذه البيوت ويقال إن حوالي 3.1% من النساء الحوامل مصابات بهذا المرض.

وفي عام 1988 تنبهت الحكومة أخيرا لهذا الخطر وبدأت حملتها للوقاية وللحد من انتشار هذا المرض وليس للعلاج منه بطبيعة الحال فما حدث قد حدث، وقد بدأت الحملة تؤتي ثمارها حين بدأت نسبة المرض في الانحسار قليلا وخفت النسبة المرعبة وتراجع معدل الإصابات إلى 77%.

مدينة الخطيئة

واذا كانت بانكوك هي مدينة الملائكة فان باتايا هي مدينة الخطيئة، وهي تحتل المرتبة الثانية في صناعة الجنس بعد العاصمة وقد تم اختيارها كواحدة من أسوأ عشرمدن في العالم في هذا المجال، ولكني أعتقد أنها مظلومة بحق، فالذين رأوا هذه المدينة ليلاً لم يروها بالتاكيد تحت ضوء النهار، فخارج شوارع المدينة الملتوية وبعيداً عن شبكة البارات المتداخلة ونداءات فتيات الليل على الزبائن ومحاولة جذبهـم من عرض الطريق توجد واحدة من أجمل الأماكن والمنتجعات السياحية، ولكن يبدو أن باتايا لم تستطيع أن تتخلص بسهولة من الظررف التي صاحبت تطورها، فهي أيضا مثل العديد من مدن الخطايا في جنوب شرق آسيا نتيجة لحرب فيتنام، فقد حول قوة الدولار وشهوة الجنس بأتايا من قرية صيد صغيرة إلى تلك المدينة المترامية النائمة على حافة خليج تايلاند، وظلت بعد ذلك مرفأ لكل السفن والبحارة الجائعين، وزاد ازدهارها كثيراً بعد حرب الخليج، وقد أعدت منذ مولدها لتكون مدينة لاتستيقظ إلا ليلا، وحتى الفنادق لا تحتوي فقط على أسرة كبيرة الحجم ولكنها أيضا لا تقدم طعام الإفطار إلا عند الظهر، وفي المدينة حي كامل من المطاعم العربية التي تقدم الأطعمة المصرية والخليجية، وأشهر هذه المطاعم برغم أنه أحدثها هو مطعم "ليالي الحلمية" وقد أخذت هذه التسمية من المسلسل التلفزيوني الشهير.

لذلك كانت دهشة موظفي الفندق كبيرة وهم يروننا- أنا وزميلي المصور- ونحن نحمل حقيبة الكاميرا والورق ونغادرهم في الصباح الباكر لنبدأ جولتنا حول المدينة، كانت الحرارة ساطعة، وعشرات الحافلات الضخمة تحمل المئات من السياح ليشاهدوا معالم الطبيعة الساحرة في هذا المكان، ولابد أنهـم كانوا أناسا بلهاء مثلنا يديرون ظهورهم لليل المدينة الصاخب ويبحثون عن السلوى في الصباح، في حديقة النباتات الاستوائية يمكن أن تجد مجموعة من أندر الأزهار قي العالم في حلة يتداخل فيها اللون والرائحة، أتذكر قول أديبنا العقاد عندما كان يقول إنه لايهم إن تعرف أسماء الأزهار، وأنت تتجول في حديقة يكفي أن تتأملها فقط لتشعر بالبهجة وصفاء النفس، هذا ما تفعله هذه الحديقة الشاسعة الراقدة في باطن أحد الوديان، إنها تخرجك منها إنسانا آخر مليئا بحب الطبيعة والحياة ناسيا ما فيها من دمامة وقسوة، زيارة مدهشة أخوى إلى "الميني سيام" أو سيام الصغيرة، وفي الحديقة استعراض لكل براعة التايلانديين في صنع المنمنات والأشياء المصغرة، فهي تحتوي على حوالي 200 نموذج مصغر لأهم معالم تايلاند من قصور ومعابد وأشياء أثرية، كما أنها تحتوي على معالم من كل أنحاء العالم كذلك الأمر في حديقة الصخور ذات المليون سنة، إن الصخور أخذت التاريخ والحياة وتشكلت لتترك شكلها المجرد لتصبح معالم على قرون التطور التي تعاقبت عليها، ولا أذكر على كثرة ما تحولت أنني شاهدت مثل هذه الفكرة المدهشة، فالصخور قد تشكلت لتعطي لنا أشكال حيوانات ما قبل التاريخ.

الفيل الأبيض

ولاتقتصر الحديقة على الصخور فقط، ولكنها تحتوي على العديد عن الحيوانات التي يعتقد أنها كانت موجودة في هذه الفترة، أولها بطييعة الحال كانت التماسيح التي كانت توجد بكميات كثيرة مستلقية تحت ضوء الشمس، كانت هناك أيضا الأفيال، وللأفيال معزة خاصة في التراث التايلاندي ولايخلو معبد من تمثال الإله الفيل ويوجد منه أنواع كثيرة تقوم بمختلف الأعمال، لعل أهم هذه الأنواع هوالفيل الأبيض، وهو ليس أبيض خالصا، ولكنه مزيج من اللون البني والأبيض، وهو فيل من نوع خاص، فسواء كان طليقا أو محبوسا فهـو ملك للملك بحكم القانون، لايجوز المس به أو جرحه، ناهيك عن تملكه.

إنه فيل مقدس مرتبط بالإله بوذا، فقد حلمت الملكة مايا ذات ليلة أن فيلا أبيض قد دخل بطنها، وعندما استيقظت اكتشفت أنها حامل في الطفل الذي سوف يصبح بوذا في المستقبل، ومنذ القرن الثالث عشر اختير هذا الفيل رمزا للمملكة وأصبحت عظمة الملك تقاس بكمية الأفيال التي يملكها، والملك الحالي راما الحادي عشر يملك منهـا 11 فيلا وهي أكبر مجموعة تجمعت لملك على الإطلاق، وقد تناقلت الصحف منذ مدة قصيرة أن أبحاث الاستنساخ المتقدمة نسبيا في تايلاند تسعى لاستنساخ هذا النوع النادر من الأفيال، ولكي يكتسب هـذا الفيل قدسيته ويصبح مؤهلا للدخول فى مجموعة الملك عليه أن يمر بالعديد من الاختبارات للتأكد من خصائصه الجسدية والسلوكية، ويجب أولا التأكد من سبعة أماكن في جسد الفيل، تشمل العينين والأظفار والخرطوم والشعر والحافة الخارجية للأذن الذيل والخصيتين، كما أنهم يلاحظرن كيف يقوم الفيل بتنظيف طعامه قبل تناوله، وكيف يثني ركبتيه عندما يستعد للنوم، وتأخذ هذه الملاحظات عاما كاملا قبل أن يسمحوا للفيل بالدخول للحظائر الملكية وعندما يتم قبول الفيل يقام احتفال ضخم ويتم تزيين الفيل بابهى الثياب هـلعرض على الجمهور الذي يحتشد لرؤيته ويأتي كبار الرهبان لغسله بالماء المقدس.

وفي وسط البحرالصافي المقابل لباتايا تقع جزيرة "كوسامت"، إنها منتجع سياحي من الدرجة الأولى مليء بأكواخ البامبو والحدائق الطبيعية، إن اسمها يعني جزيرة الرمال البوذية، وهي مكان جميل يرتبط بالمتعة والهدوء، كما يتربط بواحدة من أشهر الملاحم الرومانسية في تاريخ تايلاند، فعلى مدى ثلاثين ألف سطر مليئة بالحكم والأقوال المأثورة توجد ملحمة القرن التاسع عشر التي تدعى "فارا آباهيا ماني" هي تحكي قصة الأمير الصغير ومغامراته في الأرض الخيالية التي لايسكنها إلا العمالقة وحوريات البحر، وبرغم أن الأمير كان يسعى وراء الحب فإنه لايكتمل لأن الغولة التي تسكن البحر تستطيع أن تغري الأمير وتحبسه عندها لعدة شهور، إحدى حوريات البحر تستطيع أن تنقذه، ومن الطبيعي أن يقع الاثنان في الحب، ويقرران أن يقضيا بعض الوقت في جزيرة "كوسامت" ولكنه سرعان ما ملّ من حبها وركب أول سفينة عابرة ليخوض مغامرة جديدة.

لقد كتب هذه الملحمة الرومانسية واحد من أشهر شعراء تايلاند هو "شنثورن فو" "1786- 1856" ويقال إنه كتب في هذا العمل الكثير من تجارب حياته، لقد كان شخصية مليئة بالألوان وعاش فترة طويلة من عمره داخل البلاط الملكي، عندما ولد كان زواج أبويه قد تحطم، وأخذت أمه معها إلى داخل القصر حيث كانت تعمل وصيفة لإحدى الأميرات، وقد قضى معظم طفولته وهو يجري وسط الأبهاء الملكية المذهبة في العشرين من عمره أحب واحدة من سيدات القصر القويات واستطاع أن يتزوجها ورفعه هذا إلى مرتبه شاعر القصر وكان الملك راما الثاني يفضل أشعاره فقربه إليه، ولكن دسائس القصر لم تهدأ من حوله، فلا أحد يدري بالضبط أي مؤامرة أنساق إليها ولكن النتيجة كانت انفصال زوجته عنه وغضب الملك عليه حتي أنه وضعه داخل السجن وهناك بدأ يكتب الأبيات الأولى من ملحمته الطويلة، لقد استغرق كتابة هذه الملحمة حوالي عشرين عاما، تغيرت حياته فيها أكثر من مرة، فقد أفرج عنه الملك راما الثالث وعرض عليه وظيفة داخل القصر ولكن الشاعر الذي كان قد وعى درس الاقتراب من السلطة فضل أن يتجه إلى سلك الرهبنة وظل فيها حتى مات.

ولعلنا لا ندرك أهمية هذه الملحمة في تحويل مسار الأدب في تايلاند إلا إذا عرفنا أن كل الأشعار والقصص كانت تدور في معظمها حول الملوك ولآلهة متأثرة بذلك بالملحمة الهندية الرامايان، لقد غير "سنثورن قو" كل هذا وأضاف لمسات من الواقع، من تاريخ أناس بلاده ومن عاداتهم، فهو لم يكتب عن الحب فقط، ولكنة حول أرض تايلاند إلى أرض خيالية مليئة باللون والحركة، والأهم من ذلك أنه كتب ذلك بلغة محلية يفهمها الجميع، إن الإعجاب به مازال متزايدا، ومازالت المطابع تصدر في ذكرى وقائه كتبا تحتوي على المختارات من شعره، ومازالت تماثيل الشخصيات التي ابتدعها تحتل الأماكن العامة.

حوارمع رياضي

عندما وصلنا كانت تايلاند كلها تعيش مناسبة خاصة، وكانت الرايات الملونة تملأ طرقاتها، كانت تحاول أن تنسى آثار الأزمة الاقتصادية وتثبت أنها مازالت قادرة على تنظيم مناسبة عالمية مثل دورة الالعاب الآسيوية الثالثة عشرة التي كانت تحتضنها، وكان شعار "صداقة عبر الحدود" هو الشعار الذي رفعته أمام 32 دولة شاركت في هذه المنافسات، وقد طفت العديد من المنشآت الرياضية التي أعدتها تايلاند وكانت على أحدث المستويات خاصة ملعب كرة القدم الذي كان في تصميمه يشبه أحد أصداف البحر، كان الجميع يعتقدون أن تايلاند سوف تطلب التأجيل، ولكنها قبلت المواجهة كما يقولون، فهل خرجت منها فائزة أم خاسرة؟ حملت هذا السؤال إلى الشيخ أحمد الفهد رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الذي أخذ على عاتقه إتمام الدورة ورعايتها، كان الرجل مشغولا بعشرات الاجتماعات مع جميع الاتحادات الرياضية الآسيوية وفي اليوم الذي استطعنا أن نأخذ موعدا معه كان في اجتماعات متواصلة بلغت خمسة عشر اجتماعا، وحين وجدناه كان منهـكا وكان مبتسما، قال ضاحكا: لم نكن نملك عصى سحرية ولكن كان هناك نوع من الإلتزام الدولي، التزام من الحكومة التايلاندية ومن المجلس الآسيوي أيضا، كما كانت هناك عقود للتسويق التجاري واتفاقات الزمالة، ومن حسن الحظ أن اختيار تايلاند لتنظيم الدورة حدث منذ عام 1990 أي قبل سنتين من المدة القانونية، وقد مكنهم هذا من بناء جميع منشآتهـم الرياضية في الفترة التي سبقت الأزمة الاقتصادية، بل تمت معظم المباني بما فيها الطرق العلوية أثناء فترة طفرة النمو التي كانت تشهدها ولم يشمل الاتفاق تجهيز المنشآت الرياضية فقط ولكن تسهيل الاتصالات خلال كل طرقات المدينة المزدحمة وتوفير مكان آمن للرياضيين، قد توفر كل هذا كله بمزيج من العمل الحكومي والأهلي، وقد تم اختيار منطقة جامعة "تومسك" حتى تكون مقرا للدورة وهي بعيدة عن الزحام والتلوث، لقد ساهمت الدورة أيضا في تأسيس منطقة سكنية جديدة قريبة من العاصمة هي منطقة "بي لاند" وهي منطقة من المقرر أن تستوعب حوالي مليون مواطن، لقد شهدت تايلاند ثلاث دورات سابقة ولكن هذه الدورة كانت نوعا من التحدي، فقد قامت الحكومة بدعم القطاع الخاص بحوالي 800 مليون بات، كما أن الحكومة دعمت الشركة التي تمتلك القمر الصناعي التايلاندي "سمر" حتى تتمكن من نقل الدورة إلى كل بلدان العالم، لقد بلغت النفقات الإجمالية للدورة حوالي 800 مليون دولار ولكنني أعتقد أن دخلها منه قد بلغ بليون دولار وهكذا نجد أنها قد استطاعت أن تغطي الدورة وأن تفوز بالمنشأت في نفس الوقت. لقد قبل المجلس الأولمبي الآسيوي التحدي على حد تعبير الشيخ أحمد الفهد، وهو ليس أول تحد يواجهه، فقيام المجلس نفسه كان نوعا من التحدي، فقد تحملت الكويت فكرة إنشائه وسعى الشهيد فهد الأحمد لتجميع كل الدول الأسيوية خلفه كبديل للاتحاد القديم الذي كانت إسرائيل تستولي عليه وتسير سياساته، وجاء المجلس الجديد بمفهوم جديد كان مت نتيجته إقصاء إسرائيل عن كل الأنشطة الآسيوية وهو الأمر الذي مازال مستمرا حتى الآن، ففي هذه الدورة ارتفعت كل الأعلام ماعدا العلم الإسرائيلي، وتم تحطيم 12 رقما عالميا، وتحقق 45 رقما آسيويا جديدا وتنافس اللاعبون في 36 لعبة وفازوا بـ 373 ميدالية وقد غطى أحداثها 7 آلاف صحفي وإعلامي ونقلها التلفزيون إلى ستين دولة وبلغ عدد المتابعين الها مليارين من البشر.

حان وقت مغادرة تايلاند مع انتهاء الدورة وأنا أشعر أنني لم أرها كما يجب ولم أتشرب من تنوعها الثقافي والحضاري بما يكفي، إنها بلد ضخم ومتنوع ويحتاج إلى أكثر من زيارة، فهل يسمح لنا الزمان بذلك؟

 

 

محمد المنسي قنديل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة الغلاف





تايلاند النمر الآسيوي جريحا