عزيزي القاريء

 عزيزي القاريء


عام جديد والألم متواصل

بأي وجه يقبل علينا هذا العام? وكيف يمكن أن نسمع صليل الأجراس أو أصوات التكبيرات وسط هذا الدوي من مدافع الحرب?وأي سماء يمكن أن تحلق فيها حمائم السلام وهي مزدحمة بالطائرات المقاتلة التي تدك مخيمات الفلسطينيين العزّل في غزة وأريحا وجنين ورام الله? أي جديد يطرحه هذا العام ومازالت خطايا الأعوام السابقة آخذة في التفاقم?!

كنا نود أن نحمل بشارة التهنئة إلى كل العرب في كل أنحاء العالم بمناسبة عامهم الجديد, ولكن ماذا تفيد التهاني وسط هذا الصمت الكظيم? وماذا يفيد التظاهر بالفرح ونحن نشعر بكل هذا العجز المهين? فالدماء لا تجف ولا تهدأ في أرض السلام, والمساومات التي كانت خافية قد أصبحت مفضوحة, وأصبح علينا أن نقبل من العيد مرارته ومن العام الجديد تجربته المعادة والقاسية, إن مجلة العربي تفتح قلبها في هذا العدد الممتاز مباشرة على قلب فلسطين, فتقدم ملفاً مكتوباً بأكمله من داخل الأرض المحتلة, ويكشف استطلاعها الرئيسي عن المعاناة الموجعة لمدينة (القدس) التي سار على ترابها الأنبياء, وأصبح هذا التراب الآن معجوناً بالدم والبارود, كما تقدم رؤية لاثنين من المثقفين الفلسطينيين هما عزمي بشارة الذي يتعرض هو شخصياً الآن لهجمة إسرائيلية ضارية ولمصطفى البرغوثي, وهما يلتقيان سوياً على خلاصة واحدة, أن هناك ألماً فلسطينياً عظيماً, ولكنه يدفع في مقابل أمل مازال ضئيلاً.

وما يدور على أرض فلسطين هو جزء وسبب في الوقت ذاته للمعركة الكبرى التي تدور رحاها قولاً وفعلاً في أرجاء عدة من العالم, والتي أخذت مصطلح (صدام الحضارات) عنواناً لها, وما تلك العلاقة المتأزمة الآن بين الإسلام والغرب إلا جزء من هذا الصدام. وقد خصصت العربي أيضاً ملفاً إضافياً حول هذه العلاقة الحرجة تبدؤه في هذا الشهر وتستكمله في شهر قادم, وقد أشار رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي إلى الجذور التاريخية لهذا المصطلح ومدى عدم دقته في توصيف الحالة الدولية الراهنة, فيجب ألا نقارن بين دين سماوي كالإسلام في مواجهة الحضارة الغربية التي هي لا دينية بالأساس, ولا يهدف الملف الذي تطرحه العربي إلى تكريس هذا الصدام بقدر ما يهدف إلى البحث عن منطلق للحوار, فالإسلام ليس دين التسامح فقط ولكنه دين العقل أيضاً, وهو يقدر ما قدمته الحضارة الغربية من منجزات, ولكنه يعيب عليها عدوانيتها في مواجهة الأضعف وعدم العدالة في نظرتها لكثير من القضايا التي تمس العالم الإسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص.

ولا تنسى (العربي) كعادتها كل عام أن تقدم هديتها لقرّائها, وقد خصصتها أيضاً لفلسطين الجريحة التي لا يمكن أن نغمض العين عنها أو نتناساها في لوحة رسمها الفنان المصري المعروف محمد حجي ونحن نأمل أن تأخذ هذه اللوحة مكانها في بيوت العرب وفي مدارسهم ومعاهدهم إشارة إلى تصدّي الشعب الفلسطيني الأعزال لقوى العدوان الإسرائيلية وإعلاء الروح الإنسانية في مواجهة كل محاولات القهر والإذلال, لعل هذا العام الجديد يحمل لهم الأمل, لعله يحمل لهم الحرية.

 

المحرر