اتجاهات جديدة في الجريمة المنظمة

اتجاهات جديدة في الجريمة المنظمة

في الوقت الذي لايزال عدد كبير من حكومات العالم تجد كثيرا من الصعوبات في التعرف على مفردات واستخدامات تكنولوجيا المعلومات، والطريقة المثلى للاستفادة منها في إدارة شئون الدولة، نجد أن جماعات الجريمة المنظمة في كثير من أنحاء العالم على دراية تامة بأفضل الطرق والأساليب التي تمكنها من تسخير هذه التكنولوجيات في تنفيذ خططها على أوسع نطاق ممكن، متخطية في ذلك كل الحدود المحلية والإقليمية، بحيث أصبحت الجرائم المنظمة توصف بأنها جرائم عابرة لحدود الدول والشعوب، بل والقارات، وذلك لتحقيق مكاسبها غير المشروعة، وارتياد مجالات جديدة لم تكن معروفة من قبل، أو لم تكن مألوفة لدى كثير من الأوساط الإجرامية، نظرا لما كان يحيط بها من مخاطر تمنع من الإقدام على ممارستها. وليس من شك في أن انتشار الإنترنت وسهولة استخدامه مع توافر قدر كبير جدا من الأمان نظرا لصعوبة اكتشاف الموقع أو تتبع مسار الرسائل والاتصالات، التي تتم عن طريقه مع انخفاض التكاليف، كان لها دورها في تعظيم فاعلية هذه الجرائم، التي تحتاج إلى تنظيم دقيق وتخطيط محكم وتنسيق بين مختلف الأطراف المشاركة في التنفيذ، والتي قد تنتمي لدول عديدة مع ضمان عدم اكتشاف خيوط الخطة أو المشاركين فيها والإيقاع بهم.

ولقد بلغت أنشطة الجريمة المنظمة درجة عالية من الإتقان في السنوات الأخيرة، وبخاصة في مجال تجارة المخدرات عبر العالم، وأفلحت في غزو دول العالم الغربي المتقدم، ووجدت فيها سوقا رائجة لبضاعتها التي تحمل كل وسائل التدمير للقوى البشرية. وتعتمد جرائم الاتجار في المخدرات وعمليات التهريب على جماعات كبيرة شديدة التنظيم ومن فئات وأنواع مختلفة من البشر ينتمون إلى مستويات اقتصادية واجتماعية وثقافية متباينة، بما في ذلك أعداد من المتخصصين في شئون المال والاقتصاد والقانون إلى جانب بعض ذوي الكفاءات العالية في تكنولوجيات الاتصال، وقد تلجأ من أجل تجنيد هذه الكفاءات العالية لكل أساليب الترغيب والترهيب، التي لايملك الكثيرون إزاءها سوى الخضوع والاستسلام.

وتشمل الجريمة المنظمة عبر القارات التجارة في السلاح، وتهريب المخدرات، والآثار، والاتجار في البشر، وبوجه أخص في النساء والأطفال، إما بقصد استغلالهم في العمل بأجور ضعيفة للغاية، وإما في ممارسة الدعارة. وكذلك عمليات غسيل الأموال، التي يصعب تقدير حجمها، وإن كان صندوق النقد الدولي يقدرها بما بين 2 - 5 في المائة من كل الإنتاج العالمي، مما يعطي فكرة عن حجم المكاسب الهائلة، التي تحققها منظمات الجريمة المنظمة من هذه الجزئية وحدها، من مجموع أنشطتها المتنوعة. والواقع أن هذا النشاط المتنوع بدأ يمتد إلى مجالات جديدة، وظهر بذلك ما يعرف باسم (جرائم ذوي الياقات البيضاء)، التي يندرج تحتها تعمد نشر معلومات خاطئة ومضللة، تؤدي إلى حدوث اضطرابات في البورصات العالمية، بقصد تحقيق مكاسب ضخمة. ويشارك في هذه العمليات جماعات - أو على الأصح عائلات -حسب التعبير المستخدم في بعض الكتابات - ذات تاريخ طويل وعريق في الجريمة المنظمة. وتقدر بعض المصادر الخسائر التي تنجم عن ممارسة هذا النشاط الإجرامى بحوالي عشرة آلاف مليون دولار سنويًا. كذلك يدخل في باب الجريمة المنظمة على المستوى العالمي تهريب المهاجرين غير الشرعيين من دولة لأخرى، بل ومن قارة إلى قارة، بالرغم من كل ما يحيط بهذه العمليات من أخطار تهدد الحياة ذاتها بالهلاك.

وتثير جرائم الاتجار بالبشر قلق المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة، نظرا لما تنطوي عليه من خرق لكل القيم الإنسانية والأخلاقية، والخروج على مبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها المنظمات الدولية. ولذا عقدت هيئة الأمم وبعض وكالاتها المتخصصة عددًا من المؤتمرات في السنوات الأخيرة للنظر في هذه النوعية الجديدة من الجرائم، وعقد الاتفاقيات الدولية للحد من انتشارها، وسن القوانين والتشريعات اللازمة للقضاء عليها، إن أمكن ذلك. وربما كان مؤتمر بالرمو - 12 - 15 ديسمبر 2000 - عن (حكم القانون في القرية الكوكبية) واحدًا من أهم هذه المؤتمرات، إذ أثيرت فيه مسألة التعاون الإقليمي ضد الجريمة المنظمة، وبخاصة في مجالات الاتجار في البشر وإساءة استخدام قطاع البنوك، وإمكان التوصل إلى طريقة لتوحيد الجهود ومساندة منظمات وهيئات العدالة الجنائية وتحديث النظم القضائية لمواجهة التطورات العالمية المؤثرة في الجريمة المنظمة عبر الحدود.Transnational. ولكن المشكلة الحقيقية، التي تحد من فاعلية تلك القرارات، تتمثل في قدرة جماعات الجريمة المنظمة على حرية الحركة، واستباق أية إجراءات قد تتخذها الحكومات، والقدرة أيضا على التغلب - أو التحايل - على القوانين التي تصدر في هذا الشأن. فثمة إذن نوع من السباق في هذا الصدد بين الحكومات، التي تعمل على محاصرة تلك الأنشطة الإجرامية المدمرة وبين جماعات الجريمة المنظمة، التي تحرص دائما على تفريغ القوانين والتشريعات المناهضة لها من مضمونها وفاعليتها، والالتجاء إلى أساليب ووسائل وطرق جديدة لممارسة أنشطتها في مجالات جديدة تماما لم تنتبه إليها الحكومات.

الرق الجديد

وقد حدث في مؤتمر بالرمو أن وقفت السيدة أمينة تيتي آتيكو أبوبكر، مؤسسة (المنظمة النيجيرية لمنع الاتجار بالنساء وتشغيل الأطفال) منبهة إلى ضرورة العمل على إحكام الرقابة على تجارة الجنس في العالم. وقد ذهبت في ذلك إلى أنه بالرغم من كل الجهود التي بذلت في محاربة الرق فلا تزال تجارة الرقيق قائمة بالفعل في كثير من أنحاء العالم، وأن تهريب البشر بمختلف أشكاله ليس إلا صورة حديثة من الرق، وأنه ليس ثمة فارق بين الاتجار في النساء والدعارة فهما ينتميان إلى (الصناعة) نفسها أي (صناعة الجنس) وأن للمسألة جانبها الأخلاقي، الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار والذي يفرض على دول العالم أن تنشط لمحاربتها بالقوة نفسها التي تحارب بها تجارة الرقيق.

ومما يؤسف له أن جماعات الجريمة المنظمة تقيم قواعدها الأساسية، التي تبدأ منها أنشطتها في الدول الضعيفة العاجزة عن فرض أحكام القانون بقوة، وإخضاع تلك الجماعات لسيطرتها مما يهيئ الفرصة أمام تلك الجماعات لممارسة أنشطتها غير المشروعة وهي في مأمن من الخطر، بل وقد تتمتع بعض هذه الجماعات بدرجة عالية من القوة، بحيث يخضع لسطوتها ونفوذها بعض رجال الحكم أنفسهم، الذين يتسترون عليها نظير مايحصلون عليه من مكاسب مادية أو مؤازرة سياسية.

من بين كل أشكال الجرائم المنظمة تثير جرائم التجارة في البشر اهتمام وقلق المجتمع الدولي نظرا لانتشار هذه الجرائم واستفحالها على مستوى كوكب الأرض من ناحية، ونظرا لتعارضها مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية وقواعد حقوق الإنسان من الناحية الأخرى. وتتولى هذه التجارة جماعات إجرامية شديدة التنظيم، ولها فروعها المنتشرة في كل أنحاء العالم، وتعرف كيف توقع بضحاياها من النساء والأطفال بوجه خاص، ولكن مع إمكان وجود ضحايا من الرجال أيضا، وذلك من خلال تقديم الإغراءات بتشغيلهم في الدول الغربية بأجور عالية أو توفير فرص للزواج بالنسبة للفتيات. ولكن بمجرد وصول هؤلاء الضحايا إلى المجتمع الغريب، يجدون أنفسهم تحت رقابة شديدة من تلك الجماعات، التي تجبرهم على ممارسة أعمال غير مشروعة، يذهب العائد منها إلى تلك الجماعات، بينما يعيش هؤلاء الضحايا تحت ظروف معيشية سيئة للغاية، دون أن تكون لديهم الفرصة أو الجرأة على إبلاغ حقيقة أوضاعهم إلى أهاليهم في أوطانهم الأصلية، أو السلطات الرسمية في الدول، التي تم نقلهم إليها بطرق غير مشروعة. فالاتجار في البشر يقوم إذن على أساس الخديعة أو القهر والقسر أو حتى الاختطاف والاستغلال، الذي قد يتخذ شكل الاستغلال الجنسي في ممارسة الدعارة أو الشحاذة بالنسبة للنساء والأطفال، أو الاستغلال الفيزيقى في ممارسة الأعمال الشاقة نظير أجور تافهة بالنسبة للرجال، ولذا توصف التجارة في البشر بأنها (عبودية العصر الحديث). ويدخل في هذه التجارة عمليات البحث عن الضحايا (السلع البشرية) وتجميعها توطئة لنقلها أو تصديرها وتسلمها في محطة الوصول وإيواؤها في أماكن سرية خاصة، وتوفير فرص الاستغلال الإجباري في أعمال غير مشروعة، ولكنها تدر أرباحا طائلة تذهب إلى جيوب أعضاء تلك الجماعات. ومن هنا تختلف التجارة في البشر عن عمليات تهريب الأيدي العاملة المهاجرة بطرق غير مشروعة نظير، (رسوم) معينة في أنه بمجرد دخول ذلك المهاجر المتسلل إلى الموطن الجديد يصبح حرا تماما ومسئولا عن نفسه، وتنقطع علاقته بالمهرب أو المهربين الذين تولوا عملية تهريبه، وذلك فضلا عن أن تهريب المتسللين يتم عن طريق الاتفاق بين الطرفين، وليس عن طريق الغش والخداع أو الخطف والإجبار.

ويبدو أن هذه التجارة الرائجة تكسب أرضا جديدة كل يوم، بالرغم من الإجراءات الشديدة والعقوبات الصارمة التي يتعرض لها القائمون بها، إذا أفلحت يد القانون في الوصول إليهم - وقلما تفلح في ذلك - كما يبدو أنها سوف تزداد انتشارا في المستقبل نتيجة لازدياد الفقر في دول العالم الثالث الذي يعتبر هو السوق الطبيعية لتوريد (السلع الآدمية) إلى الدول الأخرى، وإلى كل من يستطيع دفع الثمن. وتذهب بعض التقديرات إلى أن مابين 700 ألف ومليوني نسمة معظمهم من النساء والأطفال، يتم الاتجار بهم كل عام عبر الحدود الدولية، وأن خمسة وثلاثين في المائة منهم تحت سن الثامنة عشرة، وأن هذه التجارة تمثل ثالث أكبر مصدر للربح من الجريمة المنظمة بعد التجارة في المخدرات والأسلحة. كما أن هيئة الأمم تقدر حجم البشر، الذين يتم فيهم الاتجار الآن على مستوى العالم، بأنه يتراوح مابين عشرين إلى سبعة وعشرين مليون نسمة، يخضعون للعبودية ضد رغبتهم، نظير أجور هزيلة أو حتى دون مقابل على الإطلاق، على الرغم من كل الجهود التي تبذل للحد من انتشار الجريمة المنظمة، التي تتجاوز تأثيرات أنشطتها كل الحدود الدولية والإجراءات القاسية، التي تتخذها بعض الدول لمناهضة تلك الأنشطة الإجرامية،وعلى الرغم من كل المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، التي تعقد حول هذه المشكلة / الظاهرة الخطيرة، والتوصيات التي تصدرها هذه المؤتمرات والمعاهدات والاتفاقيات، التي يقرها المجتمع الدولي، تحت إشراف هيئة الأمم فالمتوقع أن ترتفع معدلات هذه الجرائم ارتفاعا كبيرا في السنوات القادمة، ليس فقط نتيجة ازدياد الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم الثالث، مما قد يدفع أعدادا متزايدة من الآباء إلى بيع أطفالهم، كما يحدث الآن بالفعل على نطاق محدود ، ولكن أيضا نتيجة توافر أساليب أكثر أمانا يمكن من خلالها تنفيذ تلك الجرائم بدرجة أعلى من الكفاءة، وسرعة الأداء، وعلى نطاق واسع جدا قد يغطى كل قارات العالم، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته بسرية تلك العمليات، أو الصفقات، وتحقيق قدر أكبر من الكسب المادى.

الانترنت في خدمتها

ويلعب الإنترنت بطبيعة الحال الدور الرئيسى في إنجاز تلك المهام على أكمل وجه، وذلك بفضل مايتميز به استخدام الكمبيوتر والإنترنت من مرونة وإمكانات هائلة على الاحتفاظ بسرية المعلومات وتغييرها وتشفيرها، بحيث تصعب قراءتها، مع إمكان نقلها إلى كل بقاع العالم بسرعة رهيبة، وغير ذلك من التسهيلات التي تعرف جماعات الجريمة المنظمة كيف تحصل عليها وتستخدمها في تحقيق أهدافها. وهنا قد تتداخل عمليات الجريمة المنظمة مع جرائم الفضاء المعلوماتي التي عرضنا لها في مقال سابق، وهذا التداخل ينبئ باستفحال خطورة هذه الجرائم في المستقبل، مما يتطلب الإسراع في اتخاذ الإجراءات الحاسمة والفعالة، حتى لا تستهوي سهولة تنفيذ تلك الجرائم أعدادا أخرى من الأفراد على ارتياد هذا المجال، الذي يحقق المكاسب الضخمة، مع ضمان قدر كبير من الأمان، إلى جانب حماية الجماعة ذاتها لأعضائها، والالتجاء في ذلك إلى العنف والسلاح إذا لزم الأمر.

إزاء كل هذه المكاسب والفوائد التي تحصل عليها جماعات وتنظيمات الجريمة المنظمة، سواء من تجارة المخدرات، أم تجارة السلاح، أم الاتجار في البشر، (وهى الأشكال الثلاثة الكبرى التي تؤرق الحكومات والمنظمات الدولية وتدفعها إلى البحث عن أفضل الوسائل للقضاء عليها)، لم يكن غريبا أن تفشل حتى الآن على الأقل (الحرب العالمية) ضد المخدرات، كما لم تفلح الجهود، التي تبذلها بعض الدول لإحلال بعض البدائل عن الاتجار في المخدرات، مثلا في أمريكا الجنوبية، لأن التعويضات والمعونات المالية التي تقدمها الحكومات لتشجيع الزراع على التحول إلى زراعة الفواكه والخضراوات مثلا لاتتناسب بحال من الأحوال مع مايجنيه هؤلاء الزراع من زراعة الكوكا، بل ولا تكاد تغطي نفقات المعيشة في تلك الدول. من هنا كنا نجد أن مايزرعه الناس من مخدرات كل سنة في كولومبيا - على سبيل المثال - يغطى مساحات تقابل ما تنجح الحكومة في إتلافه. وبينما تقلصت مساحة زراعة الأفيون إلى ثلث ما كانت عليه عام 1992 تضاعفت مساحة زراعة الكوكا أربع مرات، وهكذا.

نحو استراتيجية جديدة

بيد أن هذا كله لايمنع من ضرورة البحث عن استراتيجية محكمة تلتزم كل دول العالم باتباعها وتطبيقها بدقة، في محاربة جماعات الجريمة المنظمة، التي تتوحش وتهزأ في كثير من الأحيان من عجز الحكومات حتى في الدول المتقدمة عن التصدى لها بقوة، وأن تكون هذه الاستراتيجية قادرة على منع إساءة استخدام تكنولوجيات الاتصال الحديثة، في التخطيط لارتكاب مثل هذه الجرائم على نطاق دولي، من خلال تبادل المعلومات، والتنسيق بين المنتمين لهذه الجماعات، والذين ينتشرون في مختلف أنحاء العالم، حيث يقوم كل منهم بأداء دور محدد ضمن خطة عامة لتنفيذ الجريمة بنجاح. وهذا على مايبدو هو الشغل الشاغل لكثير من الحكومات ولهيئة الأمم وبعض المنظمات الإقليمية، وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين كل هذه الهيئات والمنظمات، حتى يمكنها أن تعمل بكفاءة وسرعة، وأن تستبق الأحداث وتمنع وقوع الجرائم قبل أن تتمكن الجماعات الإجرامية من تغيير مواقعها على الشبكات الدولية أو مسح المعلومات والبيانات، التي تدينها، أو التي تكشف عن مخططاتها المستقبلية وذلك مع شريطة أن تأخذ هذه الاستراتيجية في الاعتبار ضرورة مراعاة حقوق الإنسان المشروعة وحياته الخاصة السوية.

وقد تكون هذه مطالب يصعب مراعاتها بدقة إزاء مقتضيات الحرب العنيفة الشرسة، التي سوف تندلع في القريب العاجل بين جماعات الجريمة المنظمة ومؤسسات الدول وحكوماتها بالتعاون والتنسيق مع هيئة الأمم والجمعيات الأهلية الطوعية الكثيرة، التي تدرك مدى خطورة الجريمة المنظمة على استقرار المجتمعات التي تتعرض لهذه الجرائم، وتكون ميدانا مباحا لتجارة المخدرات أو تجارة الجنس أو تهريب السلاح أو الاتجار في البشر من كلا الجنسين، أو عمليات غسيل الأموال، وغير ذلك من أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتي تتفنن تلك الجماعات الإجرامية في ابتكارها، وتجنيد الآلاف لممارستها.

وقد تكون الصعوبات التي تواجه دول العالم الثالث في هذه الحرب أكثر تعقيدا من تلك التي تواجه الدول المتقدمة، وذلك على أساس أن الدول الفقيرة المتخلفة هي المصدر الذي يغذي تلك الجرائم بأهم عناصر الجريمة، وهم البشر، الذين يتولون من ناحية تنفيذ الخطط الإجرامية، والذين يؤلفون من الناحية الأخرى السلعة الرائجة في سوق النخاسة الحديثة وتجارة الجنس، ولكنها في الوقت ذاته تفتقر إلى وجود القوى المادية المؤثرة والتشريعات الرادعة والقادرة على التصدى لتلك الجماعات وإنزال العقوبات الملائمة لفداحة الأضرار التي تلحقها بالمجتمع وبالقيم الإنسانية. وهذه صعوبات ترهق حتى الدول الغنية والمتقدمة علميا وتكنولوجيا. ولكن المهم هو الاتفاق على سياسة موحدة تشارك فيها كل دول العالم، دون خوف أو وجل من أن تصبح هي ذاتها فريسة مستهدفة من تلك الجماعات.

وهذا هو ماتصبو إلى تحقيقه الجهود الكثيرة والمتوالية، التي تقوم بها الآن المنظمات الدولية والإقليمية، بالتعاون مع كثير من دول العالم، والتي تمخضت حتى الآن عن عدد من الاتفاقيات والمواثيق و(الإعلانات) الدولية، التي تنتظر تكوين جهاز دولي له الصلاحية والقدرة على تنفيذ تلك المقررات.

وعسى ألا يطول الانتظار!.


أحمد أبوزيد