نقص المياه يفضي إلى تدهور البيئة.. أحمد الشربيني

نقص المياه يفضي إلى تدهور البيئة.. أحمد الشربيني

بالنسبة لبعض سكان كوكبنا، تعني أزمة المياه السير مسافات طويلة كل يوم للحصول على بعض مياه الشرب - النقية أو غير النقية. وتتحول، بالنسبة للبعض الآخر، إلى معاناة من أمراض مثل سوء التغذية والإسهال والملاريا والعديد من الأمراض الأخرى المرتبطة بالجفاف أو التصحر أو الفيضان أو عدم توفر مرافق الصرف الصحي. وتعني بالنسبة للبعض الآخر الافتقار إلى الموارد المالية أو الخبرات والمهارات الفنية اللازمة لحل المشاكل المحلية المرتبطة باستخدامات المياه وتوزيع حصصها.

ومازال عدد كبير من بلدان العالم النامي يبتعد كثيرا عن الطريق الصحيح للوصول إلى أهداف الألفية الإنمائية المتعلقة بالمياه القاضية بتخفيض نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب النقية إلى النصف بحلول العام 2015. كما أن الهدف الإنمائي للألفية بتخفيض عدد الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على مرافق الصرف الصحي إلى النصف بحلول العام 2015 لن يتحقق على النطاق العالمي في حال استمرت الاتجاهات الراهنة على حالها. وفي الوقت الذي يموت فيه ملايين الناس كل عام من جراء الأمراض المرتبطة بالمياه ويزداد فيه تلوث المياه وتدمير النظم الإيكولوجية، نشهد الآن العواقب التي تحيق بالبشر نتيجة لتغير المناخ، والكوارث الطبيعية، والفقر، والحروب، والعولمة، والنمو السكاني، والتوسع العمراني وتفشي الأمراض- المرتبطة كلها بقطاع المياه. وهو ما يهدد أمن هذه البلدان وتنميتها واستدامتها البيئية.

ويسلط تقرير التنمية المائية العالمية الثاني الصادر عن الأمم المتحدة The United Nations World Water Development Report2 الضوء على قضايا مثل النقص الحاد في مياه الشرب، والتراجع الكبير في تدفقات الأنهار، وزيادة ملوحة مصبات الأنهار، وانقراض العديد من أنواع الأسماك والنباتات المائية نتيجة للإفراط في الصيد والتغيرات المائية.

ويوفر هذا التقرير، الذي يصدر كل ثلاثة أعوام، التقويم الأكثر شمولية بشأن موارد المياه العذبة. وقد أطلق أخيرًا في مكسيكو سيتي، عشية انعقاد المنتدى العالمي الرابع للمياه تحت عنوان «المياه، مسؤولية مشتركة Water a Shared Responsibility».

ويشكل تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية ثمرة الجهد المشترك لـ24 وكالة تابعة للأمم المتحدة وكيانات معنية بإدارة الموارد المائية. وهو يصدر عن برنامج الأمم المتحدة العالمي لتقويم الموارد المائية، الذي تتخذ أمانته من اليونسكو مقراً لها، ويضع موارد المياه العذبة ضمن أولوياته القصوى. وتقدم فروعه (البالغ عددها 15، ويقوم بإعداد كل منها مختلف الوكالات المشاركة) تحليلاً مفصلاً للأوضاع في جميع مناطق العالم، فضلاً عن البيانات والخرائط والبيانات المحدثة، و17 دراسة حالة والعديد من الأمثلة عن الممارسات الجيدة والسيئة في نظم التحكم في المياه.

ويتوقع التقرير أن يطلق نقص المياه العذبة تدهورا بيئيا متزايدا في العديد من أنحاء العالم خلال الأعوام الخمسة عشر القادمة. وسيفضي هذا بدوره إلى فقدان المزيد من الأراضي الزراعية، وانعدام الأمن الغذائي وتضرر مصايد الأسماك وتفشي سوء التغذية والعديد من الأمراض الأخرى. والواقع أن العالم يمتلك كميات هائلة من المياه العذبة. ومع ذلك، فإن توزيعها يتم بشكل غير متكافئ. وبسبب سوء الإدارة ومحدودية الموارد والتغيرات البيئية القائمة، بات نصف سكان كوكبنا تقريباً محرومين من مياه الشرب النقية ومرافق الصرف الصحي السليمة.

إدارة المياه

يركز التقرير على أهمية الحكم السليم في إدارة موارد العالم المائية ومكافحة الفقر. ويكشف التقرير أن النظم الإدارية: «تحدد من ينال كمية معينة من المياه، وزمان وكيفية الحصول على هذه المياه، ومن يحق له الانتفاع بالمياه والخدمات المتصلة بها». وتتجاوز هذه النظم مستوى «الحكومات»، لتشمل السلطات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. كما أنها تغطي مجموعة من القضايا الوثيقة الارتباط بالمياه، بدءاً بالصحة والأمن الغذائي، وصولاً إلى التنمية الاقتصادية، فاستخدام الأراضي وصون النظم البيئية الطبيعية التي تعتمد عليها مواردنا المائية.

وعلى الرغم من التقدم الهام والمطرد، وتوافر: «كميات هائلة من المياه العذبة على الصعيد العالمي»، فإن التقرير يشير إلى أن 1.1 مليار شخص ما زالوا محرومين من الكميات الملائمة من مياه الشرب، في حين أن 2.6 مليار شخص محرومون من مرافق الصرف الصحي. وينتمي هؤلاء إلى فئة الناس الأكثر فقراً في العالم. ويعيش أكثر من نصفهم في الصين والهند. كما يشير إلى أن: «سوء الإدارة والفساد وغياب المؤسسات الملائمة والشلل البيروقراطي، إلى جانب النقص في الاستثمارات الجديدة لبناء القدرات البشرية والبنى الأساسية المادية» كلها عوامل تفسر الوضع السائد.

تراجع نوعية المياه

وتسجل نوعية المياه تراجعاً في معظم المناطق. كما تشير الأدلة إلى أن الأنواع الحية والنظم الإيكولوجية للمياه العذبة تشهد تدهوراً سريعاً، وبوتيرة أسرع في غالب الأحيان من النظم الإيكولوجية البرية والبحرية. ويذكر التقرير أن الدورة المائية، التي تعتمد عليها الحياة، تحتاج إلى بيئة سليمة لتأدية وظيفتها.

إن 90% من الكوارث الطبيعية هي أحداث متصلة بالمياه، ويبدو أن هذه النسبة إلى ارتفاع. كما أن عدداً كبيراً منها ناجم عن سوء استخدام الأراضي. وخير مثال على ذلك الجفاف الذي يواصل انتشاره بشكل مأساوي في شرق إفريقيا، حيث نفذت عمليات كبرى لاقتطاع الأشجار بهدف إنتاج الفحم وخشب الوقود. وفي التقرير إشارة أيضاً إلى قضية بحيرة تشاد في غرب إفريقيا، التي تقلصت مساحتها بنسبة 90% تقريباً منذ الستينات، وبشكل أساسي، من جراء عمليات إزالة الغابات ومشاريع الري الضخمة غير المستديمة. وقد بات اثنان من أصل كل خمسة أشخاص يعيشون في مناطق معرضة للفيضانات ولارتفاع مستويات البحار. أما البلدان الأكثر عرضة للتهديدات، فهي تشمل: بنغلاديش، الصين، الهند، هولندا، باكستان، الفليبين، الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الجزرية الصغيرة النامية. ويشدد التقرير على أن التغيرات الطارئة على الأنماط المناخية ستؤدي إلى تفاقم هذا الوضع.

وستزداد الحاجة الغذائية عبر أنحاء العالم بنسبة 55% بحلول العام 2030. وسينعكس ذلك من خلال تزايد الطلب على أنشطة الري، التي تستغل حالياً حوالي 70% من مجمل كميات المياه العذبة المستخدمة للحاجات البشرية. وإذا كان الإنتاج الغذائي قد ارتفع بشكل كبير على مدى الأعوام الخمسين الماضية، إلا أن 13% من سكان العالم (850 مليون شخص، معظمهم في المناطق الريفية) ما زالوا يعانون من الجوع.

وستعيش نصف الإنسانية في المدن بحلول العام 2007. إن ما يزيد عن ملياري شخص في البلدان النامية لا يتمتعون بإمكانية الحصول على أشكال مأمونة للطاقة. وتشكل المياه مورداً رئيسياً لإنتاج الطاقة، التي تكتسي بدورها أهمية حيوية بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية. وتستخدم أوروبا 75% من إمكاناتها الكهربائية المائية. أما إفريقيا، حيث 60% من السكان لا يتمتعون بالكهرباء، فلقد طورت 7% فقط من إمكاناتها في هذا المجال.

ويجري استخدام كميات هائلة من المياه، في عدد كبير من الأماكن عبر العالم، من دون أن يدري بها أحد، وقد تتراوح نسبتها ما بين 30 و40 في المائة أو أكثر، وذلك من خلال تسربها داخل الأنابيب والقنوات والصلات غير المشروعة.

الفساد السياسي

وعلى الرغم من عدم توفر أرقام دقيقة، تفيد التقديرات بأن الفساد السياسي يكلف قطاع المياه ملايين الدولارات سنوياً ويعيق الخدمات المتصلة به، بالأخص على مستوى الفقراء. ويذكر التقرير مسحاً أجري في الهند على سبيل المثال، حيث تبين أن 41% من مستهلكي المياه (من المشاركين في المسح) قاموا أكثر من مرة بدفع رشوة صغيرة خلال الأشهر الستة الماضية لتزييف قراءة عدّاد المياه، وأن 30% دفعوا مبلغاً من المال للإسراع في أعمال الإصلاح، وأن 12% دفعوا مبلغاً من المال للإسراع في إقامة الوصلات الجديدة بالمياه ومرافق الصرف الصحي. وقد دعت خطة تنفيذ جوهانسبورغ، المعتمدة من جانب الدول الأعضاء والقمة العالمية للتنمية المستدامة (جوهانسبورغ، 2002)، والتي تعترف بالدور الحيوي للمياه العذبة في مجال الأمن الغذائي والتنمية، دعت البلدان إلى تنمية الإدارة المتكاملة للموارد المائية وخطط تحقيق الكفاية المائية بحلول العام 2005. ويشير التقرير إلى أن حوالي 12% فقط من البلدان نجحت في ذلك حتى الآن، علماً أن العديد من البلدان قد شرعت في هذه العملية.

حقائق من التقرير

  • في العديد من أماكن العالم، تتبدد نسبة تتراوح بين 30 و40 في المائة من المياه نتيجة الضخ غير القانوني والتسرب من الأنابيب والقنوات.
  • مع التوسع العمراني المتزايد، تعين على الكثير من المدن الكبرى جلب مياه الشرب من مصادر أبعد وأبعد، نتيجة عجز مصادرها الجوفية والسطحية عن تلبية الطلب المتزايد على المياه، أو نتيجة لاستنزاف هذه المصادر أو تلوثها.
  • في العام 2000، كان 900 مليون من سكان المدن (أي ما يقرب من ثلث سكان المدن في العالم أجمع) يعيشون في أحياء الصفيح، ومتوسط حصة الفرد من المياه في مدن الصفيح يتراوح بين 5 و10 لترات يوميا. بينما ترتفع هذه الحصة في أحياء الطبقة الوسطى في المدينة نفسها يتراوح بين 50 و150 لترا يوميا، إن لم يكن أكثر.
  • توفر المياه الجوفية على مستوى الكوكب بين 25 و40 في المائة من مياه الشرب في العالم.
  • اتسمت السنوات الخمس الأخيرة من القرن العشرين بتزايد متسارع في معدلات ذوبان الأنهار الجليدية، وسيؤثر هذا على استدامة موارد المياه في أحواض الأنهار التي تعتمد على الأنهر الجليدية وعلى أنظمتها الإيكولوجية.
  • تؤدي الزيادة السكانية والتوسع في الأنشطة الاقتصادية إلى إلقاء أعباء ثقيلة الوطأة على الأنظمة الإيكولوجية للسواحل وللمياه العذبة. وقد تضاعفت كمية المياه الجوفية المستخرجة من باطن الأرض، على سبيل المثال، ستة أضعاف منذ بدايات القرن العشرين، بينما تضاعف عدد سكان العالم خلال الفترة نفسها ثلاثة أضعاف فقط.
  • تتعرض الأنواع التي تعيش في بيئات المياه العذبة لخطر الانقراض أكثر من أنواع كل البيئات الطبيعية الأخرى. وفي المتوسط، انخفض عدد أنواع المياه العذبة بنسبة 50 في المائة خلال الفترة من 1970 وحتى العام 2000.
  • من أجل تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية، يحتاج كل فرد يوميا إلى ما يتراوح بين 20 و50 لترا من المياه العذبة الخالية من أي ملوثات.
  • تغطية مرافق الصرف الصحي في البلدان النامية (49%) نصف مثيلتها في البلدان المتقدمة (9%).
  • في الوقت الراهن، يعاني 13 في المائة من سكان العالم عدم توافر الغذاء الكافي للعيش في حياة صحية ومنتجة، ومع ذلك فإن العالم يمتلك القدرة، سواء على المستوى التقني أو على مستوى الموارد، على إنتاج غذاء يكفي لكل رجل وامرأة وطفل على كوكبنا. أما الافتقار إلى الموارد الصحية، والمالية والطبيعية مثل الأرض والمياه، والافتقار للمهارات من أجل ربط الأنشطة الإنتاجية بالأسواق البعيدة وضمان العمالة، فهي جميعها عوامل ترتبط على نحو وثيق بالفقر.
  • يمكن للصناعة أن تخفض طلبها على المياه بنسبة تتراوح بين 40 و90 في المائة، حتى في ظل التقنيات والممارسات الراهنة. ومع ذلك فإن سياسات الحفاظ على المياه تحتاج إلى أن تكون عادلة، وملائمة وقابلة للتطبيق.
  • 25 في المائة فقط من سدود العالم تستخدم في إنتاج الطاقة الكهرومائية.
  • تستخدم أوروبا 75 في المائة من قدراتها الكهرومائية بينما لم تطور إفريقيا سوى 7 في المائة من قدراتها. وهو ما يجعل منها حجر الزاوية في تنمية القارة السمراء.
  • تتأثر البلدان النامية سلبا بالكوارث الطبيعية المرتبطة بالمياه أكثر بكثير من البلدان المتقدمة. وخسائرها خمسة أضعاف خسائر البلدان الغنية لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي.
  • خلال العقد 1992-2001، كان نحو 90 في المائة من الكوارث الطبيعية ذات أصول مرتبطة بالمياه.
  • هناك أكثر من 3800 اتفاقية ومعاهدة ثنائية أو متعددة الأطراف متعلقة بالمياه: من بينها 286 معاهدة تتعلق بأكثر من مائتين من أحواض الأنهار الدولية.


أحمد الشربيني 




1.1 مليار شخص ما زالوا محرومين من الكميات الملائمة من مياه الشرب





تلعب النوعية السيءة للمياه دوراً أساسياً في تدهور ظروف الحياة وشروطها





تلوث المياه أحد أبرز الأسباب التي تقف وراء سوء الظروف العيشية وتدهور الصحة





90 % من الكوارث الطبيعية هي أحداث متصلة بالمياه