راجا رافي فارما «من دون اسم»

راجا رافي فارما «من دون اسم»

راجا‭ ‬رافي‭ ‬فارما‭ (‬1848-1906م‭)‬،‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أعظم‭ ‬الرسامين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭ ‬بالهند،‭ ‬تكاملت‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬مكانته‭ ‬الكبيرة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عوامل‭: ‬مكانته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ونجاحه‭ ‬الباهر‭ ‬في‭ ‬صهر‭ ‬تقنيات‭ ‬الرسم‭ ‬الأوربي‭ ‬بالحساسية‭ ‬المحلية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالهند،‭ ‬وعمله‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الذائقة‭ ‬الفنية‭ ‬وإيصال‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬أوسع‭ ‬شريحة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ممكنة،‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭.‬

ولد‭ ‬رافي‭ ‬فارما،‭ ‬الذي‭ ‬منحه‭ ‬الحاكم‭ ‬البريطاني‭ ‬لاحقاً‭ ‬لقب‭ ‬اراجاب،‭ ‬لأسرة‭ ‬أرستقراطية‭ ‬تمتّ‭ ‬بصلة‭ ‬قربى‭ ‬وثيقة‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬في‭ ‬ترافانكور‭ (‬في‭ ‬ولاية‭ ‬كيرلا‭ ‬جنوب‭ ‬الهند‭ ‬حالياً‭). ‬وتعززت‭ ‬هذه‭ ‬القرابة‭ ‬عندما‭ ‬تبنت‭ ‬الملكة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شقيقة‭ ‬زوجته،‭ ‬اثنتين‭ ‬من‭ ‬بناته‭ ‬لتأمين‭ ‬ورثة‭ ‬للعرش،‭ ‬فأصبح‭ ‬بذلك‭ ‬جد‭ ‬كل‭ ‬مهراجات‭ ‬ترافانكور‭  ‬لاحقاً‭.‬

ظهرت ميول فارما للفن باكراً. فدرس أساسيات الرسم أولاً في مادوري، ومن ثم الألوان المائية عند راما سوامي نايدو، وأخيراً الرسم بالألوان الزيتية على يد الفنان الهولندي تيودور جينسون. وبفضل الرعاية التي حظي بها من مهراجا ترافانكور، تمكن من النبوغ  وانتزاع أول جائزة عالمية في فيينا عام 1873م، وثلاث ميداليات ذهبية من المعرض العالمي في شيكاغو عام 1893م. وانهال الطلب على أعماله من أرجاء الهند كافة.

رسم فارما الكثير من المواضيع المستوحاة من الملاحم الشعرية الهندية القديمة. ولإيصالها إلى أكبر عدد من الناس، أسس هذا الفنان الأرستقراطي – الديمقراطي في عام 1899م،  مطبعة لطباعة نسخ من أعماله الحفرية الملونة، لتباع بأسعار زهيدة لعموم الناس. وبفعل التجديد المتمثل بالتقنية الأوربية والالتزام في الوقت نفسه بذائقة شعبه لمذهب محدد في التلوين والتركيب، راجت أعماله على أوسع نطاق شعبي يمكن أن يحلم به فنان. حتى أن صور أبطال هذه الملاحم ترسخت في الوجدان الشعبي في كل جنوب الهند حتى يومنا هذا، بالشكل الذي رسمها به فارما. ورغم أنه باع المطبعة في عام 1901، للتقني الألماني الذي كان يشغلها، فقد استمرت هذه المطبعة في الترويج لأعمال فارما، إلى أن قضى عليها حريق في عام 1972م.

أما الفئة الثانية من المواضيع التي برع فيها هذا الرسام، فكانت صور النساء. ومن ضمن هذه الفئة كانت هناك الصور الشخصية، التي حرص فيها على أن يشبه الرسم الأصل الحي. ولكن أهم أعماله في هذا الإطار كانت في صور النساء اللواتي استوحى منهن صور المرأة الهندية المثالية، ليتحولن في لوحاته إلى رموز وطنية لا أسماء محددة لهن. صحيح أن النساء اللواتي جلسن أمامه ليرسمهن كن يتمتعن بالملامح المطلوبة، ولكن رسمه لهذه الملامح كان مجرد منطلق للوصول إلى ما هو أعمق من ذلك. وجاب لهذه الغاية الهند بأسرها بحثاً عن مواضيع للوحاته، ونساء ذوات ملامح يمكنه أن يستخدمها كلياً أو جزئياً في رسم صورة الأنثى الهندية المثلى والنموذجية، كما نرى في هذه اللوحة هنا.

لا تحمل هذه اللوحة اسماً، ولا نعرف شيئاً عمن كانت النموذج الأولي لها. ما نعرفه هو أنها تعود إلى حوالي عام 1890م، عندما كان فارما في ذروة عطائه وتمكنه من أسلوبه الفني. إنها صورة سيدة ذات ملامح مثالية، وكل ما فيها من تفاصيل هو هندي محض، بدءاً بلون الشعر وتسريحته، وصولاً إلى الساري القرمزي الموشى بالذهب، مروراً بالحلي التي كان فارما شغوفاً برسمها في تلك الفترة، فرسم كل حجر كريم يرصع هذه المجوهرات على حدة ببريقه ولمعانه الخاص به. ولكن الأهم من كل ذلك، هو ما تقوله هذه اللوحة عن شخصية هذه السيدة: إنها امرأة مستقرة الأعماق، متفائلة، مثقفة وواثقة من نفسها، ذات ذوق رفيع، وعلى وجهها شيء من خيلاء المرأة المعتزة بأنوثتها والمرتاحة إلى عالمها. إنها صورة المرأة الهندية – الأيقونة، التي تؤكد نجاح فارما في تحقيق ما لم يجرؤ غير حفنة قليلة من كبار الأساتذة على التطلع إلى تحقيقه، والذين نجحوا في ذلك كانوا أقل .