مَنْ يحافظ على لغتنا العربية؟

مَنْ يحافظ على لغتنا العربية؟

في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام تحتفل بعض البلاد العربية بلغتها التي نتباهى بها، بوصفها لغة القرآن الكريم ولغة الحياة ولغة الشعر والجمال، وطموحنا أن تكون لغة الأحفاد كما كانت لغة الآباء والأجداد، وهو احتفال ينظم بكرم من منظمة اليونسكو ليكون للغتنا يوم كما للشعر والقصة والكتاب والمرأة والطفل وغير ذلك. بل سعى المشتغلون بالمنظمات العالمية والمجامع اللغوية جاهدين لكي تكون هذه اللغة لغة عالمية تسير على درب واحد مع اللغات الحية، وأن تفند المقولة التي تقول بجمود اللغة العربية. 

وهكذا حاولت بعض المنظمات وبعض الدول العربية إقامة مؤتمرات للغتنا التي نتباهى بها بوصفها أحد ملامح هويتنا، حيث نشيد هنا وهناك بأهميتها، والمسؤولية الملقاة على عاتق أبنائها في ظل الثورة التكنولوجية والإنترنت، وشبكة التواصل الاجتماعي، بل نخرج من كل مؤتمر بتوصيات ومقترحات وتطلعات، إلا أننا لم نتساءل حول مدى قدرة المسؤولين في القطاعين التربوي والتعليمي على توظيف اللغة العربية في حديثهم وحواراتهم قبل أن يقرروا أهمية توظيفها بالشكل الصحيح في مدارسنا، وقبل أن يتباكى المثقفون وهم يقرأون الإعلانات في كل منطقة عربية وهم مكفهرو الوجوه لكثرة الأخطاء والصيغ.

 إننا اليوم أمام تحديات كبيرة ليس على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، بقدر التحديات الثقافية واللغوية التي بدأت في انزياحات تشكلت بتغيير الحروف العربية إلى حروف أجنبية مع النطق العربي، أو مزجها بأحرف أجنبية من جهة وأرقام حسابية من جهة أخرى، وهذا ما نلاحظه عند فئة الشباب العربي حين يكتبون اللغة العربية ممزوجة ببعض الأرقام الحسابية، وبعض الحروف اللاتينية، مما يضع اللغة العربية في مأزق صعب عبر الزمن، لذلك ينبغي ألا نعقد مؤتمرات تجمع المتخصصين والمهتمين ليتحدثوا فيما بينهم، ونترك أفراد المجتمع المعنيين بالأمر بعيدين، وحين نعمل معاً لجعل اللغة العربية قادرة بما تملكه من طاقة وقدرة وحيوية تؤهلها للولوج في سياقات الحياة العلمية والتقنية، فإن هذا يتطلب وعياً ثقافياً وحضارياً وقيمياً لدورنا أفراداً ومؤسسات ذات العلاقة المباشرة باللغة العربية، سواء وزارات التربية والتعليم أو التعليم العالي أو الجامعات أو المجامع العربية، وبخاصة جيل الشباب الذي ينبغي أن يتمثل بهويته العربية، لا اجتراره للمفردات الأجنبية بين الحين والآخر في حواراته وجلساته تباهياً و«تفذلكاً»!

وفي الوقت نفسه ينبغي ألا نتجاهل دور المذيعين والمذيعات الذين يستخدمون اللهجة المحلية بدلاً من اللغة الفصحى، وكأن المستمع خارج بلدهم غير معني بالأمر، لهذا نتمنى أن تقوم الجامعات بدراسة الحالات الشائعة والأخطاء المتكررة، وبخاصة تلك التي نراها في شوارعنا العربية، وبين صفحات بعض الكتب، وفي الصحافة، وفي الإعلانات التجارية المسموعة والمقروءة والمرئية. وحين نعود بالذاكرة الثقافية إلى عبق التاريخ وكيف كانت اللغة العربية ذات شأن كبير فرضت نفسها على المستعربين لينهلوا من تاريخها وتاريخنا العربي والإسلامي، علينا أن نهتم كمؤسسات معنية بالثقافة والأدب باللغة العربية نشاطاً وتفاعلاً وليس كتابة فحسب، وأن نتذكر الذين اشتغلوا ليل نهار لتكون اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية المتداولة في الأمم المتحدة، ومنظماتها المختلفة .