مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي حكاية لوحة ناطقة بالإبداع

مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي حكاية لوحة ناطقة بالإبداع

حين يكون شارع الخليج العربي على يسارك، سيكون الإبداع على يمينك. تسير بمحاذاة مكعبات هندسية زخرفية ذات طابع إسلامي، ثم تنعطف لتجد نفسك في داخل فضاء ثقافي له وقار المعرفة. 

هذا المبنى يحمل ثلاث صفات معنوية، فهو يعكس في فلسفة تصميمه حكمةَ حامل اسمه الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت الراحل، طيب الله ثراه. ويؤكد في مضمونه الشغف الثقافي والإعلامي لبانيه ومفتتحه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله. ويوحي باقتناع الشعب بأهمية الثقافة لدرجة أنه يمنحها من وطنه صرحاً يتربع على أرض مساحتها تقدر بـ214 ألف متر مربع.
 في هذا المركز الثقافي، الذي يقع بجوار قصر السلام بين شارعي الخليج العربي وجمال عبدالناصر، تتناغم الزوايا والزخرفات حتى يمكنك إذا أصغيت برهافة، أن تسمع همسات قصائد شعرية أو أدباء يتناقشون ذات أمسية، أو ألحان موسيقية تراثية أو أوبرالية، ومسرح وغناء وفن تشكيلي، وكل ما يشتمل عليه نتاج الفكر الإنساني.
 ضمن هذا الجو «الفضائي» يشعر الزائر بأن قدميه لا تخضعان لقوانين جاذبية الأرض، بل لملكوت الفضاء. وقد أنجز هذه «اللوحة» المعمارية فريق من المهندسين في الديوان الأميري وفريق من الخبرات المحلية والعالمية، وكان العمل دؤوباً ليلاً ونهاراً لمدة 22 شهرًا حتى اكتمل هذا المشهد على شكل قطع جوهرات متجاورة.
في مركز «الشيخ جابر الأحمد الثقافي»، أنت موجود داخل موسوعة معرفية، يحولك المكان إلى حرف تتجول بين السطور.
بداية، لم يكن إنشاء مركز ثقافي بهذه الضخامة، حدثاً طارئاً، ولا مترفاً، بقدر ما هو استمرار لمنهجية ثقافية غُرست مع البذرة الأولى لوجود دولة الكويت. وإذ يعيدنا كتاب الدكتور خليفة الوقيان «الثقافة في الكويت: بواكير، ريادات، اتجاهات»، إلى عصور ما قبل النفط، نجد أن الحياة الثقافية سارت جنباً إلى جنب مع كل الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، وكانت لها الأسبقية في المنطقة بتأسيس «النادي الأدبي» عام 1924. لذلك فإن جذور المركز، ليست معلقة في الهواء، فهو صرح ولد في رحمِ إرثٍ ثقافي سابق، أرادت من خلاله دولة الكويت أن تكون منتجة للثقافة ومُصَدّرة لها بالتوازي مع حياتها الاقتصادية. كما أن افتتاح هذا المركز جاء متزامناً مع اختيار الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية، الأمر الذي يعزز وجودها على خارطة الثقافة باقتدار.

انسجام الأهداف مع التصميم
يتكون مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي خارجياً من أربعة مجسمات على شكل جواهر يعلو سطحها وحدات هندسية تعمد المصممون عدم تناظرها بشكل رتيب أو ممل، فبدت تضج بالحياة وكأنها نبض آدمي على سطح معدني معشق بالزجاج. وانسجاماً مع رسالة المركز الثقافية في تكريس الثقافة العربية، فقد أدخلت الحروف العربية في تشكيل زخرفي متميز على زجاج باب قاعة دخلية وزوايا أخرى في المركز، الأمر الذي كساه بمالية عريقة.
يوجد في داخل المركز عدد من المسارح والقاعات، التي خصصت لتتناسب مع طبيعة النشاط الذي سيقام عليها، فهناك مبنى المسرح وقد «صُمم لاستيعاب الإنتاجات الكبيرة كالأوبرا والأعمال الموسيقية والراقصة والباليه، بالإضافة إلى فعاليات أخرى تتماشى مع روح المسرح».
كما يوجد مسرح الدراما، وهو كما جاء في تعريف المركز له مساحة حميمية صُممت لاستضافة العروض المسرحية والمسرح الغنائي بتقنيات عالية تتناسب مع متطلبات المسرح العالمي.
وهناك مسرح الاستديو، ويعرفه المركز بأنه «فناء منظم يحتوي على مدرجــــات قابلـــــة للطـــــي، لاستخدامها لفعاليات عديدة، كما أنها تتحول إلى أرضية مسطحة صالحة لحفل استقبال كبار الشخصيات أو الجهات الراعية».
ويوجد أيضاً قاعة الحفلات الموسيقية، وهي قاعة للحفلات الموسيقية مصممة لاستيعاب الفرق الموسيقية المحلية والإقليمية والعالمية بتقنيات صوتية وضوئية حديثة.
وفي داخل المركز أيضاً القاعة المستديرة أو مبنى الموسيقى، وهي قاعة صغيرة تمتاز بالأجواء الأقل رسمية، توفّر مساحة شاعرية لعارض واحد أو مجموعة صغيرة».
وهناك قاعة متعددة الأغراض في مبنى المؤتمرات، وهي عبارة عن قاعة كبيرة متعددة الأغراض مع خيارات مرنة للجلوس، مصممة لاستضافة المؤتمرات والفعاليات المحلية والعالمية إلى جانب المؤتمرات التي تعدها الشركات والمؤسسات الخاصة.
ويوجد أيضاً «قاعة الندوات»، وقد تم تصميم هذه القاعة لاستضافة المحاضرات والندوات وغــــيرها من الفــــعاليات، حـــــيث يمكــــن إعادة تشكيلها حسب الاحتياجات المطلوبة.
ثم السينما «المخصصة للعروض السينمائية، وكذلك يمكن استخدامها كمسرح للمحاضرات، وتحتوي على أحدث التقنيات الرقمية الخاصة بالعروض السينمائية. والنافورة الراقصة التي تعمل على أنغام الموسيقى.
بهذه التنويعة الهائلة من المسارح والقاعات، فإن المركز يكون قد أحاط بجميع الفنون الإبداعية بشكل تقني متطور وحديث. والأهم من ذلك ربما، أن التصميم يراعي إلى جانب النواحي الفنية، المشاعر المصاحبة لكل نوع من أنواع التأثير الذي تتركه هذه الأنواع الإبداعية في نفوس الزائرين، فالإيحاء الذي تمنحه القاعات للزائر يجعله يعيش في جو العروض أو الندوات أو الأمسيات المُقدمة في هذه المرافق الأنيقة. وبذلك تكون هذه القاعات والصالات والمسارح مدروسة أيضاً من الناحية النفسية، بحيث يتوغل الفكر البشري الإبداعي إلى أعماق المتلقي بأجواء خيالية. 
وهذا يأخذنا إلى اتجاه جديد نتساءل من خلاله عن الأهداف والرسالة التي يود مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي إيصالها للمجتمع. وسننقل هذه التوجهات كما وردت في توجهات المركز «مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي هو منبر للتبادل الثقافي والبيئة التي تحتوي الجميع في جميع المجالات الثقافية والفنية والأدبية ومحطة الإبداع والتفكير الحر في دولة الكويت والوطن العربي واستحضار الهوية الكويتية وإعادة تشكيلها من خلال الوسائل الإبداعية الحديثة. 
يهدف مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي إلى توظيف روح الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، المتمثلة في الديمقراطية والاحترام والتفاني من أجل تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية. وطالما كانت دولة الكويت صاحبة السبق في الثقافة والفنون والآداب، نود من خلال هذا المركز الوصول إلى العالمية من خلال التمسك بجذور هويتنا الكويتية والمساهمة في تطويرها. أما الرؤية فهي المساعدة في اكتشاف ماضي دولة الكويت، وصناعة حاضرها ومستقبلها، حيث تكون منصة للإبداع الثقافي على المستويين المحلي والعالمي».

يوم الحضارة الجديدة
أطل يوم 31/10/2016 حاملاً شمساً جديدة في أفق دولة الكويت. ذاك التاريخ سيحتل السطر الأول في سجل ثقافة البلاد المعاصرة. فالرجل الذي أسس الثقافة والإعلام الحديثين في دولة الكويت، هو نفسه مَن افتتح أكبر وأهم صرح حضاري فيها. 
في ذاك اليوم، شمل حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت برعايتـــــه وحضوره افتتاح مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي. وبخطوته هذه يكون صاحب السمو قد وضع البوصلة الأكيدة باتجاه طريق نهضة ثقافية جديدة في تاريخ البلاد... نهضة تمتد جذورها عميقاً في ماضٍ زاخر بالدأب والاجتهاد إلى أن راحت الجذور ترسل نسغ الحياة إلى الجذع ثم الأغصان.
في صباح ذاك اليوم، حضر صاحب السمو وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وعدد كبير من قيادات الدولة، إلى المركز وكعادة صاحب السمو في تثمين جهود الآخرين، فقد بعث ببرقيات إلى الذين أسهموا في بزوغ فجر هذا الصرح إلى حيز الواقع، وظلت كلمات هذه البرقيات شاهدة على جهود هؤلاء، حيث قال سموه: 
«هذا الصرح الثقافي المتميز بحلته العمرانية الجميلة وفخامة مبانيه البديعة وموقعه في قلب العاصمة، والذي هو محل إعجاب الجميع، يمثل أحد شواهد مسيرة الوطن الحضارية والعمرانية والثقافية والتنموية التي يشهدها وطننا العزيز، وسيكون مركزاً يعزز ويكمل المسيرة الفكرية والثقافية والفنية في الوطن الغالي، ومعلماً ثقافياً وسياحياً بارزاً يستقطب المواطنين والمقيمين والزائرين».
ولتوثيق المناسبة، نذكر مقتطفاً مما قاله أيضاً نائب وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي الجراح: «إن هذا المركز الذي يحمل اسم سمو أمير القلوب الراحل يعد مفخرة من مفاخر الكويت وسيكون له أثره البالغ في تطوير مجالات الثقافة لدى الأجيال، حاضرها ومستقبلها، وجعل مجتمع الكويت ثقافياً أكثر حيوية ونشاطاً، كما أنه سيعمل على غرس محبة الكويت وروح المواطنة المخلصة في قلوب الأجيال المتعاقبة».
في يوم الافتتاح، عرض فيلم وثائقي عن مركز الشيخ جابر الأحمد، وما يحتويه من مسارح وقاعات ومرافق أخرى، وجرى تقديم حفل أوبرالي للفنان العالمي أندريه بوتشيلي، وأعمال غنائية متميزة للفنانين عبدالله الرويشد ونوال الكويتية ونبيل شعيل، ومشاهد تمثيلية للفنانين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وسعاد عبدالله وحياة الفهد. كان يوماً امتزجت به ذكريات الرعيل الأول مع أفكار الجيل الشاب. 

صاحب السمو يدوّن كلمته في سجل المركز وإلى جانبه الشيخ خالد العبدالله الصباح الناصر الصباح رئيس المراسم والتشريفات الأميرية في الديوان الأميري

لقاء التراث بالمعاصرة في لوحة قُدمت على مسرح المركز في يوم الافتتاح

إيقاعات عالمية أثارت دهشة الحضور