قدمت أشهر برنامج عربي للأطفال ماما أنيسة: اختارني التلفزيون فكرّست حياتي من أجله

قدمت أشهر برنامج عربي للأطفال ماما أنيسة: اختارني التلفزيون  فكرّست حياتي من أجله

ماما أنيسة، وما أدراك ما ماما أنيسة؟ هي أنيسة الأطفال في الكويت منذ مطلع ستينيات القرن الفائت وحتى اليوم، وهي أنيسة الكبار، كلّ الكبار في الكويت ومحبوبتهم، الذين أصبحوا آباء لأطفال أو أجداداً لأحفاد، لأنهم ببساطة كانوا أطفالاً بالنسبة إلى ماما أنيسة. أمّ كلّ الكويتيين وكلّ من عاش على أرض الكويت لأجيال عدّة. مثل نصب تذكاري في مياه الزمن الجميل كان صوتها الملائكي الخالد، الصوت المتدفّق مثل حنان خالص، والممزوج ببهجة طفوليّة تذوب في الأطفال.

أما وجهها الذي يذكّر بملكة مثل كليوباترا، ثقافتها بأمومة بهية، عيناها اللتان تشعّان طوال عقود بالفرح، ظهورها المميز على الشاشة، بالأبيض والأسود، ثم بالألوان، فقد جعلتها معلماً من معالم الكويت، وماركة مسجّلة بعمر التلفزيون منذ انطلاقته الأولى.
 أحبها الأطفال وأمهاتهم وآباؤهم... أحبها الجميع، وأنس بقرب حضورها الجميل جميع أطفال الكويت لأجيال. لـ«العربي» مع الجميلة ماما أنيسة هذا اللقاء الأجمل: 
< كيف جاءت فكرة التلفزيون بالنسبة إلى ماما أنيسة؟ هل كان يوماً ما حلماً بالنسبة لك؟
-  لم يكن لدينا فكرة في البدايات عن التلفزيون في الكويت، فقد ذهبت في بعثة دراسية إلى بريطانيا للتعليم، وهناك شاهدت التلفزيون واستمعت إلى الإذاعة، وشاهدت أيضاً التلفزيون في مصر والدول الأوربية التي زرتها. لكن لم يخطر في بالي أن أعمل في التلفزيون الذي كان في ذلك الوقت مثيراً للجميع بالطبع. 
فقد تم إيفادي في بعــــثة دراســـية إلى بريطانيا بقصد التعليم في عام 1960، أي في الوقت الذي بدأ التلفزيون بثه لدينا. وكانت البداية في إحدى المرات عندما ذهبت إلى مصر لحضور مؤتمر للأطفال ضمن وفد كويتي رسمي. وكنا آنذاك في مدينة الإسكندرية الجميلة، يومها تمّ انتدابي أول مرة لتقديم برنامج أطفال. 
وتضيف ماما أنيسة بوجه استعارت ملامحه إشراقة الزمن الجميل: 
- في الحقيقة وحتى هذه اللحظة، لا أعلم لماذا توجهت للتلفزيون والتخصص في برامج الأطفال، فقد كانت مجرد اختيارات الناس من حولي وقد لاقت هذه الاختـــيارات هوى في نفسي. أتذكّر أن مدير التلفزيون وقتها كان خالد المسعود، وهكذا اختاروني لتقديم برامج للأطفال. 
تحدثــــت بهذا الموضـــــوع مع شقيقي عبدالكريم الذي ذهب إلى الوالــــد مستأذناً، وقـــــال له إن أنـــيسة ليس لديها أولاد، وتم اختيارها من قبل التلفزيون لكي تكون أمّاً لأطفال الكويت. فوافق الوالد بكلّ أريحية، وقال يومها: «أوافق طالما أن إخوانها راضيين عمّا سوف تفعله». وهكذا أصبحت في يوم وليلة أول وجه نسائي كويتي يظهر على شاشة التلفزيون الكويتي.
< هل كانت علاقتك بالأطفال هي الدافع لقبولك تقديم البرامج في التلفزيون، وليس فكرة الظهور على الشاشة بحدّ ذاتها؟
- كنت أحب التعامل مع الأطفال وأعرف جيداً كيف أتعامل معهم. وهكذا كانت البداية جميلة، وهي حتى الآن جميلة، ومع زيادة الخبرة في التعامل مع الأطفال ازداد شغفي بالحوار معهم.
< هل كان هناك نموذج ملهم بالنسبة لك استلهمت منه حضورك وأداءك في التقديم المميز الذي لا نظير له على الشاشة، وهل تعتقدين أن الأجيال الجديدة استلهمت منك شيئاً؟
- لم يكن هناك أحد. وحتى الآن لا يوجد من يقلدنا. لأننا في نظرهم أقدر وأجمل، والأجيال تغيرت وكذلك الظروف. ففي أيامنا لم نكن نكترث بالجمال، وأن نظهر بصورة جميلة، وكان الأهم بالنســـــبة لنا أن نظهر بصورة لائقة، وإلا لما استمرت ماما أنيسة حتى الآن. أعتقد أن الجميع حتى يومنا هذا يحب ماما أنيسة، بما في ذلك الأمهات والآباء، يحبونها ويحرصون على متابعتها.
< هل أثّرت في جيل من المذيعات؟
- بصراحة، لا أعرف إن كنت أثرت في جيل أم لا، لكن الذي أعرفه أنهنّ أحببن ماما أنيسة، بل كل المذيعين كانوا يرتاحون إلى ماما أنيسة والعمل معها.
وتضيف متذكّرة هذه البدايات:
لقد شاهدت التلفزيون في لندن قبل أن أظهر على شاشة تلفزيون الكويت، وكنت ألاحظ أنهم  يحافظون على مستوى من الاحترافية والإتقان يجعلهم دائماً هادئين في أثناء العمل، لكن الصورة لدينا كانت مختلفة، فعندما كنا نسجل البرنامج كنت أرى الجميع متوتراً... المخرج متوتر، والطاقم متوتر، وأعتقد أنني بفضل هذه الخبرة لم أكن أتوتر عند التسجيل إطلاقاً، هذا ما تعلمته في بريطانيا. ففي إحدى المرات هناك كان لدينا حلقة عن الأطفال وعن الطبيعة والحيوانات، وكنت أنتظر المذيعة لكي تدخل، وعندما دخلت كانت بسيطة جدّا، وغير متكلّفة، كــــما لم أشـــاهـــــــــد المـــــخــرج أو المـــصور يصرخ. 
وعندما أخطأت المذيعة في التقديم كان الوضع عادياً، وقام المخرج بتوجيهها بكلّ هدوء. وهذا كان الفرق بيننا وبينهم، فالحياة تختلف في أثناء العمل.
< ألم تفكّر ماما أنيسة في تقديم برامج أخرى غير برامج الأطفال؟
- عرض علي عديد من برامج الكبار لكي أقدمها على الشاشة، والحقيقة أنه لم يكن لديّ استعداد لتقديم برامج تلفزيونية لغير الأطفال، فقد كنت أشعر بأهمية الرسالة التي أوجهها للأطفال من خلال برامجي، وأردت التركيز في هذا الموضوع.
< ما رأيك في برامج الأطفال الموجودة الآن؟
- أنا لا أعطي نفسي الحق بأن أقيّم الآخرين، ولكنني أستطيع القول بأن لكلّ زمان دولة ورجالاً. فمنذ بدايتي حتى الآن لم يتغيّر أسلوبي، ولم يتغير عليّ الأطفال أنفسهم، فالأطفال أحباب الله. 
ولكن اهتمامات الأطفال هي التي تغيرت، فالأطفال في السابق كانوا يهتمون بالكتاب، وهذا تغيّر الآن مع الأسف، وبالتالي لابد أن تؤثر هذه المتغيرات على طبيعة البرامج الموجهة للأطفال.
 < ماما أنيسة أثّرت في أجيال كاملة منذ طفولتهم، فمن يا ترى الشخص الذي أثّر في ماما أنيسة؟ 
- تأثّرت كثيراً بسير الصحابة الكرام رضي الله عنهم، كما تأثرت ببعض الشخصيات المشهورة في فترة ما قبل الإسلام. لكن يبقى القرآن الكريم دوماً بالنسبة لي النبراس الخالد، ليس لي وحدي بل لنا جميعاً. فأنا عاشقة منذ صغري وأنا عاشقة للقراءة عموماً، وقارئة للقرآن الكريم خصوصاً، وهو مصدر أساسي للمعلومات التي أمتلكها، وملهم مستمر لي. كما أنني أبحث دوماً عن كتب جديدةً وقديمة في معارف متنوعة وخصوصاً في مجال التخصص.
تضيف ماما أنيسة وهي تتذكر أيضاً البدايات الأولى:
في بداياتي كنت أقدم برامج للأطفال وأعمل في التدريس، وكنت أرتدي العباءة خارج التلفزيون، ولكن بعد مضي عام على بداية عملي تفرّغت للتلفزيون. وكان البرنامج يقدم في البداية من وزارة التربية، ثم انتقلت من عملي في إدارة النشاط المدرسي، لأصبح في رئاسة قسم الإذاعة والتلفزيون، والحمد لله كان الجميع متفهّماً لطبيعة دوري وعملي، سواء المسؤولون في الإذاعة أو التلفزيون.
< هل تعتقدين أن جزءاً من الرسالة في برامج الأطفال يكمن في تثقــيف الطفل ورعاية موهبته؟
- عندما كنت أدخل المدارس من أجل تسجيل الحلقات الخاصة ببرنامجي وأرى المواهب، كنت أتمنى أن يكون هناك من يرعى هذه المواهب، لكن مع الأسف لم يتوفر من يرعى هذه المواهب. 
كما لا يوجد اهتمام بالمعلّم أو بالطرق العلمية التي تعرفها دول العالم المتقدم، كما تفعل اليابان التي تقدّر التعليم والمعلّم، وكذلك الدول المتقدمة مثل فنلندا. فاليابان حتى هذا اليوم عندما تتعرض لزلازل تمحو المدينة بأكملها، فلا تمر ثلاثة شهور حتى يتم الإعمار وبقوة وتتم إعادة بناء كل ما تم تدميره في وقت قياسي، وهذا يعود إلى الاهتمام بالتعليم والعلوم.
 كان كل أطياف المجتمع من أحبابي ويتابعونني، لكن الأطفال في الوقت الحالي ابتعدوا عن شاشة التلفزيون، وأصبحت الأجهزه الحديثة، مثل التليفون الذكي، والآيباد والكمبيوتر، تأخذ من اهتمام الأطفال كثيراً، ولكن على الرغم من كل شيء فهناك من لايزال يتابع برامج الأطفال.
< ما الأشياء التي تحبها ماما أنيسة وتهتمّ بها بعيداً عن برامج الأطفال؟
- أحب سماع الموســــيقى الكلاسيكية، وأعشق القصائد المغنّاة بصوت محمد عبدالوهاب. كما أحب أم كلثوم وأعشق كلّ أغانيها، وأسمعها حتى يومنا هذا. ومن ذكرياتي مع أم كلثوم وأغانيـــــها الخالدة أنني حضرت آخر حفلة أحيتها في القاهرة مصادفة، حيث كنت موجودة هناك. بالإضافة إلى ذلك فأنا أحب متابعة الأفلام العربية القديمة، وأيضاً الأفلام الرومانسية التي تحمل معاني إنسانية جميلة.

سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مستقبلاً ماما أنيسة  (صورة أرشيفية)

ماما أنيسة مع الزميلة هيا محمد