تاريخ الترجمة العربية ومشاريعها الكبرى

تاريخ الترجمة العربية ومشاريعها الكبرى

بدأت حركة الترجمة إلى اللغة العربية على شكل نشاط فردي لبعض أمراء بني أمية في القرن الهجري الأول، حيث يشير ابن النديم إلى أن الأمير خالد بن يزيد بن معاوية (85 هـ)، هو أول من ابتدأ الترجمة في الإسلام، كما بدأت الترجمة من العربية إلى غيرها في وقت مبكر، خاصة ترجمة القرآن الكريم إلى لغات الشعوب الجديدة التي اعتنقت الإسلام، كما فعل ابن يسار الأسواري الذي كان يترجم القرآن الكريم من العربية إلى الفارسية.

يُعد نقل الدواوين من الفارسية إلى العربية أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، أهم عمل ترجمي، لكن هذا العمل - لأسباب كثيرة - سيتوج بتأسيس مدرسة بغداد (بيت الحكمة) في عهد المأمون في القرن الثالث الهجري. وقد مست الترجمة ثقافات عدة؛ منها الثقافة النبطية واليونانية والفارسية والهندية.
ومن أشهر المترجمين ابن المقفع، ومن ترجماته كتاب «التاج»، وهو في سيرة أنوشروان، وكتاب «الأدب الصغير»، و«الأدب الكبير»، وكتاب «رسالة الصحابة»، وكتاب «خداي نامة» (كتاب الملوك)، الذي يتحدث عن تاريخ الفرس، وكتاب «آيين نامة»، الذي يتناول عادات ونظم وشرائع الفرس. ولم تقتصر ترجماته على اللغة الفارسيّة، وإنّما اليونانيّة أيضاً، إذ تنسب إليه ترجمة كتب أرسطو في المنطق. 
ويذكر أن الكتب التي ترجمها ابن المقفع فُقدت في الغالب، فتعدّ ترجماته العربيّة لها المصادر الوحيدة المتبقية.
ويُعتبر عصر المأمون أزهى عصور الترجمة عند المسلمين، وكان هو نفسه مشغوفاً بالعلم، وعقد المناظرات والمناقشات العلمية، وهو أول من اهتم بترجمة كتب الحكمة. وبعث بالهدايا إلى ملوك أوربا لإرسال كتب اليونان، وأمر بترجمتها ونشرها بين الناس.
وقد شكل حُنين بن إسحاق علامة فارقة في الترجمة العربية، حيث كانت قبله تتم بطريقةٍ حرفية، أما هو فقد اعتمد طريقة فهم الجملة كاملة، ومن ثم ترجمة معناها بالمجمل. كما قام بما يشابه ما نسميه اليوم بتحقيق النصوص عن طريق مقارنة المخطوطات ومراجعة الترجمات السابقة.
كان حنين يجيد اليونانية والسريانية والفارسية، وكان رئيس بيت الحكمة، وروي أن المأمون كان يهديه وزن ما يترجم ذهباً. وقد نقل 39 من مؤلفات جالينيوس إلى العربية. 
كما ترجم سبعة من كتب سقراط، وترجم التوراة من اليونانية إلى العربية. كما نقل مئة كتاب إلى اللغة السريانية. وترك إرثاً غنياً يضم 270 كتاباً مترجماً و15 من تأليفه. ولم يقتصر دوره على الترجمة، وإنّما قام بتدريسها أيضاً.
ومن تلامذته ابن أخته حبش بن الحسن الأعسم، الذي ترجم عدداً من كتب جالينيوس، وترجم كتاب ديسقوريدس «الأقراباذين»، الذي يتناول علم النباتات، ويعد أصل علم العقاقير عند العرب.

سُبات ويقظة
وكذلك ابنه اسحاق بن حنين الذي فاق والده في اللغة العربية، ترجم الطبّ والفيزياء والفلسفة اليونانية إلى العربية، وتمتاز ترجماته بالدقة التي تدل على فهم عميق لفكر أرسطو.
وفي نهاية القرن العاشر برز عديد من المترجمين مثل متّى بن يونس، وسنان بن ثابت، لكن عملية الترجمة عرفت سباتاً طويلاً خلال عصور الانحطاط، لتبدأ من جديد مع حركة التعريب والترجمةِ عن اللغاتِ الأوربية في عصر النهضة العربية.
وكان النقلة المحدثون قد عنوا في بدايةِ الأمرِ بالعلومِ؛ كالطبِ والطبيعياتِ والرياضياتِ، واشتهر بذلك طلابُ مدرسةِ الألسنِ التي كان يديرُها الطهطاوي، ثم أفراد من سورية ولبنان من ذوي الاطلاعِ على اللغاتِ الأوربيةِ.
أما العلوم الاجتماعيةِ والآدابُ فقد اتجهت إليها هممُ النقلةِ في النصفِ الأخيرِ من القرنِ الماضي، بدأت بترجمةِ الطهطاوي للدستورِ الفرنسي، كما تمّت ترجمةُ عديد من الأعمالِ الطبية والتاريخية والفلسفية والجغرافية والأدبيةِ، ومنها ترجمة مغامرات تلماك، وقد ساعده عدد من زملائه وتلامذته في مدرسة الألسن كأحمد الراشدي وخليفة محمود ومحمد مصطفى البياع.
كما ترجم سليمان البستاني الإلياذة لأول مرة إلى العربية، وترجمت الأعمالَ المسرحيةَ خاصة مع مارون النقاشِ في لبنان (مسرحية البخيل لموليير)، وأنطون الجميل في مجلتِه «الزهور»، حيث عكف على ترجمةِ كثيرِ من آثارِ الآدابِ الأوربيةِ، وصديق شيبوب الذي كتب كثيراً في جريدةِ «البصير» و«الرسالة»، حيث قدم مئاتِ الكتبِ العربيةِ ملخّصةً عن اللغاتِ الغربيةِ.

مظاهر تأثير الترجمة
وقد عكف العقادُ على التعريفِ بمذاهبِ الغربِ وفلسفاتِه وعباقرتِه، كما نجد في كتابِ «ساعاتٍ بين الكتب» وترجماتُ المنفلوطي لروائعِ الأدبِ الغربيِّ «ماجدولين» و«الشاعر» و«الفضيلة». 
وكانت نتيجة ترجمة الآلاف من الروايات والقصص والقصائد إلى العربية كانت بداية لظهور الرواية العربية («زينب» لمحمد حسين هيكل 1914 و«القطار» لمحمود تيمور، وظهور شعر التفعيلة بعد ترجمة علي أحمد باكثير مسرحية روميو وجولييت). 
لقد أُنشئت مؤسسات عدة للاطلاعِ على الثقافةِ الغربيةِ، وفي مقدمتِها دارُ الكتبِ المصريةِ سنة 1870م، كما أُسست المطابعُ الأهلية وأنشئت مصانعُ الورقِ. وقد حصر عبدالواحدِ وافي مظاهرَ تأثيرِ الترجمةِ في العربيةِ الحديثةِ في:
1 - اقتباس مفرداتٍ إفرنجيةٍ بعد تعريبِها للتعبيرِ عن مخترعاتٍ أو آلاتٍ حديثةٍ، أو مصطلحاتٍ علميةٍ أو نظرياتٍ أو مبادئَ اجتماعيةٍ أو أحزابٍ سياسيةٍ.
2 - ترجمةُ كثيرٍ من المفرداتِ الإفرنجيةِ الدالةِ على معانٍ خاصةٍ، تتصل بمصطلحاتِ العلومِ والفلسفةِ والأدبِ وما إلى ذلك، إلى مفرداتٍ عربيةٍ كانت تستعملُ من قبل في معانٍ عامةٍ، فتجردت هذه المفرداتُ من معانيها العامة القديمة، وأصبحت مقصورةً على المدلولاتِ الاصطلاحية.
3 - التأثرُ بأساليبَ اللغاتِ الإفرنجيةِ ومناهجِ تعبيرِها وطرقُ استدلالِها في المؤلفاتِ العلميةِ والقصصيةِ والأدبيةِ وفي الصحفِ والمجلاتِ.
4 - اقتباسُ كثيرٍ من أخيلةِ هذه اللغاتِ، وتشبيهها وحكمها وأمثاله، وما إلى ذلك. 
وقد أدى هذا الى غزو أبنية اللغات الأجنبية للغة العربية، وظهر ما يصطلح عليه الباحثون اليوم بالعربية المعاصرة، أو ما سماه اليازجي بـ «عربية الجرائد». وهي عربية متخمة بالمصطلحات المعرّبة أو الدخيلة وببنيات جديدة تخرق أحياناً قواعد التركيب العربي الفصيح.

مشاريع الترجمة العربية
لم تكن الترجمة إلى العربية في كثير من المحطات التاريخية مسألة اعتباطية تروم نقل المعارف والخبرات والثقافات الأخرى إلى اللغة العربية، بل كانت تحمل في كثير من الأحيان مشروعاً سياسياً أو فكرياً أو ثقافياً. وسنقف عند ثلاثة أمثلة للتدليل على ذلك، وهي: ترجمة ابن المقفع لكتاب كليلة ودمنة، وترجمة كتب أرسطو المنطقية، ثم ترجمة رفاعة الطهطاوي للدستور الفرنسي.

كليلة ودمنة وقيمة الطاعة
يرى كثير من الدارسين أن ابن المقفع كان أكبر ناشر ومروج للقيم الكسروية وأيديولوجيا الطاعة في الساحة الثقافية العربية والإسلامية، التي أصبحت قيماً أخلاقية ودينية تكاد تعلو على أي قيم أخرى، ليس فقط بسبب كثرة ما ترجم ولخّص وألّف، بل أيضاً بسبب صياغته العربية التي اعتبرت مثلاً أعلى في الفصاحة والبلاغة بعد القرآن الكريم، فكانت تؤخذ كنماذج لتعليم الكتابة، ومن ثم يتم تسريب قيمها إلى الثقافة والفكر بهدوء، وعلى غفلة من لاوعي قارئها.
ويكاد الباحثون يجمعون على أن أشهر الكتب وأصحها نسبة إلى ابن المقفع هي كتب الأدب الكبير والأدب الصغير ورسالة الصحابة وكليلة ودمنة. ويعد هذا الأخير أكثرها انتشاراً. فلماذا حظي هذا الكتاب بكل هذا الاهتمام؟ ولماذا اختار ابن المقفع ترجمة كتاب أدب وحكايات ذات أصل هندي إلى اللغة العربية، في حين كانت أغلب الترجمات من اللغة الأجنبية ذات طابع علمي وفلسفي، كالفلك والطب والرياضيات والمنطق، في حين أهملت ترجمة آداب اليونان وملاحمهم؟
نقل ابن المقفع كتاب كليلة ودمنة إلى العربية في القرن الثاني الهجري، الموافق للقرن الثامن الميلادي، بعد أن اطلع على النسخة الفارسية منه، حيث كان للكتاب أثر بالغ في نفسه، فقد كانت الحياة السياسية والاجتماعية للحكيم الهندي بيدبا مع الملك دبشليم مشابهة لعلاقته هو مع الخليفة المنصور.
فدبشليم ملك هندي طغى، فرأى بيدبا الفيلسوف رد هذا الطغيان بالنصيحة، لكن الملك اغتاظ وأمر بحبسه، ثم ندم على ذلك وأطلق سراحه، وعيّنه وزيراً على جميع البلاد، فأشاع العدل بين الرعية.
وكان يقول: «للملوك سَورة كسورة الشراب، وهي لا تفيق من السورة إلا بمواعظ العلماء وأدب الحكماء»، وقد طلب دبشليم من بيدبا أن يضع له كتاباً «يكون ظاهره سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية على طاعة الملك وخدمته، فيسقط بذلك عني وعنهم كثير مما نحتاج إليه في معاناة الملك». كان المنصور معروفاً بقوة بأسه وشدته على من يخالفه. فكان رهان ابن المقفع في اتجاهين؛ أحدهما يمثّله الجزء الهندي من الكتاب الذي يحذّر من مصاحبة السلطان ويندد بالطغيان، ويبيّن مصير الطغاة والظلمة، حتى يأمن شره ويتقي انتقامه. وثانيهما يمثله الجزء الفارسي من «كليلة ودمنة» الذي يمجد طاعة السلطان ويوضح طرق سياسة العامة وتأديبها، حتى يضمن عطفه ويقربه منه. فتميزت ترجمته بخصوصية الظرف الزماني والمكاني. لكن هذه الرهانات خابت كلها، بسبب سوء علاقة ابن المقفع مع بعض الولاة، فقتله والي البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن الملهب، بإيعاز من أبي جعفر المنصور، متهماً إياه بالزندقة.

أرسطو العربي... البرهان في مواجهة العرفان
يرجع ابن النديم ترجمة كتب الفلسفة والمنطق إلى اللغة العربية إلى حلم رآه المأمون. إذ رأى رجلاً أبيض اللون مُشرباً بالحمرة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا أرسطوطاليس. فسأله المأمون: ما الحُسن؟ قال: ما حَسُن في العقل. فقال المأمون: ثم ماذا؟ فقال أرسطو: ما حسُن في الشرع. قال: ثم ماذا؟ قال: ما حسن عند الجمهور. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم لا ثم. قال ابن النديم: «فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب. فكتب المأمون إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما عنده من مختار من العلوم القديمة المخزونة المدخرة ببلد الروم، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع».
ويرى الجابري، رحمه الله، أن العمل الذي قام به المأمون، والذي جنّد فيه الدولة وإمكاناتها من أجل استجلاب الكتب القديمة وترجمتها والإنفاق على ذلك بسخاء، لا يمكن أن يكون الدافع إليه مجرد حلم. بل إن هذا الحلم نفسه، إذا صح حصوله، إنما كان بسبب انشغال المأمون بذلك الأمر وليس سبباً له.
لقد كان الهدف من إرجاع مشروع ترجمة الفكر الأرسطي إلى حلم أو رؤيا هو شرعنة العمل وتأصيله، وإكسابه طابعاً إسلامياً «الرؤيا الصادقة»، خاصة أنه صاغها في إطار بياني يذكّر بحديث جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان والإحسان.
لكن ما هو المشروع الفكري والثقافي الذي كان المأمون يسعى إلى تحقيقه من خلال ترجمة أرسطو؟
يرى الجابري أن موضوع الحلم «ما هو الحسن؟» لم يكن هاجس المأمون، بل كان هاجسه الأول هو تحديد وسائل إدراكه، وبالتالي تحديد وسائل المعرفة. وإذا رجعنا إلى نص الرؤيا نجد أن هذه المعرفة تتدرج من العقل إلى الشرع ثم إلى الجمهور (والمقصود به الإجماع؛ أي الاجتهاد). 
وتشكّل العبارة التي ختم بها الحلم «ثم لا ثم» مفتاح هذه الرؤيا، وهي مصوغة في قالب تقرير ونفي؛ إذ تقرر هذه العبارة أنه ليس ثمة مصدر آخر للمعرفة غير العقل والشرع والاجتهاد الذي يرجع إلى هذين الأصلين، وتنفي مصدراً آخر للمعرفة كتلكم المصادر التي تعتمد العرفان، وهي معرفة تلقى في روع المتصوف أو الإمام من دون واسطة بيانية أو عقلية أو حسية. هذا العرفان الذي كان الإطار المرجعي للحركات المعارضة للعباسيين. فترجمة أرسطو، إذن، كانت ضمن استراتيجية لجأ إليها المأمون لمقاومة الأسس المعرفية للمعارضة السياسية التي لجأت إلى الفعل الثقافي بعد تعرّضها لنكسات وانكسارات عسكرية في مواجهة الدولة العباسية.

رفاعة الطهطاوي: الدستور الفرنسي 
فصل السلطة وسيادة الأمة
كان رفاعة الطهطاوي (1801-1873) شاباً أزهرياً أرسله محمد علي واعظاً وإماماً ضمن بعثة دراسية من البعثات العلمية التي توجهت إلى باريس مدة خمس سنوات، لكنه تحوّل إلى أنبغ طالب في البعثة، وأوسعهم معرفة، وأكثرهم تأثيراً في الفكر العربي الحديث، ليس فقط بسبب ما نقله من علوم ومعارف مختلفة إلى اللغة العربية، وترسيخه لكثير من هذه العلوم في الساحة العربية، وتثويره للغة العربية معجماً وصوراً وبلاغة وأساليب وأجناساً أدبية، بل لإحيائه فن الترجمة، وللمشاريع الفكرية والثقافية والمعرفية والسياسية التي كان يحملها فعله الترجمي.
كانت رهانات رفاعة الطهطاوي متعددة؛ بعضها مؤسساتي يسعى إلى تطوير الجيش والصناعة المصريين، وتحديث الإدارة وإصلاح التعليم، وبعضها معرفي يهدف إلى إعادة إحياء العلم العربي الذي انتقل إلى الغرب، وبعضها ثقافي يسعى إلى نقل كثير من المظاهر الثقافية الغربية في المأكل والملبس والمعاملة والفنون، كما أشار إلى ذلك في كتابه الشهير «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، أو «الديوان النفيس بإيوان باريس» (1834)، وبعضها سياسي كما هي الحال مع ترجمة كتاب «روح الشرائع» لمونتسكيو، وكتاب «العقد الاجتماعي» لجون جاك روسو، وترجمة «الدستور الفرنسي». 
فقد عاين الطهطاوي أحداث ثورة الشعب الفرنسي 1830م على الملك شارل العاشر، وسجّل غضب الجماهير وتحركاتهم المسلحة، ووصف انتصاراتهم ضد السلطة الحاكمة، وتكلّم عن السلطة الثورية المؤقتة التي أقاموها في الأحياء وتضامن الجيش معهم، راداً ذلك إلى فساد الحكم وطبيعته المطلقة. 
ولم يكن الطهطاوي مترجماً حرفياً، بل كان شارحاً وموضحاً وانتقائياً يركز على شرح بعض المحطات الأساسية والمبادئ العامة والمقاصد الكبرى في الدستور الفرنسي التي يمكن أن تستفيد منها أي أمة.
ويقول في مفتتح ترجمته: «والقانون الذي يمشي عليه الفرنساوية الآن ويتخذونه أساساً لسياستهم، هو القانون الذي ألّفه لهم ملكهم المسمى لويس الثامن عشر، ولايزال متبعاً عندهم ومرضياً لهم وفيه أمور لا ينكر ذوو العقول أنها من باب العدل. والكتاب المذكور الذي فيه هذا القانون يسمى الشرطة.  ومعناها في اللغة اللاتينية ورقة، ثم تسومح فيها فأطلقت على السجل المكتوب فيه الأحكام المقيدة، فنذكره لك، وإن كان أغلب ما فيه ليس في كتاب الله وسنّة رسوله ([)، لتعرف كيف قد حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد، وكيف انقادت الحكام والرعايا لذلك، حتى عمرت بلادهم، وكثرت معارفهم، وتراكم غناهم، وارتاحت قلوبهم، فلا تسمع فيهم من يشكو ظلماً أبداً، والعدل أساس العمران». وقد يكون هذا الأمر هو ما أثار سخط الخديوي عباس، وأمر بنفيه برفقة عدد من تلامذته إلى السودان وأغلق مدرسة الألسن، وشتت طلابها بين المدارس. مع العلم بأن الخديوي نفسه كان قد شجّع الطهطاوي على ترجمة مدونة القانون الفرنسي، خاصة القانون المدني والجنائي ■