تواشيح المنديل الأبيض

تواشيح المنديل الأبيض

لمَلمَ‭ ‬التاريخُ‭ ‬ما‭ ‬أبقاهُ‭ ‬

صار‭ ‬العمرُ‭ ‬كالذكرى‭ ‬المملةْ

لم‭ ‬يجدْ‭ ‬بَعدَ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحفلِ‭ ‬شيـئـاً

كل‭ ‬شيء‭ ‬صار‭ ‬صفراً

نَسيَ‭ ‬التاريخُ‭ ‬ظِلّهْ

هل‭ ‬وَجَدتَ‭ ‬الكانَ‭ ‬والكانَ؟‭! ‬

تَلاشتْ‭!‬

لم‭ ‬يجدْ‭ ‬مما‭ ‬تَبقَّى‭ ‬غَيرَ‭ ‬آثار‭ ‬سديمٍ

مَرَّ‭ ‬مِن‭ ‬خَلفِ‭ ‬المدينةْ

وشَظايا‭ ‬مِن‭ ‬رُؤى‭ ‬الصيفِ‭ ‬حَزينةْ

وشجوناً‭ ‬كان‭ ‬يَوماً‭ ‬قد‭ ‬شَكاهـا

لشراعِ‭ ‬البَحر‭ ‬والبَحرِ‭ ‬ورُبّان‭ ‬السَفينةْ

لم‭ ‬يَكن‭ ‬يُخفي‭ ‬حَنيـنهْ

غير‭ ‬أن‭ ‬البحر‭ ‬والربان‭ ‬ما‭ ‬ذاقا‭ ‬جنونهْ

كانَ‭ ‬يُدعى‭! ‬

هل‭ ‬سمَعتَ‭ ‬الناسَ‭ ‬يَدعونَ‭ ‬فلاناً؟‭!‬

أَمْ‭ ‬تُرى‭ ‬كانَ‭ ‬بهِ‭ ‬مَسٌّ‭ ‬مِن‭ ‬الجنِ‭!‬

ومُذ‭ ‬كانَ‭ ‬صَبياً‭ ‬

كانَ‭ ‬يَنعى‭ ‬حَظَّه‭ ‬المسكينَ‭ ‬لَم‭ ‬يُصبحْ‭ ‬نَبياً

هكذا‭ ‬كانتْ‭ ‬سجاياهُ

وكُلُّ‭ ‬الناسِ‭ ‬لا‭ ‬تَعلمُ‭ ‬ما‭ ‬كانَ‭ ‬وما‭ ‬صَارَ

ولا‭ ‬تَعرفُ‭ ‬شيئاً

غَير‭ ‬صَوتٍ‭ ‬كانَ‭ ‬يَدنو‭ ‬مِن‭ ‬بَعـيـدٍ

مِثلَ‭ ‬مِنديل‭ (‬نُـوار‭) ‬إذ‭ ‬تُشيرُ

القَمرُ‭ ‬المغرمُ‭ ‬في‭ ‬حُلّته‭ ‬الخضراءَ‭ ‬يَدنـو

كانَ‭ ‬طيـفاً‭ ‬أزهرَ‭ ‬الطلعةِ

عَيناهُ‭ ‬أساطيرُ‭ ‬مِن‭ ‬الغَيبِ‭ ‬وبَحرٌ

لا‭ ‬تَراه‭ ‬العـينُ

يَدري‭ ‬كم‭ ‬مِن‭ ‬الأزمانِ‭ ‬فاتَتْ

كم‭ ‬على‭ ‬الكُتْفِ‭ ‬مِن‭ ‬الأوزارِ‭ ‬والأسفارِ

والهجرةِ‭ ‬فيما‭ ‬يَعقبُ‭ ‬البَـرزخَ

والدُنيا‭ ‬متى‭ ‬صالتْ‭ ‬وجَالتْ،‭ ‬ثم‭ ‬زالتْ

ومتى‭ ‬أعطتْ‭ ‬زِمامَ‭ ‬البَحرِ‭ ‬للساري

وأرستْ‭ ‬في‭ ‬اشتهاءٍ‭ ‬يَخـتها‭ ‬يَوماً‭ ‬وقالتْ‭:‬

أيها‭ ‬الساري‭ ‬أنا‭ ‬طِفلتكَ‭ ‬السمراءُ

هَيّا‭ ‬ضُمَّني،‭ ‬خُـذني

وأغـرَتهُ،‭ ‬وزانتْ‭ ‬وتجـلّتْ،‭ ‬ثم‭ ‬هَمَّتْ

غير‭ ‬أن‭ ‬الطِفلةَ‭ ‬السمراءَ

ما‭ ‬أسرع‭ ‬ما‭ ‬مَلَّت‭ ‬وجَارتْ

واستدارَ‭ ‬الفَلَكُ‭ ‬السائرُ‭ ‬عَنهُ‭ ‬فاستدارتْ

كادَ‭ ‬يَبقى‭ ‬شاردَ‭ ‬الخطوةِ‭ ‬لا‭ ‬يَأويهِ‭ ‬جرفٌ

سَادرَ‭ ‬المنطقِ

لا‭ ‬يَقرأُ‭ ‬في‭ ‬صَفحتِه‭ ‬البَيضاءَ‭ ‬حَرفٌ

غَير‭ ‬أن‭ ‬الطودَ‭ ‬ما‭ ‬تَبرحُ‭ ‬في‭ ‬قَبضتهِ‭ ‬الموجةُ

يَلوي‭ ‬صَخَبَ‭ ‬البَحرِ‭ ‬فينداحُ‭ ‬ويَبقى‭ ‬

حَيثُ‭ ‬تأوي‭ ‬الطيرُ

والأجنـحـةُ‭ ‬البَيضاءُ‭ ‬تَمـتَـدُّ‭ ‬سِراعـاً

مِثل‭ ‬مِنديلِ‭ (‬نُوار‭) ‬إذ‭ ‬تُشيرُ

القُبّـة‭ ‬الزرقـاءُ‭ ‬تَمتدُّ‭ ‬وتَمتدُّ

خُزامى‭ ‬من‭ ‬رُبى‭ ‬الموعدِ‭ ‬تَخضَلُّ‭ ‬تِباعاً‭ ‬

ذلكَ‭ ‬الصَوتُ‭ ‬

يُباري‭ ‬قِممَ‭ ‬الريحِ‭ ‬عُـلـوًّا

ثم‭ ‬يَرتدُّ‭ ‬صداهُ‭ ‬

عِبرَ‭ ‬أجراسٍ‭ ‬يُحاكي‭ ‬سَاعةَ‭ ‬المحشَرِ،‭ ‬

يَدنو‭ ‬في‭ ‬حَنـينٍ

تُبـعَثُ‭ ‬الأمـواتُ

مِن‭ ‬قَبرٍ‭ ‬لقبرٍ‭ ‬يَعبرُ‭ ‬الضوءُ‭ ‬حَثيـثـاً

ثم‭ ‬في‭ ‬جَلوَة‭ ‬عشق‭ ‬يَتَبَدَى‭ ‬

ثم‭ ‬يَشتدُّ‭ ‬ويَكبرْ‭ ‬■