حكاية ليس لها نهاية

في‭ ‬زمان‭ ‬ما‭, ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ملك‭, ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬حاشيته‭ ‬يروي‭ ‬له‭ ‬الحكايات‭,  ‬وكان‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الراوي‭ ‬أن‭ ‬يحكي‭ ‬للملك‭, ‬كل‭ ‬مساء‭ ‬ثلاث‭ ‬حكايات‭ ‬كي‭ ‬يجعله‭ ‬ينام‭.‬

في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الملك‭ ‬أن‭ ‬ينام‭, ‬لأنه‭ ‬قضى‭ ‬يومًا‭ ‬متعِبًا‭, ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتّخذ‭ ‬قرارات‭ ‬هامة‭ ‬جدًا‭, ‬وأن‭ ‬يعدّ‭ ‬بعض‭ ‬الخطب‭ ‬التي‭ ‬سيلقيها‭ ‬على‭ ‬رعيته‭.‬

في‭ ‬مساء‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭, ‬أمر‭ ‬الملك‭ ‬الراوي‭ ‬أن‭ ‬يحكي‭ ‬له‭ ‬ثلاث‭ ‬حكايات‭, ‬ولمّا‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الملك‭ ‬أن‭ ‬ينام‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬الحكاية‭ ‬الثالثة‭, ‬قال‭ ‬للراوي‭:‬

‭- ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬حكاياتك‭ ‬قصيرة‭ ‬جدًا‭. ‬الآن‭ ‬أريد‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تحكي‭ ‬لي‭ ‬حكايةً‭ ‬طويلة‭, ‬وأنت‭ ‬تجيد‭ ‬فعل‭ ‬هذا‭. ‬اِحكِ‭ ‬لي‭ ‬حكاية‭ ‬تنسيني‭ ‬كل‭ ‬الهموم‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬تفكيري‭.‬

هنا‭ ‬راح‭ ‬الراوي‭ ‬يحكي‭:‬

‭- ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬اشترى‭ ‬تاجر‭ ‬ألف‭ ‬خروف‭ ‬من‭ ‬السوق‭, ‬وحين‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬النهر‭, ‬مع‭ ‬الخراف‭ ‬التي‭ ‬اشتراها‭, ‬كي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭, ‬أطلق‭ ‬صيحة‭ ‬ذهول‭:‬

‭- ‬لقد‭ ‬دمّرت‭ ‬الفيضانات‭ ‬الجسر‭!‬

لحظتها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المسكين‭ ‬يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يفعل‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ارتباك‭, ‬راح‭ ‬التاجر‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتّجاهات‭ ‬على‭ ‬ضفّة‭ ‬النهر‭, ‬فجأةً‭ ‬وجد‭ ‬جسرًا‭ ‬صغيرًا‭ ‬وضيّقًا‭, ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يتحمّل‭ ‬عبور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬خراف‭ ‬قي‭ ‬المرّة‭ ‬الواحدة‭. ‬عبرت‭ ‬الخراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأوليات‭, ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬عبر‭ ‬خروفه‭ ‬الرابع‭, ‬والخامس‭, ‬والسادس‭ ‬النهر‭, ‬عاد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬الخروف‭ ‬السابع‭, ‬فالثامن‭...‬

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬سكت‭ ‬الراوي‭: ‬لقد‭ ‬نام‭! ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬ينم‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلًا‭, ‬لأن‭ ‬الملك‭ ‬لكي‭ ‬يوقظه‭, ‬هزّه‭ ‬كأنه‭ ‬شجرة‭ ‬خوخ‭. ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬الراوي‭ ‬يفرك‭ ‬عينَيه‭ ‬من‭ ‬النعاس‭, ‬راح‭ ‬الملك‭ ‬يتثاءب‭ ‬قائلًا‭:‬

‭- ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنام‭, ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬الحكاية‭ ‬التي‭ ‬بدأتَ‭ ‬في‭ ‬حكيها‭, ‬لكن‭ ‬أسرع‭ ‬لأن‭ ‬النعاس‭ ‬بدأ‭ ‬يتمكّن‭ ‬مني‭!‬

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬راح‭ ‬الراوي‭, ‬الذي‭ ‬أيقظه‭ ‬الملك‭ ‬من‭ ‬النوم‭, ‬يقول‭ ‬بصوت‭ ‬كلّه‭ ‬نعاس‭:‬

‭- ‬اعذرني‭ ‬يا‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭, ‬فالنهر‭ ‬عريض‭ ‬جدًا‭, ‬والجسر‭ ‬ضيّق‭ ‬جدًا‭, ‬وقطيع‭ ‬الخراف‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭. ‬من‭ ‬فضل‭ ‬جلالتك‭ ‬تحلَّ‭ ‬بالصبر‭ ‬قليلًا‭! ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نمنح‭ ‬التاجر‭ ‬الوقت‭ ‬اللازم‭ ‬كي‭ ‬يجعل‭ ‬خرافه‭ ‬كّلها‭ ‬تعبر‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬الضفّة‭ ‬الأخرى‭, ‬وحين‭ ‬تكون‭ ‬خرافه‭ ‬الألف‭ ‬قد‭ ‬عبرت‭ ‬النهر‭, ‬سأواصل‭ ‬حكايتي‭!‬

‭- ‬أمممم‭! ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬منطقيًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭. ‬قالها‭ ‬الملك‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬يتثاءب‭ ‬من‭ ‬جديد‭, ‬لكن‭ ‬بصوت‭ ‬أعلى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭.‬

لِنمنح‭ ‬التاجر‭ ‬الوقت‭ ‬اللازم‭ ‬لكي‭ ‬يجعل‭ ‬خرافه‭ ‬تعبر‭ ‬فوق‭ ‬الجسر‭ ‬الضيّق‭ ‬ثلاثةً‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭, ‬وهكذا‭ ‬يكون‭ ‬لديك‭ ‬أيها‭ ‬الراوي‭ ‬الوقت‭ ‬لكي‭ ‬تستريح‭!‬

في‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الملك‭ ‬قد‭ ‬نام‭, ‬نام‭ ‬نومًا‭ ‬عميقًا‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬صوت‭ ‬الرعد‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوقظه‭ ‬من‭ ‬النوم‭.‬

ولأن‭ ‬الراوي‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬يحكي‭ ‬الحكايات‭ ‬نام‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬بجوار‭ ‬سرير‭ ‬الملك‭, ‬فلن‭ ‬نستطيع‭ ‬نحن‭ ‬أن‭ ‬نحكي‭ ‬لك‭ ‬نهاية‭ ‬الحكاية‭.  

رسوم: نهى الدخان