النوم ضروري لإنعاش الذاكرة

النوم ضروري لإنعاش الذاكرة

قرأت في العدد (571) يونيو 2006 من مجلة «العربي» مقال الدكتور محمد يوسف علوان تحت عنوان «في صحة النوم ثلث الحياة»، وأود أن أثني على ما ورد فيه من معلومات قيمة، خاصة أن الموضوع شائق، ولم تستطع الأبحاث حتى الآن الإحاطة بكل جوانبه، واسمحوا لي أن أقدم بعض الإضافات المفيدة في الموضوع.

مما لاشك فيه أن النوم ضروري للحياة لكن العلماء لم يجدوا حتى الآن الإجابة الأكيدة حول وظيفة النوم وسبب الحاجة إليه وماهية الأحلام التي نراها في منامنا، وقد ظهرت فرضيات عدة حول ذلك، لكن أحدًا لم يستطع جازما تأكيدها:

إحدى تلك النظريات نجمت عن مراقبة الكائنات الحية الأخرى، حيث لوحظ أن الحيوان الكبير يحتاج إلى وقت نوم أقل من الحيوان الصغير، فالفيل ينام ثلاث ساعات، بينما الفأر يحتاج لأضعاف هذا الوقت من النوم يوميا. فاعتقد العلماء أن النوم ضروري لترميم الأنسجة، لأن الاستقلاب عند الحيوانات الصغيرة أسرع منها عند الحيوانات الكبيرة. ونظام تجديد الخلايا ينشط أكثر في مرحلة النوم المترافقة مع حركة العينين غير السريعة، بل ويعتقد أنصار هذه الفرضية أن الأطوار الأربعة الأولى للنوم ملائمة لتكوّن الخلايا العصبية، لكن هذه الفرضية لم تستطع تفسير سبب النشاط الحاد للدماغ في الطور الخامس من النوم.

وهناك نظرية شائعة ومهمة تؤكد أن النوم ضروري لإنعاش الذاكرة وتقوية القدرة الذهنية، وبالتأكيد فإن الأشخاص الذين يأخذون قسطهم من النوم هم أقدر على حل المعضلات وفهم المسائل العلمية المعقدة. ويشرح المتحمسون لهذه النظرية ذلك بأن الدماغ أثناء النوم يقوم بترتيب المعلومات وتنظيمها بشكل منطقي، بحيث يسهل الاستفادة منها، وهو ما يعرفه مستخدمو الحاسب الآلي بعملية إلغاء التجزئة، ويؤكد أصحاب هذه النظرية أن أخذ قسط من النوم بعد جهد ذهني مرهق هو أفضل وسيلة لاستيعاب وفهم معلومات جديدة.

أما بالنسبة للأحلام فهي - حسب بعض العلماء - تجميع للأحداث التي تحصل معنا أثناء النهار بعد أن يرتبها الدماغ بشكل أفضل في الحلم ويعرضها علينا كما نتمناها، وهذا يساعد في تحديد شخصياتنا ويفسر علاقاتنا بالآخرين ولكن ألا نرى في الحلم كوابيس مزعجة؟ كما أننا نرى أحيانًا في أحلامنا أشخاصًا أو أماكن لم نعرفها من قبل، وهنا نذكر أن «فرنسيس كريك» يعتقد أن دور الأحلام هو التخلص من الارتباطات العصبية الزائدة، والناجمة عن النشاط الذهني المضاعف. وهذا يخالف رأي «فرويد» الذي يؤكد أن الأحلام تعبير عن رغباتنا المكبوتة، ونحن نعلم جيدًا أن محاولة التخلص من أمر ما، وإبعاده عن وعينا، يفتح الطريق لرؤيته في أحلامنا.

ولا نعلم تمامًا كيف يتصرف الدماغ أثناء النوم. ويعتقد أن القشرة الدماغية - هذا الجزء المسئول عن الوظائف المعقدة - تتوقف عن النشاط أثناء النوم. لكن الرأي القائل بأن النوم هو راحة للدماغ، قد دحض تماما منذ وقت طويل. حيث اكتشف العلماء أن الدماغ في بعض مراحل النوم يبقى فعالاً كما في حال اليقظة، كما تبين أن نوعًا من العصبونات (الخلايا العصبية) تنشط أثناء النوم لتهيئ للإنسان الولوج في مرحلة النوم العميق. ولم يعرف حتى الآن كيف تعمل تلك العصبونات، لكنه تم التأكد بأنها تنشط مع ارتفاع حرارة المحيط الخارجي، مما يفسر رغبتنا في النوم بعد حمام ماء ساخن أو عند الجلوس قرب منبع حراري. أما الطور الخامس فيأخذ شكلاً أكثر حدة، وترافقه حركة العين السريعة (الرأرأة) وبسبب انقطاع النائم عن محيطه الخارحي بالرغم من استمرار نشاط الدماغ، فقد اهتم علماء الأعصاب بدراسة الوعي الإنساني.

هشام نعسان الحمو - سورية