حكاية أم تتعلم كيف تعيش من غير أطفالها

حكاية أم تتعلم كيف تعيش  من غير أطفالها

تحصل‭ ‬النساء‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬حضانة‭ ‬الأطفال،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬دائماً‭... ‬أم‭ ‬تحكي‭ ‬كيف‭ ‬ضاع‭ ‬منها‭ ‬طفلاها،‭ ‬وكيف‭ ‬بدأت‭ ‬تلملم‭ ‬شتات‭ ‬حياتها‭ ‬وعلاقاتها‭.‬

عندما‭ ‬ينفصل‭ ‬الوالدان،‭ ‬تحصل‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬حضانة‭ ‬الأطفال،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬دائماً،‭ ‬إذ‭ ‬يؤْثر‭ ‬الأطفال‭ ‬أنفسُهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬أبيهم‭.‬

لكن‭ ‬كيف‭ ‬يؤثر‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الأم؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬بخلدها‭ ‬عندما‭ ‬تضيع‭ ‬منها‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادها؟‭ ‬وأي‭ ‬شيء‭ ‬تفعل‭ ‬لتعيد‭ ‬بناء‭ ‬حياتها؟‭ ‬ما‭ ‬نورده‭ ‬في‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭ ‬هو‭ ‬رواية‭ ‬إنسان‭ ‬واحد،‭ ‬التجربة‭ ‬الشخصية‭ ‬لأم‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬مضطرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭.‬

جميعنا‭ ‬تربطنا‭ ‬علاقة‭ ‬خاصة‭ ‬بأمهاتنا‭. ‬وكل‭ ‬امرأة‭ ‬جرّبت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أمّاً‭ ‬تعرف‭ ‬بأمر‭ ‬الصلة‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬بها‭ ‬حيال‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬حملته‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭. ‬فالأم‭ ‬وطفلها‭ ‬يظلان‭ ‬مرتبطين‭ ‬بآصرة‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تفرقت‭ ‬بهما‭ ‬السبل،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬انقطعت‭ ‬بينهما‭ ‬العلاقات‭ ‬اليومية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬روت‭ ‬أم‭ ‬ألمانية‭ ‬قصتها‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬زود‭ ‬دويتشي‮ ‬تسايتونج‮»‬‭ ‬الألمانية،‭ ‬فقالت‭: ‬مضت‭ ‬عليّ‭ ‬الآن‭ ‬سنتان‭ ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬الغابة‭ ‬السوداء،‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬أشعر‭ ‬أني‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬وأن‭ ‬الحياة‭ ‬تسري‭ ‬في‭ ‬عروقي‭. ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬أتساءل‭: ‬كيف‭ ‬واتتني‭ ‬بالضبط‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬باستمرار‭. ‬وكيف‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قاسيت‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬والذل‭ ‬والهوان؟

مضت‭ ‬عليّ‭ ‬الآن‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬طفليّ‭. ‬وكنت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬أدير‭ ‬أنا‭ ‬وزوجي‭ ‬السابق‭ ‬شركة‭ ‬صغيرة‭ ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬أنجبت‭ ‬خلالها‭ ‬طفلين‭. ‬سار‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭ ‬زمناً‭ ‬طويلاً‭. ‬كنا‭ ‬نقسم‭ ‬وقتنا‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬والبيت‭. ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نبدو‭ ‬كأسرة‭ ‬مثالية،‭ ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬تغيّر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

اقتحمت‭ ‬مشكلات‭ ‬العمل‭ ‬علينا‭ ‬داخل‭ ‬بيتنا،‭ ‬فقررت‭ ‬ترك‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬زوجي‭ ‬في‭ ‬الشركة‭. ‬لكن‭ ‬المشكلات‭ ‬ظلت‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬فكان‭ ‬الطلاق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنة،‭ ‬والعواقب‭ ‬كانت‭ ‬حتمية‭.‬

بعد‭ ‬طلاقنا‭ ‬عشت‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬مع‭ ‬طفلينا‭ ‬لمدة‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭ ‬السنة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬أما‭ ‬زوجي‭ ‬فانتقل‭ ‬ليعيش‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬ذاتها‭. ‬كان‭ ‬طفلانا‭ ‬يقضيان‭ ‬العطلات‭ ‬الأسبوعية‭ ‬معه،‭ ‬واعتدنا‭ ‬جميعاً‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجديد،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬الأخرى‭.‬

وبما‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬عاطلة‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل،‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬الرحيل‭ ‬مع‭ ‬طفلينا،‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬يبلغان‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬9‭ ‬سنوات‭ ‬و12‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬كنت‭ ‬أريد‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬فيها‭. ‬وتوخياً‭ ‬للعدالة‭ ‬مع‭ ‬زوجي‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬آنذاك‭ ‬نائياً‭ ‬بنفسه‭ ‬عنا‭ ‬ولا‭ ‬يبدي‭ ‬اهتماماً‭ ‬بالطفلين،‭ ‬أخبرته‭ ‬بنيّتي‭ ‬الرحيل‭ ‬قبل‭ ‬الموعد‭ ‬المقرر‭ ‬بستة‭ ‬أشهر‭.‬

بدا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬طبيعي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لاحظت‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬طفليّ‭ ‬بدآ‭ ‬يتصرفان‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬العدوانية‭ ‬تجاهي‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم؛‭ ‬إذ‭ ‬حاول‭ ‬زوجي‭ ‬السابق‭ ‬التأثير‭ ‬عليهما‭ ‬واستمالتهما‭ ‬لمنعهما‭ ‬من‭ ‬الرحيل‭ ‬معي‭. ‬كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان،‭ ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أقو‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬معهما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.‬

كانت‭ ‬أفعاله‭ ‬تبدو‭ ‬ملتوية‭ ‬ومليئة‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭. ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬ناجعة‭ ‬أيضاً؛‭ ‬إذ‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬دبت‭ ‬الجفوة‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬طفليّ‭. ‬بدا‭ ‬الوضع‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬نمارس‭ ‬لعبة‭ ‬‮«‬شدّ‭ ‬الحبل‮»‬‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭. ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬كان‭ ‬لتلك‭ ‬الجفوة‭ ‬تأثيرها‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬نفسي؛‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أستطيع‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬أتخلى‭ ‬عن‭ ‬طفليّ،‭ ‬مهما‭ ‬حاولت‭ ‬جاهدة‭.‬

استغل‭ ‬والد‭ ‬طفلي‭ ‬حالي‭ ‬تلك‭ ‬ليصورني‭ ‬كمريضة‭ ‬عقلياً‭. ‬ومن‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬العيش‭ ‬مع‭ ‬أم‭ ‬مريضة‭ ‬عقلياً؟‭ ‬بلغت‭ ‬الأحداث‭ ‬ذروتها‭ ‬في‭ ‬المحكمة،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬حصل‭ ‬زوجي‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬حضانة‭ ‬الطفلين،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الخير‭ ‬للطفلين‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يبقيا‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬ألفاها‭ ‬وألا‭ ‬يرحلا‭ ‬عنها‭ ‬مع‭ ‬أمهما‭.‬

كان‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة‭ ‬فاجعاً‭ ‬لي‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭. ‬لقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬حضانة‭ ‬الطفلين‭ ‬وحق‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرهما‭. ‬انهرت،‭ ‬لكن‭ ‬أحداً‭ ‬لم‭ ‬يبال‭. ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة‭ ‬طعن‭ ‬في‭ ‬مصداقيتي‭ ‬كأم‭. ‬كنت‭ ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة‭ ‬بحرماني‭ ‬من‭ ‬حضانة‭ ‬الطفلين‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬ضمنياً‭ ‬ارتكابي‭ ‬فعلاً‭ ‬بشعاً‭ ‬بحق‭ ‬طفليّ‭. ‬صار‭ ‬الحكم‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬في‭ ‬جبيني،‭ ‬فأحسست‭ ‬بالخواء‭ ‬والإنهاك‭ ‬والوحدة،‭ ‬شعرت‭ ‬بأنني‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الحضيض،‭ ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يرجوه‭ ‬زوجي‭. ‬كان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قد‭ ‬ضاع‭ ‬مني،‭ ‬وإلى‭ ‬الأبد‭. ‬وكان‭ ‬لزاماً‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أتكيف‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭.‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬تعقد‭ ‬المحكمة‭ ‬جلستها،‭ ‬كانت‭ ‬مصلحة‭ ‬رعاية‭ ‬الأطفال‭ ‬قد‭ ‬سألت‭ ‬طفليّ‭ ‬عمن‭ ‬يفضلان‭ ‬العيش‭ ‬معه،‭ ‬فاختارا‭ ‬أباهما‭ ‬بدلاً‭ ‬مني‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬موجعة‭ ‬بشدة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬آثرت‭ ‬ألا‭ ‬أباشر‭ ‬حقي‭ ‬في‭ ‬استئناف‭ ‬الحكم؛‭ ‬لأنني‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أجنّب‭ ‬طفليَّ‭ ‬ونفسي‭ ‬عناء‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭.‬

بحثت‭ ‬عن‭ ‬شقة‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬فيها‭ ‬كأسرة‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أدركت‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أتمكن‭ ‬أبداً‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬حياتي‭ ‬هناك؛‭ ‬فرحلت‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬البلدة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طفليّ،‭ ‬وعثرت‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬موطني‭ ‬الجديد‭.‬

كان‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أقضيه‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬الجديدة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬غرفتي‭ ‬أطفال‭ ‬مفروشتين‭ ‬وجاهزتين‭ ‬وقتاً‭ ‬مريعاً‭. ‬انزلقت‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬العميقة،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬لنفسي‭ ‬مخرجاً‭ ‬منها‭. ‬شعرت‭ ‬بأنني‭ ‬هُجرت‭ ‬وحيدة‭. ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬فعلاً‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمعارف،‭ ‬لكن‭ ‬حياتي‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬طفليّ‭. ‬بل‭ ‬وكنت‭ ‬أوشك‭ ‬أن‭ ‬أُحرم‭ ‬من‭ ‬حقي‭ ‬في‭ ‬رؤيتهما‭. ‬قيل‭ ‬لي‭ ‬إنهما‭ ‬لا‭ ‬يحبان‭ ‬زيارتي،‭ ‬وإن‭ ‬الرحلة‭ ‬طويلة‭ ‬جداً‭ ‬عليهما،‭ ‬وإنهما‭ ‬يشعران‭ ‬بالملل‭ ‬في‭ ‬بيتي‭.‬

تراجعت‭ ‬وتيرة‭ ‬الاتصال‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬طفليَّ‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭. ‬بل‭ ‬ومضت‭ ‬عليّ‭ ‬فترة‭ ‬كدت‭ ‬لا‭ ‬أراهما‭ ‬خلالها‭ ‬بالمرة؛‭ ‬إذ‭ ‬حدد‭ ‬زوجي‭ ‬رؤيتي‭ ‬الطفلين‭ ‬بحوالي‭ ‬سبعة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬السنة‭. ‬وعندما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬ونلتقي،‭ ‬كنت‭ ‬أتبين‭ ‬أن‭ ‬الطفلين‭ ‬ليسا‭ ‬سعيدين‭ ‬برؤيتي‭. ‬

لن‭ ‬تندمل‭ ‬الجروح‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬تماماً‭ ‬أبداً،‭ ‬لذا‭ ‬قررت‭ ‬تغيير‭ ‬حياتي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فرحلت‭ ‬إلى‭ ‬الغابة‭ ‬السوداء‭ ‬مع‭ ‬شريكي‭ ‬الجديد‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬وطّنت‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬طفلاي‭ ‬وقبلت‭ ‬واقع‭ ‬أنهما‭ ‬لا‭ ‬يزورانني‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أرادا‭ ‬ذلك‭ ‬ومتى‭ ‬أرادا‭. ‬قررت‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬طفليّ،‭ ‬لأنني‭ ‬أدركت‭ ‬أنهما‭ ‬قادران‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجدا‭ ‬طريقهما‭ ‬بنفسهما،‭ ‬وجعلت‭ ‬كل‭ ‬همي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬حضنهما‭ ‬الدافئ‭ ‬كلما‭ ‬احتاجا‭ ‬إليّ‭.‬

لقد‭ ‬مررت‭ ‬بتحول‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أيقنت‭ ‬أن‭ ‬أمامي‭ ‬خيارين‭: ‬إما‭ ‬أن‭ ‬أستسلم‭ ‬لليأس‭ ‬وأواصل‭ ‬الشعور‭ ‬بالقهر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فقدته،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬أنتشل‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الهوة‭ ‬السحيقة‭ ‬وأمضي‭ ‬في‭ ‬حياتي‭. ‬ويتطلب‭ ‬المسار‭ ‬الأخير‭ ‬قدراً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬القوة،‭ ‬لكن‭ ‬الميزة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬هي‭ ‬إمكان‭ ‬إضفائها‭ ‬على‭ ‬حياتك‭ ‬الجديدة،‭ ‬وهذه‭ ‬القوة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬مكّنت‭ ‬طفليّ‭ ‬ومكنتني‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭.‬

ساعدني‭ ‬بيتي‭ ‬الجديد‭ ‬ووظيفتي‭ ‬وشريكي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬امرأة‭ ‬مختلفة،‭ ‬وأداوم‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الاتصال‭ ‬بطفليّ،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تصالحت‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬وتقبّلته‭. ‬يبلغ‭ ‬ابني‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬الآن‭ ‬18‭ ‬سنة،‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬يحبني،‭ ‬وأنا‭ ‬أصدقه،‭ ‬وأشعر‭ ‬بأنني‭ ‬أحظى‭ ‬بالحب‭ ‬والتفهّم‭. ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬تغيير‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أضعناها‭ ‬ضاعت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬أما‭ ‬ابنتي‭ ‬فلها‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬الآن‭ ‬14‭ ‬سنة،‭ ‬وقد‭ ‬أقامت‭ ‬حفلة‭ ‬أخيراً،‭ ‬وأرادت‭ ‬مني‭ ‬حضورها،‭ ‬والمفاجأة‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬عيداً‭ ‬عائلياً‭ ‬جميلاً‭.‬

أنا‭ ‬فخورة‭ ‬بنفسي‭ ‬لصمودي‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الأحداث،‭ ‬وإنْ‭ ‬كنت‭ ‬أرجو‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬
عليّ‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬حياتي‭ ‬يوم‭ ‬ينظر‭ ‬فيه‭ ‬طفلاي‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬ويقولان‭: ‬‮«‬لم‭ ‬تكن‭ ‬شيئاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬
للعالم‭ ‬كله،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬بالنسبة‭ ‬
إلينا‮»‬‭ ‬.