القاتل والمقتول... في «مقصدي البوح لا الشكوى» لمحمد جبريل

القاتل والمقتول... في «مقصدي البوح لا الشكوى» لمحمد جبريل

كنت أتوقع أني سأكون أمام رواية بدرجة عالية من الإنسانية والجاذبية، كما عودنا الروائي الكبير محمد جبريل، وهذه الرواية تنسج وجعاً إنسانياً شفيفاً متقن الصنع، يختزن داخله فلسفة الحياة والموت، وما بينهما من تساؤلات وتفاصيل، وما أعمق أن تأتي تلك الفلسفة على لسان روائي تجاوز  الخامسة والسبعين من عمره المديد، وله من خبرة الحياة ما له.

تروي‭ ‬الرواية‭ ‬تجربة‭ ‬ربما‭ ‬يراها‭ ‬البعض‭ ‬مجرد‭ ‬تجربة‭ ‬مرضية‭ ‬قد‭ ‬يعيشها‭ ‬أحدنا‭ ‬أو‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ ‬جميعاً،‭ ‬وقد‭ ‬نتألم‭ ‬من‭ ‬مرارتها‭ ‬وقسوتها،‭ ‬لكن‭ ‬كاتبنا‭ ‬يفتح‭ ‬أمامنا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬طاقة‭ ‬نور‭ ‬لتأمل‭ ‬رحلة‭ ‬الإنسان،‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬مولده‭ ‬وحتى‭ ‬لحظة‭ ‬وفاته،‭ ‬وما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ - ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ - ‬بين‭ ‬اللحظتين،‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬ومرض،‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وضعف،‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬ونجاح،‭ ‬وما‭ ‬يكتسبه‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬نفسي‭ ‬وفكري‭ ‬وما‭ ‬يخسره‭ - ‬أيضاً‭ - ‬من‭ ‬مكاسب‭. ‬ولعلها‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬تتكئ‭ ‬فيها‭ ‬رواية‭ ‬تسجيلية‭ ‬لمحمد‭ ‬جبريل‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬مرضية‭ ‬بعد‭ ‬روايته‭ ‬التسجيلية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أصدرها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الحياة‭ ‬ثانية‮»‬،‭ ‬لتمثل‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬الرفيق‭ ‬الطيب‭ ‬للقارئ‭ ‬منذ‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬للأحداث‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭.‬

ويلخص‭ ‬كاتبنا‭ ‬ذلك‭ ‬الوجع‭ ‬الذي‭ ‬يجسد‭ ‬بنيان‭ ‬تجربته‭ ‬المرضية‭ ‬في‭ ‬جملة‭ - ‬هي‭ ‬من‭ ‬أبلغ‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ - ‬تمثل‭ ‬المحور‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬الرواية‭ ‬فيما‭ ‬تسجله‭ ‬وتوثقه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬تواصلت‭ ‬اللعبة‭ ‬القاتلة،‭ ‬القاتل‭ ‬هو‭ ‬أنا،‭ ‬والمقتول‭ ‬هو‭ ‬جسدي‭ ‬المسكين‮»‬‭ (‬ص20‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬تلك‭ ‬الانطلاقة‭ ‬المحددة‭ ‬يروي‭ ‬جبريل‭ ‬مأساة‭ ‬تجربته‭ ‬المرضية‭ ‬مع‭ ‬العمود‭ ‬الفقري،‭ ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬الإنسانية‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بشغاف‭ ‬قلوبنا‭ ‬وتأثيراتها‭.‬

وتعود‭ ‬مشكلة‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ - ‬كما‭ ‬يروي‭ ‬جبريل‭- ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬ترتبط‭ ‬بزمن‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الآلة‭ ‬الكاتبة‭ ‬قبل‭ ‬استخدامه‭ ‬جهاز‭ ‬الكمبيوتر‭ (‬ص18‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬ترتبط‭ ‬بعمله‭ ‬ككاتب‭ ‬وروائي‭ ‬وصحفي‭ ‬يفرض‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الجلوس‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬دون‭ ‬حركة،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬صلابة‭ ‬وحيوية‭ ‬العمود‭ ‬الفقري،‭ ‬وبتقدم‭ ‬السن‭ ‬وتأثيرات‭ ‬جاذبية‭ ‬الأرض‭ ‬يظل‭ ‬الجسد‭ ‬يقاوم‭ ‬حتى‭ ‬تتخاذل‭ ‬الساقان‭ ‬وتتورم‭ ‬القدمان‭ ‬ويحدث‭ ‬الانتفاخ،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مؤكد‭ ‬لمن‭ ‬يمضون‭ ‬معظم‭ ‬يومهم‭ ‬جلوساً‭ ‬على‭ ‬المكتب‭ (‬ص23‭)‬،‭ ‬مسجلاً‭ ‬أنها‭ ‬الضريبة‭ ‬التي‭ ‬يدفعها‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬صحته،‭ ‬وهل‭ ‬يدرك‭ ‬القارئ‭ ‬فداحة‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬برسالتهم‭ ‬التنويرية‭ ‬التي‭ ‬تماثل‭ ‬رسالة‭ ‬الأنبياء؟

لم‭ ‬يكن‭ ‬الوجع‭ ‬الذي‭ ‬يرويه‭ ‬جبريل‭ ‬مجرداً،‭ ‬بل‭ ‬يأتي‭ ‬مصاحباً‭ ‬لمفرداته،‭ ‬لتشمل‭ ‬أسماء‭ ‬أدوية‭ ‬وأطباء‭ ‬وعيادات‭ ‬طبية‭ ‬ومراكز‭ ‬تأهيل‭ ‬وأمراض،‭ ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬والأخطار‭ ‬التي‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها،‭ ‬وسلبيات‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬الحكومي‭ ‬والخاص،‭ ‬ومعامل‭ ‬التحاليل،‭ ‬واتحاد‭ ‬نقابات‭ ‬المهن‭ ‬الطبية،‭ ‬وأسس‭ ‬التشخيص‭ ‬الناجحة‭ ‬والعلاج‭ ‬دون‭ ‬تشخيص‭ ‬وروشتة‭ ‬الطبيب‭ ‬وغرف‭ ‬العمليات‭ ‬وحكايات‭ ‬البنج‭ ‬وألاعيب‭ ‬الأطباء‭ ‬والعلاج‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬الدولة‭ ‬والعلاج‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وفواتير‭ ‬المستشفيات‭ ‬الكاذبة‭ ‬وآلام‭ ‬رجل‭ ‬على‭ ‬المعاش‭ ‬والقوة‭ ‬الثانية‭ ‬والامتداد‭ ‬نحو‭ ‬الداخل‭ ‬وغيرها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬معايشته‭ ‬لمسميات‭ ‬تناثرت‭ ‬أمامه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الطب،‭ ‬مثل‭ ‬قياس‭ ‬النبض‭ ‬والضغط‭ ‬وقياس‭ ‬السكر‭ ‬والمخدر‭ ‬والأكسجين‭ ‬والمضاد‭ ‬الحيوي‭ ‬ووجع‭ ‬المفاصل‭ ‬والأشعة‭ ‬والأشعة‭ ‬المقطعية‭ ‬والإيكو‭ ‬والمجسات‭ ‬والمناظير‭ ‬والشاش‭ ‬والشاشات‭ ‬والمحاليل‭ ‬والتحليل‭ ‬والعينة‭ ‬والقسطرة‭ ‬والحقن‭ ‬وكيس‭ ‬المحلول‭ ‬والدرناقة‭ ‬والخراطيم‭ ‬والبغبغان‭ (‬وعاء‭ ‬البول‭) ‬والمناديل‭ ‬والبولينا‭ ‬والعيادة‭ ‬الخارجية‭ ‬وقسم‭ ‬الطوارئ‭ ‬والتأمين‭ ‬والتيبس‭ ‬والقدم‭ ‬الساقطة‭ ‬وهبوط‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية‭ (‬ص66‭)‬،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬يختصر‭ ‬معنى‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬دلالات‭ ‬مختزلة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إدراكها‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬عاشها‭ ‬وعاناها‭.‬

وحدد‭ ‬التشخيص‭ ‬مشكلة‭ ‬كاتبنا‭ ‬المرضية‭ ‬الأساسية‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬آلاماً‭ ‬أسفل‭ ‬الظهر،‭ ‬مع‭ ‬آلام‭ ‬بالطرف‭ ‬السفلي‭ ‬الأيمن‭ ‬مع‭ ‬ضعف‭ ‬بالقدم‭ ‬اليمنى،‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬انزلاق‭ ‬غضروفي‭ ‬بين‭ ‬الفقرة‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬الصدرية‭ ‬والفقرة‭ ‬الأولى‭ ‬القطنية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬لاستئصال‭ ‬الانزلاق‭ ‬الغضروفي،‭ (‬ص‭ ‬61‭)‬،‭ ‬والمعنى‭ ‬أن‭ ‬الغضروف‭ ‬خنق‭ ‬النخاع‭ ‬الشوكي،‭ ‬والنخاع‭ ‬الشوكي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجهاز‭ ‬العصبي‭ ‬المركزي،‭ ‬ينقل‭ ‬الإشارات‭ ‬العصبية‭ ‬من‭ ‬المخ‭ ‬إلى‭ ‬الأعضاء‭ ‬والعكس،‭ ‬ويقوم‭ ‬بعمليات‭ ‬معقدة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الحركة‭ ‬والمشي‭ ‬بكيفية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬وظائف‭ ‬المخ‭ (‬ص46‭)‬،‭ ‬وأشاروا‭ ‬بإجراء‭ ‬العملية‭ ‬الجراحية‭ ‬بعد‭ ‬اعتذارات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ (‬ص‭ ‬38‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬الحالة‭ ‬تفاقمت‭ ‬وأجبر‭ ‬الوجع‭ ‬الساقين‭ ‬على‭ ‬إبطاء‭ ‬الخطوات‭ (‬ص‭ ‬25‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬تفاقمت‭ ‬أكثر‭ ‬بسبب‭ ‬حقنة‭ ‬خاطئة،‭ ‬فتوقفت‭ ‬الساق‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ (‬ص‭ ‬50‭)‬،‭ ‬ولم‭ ‬يشر‭ ‬وجه‭ ‬العملة‭ ‬الآخر‭ - ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أجاد‭ ‬الغضروف‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬النخاع‭ ‬الشوكي‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أصابه‭ ‬بتهتك‭ - ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التيبس‭ ‬وفقدان‭ ‬الحركة‭ ‬تماماً‭ (‬ص35‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬الشلل‭ ‬الرباعي‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ (‬ص54‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬كريستوفر‭ ‬ريفز‭ ‬بطل‭ ‬أفلام‭ ‬سوبرمان‭ ‬الشهيرة‭ ‬ببعيد،‭ ‬حيث‭ ‬أصيب‭ ‬في‭ ‬النخاع‭ ‬الشوكي‭ ‬بما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬شلل‭ ‬رباعي‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التنفس‭ ‬التلقائي،‭ ‬وتوالت‭ ‬المضاعفات‭ ‬حتى‭ ‬مات‭ ‬النجم‭ ‬العالمي‭ (‬ص54‭) ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬مبدعنا‭ ‬الكبير‭.‬

وأجريت‭ ‬العملية‭ ‬الجراحية‭ ‬ولجأ‭ ‬الطبيب‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬الظهر‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬الجراحة‭ ‬بالمنظار‭ ‬كما‭ ‬وعد،‭ ‬ثم‭ ‬نسي‭ ‬تثبيت‭ ‬العظام‭ ‬وصار‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬معلقاً‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ (‬ص65‭)‬،‭ ‬وعملية‭ ‬التثبيت‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬شق‭ ‬الظهر‭ ‬وقطع‭ ‬قوس‭ ‬الفقرة‭ ‬وإزالة‭ ‬العظمة‭ ‬والنسيج‭ ‬السميك‭ ‬الذي‭ ‬يضيق‭ ‬القناة‭ ‬الشوكية‭ ‬ويضغط‭ ‬على‭ ‬النخاع‭ ‬الشوكي،‭ ‬وعلى‭ ‬جذور‭ ‬الأعصاب،‭ ‬وربما‭ ‬تدمج‭ ‬عدة‭ ‬فقرات‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الجراحة‭ ‬بهدف‭ ‬تثبيت‭ ‬الجزء‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬علاجه‭ ‬في‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ (‬ص65‭)‬،‭ ‬ويستسلم‭ ‬جبريل‭ ‬إلى‭ ‬القدرية،‭ ‬وهي‭ ‬المعنى‭ ‬النهائي‭ ‬لما‭ ‬صارت‭ ‬إليه‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬القاسية‭ (‬ص67‭)‬،‭ ‬ويدخل‭ ‬برغم‭ ‬نجاح‭ ‬العملية‭ ‬الجراحية‭ ‬لولا‭ ‬الالتهاب‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬قابعاً‭ ‬مكان‭ ‬الجراحة،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬قسوة‭ ‬هي‭ ‬رحلة‭ ‬العلاج‭ ‬الطبيعي،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬حل‭ ‬بديل‭ ‬لتحريك‭ ‬القدم‭ ‬التي‭ ‬توقفت‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬إتمام‭ ‬عملية‭ ‬التثبيت،‭ ‬وتعني‭ ‬منع‭ ‬قلقلة‭ ‬عظام‭ ‬الظهر‭ (‬ص112‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬يرافق‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬آلام،‭ ‬ونظرات‭ ‬متصعبة‭ ‬ومصمصة‭ ‬الشفاه‭ ‬والكرسي‭ ‬المتحرك‭ (‬ص87‭)‬،‭ ‬وعبارات‭  ‬ومصطلحات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬الأشعة‭ ‬الحرارية‭ ‬والموجات‭ ‬الصوتية‭ ‬وحمام‭ ‬الماء‭ ‬والتدليك‭ ‬والتحريك‭ ‬والجاكوزي‭ ‬والتوازن‭ ‬وغيرها‭ (‬ص90‭). 

‭ ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬معاناة‭ ‬كاتبنا‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬تعاطفنا‭ ‬مع‭ ‬حالته‭ ‬المرضية‭ ‬أن‭ ‬رحلته‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬معاناته‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬العمود‭ ‬الفقري،‭ ‬وإنما‭ ‬امتدت‭ ‬طويلاً‭ ‬لتبدأ‭ ‬من‭ ‬الحساسية‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬جسده‭ (‬ص11‭)‬،‭ ‬وأصابت‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬باله‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسد‭ ‬حتى‭ ‬رموش‭ ‬عينيه‭ (‬ص11‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬حرمته‭ ‬النوم‭ ‬وأصبح‭ ‬الشخير‭ ‬هو‭ ‬أسخف‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬والمرادف‭ ‬للنوم‭ ‬عنده،‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يجبره‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يسلم‭ ‬نفسه‭ ‬للنوم‭ (‬ص11‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أجبرته‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬مسبباتها‭ ‬مثل‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الأطعمة‭ ‬والعطور‭ ‬والعوادم‭ ‬والأتربة‭ ‬والفطريات‭ ‬الهوائية‭ ‬وحبوب‭ ‬اللقاح‭ ‬والمبيدات‭ ‬الحشرية‭ ‬والسجاجيد‭ ‬والموكيت‭ ‬والرطوبة‭ ‬العالية‭ ‬وحشرة‭ ‬الفراش‭ ‬والحيوانات‭ ‬المنزلية‭ (‬ص14‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬وراثية‭ (‬ص15‭).‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الحساسية‭ ‬عانى‭ ‬تأثيرات‭ ‬أمراض‭ ‬أخرى،‭ ‬منها‭: ‬تصلب‭ ‬حدقة‭ ‬العين‭ ‬وضعف‭ ‬الإبصار‭ ‬حيث‭ ‬تصعب‭ ‬الرؤية‭ ‬السليمة‭ ‬ويحتاج‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬تقدم‭ ‬العمر‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬نظارة‭ (‬ص16‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬الذبحة‭ ‬الصدرية‭ ‬التي‭ ‬تعلن‭ ‬عنها‭ ‬النغزة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الصدر‭ (‬ص16‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬أعراض‭ ‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬وطول‭ ‬مدة‭ ‬الزكام‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬نذيراً‭ ‬لمتاعب‭ ‬في‭ ‬الكلى‭ ‬أو‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭ ‬الكلوي،‭ ‬ثم‭ ‬الشعور‭ ‬بحرقان‭ ‬في‭ ‬البول‭ ‬بما‭ ‬ينذر‭ ‬بمتاعب‭ ‬في‭ ‬البروستاتا‭ (‬ص16‭).‬

ورغم‭ ‬تعدد‭ ‬نصائح‭ ‬الأطباء‭ ‬بالابتعاد‭ ‬عن‭ ‬النشويات‭ ‬والدهون‭ ‬والحلوى‭ ‬واستعمال‭ ‬زيت‭ ‬الذرة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬السمن‭ ‬البلدي‭ ‬والإقلاع‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬أكل‭ ‬اللحوم‭ ‬الحمراء‭ ‬والإكثار‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬الخضراوات‭ ‬والفاكهة‭ ‬وممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬ولو‭ ‬المشي‭ ‬بانتظام،‭ ‬والالتزام‭ ‬بذلك،‭ ‬فقد‭ ‬دهمته‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ - ‬وليس‭ ‬مرضاً‭ ‬واحداً‭ - ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬‮«‬تكسرت‭ ‬النصال‭ ‬على‭ ‬النصال‮»‬‭ (‬ص17‭)‬،‭ ‬ومنها‭ ‬عرق‭ ‬النسا‭ ‬وقرحة‭ ‬المعدة‭ ‬أو‭ ‬قرحة‭ ‬الاثنى‭ ‬عشر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفعل‭ ‬في‭ ‬بطنه‭ ‬فعل‭ ‬السكاكين،‭ ‬ومنها‭ ‬عملية‭ ‬المياه‭ ‬البيضاء‭ (‬ص29‭)‬،‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مضغ‭ ‬الطعام‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأسنان‭ ‬تؤدي‭ ‬وظيفتها‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬في‭ ‬الطحن،‭ ‬واللحمية‭ ‬في‭ ‬الأنف‭ ‬والتي‭ ‬أحدثت‭ ‬القطرات‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬أنفه‭ ‬لعلاجها‭ ‬ما‭ ‬أفقده‭ ‬حاسة‭ ‬الشم‭ (‬ص30‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬سقطة‭ ‬الحمام‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬قطعاً‭ ‬جرحياً‭ ‬أيمن‭ ‬الجبهة‭ ‬وتهتكاً‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬العين‭ (‬ص46‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬الثقب‭ ‬الخلفي‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬والضغط‭ ‬والسكر‭ ‬والالتهاب‭ ‬المزمن‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬التنفسية‭ ‬وفتاق‭ ‬البطن‭ ‬وعملية‭ ‬شبكية‭ ‬العين‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستكمل‭ (‬ص59‭)‬،‭ ‬وآلام‭ ‬حصوات‭ ‬الكلى‭ (‬ص61‭)‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬حدوثه‭ ‬بسبب‭ ‬مرض‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحسن‭ ‬المرء‭ ‬علاجه،‭ ‬مثل‭ ‬تضخم‭ ‬عضلة‭ ‬القلب‭ ‬وهبوطها‭ ‬وقصور‭ ‬الشرايين‭ ‬التاجية‭ ‬والجلطة‭ ‬القلبية‭ ‬والجلطة‭ ‬المخية‭ ‬ونزيف‭ ‬المخ‭ ‬وتمدد‭ ‬الأورطي‭ ‬وشرخ‭ ‬بطانة‭ ‬الأورطي‭ ‬والفشل‭ ‬الكلوي‭ (‬ص110‭).‬

الحقيقة‭ ‬المؤكدة‭ ‬التي‭ ‬يخرج‭ ‬بها‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬المرضية‭ ‬القاسية‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬الألم،‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬الوجع‭ ‬والتأوّه‭ ‬المتصل‭ ‬المستمر،‭ ‬ولأن‭ ‬الألم‭ ‬ظل‭ ‬متصلاً‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬كاتبنا‭ ‬فقد‭ ‬شحبت‭ ‬تأثيراته‭ ‬بتعاطي‭ ‬الأدوية،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬صعود‭ ‬وهبوط‭ ‬لتلك‭ ‬التأثيرات‭ ‬ظل‭ ‬متصلاً‭ ‬يقيد‭ ‬حركة‭ ‬الذهن‭ ‬والجسد‭ ‬ويضع‭ ‬كاتبنا‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬إحباط‭ ‬قاسية‭ (‬ص54‭)‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬يؤكد‭ ‬بكل‭ ‬يقين‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬يخشى‭ ‬الموت،‭ ‬وإنما‭ ‬ظل‭ ‬دائماً‭ ‬يخاف‭ ‬الألم‭ ‬وأمراض‭ ‬الشيخوخة‭ (‬ص86‭).‬

أتنفس‭ ‬بعمق‭ ‬تعاطفاً‭ ‬مع‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬وهو‭ ‬يواصل‭ ‬تسجيل‭ ‬وقائع‭ ‬المرض‭ ‬بأنواعه‭ ‬المختلفة،‭ ‬وما‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬رحلة‭ ‬الغضروف‭ ‬الخانق‭ ‬للنخاع‭ ‬الشوكي‭ ‬ومشكلة‭ ‬تثبيت‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬وما‭ ‬مر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬العلاج‭ ‬الطبيعي‭ (‬ص87‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬عظام‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬تصدر‭ ‬أصواتاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حركة،‭ ‬وحركة‭ ‬الجسد‭ ‬عموماً‭ ‬تزداد‭ ‬صعوبة،‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬انتظام‭ ‬الخطوات‭ ‬يشحب‭ ‬في‭ ‬البطء‭ ‬المتثاقل‭ ‬والترنح‭ ‬وفقدان‭ ‬التوازن‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬وتحول‭ ‬العلاج‭ ‬الطبيعي‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬جديد‭ ‬للآلام‭ ‬القاسية‭ (‬ص119‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يعرض‭ ‬وكأنه‭ ‬ذلك‭ ‬المرء‭ ‬تعس‭ ‬الحظ‭ ‬صديق‭ ‬الخيبات‭ ‬صدمة‭ ‬العلاج‭ ‬الذي‭ ‬يسره‭ ‬له‭ ‬المستشار‭ ‬الطبي‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬حكومي،‭ ‬وكان‭ ‬صورة‭ ‬قاسية‭ ‬للمستشفى‭ ‬حيث‭ ‬الفوضى‭ ‬والأوساخ‭ ‬وكومات‭ ‬الزبالة‭ ‬ومياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬والقطط‭ ‬النائمة‭ ‬فوق‭ ‬أسرة‭ ‬غرف‭ ‬العناية‭ ‬المركزة‭ ‬وغياب‭ ‬المسؤولية‭ ‬والابتزاز‭ (‬ص119‭)‬،‭ ‬وتعثر‭ ‬فكرة‭ ‬العلاج‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬الدولة‭ ‬بالخارج‭ ‬بل‭ ‬وإلغاء‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خصصت‭ ‬الدولة‭ ‬مبلغاً‭ ‬زهيداً‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لإجراء‭ ‬عملية‭ ‬التثبيت‭ ‬والسفر‭ ‬والإقامة‭ ‬وتنتهي‭ ‬الفكرة‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ (‬ص119‭)‬،‭ ‬

‭ ‬ويختتم‭ ‬جبريل‭ ‬روايته‭ ‬التسجيلية‭ ‬بتعلقه‭ ‬بالأمل‭ ‬في‭ ‬الشفاء،‭ ‬والأمل‭ ‬عادته‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بها‭ ‬طوال‭ ‬العمر‭ ‬مهما‭ ‬صاحبه‭ ‬من‭ ‬تصاريف‭ ‬قاسية‭ ‬للقدر،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يراقب‭ ‬حركة‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬التاكسي،‭ ‬البنايات‭ ‬والمارة‭ ‬وفاترينات‭ ‬المحال‭ ‬والمقاهي‭ ‬وباعة‭ ‬الأرصفة‭ ‬والإعلانات،‭ ‬يعد‭ ‬نفسه‭ ‬بالمشي‭ ‬وسط‭ ‬الناس‭ ‬عقب‭ ‬زوال‭ ‬التأثيرات‭ ‬القاسية،‭ ‬وتختلط‭ ‬خطواته‭ ‬بخطوات‭ ‬الآخرين،‭ ‬تلحق‭ ‬بها،‭ ‬تسابقها،‭ ‬ويظل‭ ‬يقرأ‭ ‬الملامح‭ ‬وينصت‭ ‬إلى‭ ‬النداءات‭ ‬والهتافات‭ ‬والهمسات‭ ‬العابرة،‭ ‬ينفض‭ ‬باسترداد‭ ‬العافية‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬الحركة،‭ ‬يسير‭ ‬بلا‭ ‬هدف،‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬الخالية‭ ‬والمزدحمة‭ (‬ص127‭). ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬المشي،‭ ‬لكنه‭ ‬سيحرص‭ - ‬إذا‭ ‬أتاح‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬حرية‭ ‬الحركة‭ - ‬أن‭ ‬يمشي‭ ‬بلا‭ ‬توقف،‭ ‬ينضم‭ ‬إلى‭ ‬تيارات‭ ‬الناس‭ ‬والزحام،‭ ‬يخترق‭ ‬الأسواق‭ ‬والشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬والحواري‭ ‬والأزقة،‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬الكورنيش‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬التين‭ ‬حتى‭ ‬المنتزه،‭ ‬يستعيد‭ ‬رؤى‭ ‬وذكريات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدركه‭ ‬الملل‭ (‬ص128‭)‬،‭ ‬مؤمناً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬بأن‭ ‬للحياة‭ ‬حقاً‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬هو‭ ‬حق‭ ‬العيش‭ ‬بأفضل‭ ‬صورة‭ ‬ممكنة،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬الإرادة،‭ ‬يغالب‭ ‬الألم،‭ ‬يتحداه،‭ ‬يزيله،‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬ليس‭ ‬بالتمني‭ ‬وإنما‭ ‬بالإصرار‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬ما‭ ‬يحدثه‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬الهزيل‭ (‬ص127‭).‬

وتلك‭ ‬هي‭ ‬حكاية‭ ‬القاتل‭ ‬والمقتول‭ ‬بكل‭ ‬بساطة،‭ ‬حكاية‭ ‬إنسانية‭ ‬تتكرر‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬منا،‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬يرى‭ ‬القارئ‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سطر‭ ‬مما‭ ‬رواه‭ ‬جبريل،‭ ‬وهذا‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬البعد‭ ‬الأقرب‭ ‬لمتعة‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬ومتابعة‭ ‬أحداثه‭ ‬ومفارقاته‭ ‬القدرية‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬حتى‭ ‬النهاية،‭ ‬برغم‭ ‬ما‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مرارة‭ ‬وقسوة‭ ‬تبين‭ ‬عنها‭ ‬تفاصيل‭ ‬تأثير‭ ‬المرض‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بالعجز‭ ‬والإحباط‭ ‬والاستسلام‭ ‬واليأس،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ثنايا‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬الأقرب‭ ‬يتجلى‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬البعد‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬إلينا‭ ‬فلسفة‭ ‬الحياة،‭ ‬وما‭ ‬تبوح‭ ‬به‭ ‬وقفات‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬والتصرفات‭ ‬والأقدار‭ ‬والسلوكيات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬الإنسان‭ ‬لدى‭ ‬الآخرين‭.‬

وعبر‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬نتوقف‭ ‬كثيراً‭ ‬متأملين‭ ‬فلسفة‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬وتساؤلاته‭ ‬حول‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬فهو‭ ‬يتساءل‭: ‬لماذا‭ ‬يشيخ‭ ‬الإنسان؟‭ ‬ولماذا‭ ‬يموت؟‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬السؤالين‭ ‬غير‭ ‬دقيق،‭ ‬فربما‭ ‬طال‭ ‬العمر‭ ‬وانضم‭ ‬صاحبه‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬المعمرين،‭ ‬وربما‭ ‬قصر‭ ‬العمر‭ ‬فمات‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬شبابه‭ (‬ص72‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬الشيخوخة‭ ‬تفضي‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬الموت،‭ ‬وسواء‭ ‬طال‭ ‬العمر‭ ‬أو‭ ‬قصر‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬قريب‭ ‬منه،‭ ‬يتنفس‭ ‬رائحته‭ ‬فيكثر‭ ‬من‭ ‬ترديد‭ ‬الشهادتين‭ ‬ويقرأ‭ ‬الفاتحة‭ ‬وسورة‭ ‬الإخلاص‭ ‬والمعوذتين،‭ ‬ثم‭ ‬يسلم‭ ‬عينيه‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬متوقعا‭ ‬زيارة‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الليل،‭ ‬ويستلقي‭ ‬في‭ ‬غابة‭ ‬تحوطه‭ ‬أشجارها‭ ‬السوداء،‭ ‬مستشعراً‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬تنحسر‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬داخله،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬ينتهي‭ ‬في‭ ‬الموت،‭ ‬ويتملّكه‭ ‬الهاجس‭ ‬بأن‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشغله‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬سيشغله‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬وتستمر‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ (‬ص71‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬ص‭ ‬76‮»‬‭ ‬الحياة‭ ‬نهر‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬المصب،‭ ‬ومصب‭ ‬الحياة‭ ‬هو‭ ‬الموت،‭ ‬إضافة‭ ‬للمثل‭ ‬الفارسي‭ ‬الذي‭ ‬استخدمه‭ ‬‮«‬الحياة‭ ‬حلم‭ ‬يوقظنا‭ ‬منه‭ ‬الموت‮»‬‭.‬

حالة‭ ‬من‭ ‬اليقين‭ ‬الديني‭ ‬يشير‭ ‬جبريل‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬نحتفي‭ ‬بالموت‭ ‬ونعنى‭ ‬به‭ ‬ونخصص‭ ‬له‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬تعبيرات‭ ‬الدعاء‭ ‬والابتهال‭ ‬والحزن‭ ‬والأسى،‭ ‬وحين‭ ‬يتقدم‭ ‬بنا‭ ‬العمر،‭ ‬نألف‭ ‬مراجعة‭ ‬دفتر‭ ‬التليفون‭ ‬ونحذف‭ ‬أسماء‭ ‬الذين‭ ‬غابوا‭ ‬عن‭ ‬حياتنا،‭ ‬كما‭ ‬نألف‭ ‬مراجعة‭ ‬ملامح‭ ‬الناس‭ ‬وتأمل‭ ‬وجوههم‭ ‬وتكويناتهم‭ ‬الجسدية‭ ‬وهم‭ ‬يسيرون‭ ‬أو‭ ‬يقفون‭ ‬أو‭ ‬يتكلمون‭ ‬أو‭ ‬يناقشون،‭ ‬ثم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭ ‬الواحدة‭ ‬بأنهم‭ ‬لابد‭ ‬أنهم‭ ‬سيموتون،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬يسكن‭ ‬الجسد‭ ‬ويحمل‭ ‬إلى‭ ‬القبر‭ ‬فيتحلل‭ ‬ويندثر‭ (‬ص73‭).‬

تلك‭ ‬هي‭ ‬النهاية‭ ‬الحتمية‭ ‬للمشهد،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬معرض‭ ‬للمرض‭ ‬والموت‭ (‬ص74‭)‬،‭ ‬وربما‭ ‬تمنى‭ ‬الإنسان‭ ‬الموت‭ ‬حين‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬عمره‭ ‬طال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أعراض‭ ‬تذكره‭ ‬بالنهاية‭ ‬المتوقعة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬فقد‭ ‬أعزاءه‭ ‬وقاسى‭ ‬الشعور‭ ‬بالوحدة‭ (‬ص75‭)‬،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬غابت‭ ‬هوياتهم‭ ‬وتمنوا‭ ‬الموت‭ ‬خلاصاً‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬استمرار‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬السأم‭ ‬والملل‭ (‬ص74‭)‬،‭ ‬والموت‭ ‬حادثة،‭ ‬نهاية‭ ‬قصة،‭ ‬نهاية‭ ‬حكاية،‭ ‬أو‭ ‬حدوتة،‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬روايتها‭ ‬للآخرين،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬ينتظرون‭ ‬الموت‭ ‬لكن‭ ‬حياتهم‭ ‬تطول‭ ‬ويفاجئهم‭ ‬الموت‭ ‬فيأخذ‭ ‬حياتهم‭ (‬ص75‭)‬،‭ ‬والموت‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خبرة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع،‭ ‬لأننا‭ ‬نموت‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬والمرة‭ ‬الواحدة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تدرب،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬عانى‭ ‬الموت‭ ‬لحظات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل،‭ ‬ودعك‭ ‬من‭ ‬البطل‭ ‬أديسيوس‭ ‬في‭ ‬ملحمة‭ ‬هوميروس‭ ‬الشهيرة‭ (‬ص75‭).‬

وتكثر‭ ‬تساؤلات‭ ‬جبريل‭ ‬وتأملاته‭ ‬حول‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للفهم‭: ‬هل‭ ‬الموت‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬الشعور‭ ‬بشيء؟‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬الغياب‭ ‬عما‭ ‬حولنا؟‭ ‬هل‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬يواجهون‭ ‬الموت‭ ‬آلاماً‭ ‬قاسية؟‭ ‬ما‭ ‬مصير‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬الموت؟‭ ‬ما‭ ‬الخير‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الجنة؟‭ ‬وما‭ ‬الشر‭ ‬الذي‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬النار؟‭ ‬ومهما‭ ‬تعددت‭ ‬أسئلتنا‭ ‬عن‭ ‬الموت‭ ‬فالحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬نموت‭ (‬ص76‭)‬،‭ ‬ولماذا‭ ‬يولد‭ ‬الإنسان؟‭ ‬هل‭ ‬ليواجه‭ ‬قسوة‭ ‬الحياة‭ ‬وأمراضها‭ ‬ثم‭ ‬تغرب‭ ‬شمس‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬الشيخوخة‭ ‬حتى‭ ‬يبتلعها‭ ‬الموت؟‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬تلك‭ ‬التساؤلات‭ ‬تكثر‭ ‬الحكم‭ ‬والعبر‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬جبريل‭ ‬أنه‭ ‬خرج‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬معركة‭ ‬الحياة،‭ ‬فمصب‭ ‬الحياة‭ ‬هو‭ ‬الموت،‭ ‬ونحن‭ ‬نولد‭ ‬لنموت،‭ ‬وكل‭ ‬يوم‭ ‬يقربنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاء،‭ ‬والاطمئنان‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬اليقين‭ ‬بحتمية‭ ‬الموت،‭ ‬ومن‭ ‬حقنا‭ ‬أن‭ ‬ندافع‭ ‬عن‭ ‬حقنا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬أمام‭ ‬الموت،‭ ‬والقبول‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نملكه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وإن‭ ‬شغلنا‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬نتألم؟‭ ‬ونحن‭ ‬نتوقع‭ ‬الموت‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬موعده،‭ ‬وعمر‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ميلاده‭ ‬وموته‭ ‬مثل‭ ‬التوقيت‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬بلحظة‭ ‬الميلاد‭ ‬وينتهي‭ ‬بلحظة‭ ‬الوفاة،‭ ‬وتتواصل‭ ‬اللحظات‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬النهاية‭ (‬ص76‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬تطول‭ ‬حياتنا‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬قصيرة‭ ‬كومضة،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬المرء‭ ‬يعرف‭ ‬موعد‭ ‬موته‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬محددة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬محدد‭ ‬فسيبدأ‭ ‬في‭ ‬العد‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬ولأنه‭ ‬قد‭ ‬يموت‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التالية‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يشغله،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬متى‭ ‬سيرحل،‭ ‬ويحيا‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬ظلمة‭ ‬الرحم‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬ويهبط‭ ‬بعد‭ ‬الوفاة‭ ‬في‭ ‬ظلمة‭ ‬القبر‭ (‬ص77‭).‬

وإذا‭ ‬كنت‭ ‬تخاف‭ ‬الموت‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ألدوس‭ ‬هكسلي‭ ‬فسوف‭ ‬تموت‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬والحياة‭ ‬تلاحق‭ ‬الموت،‭ ‬وبالموت‭ ‬تبدأ‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬تشوان‭ ‬تسي،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الميلاد‭ ‬يعقبه‭ ‬توالي‭ ‬النوم‭ ‬واليقظة،‭ ‬والليل‭ ‬والنهار،‭ ‬والتغيرات‭ ‬الثابتة‭ ‬والطارئة،‭ ‬والنجاح‭ ‬والإخفاق،‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬الموت‭ ‬نهاية‭ ‬لهذا‭ ‬كله،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬البشر،‭ ‬عكس‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬الذي‭ ‬يتملك‭ ‬المرضى‭ (‬ص77‭)‬،‭ ‬وتظل‭ ‬الحقيقة‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أنه‭ ‬لكي‭ ‬يموت‭ ‬المرء‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حياً‭ ‬أولاً‭ (‬ص83‭)‬،‭ ‬والإنسان‭ ‬الحر‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬الموت،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬كازنتراكس‭ (‬ص‭ ‬84‭).‬

وتكثر‭ ‬بين‭ ‬دفتي‭ ‬الرواية‭ ‬التضمينات‭ ‬والاقتباسات‭ ‬والأقوال‭ ‬المأثورة‭ ‬والأمثال‭ ‬والمعلومات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬مؤانسة‭ ‬الكاتب‭ ‬للقارئ،‭ ‬وحرص‭ ‬جبريل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬امتنانه‭ ‬لكل‭ ‬الأطباء‭ ‬الذين‭ ‬يعرفهم‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬يعرفهم‭ ‬وكانوا‭ ‬قد‭ ‬ساعدوه‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬المرضية‭ ‬الممتدة‭ ‬وعلى‭ ‬استرداد‭ ‬العافية‭ ‬وإنقاذه‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬الصعبة،‭ ‬ويصفهم‭ ‬جميعاً‭ ‬بالأصدقاء‭ ‬ويذكرهم‭ ‬بالاسم‭ ‬ومنهم‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬السيد‭ ‬سليمان‭ ‬ود‭. ‬طريف‭ ‬سلام‭ (‬ص12‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬فؤاد‭ ‬البدري‭ (‬ص13‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬هشام‭ ‬قاسم‭ (‬ص14‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬المعتز‭ ‬بالله‭ ‬الفقي‭ ‬شقيق‭ ‬أنس‭ ‬الفقي‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق‭ (‬ص20‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬محمد‭ ‬المخزنجي‭ (‬ص27‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬حاتم‭ ‬رضوان‭ (‬28‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬رضا‭ ‬عبدالتواب‭ ‬ود‭.‬حازم‭ ‬ياسين‭ (‬ص29‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬شريف‭ ‬إمبابي‭ (‬ص31‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬فريد‭ ‬تادرس‭ (‬ص43‭)‬،‭ ‬والطبيب‭ ‬الأرمني‭ ‬مردروس‭ (‬ص47‭).‬

وكذلك‭ ‬د‭. ‬سامي‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬ود‭. ‬الراحل‭ ‬مصطفى‭ ‬المنيلاوي‭ (‬ص49‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬السرياقوسي‭ (‬ص62‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬فاروق‭ ‬فؤاد‭ ‬ود‭. ‬فاروق‭ ‬عبدالملك‭ (‬ص63‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬المساعد‭ ‬أحمد‭ ‬العوضي‭ (‬ص70‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬محمود‭ ‬السباعي‭ (‬ص88‭)‬،‭ ‬ود‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭ ‬عبدالغفار‭ (‬ص100‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬يسري‭ ‬الهواري‭ (‬ص101‭)‬،‭ ‬ود‭. ‬محمد‭ ‬مندور‭ (‬ص110‭)‬،‭ ‬وطبيب‭ ‬العلاج‭ ‬الطبيعي‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬طاهر‭ (‬ص118‭)‬،‭ ‬وأخيراً‭ ‬د‭. ‬علاء‭ ‬عبدالحي‭ (‬ص53‭)‬،‭ ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬قدم‭ ‬إليهم‭ ‬جبريل‭ ‬امتنانه‭ ‬د‭. ‬صابر‭ ‬عرب‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق،‭ ‬والروائي‭ ‬إدوار‭ ‬الخراط،‭ ‬وعم‭ ‬شاهين‭ ‬البواب،‭ ‬ومحمد‭ ‬بهنسي‭ ‬وسائق‭ ‬التاكسي‭ ‬والحاج‭ ‬محمد‭ ‬سليط‭ ‬وطه‭ ‬عامل‭ ‬حمام‭ ‬السباحة‭ ‬والكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬فودة‭ ‬والشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬حلمي‭ ‬سالم‭ ‬ود‭. ‬عبدالناصر‭ ‬حسن‭ ‬ود‭. ‬عبدالواحد‭ ‬النبوي‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق،‭ ‬والناقد‭ ‬الراحل‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬زكريا‭ ‬عناني،‭ ‬والروائي‭ ‬منير‭ ‬عتيبة‭ ‬والروائي‭ ‬الراحل‭ ‬فؤاد‭ ‬قنديل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص،‭ ‬وغيرهم‭ ‬ممن‭ ‬جسدوا‭ ‬الرفيق‭ ‬المخلص‭ ‬في‭ ‬مشوار‭ ‬المرض،‭ ‬وتأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬جميعاً‭ ‬رفيقة‭ ‬دربه‭ ‬الدكتورة‭ ‬زينب‭ ‬العسال‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬يصفها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬الونس‮»‬‭.‬

ومثلما‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬جبريل‭ ‬طبيباً‭ ‬مر‭ ‬به‭ ‬خلال‭ ‬تجربته‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬أيضاً‭ ‬أسماء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأدوية‭ ‬التي‭ ‬تعاطاها،‭ ‬أو‭ ‬أسماء‭ ‬العيادات‭ ‬الطبية‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬التأهيل‭ ‬التي‭ ‬تردد‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬نصائح‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أو‭ ‬فواتير‭ ‬الأطباء‭ ‬والمستشفيات‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬تستدعيه‭ ‬ذاكرته‭ ‬التسجيلية،‭ ‬لنجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أمام‭ ‬رواية‭ ‬تسجيلية‭ ‬تتبختر‭ ‬بلغتها‭ ‬الفنية،‭ ‬محققة‭ ‬لنفسها‭ ‬نسقاً‭ ‬مغايراً‭ ‬للروايات‭ ‬التسجيلية‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬معظم‭ ‬النقاد‭ ‬أنها‭ ‬توظف‭ ‬مفردتين‭ ‬تحملان‭ ‬دلالات‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬متناقضة،‭ ‬وعنصرين‭ ‬متنافرين‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬ضدية،‭ ‬كل‭ ‬مفردة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إقصاء‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولا‭ ‬يعبر‭ ‬انسجامهما‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬سعي‭ ‬لتوثيق‭ ‬وقائع‭ ‬وأحداث‭ ‬ومناسبات‭ ‬توثيقاً‭ ‬يغيب‭ ‬فيه‭ ‬البعد‭ ‬الفني،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬حقيقية‭ ‬له،‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مجرد‭ ‬شاهد‭ ‬أو‭ ‬وثيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬لا‭ ‬نبض‭ ‬للحياة‭ ‬الفنية‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬تستهدف‭ ‬إلا‭ ‬تسجيل‭ ‬الوقائع‭ ‬وتوثيقها‭ ‬تاريخياً‭.‬

وبهذا‭ ‬النسق‭ ‬الفني‭ ‬المغاير‭ ‬تقوم‭ ‬رواية‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬‮«‬مقصدي‭ ‬البوح‭ ‬لا‭ ‬الشكوى‮»‬‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬معرفية‭ ‬عقلية‭ ‬يجري‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬جمالياً‭ ‬ضمن‭ ‬بنية‭ ‬روائية‭ ‬أشمل،‭ ‬غايتها‭ ‬الإمتاع‭ ‬الفني‭ ‬والجمالي‭ ‬وتحقيق‭ ‬المواءمة‭ ‬بين‭ ‬الرصد‭ ‬والتوثيق‭ ‬التاريخي‭ ‬والروائي،‭ ‬وذلك‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الحدث‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الرواية،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أفقت‭ ‬كأني‭ ‬صحوت‭ ‬من‭ ‬النوم،‭ ‬تناهي‭ ‬رفع‭ ‬الأذان‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬قريب،‭ ‬عرفت‭ ‬بأني‭ ‬صحوت‭ ‬في‭ ‬الفجر،‭ ‬اطمأننت‭ - ‬في‭ ‬البداية‭ - ‬إلى‭ ‬استيقاظي‭ ‬في‭ ‬حجرة‭ ‬نومي،‭ ‬ثم‭ ‬أدركت‭ ‬بالتلفت‭ ‬أن‭ ‬البنج‭ ‬يملي‭ ‬تأثيراته‮»‬‭ (‬ص9‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬يبدأ‭ ‬تسجيل‭ ‬الوقائع‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬أفاق‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬البنج‭ ‬بعد‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬الغضروف‭ ‬بالعمود‭ ‬الفقري‭. ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬جبريل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬ليبدأ‭ ‬بها‭ ‬تفاصيل‭ ‬الرواية،‭ ‬وهو‭ ‬انتقاء‭ ‬فني‭ ‬يتكرر‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬عدة‭ ‬داخل‭ ‬الرواية،‭ ‬والانتقاء‭ ‬والاختيار‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬طابع‭ ‬الحيوية‭ ‬والتفاعل‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الرصد‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬يقيم‭ ‬اتصالاً‭ ‬مع‭ ‬القارئ‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬سيزا‭ ‬قاسم‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬روايات‭ ‬عربية‭ - ‬قراءة‭ ‬مقارنة‮»‬،‭ ‬ويمكننا‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التسجيل‭ ‬هو‭ ‬العنصر‭ ‬الذي‭ ‬تنهض‭ ‬عليه‭ ‬الرواية،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬التسجيلية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الرصد‭ ‬والتدوين‭ ‬والإخبار،‭ ‬فإن‭ ‬تعامل‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬مع‭ ‬المتغير‭ ‬التاريخي‭ ‬بمستوييه‭ ‬الذاتي‭ ‬والعام‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬انتقائي،‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬طغيان‭ ‬التسجيلية‭ ‬على‭ ‬الجنس‭ ‬الروائي،‭ ‬وعدم‭ ‬الإخلال‭ ‬ببنيتها‭ ‬الفنية‭ ‬والجمالية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الروائي‭ ‬والتسجيلي‭ ‬بجدارة،‭ ‬فبدت‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬العام‭ ‬بنية‭ ‬توثيقية‭ ‬روائية‭.‬

ومن‭ ‬نصيحة‭ ‬الصوفي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬الشعراني‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬المريض‭ ‬إذا‭ ‬كتم‭ ‬مرضه‭ ‬عن‭ ‬الطبيب‭ ‬فلن‭ ‬يسعفه‭ ‬بعلاج‭ (‬ص10‭)‬،‭ ‬ينطلق‭ ‬جبريل‭ ‬لتسجيل‭ ‬تجربته‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬شعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مرض،‭ ‬وهو‭ ‬مرض‭ ‬الحساسية،‭ ‬بما‭ ‬تبوح‭ ‬به‭ ‬صورة‭ ‬على‭ ‬الحائط‭ ‬يرد‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬الثانية‭ ‬لبداية‭ ‬الرواية‭ ‬مباشرة،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬من‭ ‬التقط‭ ‬هذه‭ ‬الصورة،‭ ‬يدي‭ ‬تضع‭ ‬فوهة‭ ‬البخاخة‭ ‬داخل‭ ‬فمي‭ ‬تقليلاً‭ ‬لتأثير‭ ‬الحساسية‭ ‬في‭ ‬صدري‮»‬‭ (‬ص10‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬التسجيل‭ ‬نقلاً‭ ‬للواقع‭ ‬وإنما‭ ‬يقدم‭ ‬جبريل‭ ‬خطاباً‭ ‬يدنو‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬ويشخصه‭ ‬لدرجة‭ ‬الإيحاء‭ ‬بنقله‭ ‬مباشرة،‭ ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬الحقيقة‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬موجود‭ ‬خارج‭ ‬النص،‭ ‬ويمكن‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬تحكى‭.‬

وتتعدد‭ ‬مناطق‭ ‬مؤانسة‭ ‬القارئ‭ ‬عبر‭ ‬صفحات‭ ‬الرواية‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬يخاطب‭ ‬فيها‭ ‬جبريل‭ ‬القارئ‭ ‬وهو‭ ‬يحدثه‭ ‬عن‭ ‬زيارته‭ ‬لأحد‭ ‬الأطباء‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬مواطن‭ ‬مصري‭ ‬لا‭ ‬أتردد‭ ‬على‭ ‬الطبيب‭ - ‬كما‭ ‬تعلم‭ - ‬إلا‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الوقوف‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‮»‬‭ (‬ص12‭)‬،‭ ‬وتلك‭ ‬كانت‭ ‬عبارة‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬التي‭ ‬يرددها‭ ‬كثيراً‭ ‬وهو‭ ‬يخاطب‭ ‬الآخر،‭ ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ - ‬لحظة‭ ‬الوقوف‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭ - ‬يسميها‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬لحظة‭ ‬الزوال‮»‬‭ (‬ص97‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬فيها‭ ‬للغرق‭ ‬داخل‭ ‬حمام‭ ‬السباحة‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬العلاج‭ ‬الطبيعي‭ (‬ص98‭)‬،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬في‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬اسمها‭ ‬الزوال‭ ‬لصديقي‭ ‬الأديب‭ ‬الكبير‭ ‬الراحل‭ ‬أبوالمعاطي‭ ‬أبوالنجا،‭ ‬يتحدث‭ ‬الراوي‭ ‬عن‭ ‬لحظة‭ ‬الزوال،‭ ‬إنها‭ ‬اللحظة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬لحظة‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬المرء‭ ‬على‭ ‬الحافة،‭ ‬ينطمس‭ ‬من‭ ‬ذاكرته‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فلا‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬يموت،‭ ‬ثم‭ ‬تحل‭ ‬المعجزة‭ ‬فتنقذه،‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬بالفعل‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬ثوان،‭ ‬تتغير‭ ‬فيها‭ ‬الحال‭ ‬تماماً،‭ ‬ربما‭ ‬بيت‭ ‬يتهدم‭ ‬على‭ ‬ساكنيه‭ ‬أو‭ ‬إنسان‭ ‬يخطفه‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬رصاصة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬طائشة‭ ‬أو‭ ‬صاعقة‭ ‬مفاجئة،‭ ‬أسباب‭ ‬متعددة‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬المتنبي،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬الموت‭ ‬له‭ ‬معناه‮»‬‭ (‬ص97‭).‬

ويعترف‭ ‬جبريل‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬المؤانسة‭ ‬تلك‭ ‬بأنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬سكندريته‭ ‬فلم‭ ‬يعرف‭ ‬السباحة‭ ‬ولا‭ ‬العوم‭ ‬يوما‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أمارس‭ ‬السباحة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬سان‭ ‬ستيفانو‮»‬‭ (‬ص91‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أكتفي‭ ‬من‭ ‬عشقي‭ ‬للبحر‭ ‬بالجلوس‭ ‬على‭ ‬شاطئه‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬البر‭ ‬عوام‮»‬‭ (‬ص92‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬ركوب‭ ‬الدراجة‭ ‬إلا‭ ‬لتقوية‭ ‬عضلات‭ ‬الركبتين‭ ‬داخل‭ ‬مركز‭ ‬التأهيل،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬ركوب‭ ‬الدراجة،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ركوب‭ ‬الموج،‭ ‬كانت‭ ‬لعبة‭ ‬الجمباز‭ ‬رياضتي‭ ‬الوحيدة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب‭ ‬خير‭ ‬أنيس‭ ‬للمرء‮»‬،‭ ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬أجلس‭ ‬على‭ ‬دراجة،‭ ‬تأخر‭ ‬الأمر‭ ‬كثيراً‭ ‬كما‭ ‬ترى‮»‬‭ (‬ص118‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬كما‭ ‬تعلم‭ ‬وكما‭ ‬ترى‭ ‬إلا‭ ‬لخلق‭ ‬صيغة‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬المستمر‭ ‬مع‭ ‬القارئ‭ ‬قوامها‭ ‬التعاطف‭ ‬والمشاعر‭ ‬النابضة‭ ‬بين‭ ‬متحدث‭ ‬ومستمع‭ ‬بإنصات،‭ ‬ولإيجاد‭ ‬خطاب‭ ‬شفاف‭ ‬لا‭ ‬يطرح‭ ‬صوراً‭ ‬مجازية‭ ‬ولا‭ ‬يدعي‭ ‬تمثيل‭ ‬الحقيقة‭ ‬أو‭ ‬يسلم‭ ‬بوجود‭ ‬نص‭ ‬تخييلي‭.‬

لدينا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭ ‬خطاب‭ ‬أدبي‭ ‬يستحضر‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحضور‭ ‬المكثف‭ ‬للسارد‭ ‬الذي‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬تعاطف‭ ‬القارئ‭ ‬أداة‭ ‬لممارسة‭ ‬حرية‭ ‬الكتابة،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬مرضية‭ ‬مؤلمة‭ ‬بروح‭ ‬القبول‭ ‬لا‭ ‬النفور‭ ‬والملل،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الحضور‭ ‬المكثف‭ ‬للمعلومات‭ ‬العامة‭ ‬الجاذبة‭ ‬والنافعة‭ ‬للقارئ،‭ ‬ليصبح‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الأدبي‭ ‬مضيئاً‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬قواعد‭ ‬لعبة‭ ‬الكتابة‭ ‬منبتة‭ ‬الصلة‭ ‬بالواقع،‭ ‬والتي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬مستقلة‭ ‬عنه‭ ‬بذاتها،‭ ‬لتتجلى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬آفاق‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الخطاب،‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬التماثل‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬ونقله‭ ‬تسجيليا،‭ ‬إنما‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬عالم‭ ‬روائي‭ ‬مواز‭ ‬يحفل‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬العوالم‭ ‬المتداخلة‭.‬

يحدّثنا‭ ‬جبريل‭ - ‬مثلا‭ - ‬عن‭ ‬موليير‭ ‬وروايته‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬مريض‭ ‬بالوهم‮»‬‭ (‬ص10‭)‬،‭ ‬ويحدّثنا‭ ‬عن‭ ‬مقالة‭ ‬الروائي‭ ‬الكبير‭ ‬إدوار‭ ‬الخراط‭ ‬عن‭ ‬الحساسية‭ (‬ص11‭)‬،‭ ‬ويحدّثنا‭ ‬عن‭ ‬مسببات‭ ‬الحساسية‭ (‬ص14‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬الفحص‭ ‬الشامل‭ ‬للجسد‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬شيك‭ ‬أب‮»‬‭ (‬ص17‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬القوة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬يصمت‭ ‬فيها‭ ‬المريض‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬والكلام‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالشرود‭ ‬والتقاط‭ ‬الأنفاس‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬وهي‭ ‬حال‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬رياضة‭ ‬اليوجا‭ ‬بهدف‭ ‬مواجهة‭ ‬الألم‭ ‬واستعادة‭ ‬العافية‭ (‬ص20‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬مسميات‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والإنترنت‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬موسوعة‭ ‬زماننا‭ (‬ص29‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬الفيديو‭ ‬والمحمول‭ (‬ص21‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬العلاجات‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬أملاً‭ ‬للمريض‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لضمان‭ ‬الشفاء‭ ‬وعن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬العربية‭ ‬لضمان‭ ‬الشفاء‭ ‬للبطلة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬موتها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬الفيلم‭ ‬وخسارة‭ ‬المنتج‭ (‬ص23‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬القدم‭ ‬الساقطة‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬المريض‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬أصابع‭ ‬قدمه‭ (‬ص29‭) ‬وعن‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬المنتسبين‭ ‬إلى‭ ‬الصوفية‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الأقطاب‭ ‬وحتى‭ ‬عامة‭ ‬المريدين‭ ‬مروراً‭ ‬بالأوتاد‭ ‬والنقباء‭ ‬والأنجاب‭ ‬والأبدال‭ (‬ص125‭).‬

وتتداخل‭ ‬العوالم‭ ‬بين‭ ‬الواقعي‭ ‬والمتخيل‭ ‬لنجد‭ ‬إبداعاً‭ ‬سردياً‭ ‬راقياً‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬جبريل‭: ‬‮«‬أخذتني‭ ‬دوامة‭ ‬المشكلة‭ ‬الجديدة،‭ ‬اعتدت‭ ‬جرع‭ ‬الأدوية‭ ‬مسكناً‭ ‬لآلام‭ ‬الغضروف‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بها،‭ ‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ولا‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬بالي‭ ‬أن‭ ‬ألقي‭ ‬السنارة‭ ‬أو‭ ‬الطراحة‭ ‬في‭ ‬الموج‭ ‬الحصيرة،‭ ‬أسلم‭ ‬نفسي‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬استرخاء،‭ ‬لا‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬صفوها‭ ‬بنوة‭ ‬لم‭ ‬تنذر‭ ‬بقدومها،‭ ‬أنسى‭ ‬الموج‭ ‬الحصيرة‭ ‬والطراحة‭ ‬أو‭ ‬السنارة‭ ‬واللحظات‭ ‬المسترخية،‭ ‬أضع‭ ‬همي‭ ‬في‭ ‬اتقاء‭ ‬النغزة‭ ‬محاولة‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬تأثيراتها‮»‬‭ (‬ص31‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬متأمل‭ ‬أن‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭ ‬السنارة‭ ‬والنوة‭ ‬والموج‭ ‬الحصيرة‭ ‬هي‭ ‬تعبيرات‭ ‬سكندرية‭ ‬لا‭ ‬يتقن‭ ‬فهم‭ ‬معناها‭ ‬ودلالاتها‭ ‬إلا‭ ‬أهل‭ ‬الإسكندرية‭.‬

ويتحدث‭ ‬جبريل‭ ‬كذلك‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ (‬ص33‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬فواتير‭ ‬المستشفيات‭ ‬التي‭ ‬تتضمن‭ ‬إضافة‭ ‬خدمات‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬بالمستشفيات‭ (‬ص35‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬ألم‭ ‬ومشاعر‭ ‬رجل‭ ‬على‭ ‬المعاش‭ (‬ص37‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬سلبيات‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬الخاص‭ ‬ومعامل‭ ‬التحاليل‭ ‬ونتائجها‭ ‬الخطأ‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيرات‭ ‬بالغة‭ ‬السوء‭ (‬ص43‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬الوحدة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬وحلم‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ (‬ص45‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬ألعاب‭ ‬الطفولة‭ (‬ص47‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬قسم‭ ‬المصري‭ ‬أبقراط‭ (‬ص51‭)‬،‭ ‬وكتابات‭ ‬اليونانيين‭ ‬والرومانيين‭ ‬عن‭ ‬الطب‭ ‬المصري‭ (‬ص52‭)‬،‭ ‬وحكايات‭ ‬عالم‭ ‬البنج‭ (‬ص62‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬صوت‭ ‬فايزة‭ ‬أحمد،‭ ‬أحب‭ ‬الأصوات‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭ (‬ص69‭)‬،‭ ‬ومصطلحات‭ ‬العلاج‭ ‬الطبيعي‭ ‬وقراءة‭ ‬العين‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الكتابة‭ ‬داخل‭ ‬الجنس‭ ‬الروائي‭ ‬عملية‭ ‬مفتوحة‭ ‬عبر‭ ‬فضاء‭ ‬تتعدد‭ ‬فيه‭ ‬الرؤى‭.‬

ويغنينا‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬عبر‭ ‬روايته،‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬عملية‭ ‬التشويق‭ ‬والإثارة‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬التخييلي‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محمد‭ ‬برادة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬العربي‭ - ‬تعبيره‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬والتنوع‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ (‬1987م‭)‬،‭  ‬وعن‭ ‬مواجهة‭ ‬خطر‭ ‬تكبيل‭ ‬طاقات‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع‭ ‬بهذه‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬والأحداث‭ ‬الوثائقية‭ ‬التي‭ ‬يرويها،‭ ‬ليتبلور‭- ‬بالمزاوجة‭ ‬فنياً‭ ‬بين‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬والروائية‭- ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الروائي‭ ‬برحابته‭ ‬وجماله،‭ ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬الوفرة‭ ‬والتنوع‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية،‭ ‬الذاتية‭ ‬والموضوعية،‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬المحدود‭ ‬للأحداث‭ ‬إلى‭ ‬اللامحدود‭ ‬من‭ ‬العوالم‭ ‬المفتوحة،‭ ‬ليتحقق‭ ‬قول‭ ‬نبيل‭ ‬سليمان‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬المنعطف‭ ‬الروائي‭ ‬العربي‭ ‬الجديد‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‮»‬‭ (‬1997م‭)‬،‭ ‬بأن‭ ‬الأدب‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬إلا‭ ‬بقانون‭ ‬حريته،‭ ‬وما‭ ‬أعظم‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬العمل‭ ‬حراً‭ ‬غير‭ ‬مقيد،‭ ‬معفياً‭ ‬من‭ ‬الخضوع،‭ ‬ومنطلقاً‭ ‬كالعصفور،‭ ‬محاذراً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حبيس‭ ‬المحتوى،‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منسجماً‭ ‬مع‭ ‬طريقة‭ ‬وجوده‭.    

وتظل‭ ‬الخاتمة‭ ‬المفتوحة‭ ‬للرواية‭ ‬والمفعمة‭ ‬بالأمل،‭ ‬نافذة‭ ‬يطل‭ ‬منها‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬محمد‭ ‬جبريل‭ ‬الذي‭ ‬يصف‭ ‬نفسه‭ ‬بالمتنبي‭ ‬الذي‭ ‬جالت‭ ‬عيناه‭ ‬في‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬ولم‭ ‬ير‭ ‬أحدا،‭ ‬إذ‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬المغموسون‭ ‬في‭ ‬دنياهم‭ ‬الخاصة‭ ‬لا‭ ‬يغادرونها‭ ‬إلا‭ ‬لضرورة‭ ‬ولا‭ ‬يأذنون‭ ‬للآخرين‭ ‬بدخولها‭ (‬ص‭ ‬68‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ينصح‭ ‬نفسه‭ ‬بأبيات‭ ‬من‭ ‬رباعيات‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬وجدانه‭ ‬مكانة‭ ‬حرافيش‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬حاسب‭ ‬من‭ ‬الأحزان‭ ‬وحاسب‭ ‬لها‭/ ‬حاسب‭ ‬على‭ ‬رقابيك‭ ‬من‭ ‬حبلها‭/‬راح‭ ‬تنتهي‭ ‬ولابد‭ ‬راح‭ ‬تنتهي‭/‬مش‭ ‬انتهت‭ ‬أحزان‭ ‬من‭ ‬قبلها‭/‬عجبي،‭ (‬ص69‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬إهدائه‭ ‬لي‭ (‬الغالية‭ ‬فاطمة‭ ‬حباً‭ ‬لشخصها‭ ‬وإبداعها‭) ‬وأنا‭ ‬أبادل‭ ‬هذا‭ ‬الكبير‭ ‬شعوره‭ ‬حباً‭ ‬بحب،‭ ‬أما‭ ‬إهداؤه‭ ‬لرفيقة‭ ‬دربه‭ ‬الدكتورة‭ ‬الناقدة‭ ‬زينب‭ ‬العسال‭ ‬فهي‭ ‬تستحقه‭ ‬بجدارة‭ ‬لأنها‭ ‬البطلة‭ ‬التي‭ ‬ناضلت‭ ‬مع‭ ‬مبدعنا‭ ‬الكبير،‭ ‬ومازالت،‭ ‬طائر‭ ‬النورس‭ ‬هذا‭ ‬