«شعراء»

«شعراء»

أخذت‭ ‬كتاباً‭ ‬لأقرأه‭. ‬طبعاً،‭ ‬الكتاب‭ ‬ليُقرأ‭. ‬وإلاّ‭ ‬لماذا؟‭ ‬كتاب‭ ‬للقراءة‭ ‬وكتاب‭ ‬لأن‭ ‬يُهمل‭ ‬أو‭ ‬يرمى‭. ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬أخذت‭ ‬هو‭ ‬ديوان،‭ ‬ليته‭ ‬كان‭ ‬ديواناً‭ ‬للجلوس‭ ‬أو‭ ‬للتمدد‭ ‬لراحة‭ ‬الرجلين،‭ ‬كان‭ ‬ديوان‭ ‬شعر،‭ ‬أي‭ ‬شعر؟‭ ‬شعر‭ ‬نثر‭... ‬شعر‭ ‬منثور‭... ‬تردّدت‭ ‬في‭ ‬فتحه،‭ ‬قرأته،‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬فلم‭ ‬أجده،‭ ‬وبحثت‭ ‬عن‭ ‬النثر‭ ‬فلقيته‭ ‬ضائعاً،‭ ‬قلت‭ ‬لأكمل‭ ‬ولا‭ ‬عمل‭ ‬لي،‭ ‬لعلّني‭ ‬أغفو،‭ ‬أنام،‭ ‬أحلم،‭ ‬ويقع‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬ويستريح‭ ‬منّي‭ ‬وأستريح‭ ‬منه،‭ ‬نمتُ‭ ‬واستيقظت‭ ‬والحمد‭ ‬لله،‭ ‬أخذته‭ ‬ورحت‭ ‬أقلّب‭ ‬صفحاته،‭ ‬مؤلفه‭ ‬‮«‬شاعـر‮»‬‭ ‬مشهور،‭ ‬يُذكر‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬الصفحات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬البيروتية‭ ‬يومياً،‭ ‬صفحات‭ ‬يديــرها‭ ‬شبـــاب‭ ‬وشابات‭ ‬هم‭ ‬أيضاً‭ ‬‮«‬شعراء‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬يصير‭ ‬‮«‬شاعراً‮»‬،‭ ‬عفواً،‭ ‬لا‭ ‬أقصــــد‭ ‬بكـلامي‭ ‬ما‭ ‬يسيء‭ ‬لهؤلاء‭ ‬‮«‬الشعراء‮»‬،‭ ‬منهم‭ ‬أصــــدقاء،‭ ‬أصدقاء‭ ‬لي،‭ ‬ليس‭ ‬بمعنى‭ ‬الصداقة‭ ‬الصادقة،‭ ‬ولكن‭...‬

‭***‬

منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الذي‭ ‬مضى‭ ‬ولن‭ ‬يعود،‭ ‬أتت‭ ‬زمرة‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬ومن‭ ‬أمريكا،‭ ‬عادوا‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم‭ ‬بعد‭ ‬غياب،‭ ‬ومن‭ ‬أوربا،‭ ‬وانضموا‭ ‬لبعضهم‭ ‬وأوجدوا‭ ‬‮«‬مجلة‮»‬‭ ‬وغايتهم‭ ‬كانت‭ ‬رفض‭ ‬ومحاربة‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬العربي‭ ‬الصحيح،‭ ‬بقوّته‭ ‬وجماله،‭ ‬وبلغته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشعر‭ ‬بالشيخوخة‭ ‬ككثير‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

راحت‭ ‬مجلتهم‭ ‬تنشر‭ ‬‮«‬القصائد‭ ‬النثرية‮»‬‭ ‬وتكتب‭ ‬المقالات‭ ‬المطوّلة‭ ‬الطويلة،‭ ‬العديدة‭ ‬الأسطر،‭ ‬مفسّرة‭ ‬ثورتها‭ ‬على‭ ‬ماضي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.‬

آمن‭ ‬بها‭ ‬البعض،‭ ‬بالمجلة‭ ‬وبعبقرية‭ ‬‮«‬شعرائها‮»‬،‭ ‬اعترف‭ ‬بها‭ ‬البعض‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬واعتبروها‭ ‬ثورة‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬ونافذة‭ ‬على‭ ‬المستقبل،‭ ‬مستقبل‭ ‬الشعوب‭ ‬والانتصار‭ ‬للحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحرية‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬المقولات،‭ ‬وكثر‭ ‬الشعر‭ ‬المنثور،‭ ‬وكلما‭ ‬نُثر‭ ‬أخذته‭ ‬الرياح‭ ‬ونثرته‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬منه‭ ‬حرفاً‭... ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬إن‭ ‬الشعر‭ ‬الصحيح‭ ‬هو‭ ‬كالموسيقى‭ ‬الصحيحة‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬النغم‭ ‬الذي‭ ‬تردّده‭ ‬الأذن‭ ‬والفم‭ ‬ويدوم،‭ ‬كذلك‭ ‬الشعر‭..‬‭. ‬الشعر‭ ‬الصحيح‭.‬

الصفحات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬اللبنانية‭ ‬يديرها‭ ‬شابات‭ ‬وشبّان‭ ‬كما‭ ‬أسلفت،‭ ‬هم‭ ‬كلهم‭ ‬نقّاد‭ ‬أدب،‭ ‬وتشكيل‭ ‬وموسيقى‭ ‬وأيضاً‭ ‬سياسة،‭ ‬هم‭ ‬ملمّون‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬يكتبون،‭ ‬يصفّون‭ ‬كلاماً‭ ‬وجملاً،‭ ‬واثقين‭ ‬بأقلامهم،‭ ‬مصدّقين‭ ‬ما‭ ‬يكتبونه،‭ ‬وما‭ ‬يكتبونه‭ ‬هو‭ ‬شبيه‭ ‬بقيمة‭ ‬‮«‬شعرهم‮»‬‭ ‬المنثور،‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬عدم‭ ‬احترامهم،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬تربطني‭ ‬بهم‭ ‬صداقة،‭ ‬ولكن‭ ‬الربطة‭ ‬ليست‭ ‬وثقى،‭ ‬أسماؤهم؟‭ ‬لن‭ ‬أذكرها‭... ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬وواحدة‭ ‬يعرف‭ ‬اسمه‭.‬

ينتقدون‭ ‬الموسيقى‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬ويرفضونها،‭ ‬وهم‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬يوماً‭ ‬سيمفونية‭ ‬أو‭ ‬كونشرتو،‭ ‬أو‭ ‬أغاني‭ ‬كلاسيكية‭ ‬عربية‭ ‬مثل‭ ‬الموشحات‭ ‬وغيرها‭... ‬ينتقدون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬العريقة‭ ‬الجميلة‭ ‬الحية‭ ‬الغنية،‭ ‬وهم‭ ‬منغمسون‭ ‬بما‭ ‬يسمّونه‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬والأدب‭ ‬الحديث،‭ ‬النظرة‭ ‬الحديثة‭ ‬للغة‭ ‬وللمجتمع‭ ‬والعالم،‭ ‬ينتقدون‭ ‬الفنون‭ ‬التشكيلية‭ ‬وهم‭ ‬لم‭ ‬يزوروا‭ ‬معرضاً‭ ‬أو‭ ‬متحفاً‭ ‬أو‭ ‬مرسماً‭! ‬عفواً‭... ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬الإهانة‭ ‬لهم،‭ ‬كلهم‭ ‬أصدقاء،‭ ‬ولكن‭! ‬

ومنهم‭ ‬من‭ ‬يخدم‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬و«نقده‮»‬‭... ‬أو‭ ‬بتبجيله،‭ ‬زملاء‭ ‬لهم‭ ‬وينتظرون‭ ‬منهم‭ ‬ردّ‭ ‬الجميل‭.‬

هذا‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬حالهم،‭ ‬وعن‭ ‬صفحاتهم‭ ‬‮«‬الثقافية‮»‬،‭ ‬إني‭ ‬لا‭ ‬ألومهم،‭ ‬لأن‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬بعضهم،‭ ‬بعضاً‭ ‬أو‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬الصداقة‭ ‬أو‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر‭.‬

ذكرت‭ ‬منهم‭ ‬غير‭ ‬المؤهلين‭ ‬للكتابة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والفن،‭ ‬أمّا‭ ‬المؤهلون‭ ‬وهم‭ ‬شعراء‭ ‬وكتّاب‭ ‬لهم‭  ‬تاريخهم‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬والنقد‭ ‬والشعر‭ ‬فهم‭ ‬قلّة،‭ ‬ولست‭ ‬هنا‭ ‬لأذكر‭ ‬أسماءهم،‭ ‬قلت‭ ‬هم‭ ‬قلّة،‭ ‬قلّتهم‭ ‬تغطي‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مَن‭ ‬تنطّح‭ ‬وكتب‭ ‬وشعر‭ ‬ونثر،‭ ‬وانتقد‭ ‬مصدّقاً‭ ‬بما‭ ‬يضع‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬وجمل‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬‮«‬ثقافية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬مديرها‭.‬

‭ ‬هذا‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬القرّاء‭ ‬الذين‭ ‬تنقصهم‭ ‬المعرفة‭ ‬بالأدب‭ ‬والفن،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬الثقافة‭ ‬بعيدة‭ ‬عنهم،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬صحيح‭ ‬وحقيقة،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬أنه‭ ‬مضرّ‭ ‬بصحة‭ ‬معرفتهم‭ ‬وتربية‭ ‬ثقافتهم‭ ‬إذا‭ ‬وجدت،‭ ‬وإن‭ ‬وجدت،‭ ‬فستكون‭ ‬ممراً‭ ‬نحو‭ ‬طريق‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أسرار‭ ‬الفنون‭ ‬والعلوم‭ ‬والأدب،‭ ‬ويُبعد‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬البغضاء‭ ‬ويقرّبه‭ ‬من‭ ‬المحبة‭ ‬والحب‭... ‬حب‭ ‬الإنسان‭ ‬للإنسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬وحق‭ ‬وجمال‭ ‬