مجلّة العربيّ الصغير وثقافة الأطفال تجربة جديرة بوسام العرفان

مجلّة العربيّ الصغير وثقافة الأطفال  تجربة جديرة بوسام العرفان

ليس بخافٍ على أحد أنّ المجلاّت الموجّهة للأطفال تعدّ وسيطاً مهمّاً من وسائط ثقافة الأطفال وأدبهم، إذ من خلالها يبدأ الطفل تفاعله الأوّلي مع محيطه، وفيها يستدعي حواسّه جميعاً للتواصل مع الرسالة الموجودة في ثناياها... تسجّل كلّ إبداع وابتكار، وهي وسيلة جادّة للثقافة ونشر الوعي والمعرفة، تتميّز بكونها مطبوعة وفق أساليب حديثة، تتعدّد صفحاتها، وتتنوّع مادّتها، ويحتويها غلاف جميل، وفيها مجال للألوان والخطوط والترقيم والفهرس، ويبذل في إخراجها جهد مناسب، وتراجع جميع موادها من قبل مشرفين متخصّصين، وتراقب لغويّاً وعلميّاً، وقد تكون شهريّة أو فصليّة أو موسميّة، أو قد تصدر في مناسبات معيّنة.

تقوم‭ ‬‮«‬العربي‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬بمهمّة‭ ‬غرس‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬الأطفال‭ ‬وتشكيل‭ ‬أذواقهم،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬ملامح‭ ‬شخصياتهم‭ ‬مستقبلا،‭ ‬ولكي‭ ‬تحقّق‭ ‬ذلك‭ ‬كلّه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تمتثل‭ ‬لاعتبارات‭ ‬تربويّة‭ ‬وسيكولوجيّة‭ ‬وفنّية؛‭ ‬أبرزها‭: ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مضامينها‭ ‬هادفة‭ ‬ومنسجمة‭ ‬ومتكاملة،‭ ‬تتناغم‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬المجتمع‭ ‬ومتطلّبات‭ ‬العصر‭ ‬وتحدّياته،‭ ‬وأن‭ ‬تتّسم‭ ‬بثراء‭ ‬محتوياتها‭ ‬وحيويّتها،‭ ‬وجماليّة‭ ‬أسلوبها‭ ‬وإمتاع‭ ‬قرائها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تفاعلها‭ ‬معهم‭ ‬وانتظام‭ ‬صدورها،‭ ‬فهي‭ ‬بهذه‭ ‬السمات‭ ‬تعدّ‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أدوات‭ ‬تشكيل‭ ‬ثقافة‭ ‬الطفل‭.‬

ويأتي‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتجربة‭ ‬مجلّة‭ ‬العربيّ‭ ‬الصغير‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬الكويتيّة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تثمين‭ ‬الجهود‭ ‬الجادّة‭ ‬للعناية‭ ‬بثقافة‭ ‬الطفل‭ ‬العربيّ،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضيّة‭ ‬مصيريّة‭ ‬من‭ ‬جهة؛‭ ‬وباعتبار‭ ‬‮«‬العربيّ‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬تجربة‭ ‬رائدة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تجارب‭ ‬عدّة،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬بارز‭ ‬ولايزال‭ ‬في‭ ‬تثقيف‭ ‬الأطفال‭ ‬العرب‭ ‬وتكوين‭ ‬شخصياتهم‭... ‬فإلى‭ ‬أيّ‭ ‬مدى‭ ‬تمتثل‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬اليوم‭ ‬لمعايير‭ ‬التنشئة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬المنشودة؟

انطلاقاً‭ ‬ممّا‭ ‬سبق‭ ‬جاء‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬التي‭ ‬تخطى‭ ‬عمرها‭ ‬الثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬منذ‭ ‬صدورها‭ ‬مستقلّة‭ ‬عن‭ ‬مجلّة‭ ‬العربي‭ ‬الأمّ‭ ‬سنة‭ ‬1986م،‭ ‬مرّت‭ ‬خلالها‭ ‬بمحطّات‭ ‬مهمّة‭ ‬صقلتها،‭ ‬وتعرّضت‭ ‬لعقبات‭ ‬كأداء‭ ‬ذلّلتها،‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬تحليليّة‭ ‬فنّية‭ ‬في‭ ‬المضامين‭ ‬والقيم‭ ‬لعيّنة‭ ‬ممثّلة‭ ‬في‭ ‬ستّين‭ ‬عدداً‭ ‬صدرت‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ (‬يناير‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬ديسمبر‭ ‬2014م‭) ‬أمكننا‭ ‬رصد‭ ‬النتائج‭ ‬الآتية‭:‬

‭- ‬تجارب‭ ‬المجلاّت‭ ‬العربيّة‭ ‬الموجّهة‭ ‬للأطفال‭ ‬والتي‭ ‬قاربت‭ ‬القرن‭ ‬ونصف‭ ‬القرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬منذ‭ ‬صدور‭ ‬أوّل‭ ‬مجلّة‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التقويميّة‭ ‬العلميّة‭ ‬المتأنّية؛‭ ‬لرصد‭ ‬مكتسباتها‭ ‬والتنبّه‭ ‬إلى‭ ‬مكامن‭ ‬خللها،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬الطفل‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬خيارات‭ ‬إعلاميّة‭ ‬جذّابة‭ ‬ومغرية‭.‬

‭- ‬تمثّل‭ ‬‮«‬العربيّ‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬قامة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬صحافة‭ ‬الأطفال‭ ‬العرب،‭ ‬بمراعاتها‭ ‬لجوانب‭ ‬عدّة‭ ‬من‭ ‬التنشئة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬المنشودة،‭ ‬فقد‭ ‬تميّزت‭ ‬أغلب‭ ‬مضامينها‭ ‬بجودة‭ ‬التحرير،‭ ‬وحسن‭ ‬عرض‭ ‬الموضوعات،‭ ‬ودقّة‭ ‬تناولها،‭ ‬وبتنوّعها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تغطية‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شكّ‭ ‬أبرز‭ ‬أسباب‭ ‬استمرارها‭ ‬ورواجها‭.‬

‭- ‬استوفت‭ ‬مجلّة‭ ‬العربيّ‭ ‬الصغير‭ ‬أبرز‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬توافرها‭ ‬في‭ ‬مجلاّت‭ ‬الأطفال،‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬بنّاءة،‭ ‬وتوازن‭ ‬مضامينها‭ ‬وانسجامها،‭ ‬وثرائها‭ ‬وتنوّعها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬جمالية‭ ‬أسلوبها‭ ‬وبساطته،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬راعته‭ ‬من‭ ‬إثارة‭ ‬وجاذبيّة‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬موادها‭ ‬وجودة‭ ‬رسومها‭ ‬وصورها،‭ ‬كما‭ ‬أنّها‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬تفاعليّة‭ ‬مع‭ ‬قرّائها‭ ‬الصغار،‭ ‬فاستقبلت‭ ‬مساهماتهم‭ ‬وانشغالاتهم،‭ ‬وتوّجت‭ ‬هذه‭ ‬السمات‭ ‬بانضباط‭ ‬مواعيد‭ ‬صدورها،‭ ‬فهذه‭ ‬السمات‭ ‬مجتمعة‭ ‬تعدّ‭ ‬الوصفة‭ ‬السحريّة‭ ‬التي‭ ‬تبرّر‭ ‬استمراريّة‭ ‬المجلّة‭ ‬ورواجها،‭ ‬بل‭ ‬واتّساع‭ ‬رقعة‭ ‬توزيعها‭ ‬كلّ‭ ‬حين‭.‬

‭- ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تتبّع‭ ‬معايير‭ ‬التنشئة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬في‭ ‬عيّنة‭ ‬الدراسة‭ ‬نجد‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬العربيّ‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬قد‭ ‬استوفت‭ ‬أغلبها،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتها‭ ‬تغطية‭ ‬أبرز‭ ‬جوانب‭ ‬التنشئة،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬سجّل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬توازن،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬اهتمامها‭ ‬بعنصر‭ ‬الفتيات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬البنين،‭ ‬كما‭ ‬راعت‭ ‬تعدّدية‭ ‬الواقع‭ ‬العربيّ‭ ‬ومراحل‭ ‬الطفولة‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما،‭ ‬وتعاملت‭ ‬بانتقائيّة‭ ‬وغربلة‭ ‬للمواد‭ ‬المترجمة‭ ‬من‭ ‬الآداب‭ ‬العالميّة‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬التنشئة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬المنشودة‭.‬

‭- ‬الأنماط‭ ‬القصصيّة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬مجلاّت‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬أصناف‭ ‬ثلاثة‭: ‬سرديّة‭ ‬ومصوّرة‭ ‬وقصص‭ ‬شعريّة،‭ ‬ولقد‭ ‬أولت‭ ‬‮«‬العربيّ‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬القصص‭ ‬السرديّة‭ ‬والمصوّرة‭ ‬اهتماماً‭ ‬معتبراً‭ ‬ومتقارباً،‭ ‬بينما‭ ‬يلاحظ‭ ‬قصور‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬الشعريّة‭ ‬لما‭ ‬يتطلّبه‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ولكون‭ ‬إدارة‭ ‬التحرير‭ ‬لم‭ ‬تحفّز‭ ‬مبدعيها‭ ‬حسبما‭ ‬يبدو‭ ‬للكتابة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أمّا‭ ‬مضامينها‭ ‬فيلاحظ‭ ‬فيها‭ ‬تنوّع‭ ‬وثراء،‭ ‬مع‭ ‬تركيز‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬القصص‭ ‬التربويّة‭ ‬والاجتماعيّة‭ ‬في‭ ‬السرديّة‭ ‬منها،‭ ‬وعلى‭ ‬قصص‭ ‬البطولة‭ ‬والمغامرة‭ ‬في‭ ‬المصوّرة‭ ‬منها‭.‬

‭- ‬استوفت‭ ‬أغلب‭ ‬قصص‭ ‬‮«‬العربيّ‭ ‬الصغير‮»‬‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬بنائها‭ ‬الفنّي‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬تواضع‭ ‬عليها‭ ‬النقّاد‭ ‬والباحثون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وتجلّى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حسن‭ ‬سبك‭ ‬الأحداث،‭ ‬ووضوح‭ ‬الشخصيات،‭ ‬وتنويع‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬عرضها،‭ ‬وتوظيف‭ ‬متنوّع‭ ‬وثريّ‭ ‬للحيوان‭ ‬ولعناصر‭ ‬طبيعيّة‭ ‬عدّة‭.‬

‭- ‬تميّزت‭ ‬اللّغة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬قصص‭ ‬المجلّة‭ ‬بالسهولة‭ ‬والوضوح‭ ‬والبساطة،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬القوالب‭ ‬البلاغيّة‭ ‬العتيقة،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬لوحظ‭ ‬من‭ ‬ركاكة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬منها،‭ ‬يعود‭ ‬أساساً‭ ‬إلى‭ ‬تباين‭ ‬المقدرة‭ ‬التعبيريّة‭ ‬بين‭ ‬الكتّاب،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ضيق‭ ‬المساحات‭ ‬المتاحة‭ ‬للكتابة‭.‬

‭- ‬ما‭ ‬تعلّق‭ ‬بالإخراج‭ ‬الفنّي‭ ‬لقصص‭ ‬المجلّة،‭ ‬ودون‭ ‬مجاملة،‭ ‬فإنّ‭ ‬أغلبها‭ ‬جسّد‭ ‬وحدة‭ ‬فنّية‭ ‬متناغمة‭ ‬ومتجانسة‭ ‬بين‭ ‬النصّ‭ ‬والرسوم،‭ ‬وبين‭ ‬الكلمات‭ ‬والمساحات‭ ‬اللّونيّة،‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬باختلاف‭ ‬أنواعها‭: (‬فوتوغرافيّة،‭ ‬رسوم‭ ‬توضيحيّة،‭ ‬وتعبيريّة،‭ ‬وساخرة‭). ‬إلاّ‭ ‬أنّنا‭ ‬لا‭ ‬نعدم‭ ‬وجود‭ ‬صور‭ ‬ورسوم‭ ‬تربط‭ ‬الطفل‭ ‬ببعض‭ ‬الأنماط‭ ‬السلوكيّة‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيها؛‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ضيق‭ ‬مساحات‭ ‬الكتابة،‭ ‬والتداخل‭ ‬بين‭ ‬المادّة‭ ‬المكتوبة‭ ‬واللّوحات‭ ‬الفنّية‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬المصوّرة،‭ ‬ممّا‭ ‬قد‭ ‬يرسّخ‭ ‬القراءة‭ ‬السهلة‭ ‬غير‭ ‬المتأمّلة‭ ‬والممتعة،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬وجود‭ ‬أخطاء‭ ‬إملائيّة‭ ‬ونقائص‭ ‬في‭ ‬علامات‭ ‬الترقيم‭.‬

وإجمالاً‭ ‬لهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬نقرّ‭ ‬بأنّ‭ ‬فريق‭ ‬المجلّة‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬تحرير‭ ‬ومساهمين‭ ‬قد‭ ‬عبّروا‭ ‬عن‭ ‬حضورهم‭ ‬الإبداعيّ‭ ‬والإنساني‭ ‬والاجتماعيّ‭ ‬بوضوح‭ ‬وتميّز،‭ ‬ونجحوا‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬رسميّ‭ ‬للأطفال‭ ‬العرب‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬وتقلّباتها،‭ ‬وبهذا‭ ‬تعتبر‭ ‬المجلّة‭ ‬بحقّ‭ ‬مدرسة‭ ‬تثقيفيّة‭ ‬لناشئتنا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأقطار‭ ‬العربيّة،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تلافي‭ ‬جوانب‭ ‬القصور‭ ‬المشار‭ ‬إليها،‭ ‬فستعدّ‭ ‬حينئذ‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتبنّاه‭ ‬المنظّمة‭ ‬العربيّة‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم،‭ ‬باعتباره‭ ‬أملاً‭ ‬مازال‭ ‬يراودها‭.‬

مما‭ ‬تقدّم‭ ‬يتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬المجلاّت‭ ‬الموجّهة‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬العربيّة‭ ‬أدّت‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬صدورها‭ ‬أدواراً‭ ‬متباينة‭ ‬في‭ ‬تثقيف‭ ‬الطفل‭ ‬العربيّ،‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬بنّاء‭ ‬وهادف،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬إضحاك‭ ‬الطفل‭ ‬بأيّ‭ ‬وسيلة‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هزلاً‭ ‬عبثيّاً،‭ ‬أو‭ ‬يحمل‭ ‬بين‭ ‬طيّاته‭ ‬قيماً‭ ‬تهدم‭ ‬أكثر‭ ‬ممّا‭ ‬تبني،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التباين‭ ‬اختلاف‭ ‬مستوى‭ ‬إخراجها،‭ ‬بين‭ ‬مجلاّت‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الإثارة‭ ‬والإمتاع‭ ‬وبين‭ ‬مجلاّت‭ ‬رديئة‭ ‬ومنفّرة،‭ ‬وعموماً‭ ‬رغم‭ ‬انقطاع‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬منها‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬ولاتزال‭ ‬تتعرّض‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬ممّن‭ ‬تبقّى،‭ ‬فقد‭ ‬أدّت‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬أدوارا‭ ‬جدّ‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تثقيف‭ ‬الأطفال‭ ‬وإمتاعهم‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬نظرة‭ ‬شمولية‭ ‬لهذه‭ ‬المجلاّت‭ ‬نجدها‭ ‬لاتزال‭ ‬محتشمة،‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تفي‭ ‬بالأغراض‭ ‬المطلوبة،‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الغرب،‭ ‬تضع‭ ‬رهن‭ ‬إشارة‭ ‬أطفالها‭ ‬كلّ‭ ‬الطاقات‭ ‬والموارد‭ ‬البشريّة‭ ‬والمادّية‭ ‬والآليات‭ ‬الممكنة‭ ‬للرفع‭ ‬من‭ ‬مردودية‭ ‬صحافة‭ ‬الطفل،‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬جودتها‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬افتقارنا‭ ‬إلى‭ ‬خطّة‭ ‬متكاملة‭ ‬للترجمة‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬الأجنبيّة،‭ ‬وإلى‭ ‬ابتعادنا‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬وتناقض‭ ‬طرحنا‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬البهيجة‭ ‬في‭ ‬المجلاّت‭ ‬وما‭ ‬يضمّه‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬شؤون‭ ‬وشجون،‭ ‬مما‭ ‬يعبِّر‭ ‬عن‭ ‬أنّ‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬الثقافي‭ ‬مازال‭ ‬اجتهادياً‭ ‬ولم‭ ‬يُصبح‭ ‬بعد‭ ‬عملاً‭ ‬علمياً‭ ‬تقوده‭ ‬استراتيجيّة‭ ‬واضحة‭ ‬محدَّدة‭ ‬شاملة،‭ ‬تنبع‭ ‬منها‭ ‬أهداف‭ ‬ملائمة‭ ‬تُزوِّد‭ ‬الطفل‭ ‬بثقافة‭ ‬مناسبة‭ ‬وتُعِدّه‭ ‬لمستقبله‭ ‬إعداداً‭ ‬سليماً‭.‬

إنّ‭ ‬هناك‭ ‬مسؤوليات‭ ‬جسيمة‭ ‬منوطة‭ ‬بمجلاّت‭ ‬الأطفال‭ ‬العربيّة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الرقميّ،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونيّة‭ ‬والشبكة‭ ‬العنكبوتيّة‭ ‬مداها‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬وصار‭ ‬الجلوس‭ ‬أمامها‭ ‬والسقوط‭ ‬في‭ ‬سحرها‭ ‬تحدّياً‭ ‬كبيراً‭ ‬للكلمة‭ ‬المقروءة،‭ ‬حتّى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬مجلّة‭ ‬مصوّرة‭ ‬باهرة‭ ‬الإخراج‭.‬

ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬مجلاّت‭ ‬الأطفال‭ ‬توفير‭ ‬التأثير‭ ‬والإقناع‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ماتعة‭ ‬يحبّها‭ ‬الطفل‭ ‬ويُقْبِل‭ ‬عليها،‭ ‬لما‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬وتشويق،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬الإمتاع‭ ‬والتأثير‭ ‬والإقناع‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مخلصة‭ ‬لطبيعتها،‭ ‬معبِّرة‭ ‬عن‭ ‬وظيفتها‭ ‬بوساطة‭ ‬الفنّ،‭ ‬إنّها‭ ‬تنقل‭ ‬المعارف‭ ‬والقيم‭ ‬بشكل‭ ‬ضمنيّ‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬بوساطة‭ ‬الحكاية‭ ‬الشائقة،‭ ‬والقصص‭ ‬الممتعة،‭ ‬والمضامين‭ ‬المتعدّدة‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الأطفال،‭ ‬والحوادث‭ ‬المستمدّة‭ ‬من‭ ‬بيئتهم،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬الصوغ‭ ‬الفنّي‭ ‬لثقافة‭ ‬الأطفال‭ ‬