السينما المستقلة المفهوم والواقع

السينما المستقلة المفهوم والواقع

تُرى هل هناك سينما مستقلة بالمعنى الذي يحمله المصطلح في كتابات النقاد؟
مع الأسف، فإن أغلب المصطلحات النقدية في فن السينما مأخوذة من المفاهيم النقدية الأدبية التي سادت في القرن التاسع عشر  وبداية القرن العشرين، وراح النقاد يفسرون النص السينمائي المصور  على أنه نص مكتوب بالصور  بدلاً من الكلمات، وراحوا يطبقون عليه جميع ما ينطبق على النص الأدبي، سواء كان نثراً  أو شعراً, كالرومانسية، والتجريب, والكلاسيكية، وغيرها، ونسي كثيرون منهم أن السينما فن له طبيعة خاصة، تغلب عليه سمة العمل الجماعي، حتى وإن كان العمل ينسب في النهاية إلى المخرج, لكن تلك كانت مأساة، فكثير من الأفلام كان يجب أن تنسب إلى مَن كتبوها، في كل العالم المعاصر.

السينما‭ ‬عمل‭ ‬تجاري‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭,‬‭ ‬تتم‭ ‬صناعته‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منتج‭ ‬يمثل‭ ‬شركة‭ ‬لديها‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭,‬‭ ‬ويرصد‭ ‬الميزانية،‭ ‬ويدفع‭ ‬للإنتاج،‭ ‬والتأليف‭ ‬والإخراج‭ ‬والتمثيل‭,‬‭ ‬والدعاية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬ولكي‭ ‬تتصور‭ ‬ما‭ ‬يصرفه‭ ‬المنتج‭ ‬وشركته‭ ‬على‭ ‬الفيلم‭ ‬الواحد،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬أسماء‭ ‬عشرات‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭,‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأسماء‭ ‬المكتوبة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أي‭ ‬فيلم‭ ‬حديث‭ ‬من‭ ‬فنانين،‭ ‬أو‭ ‬فنيين،‭ ‬وسوف‭ ‬يروعك‭ ‬ذلك‭ ‬العدد،‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬السينمائيين‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬أجراً‭,‬‭ ‬وهذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬يجب‭ ‬توافره‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الفيلم،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬إنتاجاً‭ ‬ضخماً‭ ‬أو‭ ‬صغيراً‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬‮«‬إنتاج‭ ‬مستقل‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬ضخمة‭ ‬الإنتاج‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭. ‬

‭ ‬كانت‭ ‬المشكلة‭ ‬الأزلية‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التصوير‭,‬‭ ‬وجود‭ ‬كاميرات‭ ‬عملاقة،‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬شاريوه‭,‬‭ ‬وتستخدم‭ ‬أفلاماً‭ ‬للتصوير‭ ‬تصلح‭ ‬للاستخدام‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬وإذا‭ ‬تلف‭ ‬المشهد،‭ ‬فعلى‭ ‬مدير‭ ‬التصوير‭ ‬استحضار‭ ‬فيلم‭ ‬خام‭ ‬جديد‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬شكل‭ ‬الفيلم‭ ‬الخام‭ ‬وتكاليفه‭ ‬العالية‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬مختلف‭ ‬من‭ ‬الكاميرات‭ ‬صار‭ ‬لكل‭ ‬نوع‭ ‬درامي‭ ‬صورته،‭ ‬وبقيت‭ ‬الصورة‭ ‬السينمائية‭ ‬في‭ ‬الصدارة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬اختلف‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬استخدام‭ ‬الكاميرات‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬بعض‭ ‬أفلام‭ ‬السينما،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬فإن‭ ‬أصحاب‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬وقفوا‭ ‬ضد‭ ‬عرض‭ ‬الأفلام‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الأسماء‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭. ‬

‭ ‬المنتج‭ ‬السنيمائي‭ ‬تاجر‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬والفيلم‭ ‬السينمائي‭ ‬مشروع‭ ‬تجاري‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الربح‭ ‬الوفير‭ ‬حال‭ ‬عرضه،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬المنتج‭ ‬يخسر‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬يسبب‭ ‬له‭ ‬إفلاساً‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬منتجين‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬قامة‭ ‬آسيا‭ ‬مع‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الناصر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1963‭,‬‭ ‬وعليه‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬منتج‭ ‬يقوم‭ ‬بتمويل‭ ‬فيلم‭ ‬لوجه‭ ‬الفن،‭ ‬حتى‭ ‬صنَّاع‭ ‬الأفلام‭ ‬المستقلة‭. ‬

‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬هو‭ ‬القدرة‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬مثل‭ ‬إنتاج‭ ‬أي‭ ‬سلعة‭ ‬تجارية‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬سوقها‭ ‬القادرون‭ ‬والمحتكرون،‭ ‬والشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬بتكاليف‭ ‬محدودة‭ ‬بادّعاء‭ ‬أنها‭ ‬سينما‭ ‬مستقلة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬عالم‭ ‬التصنيع‭ ‬التجاري،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تجارة‭ ‬الأطعمة‭ ‬والملابس‭ ‬وفي‭ ‬عالم‭ ‬الخدمات‭. ‬وأيضاً‭ ‬في‭ ‬الفنون‭,‬‭ ‬ومنها‭ ‬معارض‭ ‬ومزادات‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭,‬‭ ‬وفي‭ ‬المسرح،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬مسرح‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬مجاناً‭ ‬للجماهير،‭ ‬وأيضاً‭ ‬مثل‭ ‬مباريات‭ ‬الكرة‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬السينما‭.‬

‭ ‬سيحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭,‬‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الاشتراكية‭ ‬ومنها‭ ‬الصين‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬سابقا‭. ‬

‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬التسميات‭ ‬المتعددة‭ ‬للفيلم‭ ‬المستقل‭ ‬إنه‭ ‬فيلم‭ ‬قليل‭ ‬التكاليف‭,‬‭ ‬وإن‭ ‬أصحابه‭ ‬يهتمون‭ ‬بتقليل‭ ‬التكاليف‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬لميزانية‭ ‬محدودة‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬فيلماً‭ ‬كامل‭ ‬العناصر‭,‬‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السينما‭ ‬الروائية،‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬تعريفاً‭ ‬واحداً‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬المنتج‭ ‬لا‭ ‬يبغي‭ ‬الربح‭ ‬بكل‭ ‬معانيه‭ ‬وأبعاده‭,‬‭ ‬والشواهد‭ ‬كلها‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬المنتج‭ ‬مغامر‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬قامت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الهواة‭ ‬بتدبير‭ ‬مبلغ‭ ‬مالي‭ ‬على‭ ‬نفقتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬لكن‭ ‬السمة‭ ‬المهمة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬مؤكدة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬فيلم‭ ‬وقبول‭ ‬المغامرة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬المنتج‭ ‬يريد‭ ‬فقط‭ ‬عدم‭ ‬الخسارة‭. ‬

‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬فإن‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬سمعت‭ ‬فيها‭ ‬مصطلح‭ ‬مقارب‭ ‬كانت‭ ‬عام‭ ‬1967‭,‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ ‬النجم‭ ‬السينمائي‭ ‬جورج‭ ‬بيبارد‭,‬‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬القبو‮»‬‭ ‬للمخرج‭ ‬دونالد‭ ‬ماكدوجال،‭ ‬تم‭ ‬إنتاجه‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬بسبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وهو‭ ‬مأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬للكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬التجريبي‭ ‬جاك‭ ‬كيرواك،‭ ‬وتأخر‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬التجريب‭,‬‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬الجمهور‭ ‬العادي‭ ‬لن‭ ‬يستوعبه،‭ ‬حيث‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬حول‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬يقومون‭ ‬بعمل‭ ‬فيلمهم‭ ‬الأول‭ ‬ويصوّرونه‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬ضيقة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الديكورات‭ ‬الفخمة،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬ديكورات‭ ‬الصالونات،‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬الهواتف‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬الأثرياء‭ ‬وحدهم‭. ‬

‭ ‬الغريب‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬نفسه‭ ‬أنتجت‭ ‬شركة‭ ‬فوكس‭ ‬فيلماً‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬ثواني‮»‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬جون‭ ‬فرانكنهايمر‭,‬‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬النجم‭ ‬روك‭ ‬هدسون،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بجانبه‭ ‬ممثلون‭ ‬مشهورون،‭ ‬ويدور‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ديكورات‭ ‬عادية،‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬الغرف‭ ‬المغلقة،‭ ‬وهو‭ ‬للعجب‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬التخيّل‭ ‬العلمي‭,‬‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬سمات‭ ‬الفيلم‭ ‬المستقل،‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬القبو‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬موضوعه،‭ ‬وكأن‭ ‬شركة‭ ‬فوكس‭ ‬للقرن‭ ‬العشرين‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منتجاً‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬عدنا‭ ‬للكاميرا‭ ‬الرقمية،‭ ‬فإن‭ ‬ظهورها‭ ‬قلل‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬إنتاج‭ ‬الأفلام،‭ ‬وفي‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬كانت‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬تقريباً‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬المدينة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬يسري‭ ‬نصرالله‭. ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬لبطولة‭ ‬الفيلم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬صاروا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬نجوماً،‭ ‬منهم‭ ‬بسمة،‭ ‬وباسم‭ ‬سمرة،‭ ‬والفيلم‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين،‭ ‬وقد‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬فيلم‭ ‬مستقل،‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬بكاميرا‭ ‬رقمية‭,‬‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬النقاد‭ ‬لم‭ ‬يطلقوا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬على‭ ‬أفلام‭ ‬نصرالله‭ ‬السابقة‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬تنطبق‭ ‬عليها‭ ‬سمة‭ ‬الأفلام‭ ‬الأقل‭ ‬تكلفة،‭ ‬ومنها‭: ‬‮«‬سرقات‭ ‬صيفية‮»‬،‭ ‬و«مرسيدس‮»‬‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬شارك‭ ‬التلفزيون‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الفيلم،‭ ‬وقام‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬بعرض‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬كريم‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها،‭ ‬وبذلك‭ ‬تم‭ ‬تدوين‭ ‬الفيلم‭ ‬ضمن‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬شاهدها‭ ‬الجمهور،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬لأيام‭ ‬قليلة،‭ ‬وحدث‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬لفيلم‭ ‬‮«‬شحاتين‭ ‬ونبلاء‮»‬‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬أسماء‭ ‬البكري‭,‬‭ ‬الذي‭ ‬عرض‭ ‬عام‭ ‬1991‭,‬‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬أحداً‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬قبو‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬فيلم‭ ‬مستقل،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لأنه‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬بكاميرا‭ ‬السينما،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬فيديو‭ ‬قد‭ ‬تسرب‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬المشاهدة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وسميت‭ ‬بأفلام‭ ‬المقاولات،‭ ‬وقد‭ ‬صنعت‭ ‬سوقاً‭ ‬سينمائياً‭ ‬حقق‭ ‬أرباحاً‭ ‬هائلة‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬رصدها‭ ‬أو‭ ‬دراستها‭ ‬بما‭ ‬تستحق‭,‬‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭ ‬أحد‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬أفلاماً‭ ‬مستقلة،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬فيلم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬العرض‭,‬‭ ‬أما‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتسرب‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬نتيجة‭ ‬لقوة‭ ‬منتجها‭ ‬فكان‭ ‬النقاد‭ ‬يحسبونها‭ ‬سينمائية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬العرض‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬تغير‭ ‬الأمر‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الكاميرا‭ ‬الرقمية،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬صناعة‭ ‬جديدة‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ«الأفلام‭ ‬الصغيرة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الأفلام‭ ‬قليلة‭ ‬الإنتاج‮»‬،‭ ‬وظهر‭ ‬مصطلح‭ ‬حاول‭ ‬أصحابه‭ ‬تأسيسه،‭ ‬وفرضه،‭ ‬وقد‭ ‬رافق‭ ‬ذلك‭ ‬ظهور‭ ‬شركات‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬فقيرة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وجدت‭ ‬صداها‭ ‬عند‭ ‬صنّاع‭ ‬المهرجانات‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وبدأت‭ ‬بعض‭ ‬المهرجانات‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬أقسام‭ ‬للمسابقة‭ ‬لهذه‭ ‬الأفلام،‭ ‬وأيضاً‭ ‬منح‭ ‬جوائز‭ ‬مالية،‭ ‬كانت‭ ‬تعادل‭ ‬العملية‭ ‬الإنتاجية‭ ‬أو‭ ‬تساندها‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان،‭ ‬وقد‭ ‬رأت‭ ‬المؤسسات‭ ‬السينمائية‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬تشغيل‭ ‬عمالة‭ ‬سينمائية،‭ ‬فقامت‭ ‬المعاهد‭ ‬السينمائية‭ ‬بتسويق‭ ‬أفلامها‭ ‬في‭ ‬المهرجانات،‭ ‬وقام‭ ‬معهد‭ ‬السينما‭ ‬بالقاهرة‭ ‬بعمل‭ ‬مهرجان‭ ‬خاص‭ ‬بأفلام‭ ‬مشاريع‭ ‬الخريجين،‭ ‬وهناك‭ ‬طالب‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكانة‭ ‬أسرته‭ ‬السينمائية‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬فيلمه‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬طيبة،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬ظل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭. ‬وظل‭ ‬المصطلح‭ ‬مبهماً‭ ‬غير‭ ‬واضح،‭ ‬لكن‭ ‬المنظرين‭ ‬ظلوا‭ ‬يكتبون‭ ‬بقوة‭ ‬لتحية‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأفلام،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يوجد‭ ‬إلا‭ ‬بقوة‭ ‬الكاميرات‭ ‬الرقمية،‭ ‬وقد‭ ‬وجد‭ ‬المخرجون‭ ‬الجدد‭ ‬أنفسهم‭ ‬يجمعون‭ ‬الميزانيات‭ ‬لملاحقة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وكانت‭ ‬المهرجانات‭ ‬هي‭ ‬الأرض‭ ‬الملائمة‭ ‬لهذه‭ ‬العروض‭. ‬أما‭ ‬أصحاب‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬التجارية،‭ ‬وأغلبها‭ ‬في‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية،‭ ‬فقد‭ ‬وقفوا‭ ‬ضد‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬صالاتهم‭ ‬الفخمة،‭ ‬وقامت‭ ‬المنتجة‭ ‬ماريان‭ ‬خوري‭ ‬بتخصيص‭ ‬قاعة‭ ‬عرض‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬مقابل‭ ‬سعر‭ ‬تذكرة‭ ‬محدد،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬زاوية‮»‬،‭ ‬وظهر‭ ‬جمهور‭ ‬جديد‭ ‬له‭ ‬ذوق‭ ‬مختلف‭,‬‭ ‬ومع‭ ‬الأحداث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مصر،‭ ‬رأينا‭ ‬أفلاماً‭ ‬مغايرة‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬نوع‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬المشاهدين‭ ‬أغلبهم‭ ‬شباب‭ ‬لهم‭ ‬ثقافتهم‭ ‬السينمائية‭ ‬الراقية،‭ ‬وهم‭ ‬ضد‭ ‬السينما‭ ‬التجارية‭ ‬السائدة،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬عرض‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بالقرصنة‭ ‬على‭ ‬الأفلام‭ ‬الجديدة‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬محمد‭ ‬خان‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬فيلمه‭ ‬‮«‬كليفتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬عام‭ ‬2005‭,‬‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬قد‭ ‬مني‭ ‬بخسائر‭ ‬مالية،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬يحمل‭ ‬سمات‭ ‬المخرج‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭,‬‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬من‭ ‬فتحوا‭ ‬الباب‭ ‬لأجيال‭ ‬جديدة‭ ‬لعمل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السينما،‭ ‬ومنهم‭ ‬ابنته‭ ‬نادين‭ ‬خان‭ ‬صاحبة‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬هرج‭ ‬ومرج‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬الأب‭ ‬بالتمثيل‭,‬‭ ‬أما‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬كليفتي‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬استعان‭ ‬فيه‭ ‬خان‭ ‬بممثلين‭ ‬جدد‭,‬‭ ‬منهم‭ ‬باسم‭ ‬سمرة،‭ ‬ورولا‭ ‬محمود،‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬كممثلة‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬أخرى،‭ ‬منها‭: ‬‮«‬الساحر‮»‬‭ ‬لرضوان‭ ‬الكاشف‭,‬‭ ‬و«مواطن‭ ‬ومخبر‭ ‬وحرامي‮»‬‭ ‬لداوود‭ ‬عبدالسيد‭,‬‭ ‬والفيلم‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭ ‬أسوة‭ ‬بأفلام‭ ‬المخرج‭ ‬محمد‭ ‬خان،‭ ‬حول‭ ‬الشاب‭ ‬آدم‭ ‬الذي‭ ‬تربى‭ ‬في‭ ‬الملاجئ،‭ ‬ويمارس‭ ‬النصب‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬ويخسر‭ ‬حبيبته‭ ‬التي‭ ‬تتركه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خطيب‭ ‬حقيقي‭. ‬جدير‭ ‬بالذكر‭,‬‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬قد‭ ‬قل‭ ‬الإقبال‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬ومنهم‭ ‬خيري‭ ‬بشارة‭ ‬الذي‭ ‬أخرج‭ ‬فيلماً‭ ‬قليل‭ ‬التكاليف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬في‭ ‬القمر‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2007‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬محمد‭ ‬خان‭ ‬الحضور‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬أفلامه‭ ‬التالية،‭ ‬فكان‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬عون‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬ومن‭ ‬مهرجانات‭ ‬خليجية‭. ‬وكانت‭ ‬أغلبها‭ ‬قليلة‭ ‬التكاليف‭ ‬بلا‭ ‬نجوم،‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬فيلماه‭ ‬الأخيران‭: ‬‮«‬فتاة‭ ‬المصنع‮»‬‭ ‬و«قبل‭ ‬زحمة‭ ‬الصيف‮»‬‭. ‬

‭ ‬أما‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬الوقوف‭ ‬عنده‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬الخروج‭ ‬للنهار‮»‬،‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬هالة‭ ‬خليل‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬وهو‭ ‬يدور‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬شعبية،‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬أسرة‭ ‬فقيرة،‭ ‬الأب‭ ‬صامت‭ ‬داخل‭ ‬نفسه‭,‬‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬صوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم،‭ ‬والابنة‭ ‬بلغت‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ارتباط،‭ ‬وتعتني‭ ‬بأبيها،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الفيلم‭ ‬بمنزلة‭ ‬فارس‭ ‬سينمائي‭ ‬امتدحه‭ ‬النقاد،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجوائز،‭ ‬والتكريمات‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬لتجارب‭ ‬أخرى،‭ ‬منها‭: ‬‮«‬عشم‮»‬‭ ‬لماجي‭ ‬مرجان،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬تجارب‭ ‬أخرى‭ ‬سابقة،‭ ‬منها‭ ‬‮«‬هوليوبوليس‮»‬،‭ ‬و«حاوي‮»‬‭ ‬لإبراهيم‭ ‬البطوط‭,‬‭ ‬و«بصرة‮»‬‭ ‬لأحمد‭ ‬رشوان‭.‬

‭ ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬فإن‭ ‬كبار‭ ‬المخرجين‭ ‬اتجهوا‭ ‬للأفلام‭ ‬قليلة‭ ‬التكاليف‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬الأجيال‭ ‬التالية،‭ ‬ومنها‭ ‬الأخوان‭ ‬شريف‭ ‬وعمرو‭ ‬عرفة،‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬ضخمة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬يعزفون‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المهرجانات،‭ ‬ويتهافتون‭ ‬على‭ ‬مهرجانات‭ ‬الخليج‭ ‬السينمائية‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬مكافأة‭ ‬مغرية،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تغير‭ ‬مصطلح‭ ‬السينما‭ ‬التجارية‭.‬

‭ ‬المنتج‭ ‬هو‭ ‬هو‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭,‬‭ ‬هدفه‭ ‬الإنتاج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خسائر،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬فيلم‭ ‬قليل‭ ‬أو‭ ‬كثير‭ ‬التكاليف‭ ‬أو‭ ‬كثيره،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬صنعوا‭ ‬الأفلام‭ ‬المستقلة‭ ‬الجديدة‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يطمحون‭ ‬
إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬تجارية،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬ذلك‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬تعاون‭ ‬يسري‭ ‬نصرالله‭ ‬مع‭ ‬شركة السبكي‭ ‬في‭ ‬فيلمه‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬الماء‭ ‬والخضرة‭ ‬والوجه‭ ‬الحسن‮»‬‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المخرج‭ ‬يستطيع‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭,‬‭ ‬وأن‭ ‬يفرض‭ ‬فيلمه،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬جميع‭ ‬المخرجين‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬أسلوبهم‭ ‬وأفلامهم‭ ‬على‭ ‬المنتجين‭ ‬