أصيلة.. عادات وتقاليد رمضانية

أصيلة.. عادات وتقاليد رمضانية

في مختلف أقطار الأمة الإسلامية يتجدد الاحتفال السنوي بشهر رمضان المبارك على أكثر من وجه. هنا نعيش صفحات من صور تاريخية، بعضها لايزال حاضرًا، يسطرها أهالي مدينة «أصيلة» المغربية.

عندما يحل شهر شعبان يسود عند المجتمع الأصيلي التفكير والاستعداد في استقبال شهر رمضان، وذلك في أول عمل التنظيف أو ما يسمى «التَخْمَالْ» للبيوت مما علق بها من غبار، ونسيج خيوط العنكبوت إذا كانت، والدوران في الأركان - زاويا الغرف - وتبييض الجدران الداخلية للغرف والخارجية للدور بالجير الأبيض والأزرق ليصير لونها سماويًا والمطابيخ - كيشينات - في الأغلب باللون الأصفر، وصباغة الأبواب، والنوافذ إذا كانت باللون الأخضر في الغالب، وتسمى هذه العملية التنظيفية - العواشر - وخارجيًا يتولى الأطفال تنظيف الكتاب القرآني، تحت إشراف الفقيه، بإخراج الحصير وتنظيفها من الغبار، وما علق بها من حشرات.. بضربها بالعصي، ثم إلقائها على الأرض بعد تنظيفها أو على جدران إحدى المنازل لتتعرض لأشعة الشمس ساعات، ثم ترجع إلى مكانها في الكتاب بعد صباغة جدرانه بالجير الأبيض فقط، وصباغة بابه باللون الأخضر.

وفي منتصف شعبان، اليوم الخامس عشر منه، ويسمى هذا اليوم - النسخة - حيث يعتقد أن في هذا اليوم تنسخ الأرواح التي ستلتحق بخالقها، وستحل محلها أرواح أخرى بالولادات الجديدة في العام المقبل، وترحل في هذا اليوم العديد من الأسر الأصيلية التي لها قدرة مادية إلى ضريح مولاي عبدالسلام بن مشيش لحضور موسمه الديني الذي يؤمه الزوار من جميع المناطق الشمالية. ويعتبر حضوره بمنزلة (حج الفقراء)، وأما الأسر الأصيلية التي كانت لا تقدر على الذهاب إلى هذا الموسم لسبب مادي أو غيره، فتقتصر على زيارة منتزه رويضة - تصغير روضة - مولاي عبدالسلام بن مشيش، خارج المدينة القديمة في الجهة الشمالية باعتبار أنها تقابل جغرافيًا موقع الضريح المذكور في الجهة الغربية الشمالية، وذلك للاستمتاع بالنظر إلى ذلك الموقع، والطبيعة.

وفي آخر هذا الشهر، تنظم حفلة - شعبانة - حيث تجتمع النساء مع بعضهن والرجال بمفردهم، في البساتين - العراسي - إذا كان الجو جميلاً، وتعد المآدب الشهية المشتركة، ويقرأ القرآن الكريم، والمدائح النبوية، والترفيه بالأحاديث اللطيفة، وسرد الذكريات والتنكيت، والغناء - الطقطوقة الجبلية - و«عيطة عيوع»، وقصائد الآلة الأندلسية إلى حدود زمن قرب أذان المغرب، فيعود الجميع إلى الدور.

إلى دار الباشا

وفي اليومين الأخيرين من هذا الشهر، بعد صلاة العصر، يتوجه الكبار والصغار إلى أماكن معلومة بالمدينة القديمة وخارجها لمراقبة بزوغ هلال رمضان بساحة «تيريرو» أو ساحة القمرة أو بساحة «دار الباشا» أو «الطيقان» «وبرج القريقية» و«باب الحمر» وأماكن أخرى، وتوجه الأنظار كلما قرب مغيب الشمس إلى السماء باحثة ومقلبة، مع إشارات بإبهامات الأيدي في محاولة رصد للهلال، وأحيانًا بسرد مرجعية ظهور بشهر رمضان الماضي، ويقلدهم الصغار في الحركات والتصرفات، وفور بزوغ الهلال في كبد السماء، تسود وتعم التهنئة بين المراقبين الكبار، وتنتقل إلى السائلين المارة بعد الاستفسار.. وينطلق الصغار انطلاقة الفئران المذعورة بأفئدة مفعمة بالفرح والسرور بإشاعة خبر شهر رمضان، بالصيام: ظهر شهر رمضان، جاء رمضان. ويسود الجو فرحة أخرى تتمثل في زغاريد النساء المراقبات كذلك لظهور هلال رمضان من فوق سطوح المنزل، ويشاركهن الفرحة الصغيرات بالزغردة والتصرفات متبوعة بالتهنئة، والأدعية، كالرجال، في إدخال هذا الشهر المبارك على الجميع بالخير والبركة، والصحة والعافية، وطول العمر، والتمني بعودته بالمتمنيات نفسها، وفي الختام نزولهن من السطوح إلى الداخل، وكلهن استعداد لتهيئة أول سحور.

أما الصغار فوجهتهم إلى حيث يقبع مدفع رمضان، ليتمتعوا برؤيته ولحظات الطلقات، إيذانًا بحلول شهر رمضان، ويتوجون فرحهم عند سماع كل طلقة بكلمة تعبيرية: «هي.. هي..» بعدها يقصدون ساحة جامع الزّكوري بالمدينة القديمة ليتابعوا أو يشنفوا أسماعهم بنفحات «النّفار» من فوق مئذنة جامع الزكوري مع تشجيعه بكلمة - «هي... هي» عند كل نفخة تصدر من النفير، ثم يأتي دور الغياط بإنشاد المدائح أو الأذكار.

للكبار والصغار

ومن نشاط الأطفال نهارًا أيام الصيام، تتداول فيما بينهم خدعة: هل أنت صائم؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب يطلب من المسئول إخراج اللسان، وعند إخراجه دون الانتباه إلى الفخ، وعن حسن نية يقال له: لقد بصق الشيطان على لسانك، فأنت فاطر رمضان، فيصاب الطفل بخيبة وتحسر.. وقد يصل الأمر إلى حد العراك كما ينهجون الأسلوب الضبطي في حالة الإفطار... عند صغير أما لدى ضبط كبير مفطر فيواجهونه بصوت جماعي وجهوري لإثارة الانتباه «الوكل رمضان اركبي دل القرآن» بمعنى يا آكل رمضان يا قوي كالحصان الخسيس» وتكرر مرات، لإثارة انتباه الناس والتشهير به.

أما نشاط الكبار في شهر رمضان فيتمثل في قضاء الحاجات الضرورية، والإضافية في هذا الشهر ما يسمى «شهيوات رمضان» والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يفسد صيامهم، ودعوة كل من رأوه في خصام أو جدال.. إلى الابتعاد عن ذلك وقول: «اللهم إني صائم» وبعد الإفطار يتوجهون إلى المساجد للمشاركة في صلاة التراويح، وقد يرافقهم أبناؤهم، وبعدها الانطلاق للزيارات الأسرية أو الأصدقاء.. أو التجمع للسهر أو وقت السحور في المقاهي للحديث.

أما حركة الإناث في هذا الشهر فتنصرف إلى التدبير المنزلي ومنه إعداد الفطور، المتكون من شربة الحريرة التي تقدم لكل طالب لها من حلويات عسلية تكون في الغالب قد أعدت في أواخر شهر شعبان وأوائل رمضان: شبكية مقروط، مخرقة.. إلى جانب هذا: تين، وثمر، وفطائر أحيانًا، ثم شاي أو قهوة وحليب عند البعض، وبعد الفطور يأتي الخروج والتزاور مع بعضهن، والتجمع في الدور للسمر، بصنع المعجنات - الشعرية بأنواعها أو الطرز، أو تلاوة المدائح والأذكار، أو الغناء.. إلى حين اقتراب موعد السحور، ثم العودة إلى بيوتهن لإعداد وجبة السحور، وإعداد الشاي، أو حليب مغلي، أو مع قهوة، وخبز «الماقلة» ويسمى المخامر المطبوخ على آنية من خزف، وليس بالفرن العمومي، وهناك من يفضل السحور - بالطجين - الذي قد أعد وقت إعداد الفطور، وقد يكون من لحم أحمر، غنم، بقر، أو دجاج بالخضر، أو أو طجين سمك بالطماطم وحدها أو إضافة البطاطس والخضراوات كل حسب رغبته وطاقته المادية.. ولكن غالبًا ما يفضل السحور الخفيف تجنبًا للعطش، خاصة وأنه بعد الفطور بقليل أو حتى أذان العشاء، تقدم وجبة العشاء، والاحتراز، عند السحور من مفاجأة طلقات المدفع الأخير أو ما يسمى «القطوع» بعد أذان الفجر وصلاته.

يوم التنشئة الرمضانية

يوم 26 من شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، يعد عند المجتمع الأصيلي يوم التنشئة الرمضانية الدينية للطفل. في هذا اليوم يلقن ويشجع الطفل لأول مرة على درس في الصيام، لتعليمه الصبر على الجوع، والعطش، طيلة اليوم استعدادًا لصيام أيام في المستقبل، ثم صيام شهر رمضان بكامله عند البلوغ لإتمام ركن من أركان الإسلام.

في هذا اليوم المبارك، نرى الأطفال بلباس تقليدي جديد, الذكور: قندورة، جلباب، طربوش أحمر، وبلغة، والإناث: قفطان، دفينة، حزام تقليدي، مضمة من الحرير، وشربيل، ويعطي لهم بقشيش - بليون حسني - وبعده عملات أخرى حملت محله، البسيطة الإسبانية، آخر عملة قبل الاستقلال، وحاليًا الدرهم المغربي.

يعتبر هذا اليوم موسمًا، فأغلب الأزقة بها بقع حمراء قانية من دم الدجاج وعبق الفطائر - لفتات - الرغائف، وشربة الحريرة، وتوابل طهي الدجاج هي العامة.. وتزين جدران البيوت بنبات - الريحان - وأعواد بخور الند في الجهات البارزة، وحرق أنواع البخور، الشرقية - التباخر - في المباخر أو المجامير بعد الفطور، مع رش ماء الزهور المقطر، وترك جميع المصابيح منارة إلى وقت السحور تعظيمًا لهذه الليلة، والشيء نفسه بالنسبة لباقي أحياء وشوارع المدينة، وأبواب المساجد، والأضرحة، والزوايا.. تقديرًا لهذه الليلة، التي تسلسل فيها الجن والعفاريت والشياطين لكف وإبعاد شرها عن إيذاء خلق الله، وتفتح أبواب السماء لقبول الدعوات.

بعد تناول الفطور يخرج الجميع، الذكور الصغار في الغالب مع آبائهم إلى المسجد لصلاة التراويح، وبعدها زيارة الأحباب، و«التشهير» بيوم صيام أولادهم، ثم التنزه في المدينة وفي أماكن قد يكون محرمًا على الأطفال الذهاب إليها في الأيام العادية خوفًا عليهم من التلف أو غيره، وكذا الصغيرات يخرجن مع أمهاتهن لزيارة الأهل والأحباب وكذا «التشهير» والتشجيع للصغيرات على صيام اليوم الأول، وزيارة الأضرحة وإشعال الشمع للتبرك، وتذكرًا لأعزاء من آباء وأهل وأحباب في القبور.. والتنزه بالمدينة إلى وقت السحور بالرجوع إلى الدور لإعداد السحور.

في الأيام الأخيرة، وبالضبط في الأسبوع الأخير من رمضان يبرز إشعار الصغار للآباء بقدوم العيد، وذلك بإملاء رغباتهم عليهم في ارتداء ملابس وبدل جديدة يرغبون في الظهور بها يوم العيد، وكذا إذكاء حماس الرغبة في صنع حلويات العيد، ومعرفة من هم الضعفاء الذين ستوزع عليهم زكاة الفطر في العيد، مع إلحاحهم التنافسي بتوزيعها، على الذين يستحقونها ويستحون من طلبها كالأرامل، واليتامى، والمطلقات اللائي لا معيل لهن، فيكون الجواب: «لن يكون إلا خاطركم» وتغمرهم فرحة أخرى باقتراب عطلة العيد «التحرر» من الذهاب إلى الكتاب، أو ما يسمى «التحريرة» بعد أذان مغرب آخر أيام رمضان، وتلاوة القرآن الكريم وإنشاد المدائح النبوية، مع توزيع كئوس الشاي، وقبل أذان العشاء ينصرف الصغار إلى دورهم، ويظل الطلبة الكبار يتلون ما تبقى من الأحزاب القرآنية، والمدائح النبوية، بعدها فترة الاستراحة، والتسلية، بالتنكيت على بعضهم البعض، أو حكاية النوادر، والحكايات الشعبية الخرافية إلى زمن السحور، فيفترقون، ويعتبر هذا اليوم بداية لعطلة العيد التي تدوم أيامه سبعة أيام، وتسمى عطلة سابع العيد.

أما حركة الكبار - الآباء فتتضاعف كلما قرب يوم العيد بالذهاب إلى الحمامات العمومية لاستحمام الآباء والأبناء، وبعده إلى الحلاقين للحلاقة، ثم اقتناء بدلات العيد حسب الاستطاعة المادية وكذا العمل على شراء القمح أو الشعير، أو الذرة بأنواعها، حسب الاستطاعة وحسب المستوى المعيشي السنوي وتسمى «الفطرة» أي زكاة الفطر، وتقدر بكيل من الخشب يسمى «السُّني» نسبة إلى ما قررته السنة النبوية من حصة زكاة الفطر، وشكله مربع، ويملأ عن آخره بأربع حفن كبيرة وزنها يقدر كيلوغرامين، لكل فرد في الأسرة سواء كان حاضرًا أو غائبًا في سفر، أي جميع أفراد الأسرة الذين هم تحت الكفالة أو لم يكونوا بعد أسرهم، وقد تضاف أحيانًا كمية من الفطرة أو زكاة الفطر على القدر المعين كصدقة.

وفي اليومين الأخيرين قبل أذان المغرب يتجمع الكبار والصغار في الأماكن المعلومة لمراقبة حلول شهر شوال إعلانًا بانتهاء الصيام، وبظهور الهلال في السماء تدب في المدينة حركة لا تقل عن حركة شهر رمضان إلى آخر سحور ليلة العيد، وتتولى الأمهات مهمة تكليف الأطفال بتوزيع حق زكاة الفطر على مستحقيها، وكلهم فرح، وسرور وتعطي لكل الطالبين لها قبل السحور، وتعد الفطائر - الرغايف، والسفنج - وتدوم هذه الحركة العملية إلى الصبح، بعدها تهيأ صواني الشاي، وملء الصحون بالحلويات، وباقي الفطائر، في انتظار انتهاء صلاة العيد، وضربات المدافع علامة على انتهائها وقدوم الآباء منها.. وكل طالب لزكاة الفطر - الفطرة - في هذا الوقت يجاب «طلعت الفطرة» أي وزعت جميعها.

كل عام وأنتم بخير

بعد صلاة العيد، تسود التهنئة والتبريك بالعيد بين المصلين والعابرين لهذا الزقاق أو الشارع أو ذاك، ثم تنتقل إلى الدور بين الآباء والأبناء، بقول «تعيدوا تعيدوا بالصحة والهناء، وطول العمر»، ويعم جو واحد في المدينة برشف كئوس الشاي وأكل الحلويات والفطائر واستقبال المهنئين وزيارتهم بعد التزين بالبدلات العيدية وإعطاء الأطفال البقشيش، لرفع فرحهم العيدي وإشعارهم به، وإعطائهم كذلك حرية التصرف المادية بشراء ما يرغبون فيه من حلويات ولعب، أو ركوب ناعورة أو قارب للتنزه داخل الميناء، أو ركوب حافلة للتنزه خارج المدينة، ولا يفوت الأطفال مرافقة «النفار» عند طلبه زكاة الفطر، والطبال، و«الغياط»، كذلك، والفرقة الموسيقية العسكرية التي كانت تبارك العيد للباشا، والقاضي، وضباط الجيش المغاربة في القوات العسكرية الإسبانية، وبعض أعيان المدينة ثم الطواف في المدينة.

ويختم هذا اليوم بالتندر بين المعيدين الكبار، بمزحة مفادها «في الزلافة الأخيرة تبدأ قرون كبش عيد الأضحى في الظهور»، بمعنى في اليوم الأخير من رمضان وفي الحصة الأخيرة من شربة الحريرة يبدأ التفكير في أضحية عيد الأضحى.

إن العادات والتقاليد، التي تحدثنا عنها قبل حلول شهر رمضان وخلاله، ترجع إلى قرون، البعض منها اندثر كإقامة حفلة شعبانة بالخروج إلى الطبيعة، نتيجة للتوسع العمراني واندثار الحدائق وتحويلها إلى عقارات - دور سكنية في الغالب ومخازن - وازدياد السكان، والهجرة من البادية إلى المدينة، وتغيرت العقلية بالتفتح على المدن المجاورة، والبعيدة بعد الاستقلال واندثار ماكان يسمى بـ «العشوي» أو «العشية» و«النزهات» بدخول التلفزيون إلى الدور، بعد سنة 1962، وقلت رحلة التوجه إلى ضريح مولاي عبدالسلام بن مشيش، بالرغم من توافر الامكانات ووسائل النقل، خلافًا لما كانت عليه في السابق، وتوقف الخروج إلى - رويضة - مولاي عبدالسلام بن مشيش بظهر المدينة. وقل ذبح الدجاج بزنقة - الحجامة - من طرف الحجامين لاندثار هذه المهنة وروّادها، وحلت محلها الحلاقة العصرية والتوجه إلى طبيب الأسنان، والختان، والحجامة... وحلت بالزقاق متاجر الألبسة.

  • كما اختفت مراقبة الهلال كما كان عليه في السابق من قبل الرجال والنساء، والأطفال فوق السطوح، وزغاريدهن، وحلت محل ذلك كله المراقبة الرسمية وانتظار بلاغ وزارة الأوقاف عبر وسائل الإعلام البصرية والسمعية، والمكتوبة.
  • واختفى مدفع رمضان للإشعار بالفطور وأذان المغرب، ووقت السحور الأول والثاني، وانتهاء صلاة العيد، وحلت محله الصفارة الكهربائية أو ما يعرف عند الأصليين «الزوّاكة» بعد حصول المغرب على استقلاله.

تغيرت كذلك وجبة الفطور عند الكثيرين بإضافة مواد غذائية أخرى، وكذا وجبة السحور، وهذا راجع إلى تغير مستوى المعيشة نوعًا ما عند الكثيرين، وتغيرت العقلية الغذائية لاعتبارات صحية، وتبعًا لانتشار الوعي الصحي، وكذا العادات الذوقية.

وقل لعب الأطفال إلى وقت السحور بساحة جامع الزكوري بالمدينة القديمة، ونهائيًا بعد توقف النفار، والغياط من أداء مهمتهما الرمضانية في التسعينيات بمئذنة جامع الزكوري الذي أقفل لإصلاحه، وبالرغم من إتمامه منذ ما يقرب من أربع سنوات، فهو مازال مغلقًا، إلى جانب هذا تغيرت عقلية الأطفال بتتبعهم على شاشة التلفزيون الرسوم المتحركة، والمسلسلات، والأفلام، وهذا بدوره أضعف إن لم أقل قتل نهائيًا وسيلة من أهم الوسائل للتثقيف، عبر سرد الحكاية الشعبية، التي كانت في أصيلة مزدهرة خاصة في شهر رمضان، وفصل الشتاء، فكانت هي من الوسائل التثقيفية خارج وداخل البيوت من طرف الجدات والآباء، والأطفال فيما بينهم.

تغيرت زكاة الفطر عند الكثيرين، حيث تحولت من إعطاء القمح، والشعير والذرة... دون طحن، إلى طحين من القمح بعدما أصبح المغرب بعد الاستقلال يتوافر على شركات الطحن القمح، واندثار المطاحن المحلية الصغيرة تقريبًا والقليلة، والتي كانت زمن الاستعمار بعد سنة 1926، التي دخلت فيه الكهرباء إلى أصيلة وبعد الاستقلال، وتحولت كذلك عند الكثيرين من الطحين إلى تقديرها نقدًا، وإعطائها لاعتبارات على أن مستحقيها ربما يحتاجون إليها نقدًا ليشتروا بها حاجيات تخصهم.

وتغيرت إقامة الصلاة في المصلى خارج المدينة إلى الصلاة بالمسجد لعدم وجود مصلى لصلاة العيد، لأن المصلى القديم أهمل وأصبح في وسط المدينة.

  • كما اندثرت مظاهر الترفيه التقليدية ليوم العيد، الناعورة القديمة، ركوب القارب، وبقيت السينما الوحيدة في المدينة، والتي يرجع بناؤها إلى سنة 1936، والتي بدورها بدأت تفقد مهمتها الترفيهية لشيوع الفضائيات.

حدث أيضًا انقراض الكتاتيب القرآنية، وآخرها كتاب جامع الزكوري بالمدينة القديمة، وقل روّادها من الأطفال وحلت الروضة والمدرسة واندثرت حفلة للابيضة التي كان موعدها في 15 رمضان أو 20 منه. تغير كذلك سلوك الناس تجاه المفطر، بالتشهير به من طرف الصغار، والكبار، جهرًا، وكان الأمر قد يصل إلى حد الرجم بالحجارة، أما اليوم، فيكتفي بالاحتقار فقط أو عدم المبالاة لشيوع الشهادة الطبية لمرض ما أو مانع ما، وحرية الفرد في الصيام وعدمه، والقانون فوق الجميع.

فمن خلال هذا العرض، يتبين أن المجتمع الأصيلي طالته مظاهر التغيير الاجتماعي في عاداته وتقاليده الرمضانية، وهذا ناتج عن زيادة تفتحه على المجتمعات المجاورة والبعيدة عن طريق الرحلات للتعلم، والسياحة من جهة، وتعامله مع الأجهزة العلمية الحديثة: كالراديو، التليفون، السينما... بتفهم، حيث يبدو في بنيانه الاجتماعي أنه تقبل الحداثة وأثرها، وفي الوقت نفسه، حافظ على بعض العادات والتقاليد الرمضانية، وصيام شهر رمضان كركن من أركان الإسلام، وهو بهذا جمع بين الحداثة، والأصالة، فهو في نظرنا في هذا الجانب والجوانب الاجتماعية الأخرى، انتقل إلى الحداثة الاجتماعية في هدوء، وتفهم، وبعد نظر، وهذا ليس بغريب، فهو المجتمع الذي عاش التغيرات السوسيو - تاريخية عبر الحضارات، التي عرفها عبر التاريخ.

 مصطفى عبدالسلام المهماه 





قرب الافطار يسعى الصائمون لترطيب الشفاه بشراب، في الصورة بائع العرقسوس المغربي بالزي التقليدي





بعد صلوات التراويح يجتمع الرجال في الطريق للسهر، حتى وقت السحور





مواطنان من أصيلة، في زي تقليدي، وقد طوى احدهما مظلته، بعد أن طوت الشمس صفحة حرارتها