الفنانة التشكيلية إيلين كوبر في بيروت: الفن هو الحب

 الفنانة التشكيلية إيلين كوبر في بيروت:  الفن هو الحب

افتتحت «ليتيسيا غاليري» معرض Under the Same Moon للفنّانة البريطانية إيلين كوبر، التي حضرت إلى لبنان خصيصاً لهذه المناسبة، وحضر المعرض الافتتاحي الأوّل للغاليري شخصيات اجتماعية وفنية ولفيف من محبي الفن. وذلك في برج السارولا وسط شارع الحمراء في بيروت.

تحدثت في افتتاح المعرض أنّي فارتيفاريان، المؤسسة الشريكة، ومديرة ليتيسيا غاليري، مرحبةّ بالفنّانة كوبر التي «تشاركنا في المعرض الافتتاحي، ونهدف من خلال افتتاح هذه الصالة الجديدة إلى توسيع الساحة الفنيّة المزدهرة في بيروت، لتشمل فنّانين عالميّين معروفين».
قدّمت الفنانة في معرضها مجموعة من اللوحات والأعمال التي استلهمت فيها الجديد من رؤيتها لمكانة بيروت كميناء آمن ولتاريخ لبنان كبلد يملك إرثاً ثقافياً عريقاً وجمالاً طبيعياً فريداً. وتقدّم لوحاتها استكشافاً للأساطير اللبنانية وسط مناظر مشبّعة بنور الشمس الشرق أوسطية الدافئة.
وكانت كوبر قد زارت لبنان في مرحلة سابقة، واستلهمت الصور والعبر من شجر الأرز الشامخ، كما تعبّر دائماً. فنّانة لطالما استقت أعمالها من رمزّية الأشجار والأساطير التي ترافقها، حيث انبهرت بجمالها وحجمها وصلابتها. 
تنسجم هذه الأعمال فيما بينها كأساس جامع لمعنى الصورة الناطقة بالتاريخ والحب. إذ تشكل مجموعة من الأعمال الخاصة التي تعرض تاريخها كفنّانة واقعية مذهلة تستكشف الطبيعة التحويلية للّحظة الواحدة. وينبع عملها من وجهة نظر أنثوية، فيأتي جريئاً وناعماً، تتخلله ومضات نورانية. 
وعن فكرة إقامة معرضها في بيروت تقول كوبر: لقد حالفني الحظ بأن التقيت أشخاصاً رائعين قدّموا إليّ فرصة غير متوقعة لزيارة بيروت، وبعد رحلة قصيرة، لكن صعبة، عرفت أنّني أريد أن أنفّذ مجموعة من اللوحات استجابة لتلك التجربة. شعرت بإحساس غامر من التاريخ والجمال في لبنان، وبشكل خاص من خلال المناظر الطبيعية وأشجار الأرز العظيمة والأساطير القديمة.

الأكاديمية الملكية
ولدت كوبر في غلوسوب بمقاطعة ديربيشاير، في عام 1953، وبدأت الرسم منذ صغرها. كانت في سنّ السابعة عشرة عندما ذهبت إلى معهد التعليم التكميلي المجاور في Ashton-under-Lyne، حيث أكملت دورة أساسية في الفنّ والتصميم، لتنتقل بعدها إلى جنوب لندن وتدرس في كلية جولد سميث (1971- 1974)، ومن ثمّ في الجامعة الملكيّة للفنّ على يد الفنّان البريطاني بيتر دي فرانسيا، وتتخرّج في عام 1977.
تمّ انتخابها المرأة «الأكاديمية الملكيّة» في عام 2001، ليتمّ تعيينها، بعد بضع سنوات، مسؤولة عن قسم الطباعة الفنيّة في المدارس الأكاديمية الملكيّة.
وفي عام 2011، أصبحت أمينة الأكاديمية الملكيّة (وهي المرأة الأولى التي يتمّ انتخابها لهذا المنصب منذ أن انطلقت الأكاديمية في عام 1768)، وبقيت في هذا المنصب حتّى العام الماضي، مع تولّي المسؤولية الكاملة في المدارس الأكاديمية الملكيّة. تضمّن عمل كوبر الأخير كأمينة في الأكاديمية الإشراف على المعرض الصيفي السنوي للأكاديمية لعام 2017.
كما أنها درّست في الـ St. Martins School of Art، Royal College of Art، وRoyal Academy Schools. وتم عرض أعمالها في المملكة المتحدة، وأوربا، وأميركا الشمالية وآسيا.
بقيت كوبر، طوال مسيرتها، متمسّكة بتصوير الأشخاص. فمنذ بداياتها في مجال الرسم الموضوعي، خاصة رسم الشخصيات، شكّلت المرأة أساساً لرسوماتها. وفي أعمالها الأولى، برزت الأنثى عارية غالباً، أو بالأحرى مرتدية الألوان، كما تفضّل كوبر أن تصفها.
وكانت الشخصية، التي غالباً ما تكون وحدها - والتي كان كثيرون ينسبونها إلى الفنّانة بذاتها - غير أنّ كوبر كانت تصرّ على «أنّها تعبّر عنك أو عنّي أكثر منها».

شخصية حالمة
تملأ الفنانة المكان، راقصةً، متسلّقةً، متأرجحة. إنها حركة نشاطها ووعيها في الفن والعمل، كما أنها استخدمت الأشياء والعناصر الغريبة والكبيرة في إنتاج وتحقيق طموحها الفني، فقد تضمّنت الأدوات التي كانت تستخدمها، كالسلالم، والأراجيح، والقوارب، وفرش الرسم، وحتّى «المجرفة». 
كانت كوبر وما زالت الشخصية الحالمة الجاهزة المجّهزة للعمل، وقد تنام في أي لحظة إذا استدعى الفن والخيال ذلك، حيث «تتوالد الفرصة الإبداعية، وتصبح هناك فرصة الحلم محط التركيز الذي يؤسس للجمال والفن واللون». 
يبقى عمل كوبر، بالرغم من تجذّره في العالم الحقيقي، مليئاً بالإمكانات الخيالية، وقد تمّ وصفه في كثير من الأحيان بـ «الـواقعيّة السحرية»، وهي تسير على حد الخيال والواقع، كما تقول.
أما لوحاتها التي تتصدر معرضها في بيروت، فإنها تشكّل حالة متلازمة ومتطابقة مع نظرتها الجمالية للمكان والأشياء والإنسان. وتقول:
يحضر التاريخ والجمال والأساطير في أغلب هذه اللوحات، وهي بمنزلة صور الماضي السحيق بنكهة الحاضر، صور الزمن الغابر الذي عبر في الجغرافيا والتاريخ وما زال يعبر ويستمر إلى يومنا الحاضر.
وتضيف: وما أقدّمه من أعمال في هذا السياق هو نتيجة فعل قائم في تأثيرات واسعة تلاحقني غريزياً، تلحقني وألحقها، تأثيرات تبدأ بتاريخ الوطن الحضاري والأرض الحضارية الخصبة بمجدها، وثقافتها المتجذرة في التاريخ، ولها معالمها التي لا تزول في الجغرافيا والطبيعة والإنسان.

بين الحب والطبيعة
تكمل كوبر: يمكن للوحتي أن تجيب عن سؤال «الواقعية السحرية» بكل صفاء لوني وتشكيلي، ودون أن تشوبها شائبة الانصياع غير المبرر، كما تعطي لوحتي الجواب (الانطباعي) عن كل مفردات السؤال إذا ما استمر بصداه في وعي المكان والإنسان والحب؛ لقد اخترت صورة الحب في لوحتي، وحضر الذكر والأنثى فيها حضور العاشق المشتاق الذي لا يقبل إلا بالحب القائم والمستمر. وقد لفحت الطبيعة هذا الحب وحوّلته باتجاه تصاعدي يستحضر عذوبة الحياة وكل ما يفوح من تاريخ الإنسان من حب وحياة ومجد وعنفوان.
ولا تغيب الصورة التجريدية، وإن بدت بألوانها الانطباعية صورة تحاذر الحضور بين الواقع والخيال. لقد حاولت تكثيف جهود الشكل في الإطار اللوني المستجاب، فظهرت حقيقة دفينة في أعماق الذات تشدني أكثر إلى البوح بهذا الحب الكبير. الحب المفتوح على كل احتمالات الزمن والإنسان والمكان.
الرسم بالنسبة إلى الفنانة كوبر هو المرآة التي تعكس «جوانية» الحياة والإنسان: «الفنان يستلهم اللون والصورة والشكل وأدوات العمل الفني من خلال ما يراه في وعيه ولا وعيه، ومن خلال ما يشعر ويحس به في حالات الشوق والاشتياق والحب. 
وكلما أوغل الفنان في هذه المرآة، تراءت له المرايا والصور والأحاسيس والأسباب التي تشده أكثر إلى مزيد من الغوص والبحث في سؤال الجمال. الفن هو بمنزلة إيقاع موسيقي يطربنا على الدوام، إذا توقف لحظة ما، يحيلنا إلى سؤال الصمت وما يجول داخل صرح الصمت الكبير».
اللوحة التي اختارتها كوبر وطناً نهائياً لأحلامها الباذخة، تأخذ أشكالها في مدى الزمن الذي تعيشه، لا تحيد ولا تقدر أن تحيد عن اللون (السحري) الذي يأخذها أكثر وأبعد إلى حدود ووطن إبداعها التشكيلي المفتوح على أشكال الحياة وتشكلاتها.
«اللوحة يمكن أن تكون الفكرة والفكر والأفكار، الشعر والقصيدة والقصة والرواية، الصوت واللحن والإيقاع، الواقع والسحر والخيال، الانطباع والتشكيل والتجريد، وبالتأكيد اللوحة وألوانها وامتدادات أشكالها هي الجامعة لكل أسباب الجمال، مستقيمة في المسافة التي لا تحد، قائمة في المساحة اللانهائية، وهي اللغة حتماً - تختم كوبر كلامها - «الفن هو الحب» ■