الهوية والتحوّل من الثقافة الجماعية إلى الفردية

الهوية والتحوّل  من الثقافة الجماعية إلى الفردية

منذ‭ ‬نهايات‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬ودخول‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬حدث‭ ‬تحوّل‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬تجسّد‭ ‬في‭ ‬التلاشي‭ ‬التدريجي‭ ‬للطابع‭ ‬الجماعي‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬بقاع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لاحقًا،‭ ‬وحلّ‭ ‬محلّه‭ ‬الطابع‭ ‬الفردي‭ ‬للثقافة،‭ ‬فمسيرة‭ ‬عشرات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستغني‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الجماعة‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬بعد‭ ‬تأصُّل‭ ‬الحضارة‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭ ‬وانتشار‭ ‬قيمها‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أنحاء‭ ‬المعمورة‭.‬

مصطلح‭ ‬عصر‭ ‬النهضة،‭ ‬يعني‭ ‬إعادة‭ ‬بعث‭ ‬أو‭ ‬إحياء،‭ ‬والمقصود‭ ‬هنا‭ ‬إعادة‭ ‬بعث‭ ‬وإحياء‭ ‬دور‭ ‬الإنسان‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬همّشه‭ ‬الحكم‭ ‬الديني‭ ‬الكنسي‭ ‬لأوربا‭ ‬مدة‭ ‬زادت‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬تراجعت‭ ‬فيها‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭. ‬فماذا‭ ‬جرى‭ ‬للهوية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬التحولات؟

الهوية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬رابط‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬وتتفاوت‭ ‬طبيعة‭ ‬الهوية‭ ‬قديمًا‭ ‬وفق‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬انتماء‭ ‬مجموعة‭ ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬ما‭ ‬لعرق‭ ‬أو‭ ‬أعراق‭ ‬مختلفة‭. ‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬الهوية‭ ‬كموضوع‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تداوله‭ ‬معرفيًّا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬حيث‭ ‬برز‭ ‬بعد‭ ‬تراجُع‭ ‬سلطة‭ ‬الكنيسة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬كانت‭ ‬الهويّة‭ ‬حاضرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬المعمورة‭ ‬كافة،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬مضمرة؛‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬المعتقدات‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬حالها‭ ‬حال‭ ‬موضوعات‭ ‬معرفية‭ ‬مثل‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬المجتمع،‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬أيضًا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

ونظرًا‭ ‬لاعتماد‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬القِدم‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬حياته‭ ‬المعيشية‭ ‬فرضت‭ ‬الطبيعة‭ ‬قوانينها‭ ‬عليه،‭ ‬وشكّلت‭ ‬طريقة‭ ‬حياته‭ ‬وثقافته‭ ‬حسب‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭. ‬لكن‭ ‬الثقافات‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬الهويات‭ ‬المختلفة‭ ‬اتسمت‭ ‬بالطابع‭ ‬الجماعي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬التعاوني‭ ‬وإلى‭ ‬التعاضد‭ ‬والتماسك‭ ‬ومجابهة‭ ‬الأخطار‭ ‬وكوارث‭ ‬الطبيعة‭ ‬وغيرها‭ ‬مسألة‭ ‬حاسمة،‭ ‬لأن‭ ‬الفرد‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬وحده‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬قوته‭ ‬اليومي،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬مجابهة‭ ‬الطبيعة‭ ‬وتقلّباتها‭ ‬أو‭ ‬الأخطار‭ ‬المحدقة‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬وحده‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬المصير‭ ‬مشتركًا‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬والشعوب،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يحظى‭ ‬بها‭ ‬الفرد‭.‬

 

دور‭ ‬أساسي

لعبت‭ ‬البيئة‭ ‬الجغرافية‭ ‬دورًا‭ ‬أساسيًّا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬ثقافات‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬هوياتها‭ ‬وقيمها،‭ ‬فهناك‭ ‬ثقافات‭ ‬ريفيّة‭ ‬وبحرية‭ ‬وقبلية‭ ‬وجبلية‭ ‬وغيرها،‭ ‬اتسم‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬بقيم‭ ‬وممارسات‭ ‬وفنون‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬تعكس‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬وعملت‭ ‬كرابط‭ ‬للأفراد‭ ‬اجتماعيًّا‭ ‬وروحيًّا‭. ‬ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أنتجت‭ ‬تلك‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬المعتقدات‭ ‬والإبداعات‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬اتصفت‭ ‬بطابعها‭ ‬الجماعي‭. ‬

فمنذ‭ ‬أن‭ ‬تكونت‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأولى‭ ‬مثّلت‭ ‬الأساطير،‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬حضارة‭ ‬من‭ ‬الحضارات،‭ ‬معتقدات‭ ‬دينية‭ ‬جماعية‭ ‬بطقوسها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وعملت‭ ‬كرابط‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬ومكونات‭ ‬أي‭ ‬حضارة‭. ‬وانسحب‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الفنون‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬طابعها‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬جماعية‭ ‬يشترك‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنتمون‭ ‬إلى‭ ‬الجماعة‭ ‬بممارستها،‭ ‬ويعبّر‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬مــدى‭ ‬الترابط‭ ‬بينهم‭.‬

ومع‭ ‬انتشار‭ ‬ديانات‭ ‬التوحيد‭ ‬اختلف‭ ‬الأمر،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬ديانة‭ ‬مثل‭ ‬المسيحية‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬أنحاء‭ ‬أوربا‭ ‬وشعوبها‭ ‬ودمجتها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ديني‭ ‬حاولت‭ ‬الكنيسة‭ ‬المسيحية‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬طمس‭ ‬الهويات‭ ‬التقليدية‭ ‬للتجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬والحضارات‭ ‬السابقة‭ ‬بطريقة‭ ‬قسرية‭ ‬همّشت‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬والشعوب‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأخضعتهم‭ ‬للسلطة‭ ‬البابوية‭ ‬المركزية‭.‬

 

التحول‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬الفردية

التطورات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬جاءت‭ ‬بفضل‭ ‬الاكتشافات‭ ‬العلمية‭ ‬وتحدّي‭ ‬العلماء‭ ‬والمبدعين‭ ‬بمختلف‭ ‬مشاربهم‭ ‬للكنيسة،‭ ‬وظهور‭ ‬الطبقات‭ ‬الجديدة‭ ‬الناشطة‭ ‬مثل‭ ‬البرجوازية‭ ‬والعمال‭ ‬وبروز‭ ‬المدن‭ ‬وتركّز‭ ‬الثروة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فيها‭ ‬والحركات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬المسيحية‭ ‬إلخ‭... ‬ومهدت‭ ‬الطريق‭ ‬لإحداث‭ ‬التحول‭ ‬الثقافي‭ ‬الجذري‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لانهيار‭ ‬حكم‭ ‬الكنيسة‭ ‬المسيحية‭ ‬وبروز‭ ‬الدويلات‭ ‬والامبراطوريات‭ ‬ودخول‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭ ‬والإنتاج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬وتصنيع‭ ‬الإنسان‭ ‬حاجياته‭ ‬وتقلّص‭ ‬تأثير‭ ‬الطبيعة‭ ‬على‭ ‬قيمه‭ ‬وسلوكه‭ ‬وثقافته،‭ ‬والنضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحريات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬والشخصية،‭ ‬ساهم‭ ‬ذلك‭ ‬بقوة‭ ‬بالدفع‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الفردية‭ ‬وتراجع‭ ‬القيم‭ ‬الجماعية‭ ‬التقليدية‭.‬

وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يثير‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الهوية‭ ‬مثل‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬هوية‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ثقافة‭ ‬يقوم‭ ‬جوهرها‭ ‬على‭ ‬الفرد؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬إطار‭ ‬جماعي‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقه؟‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬الفردية؟‭ ‬وما‭ ‬صلة‭ ‬الهوية‭ ‬بالثقافة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬الجذرية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأوربي؟

 

المقصود‭ ‬بالفردية

يمكن‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التساؤلات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحليل‭ ‬المقصود‭ ‬بالفردية،‭ ‬وعما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أطر‭ ‬جماعية‭ ‬جديدة‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العنصر‭ ‬الأول‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬المقصود‭ ‬بالفردية،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬الفردية‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يعيش‭ ‬بمفرده‭ ‬وبمعزل‭ ‬عن‭ ‬الآخرين،‭ ‬أو‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬أناني‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬يربطه‭ ‬بالآخرين‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

أ‭- ‬الفردية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بها‭ ‬الحضارة‭ ‬المدنية‭ ‬الحديثة‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬جوانبها‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬بعلاقة‭ ‬الفرد‭ ‬بالجماعة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الفترات‭ ‬السابقة‭ ‬خاضعًا‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬لسلطة‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬وعلاقته‭ ‬وقيمه‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬الجماعة‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬لها‭ ‬ويأتمر‭ ‬بأوامرها،‭ ‬أي‭ ‬أوامر‭ ‬من‭ ‬يتزعمها،‭ ‬بمعنى‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬استقلالية‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراراته،‭ ‬فليس‭ ‬له‭ ‬شخصية‭ ‬مستقلة،‭ ‬فالجماعة‭ ‬لها‭ - ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭ - ‬شخصية‭ ‬جماعية‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تمييز‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬قيمها‭ ‬أو‭ ‬ممارستها‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬المنتمين‭ ‬لها،‭ ‬لأن‭ ‬التمّييز‭ ‬سيعتبر‭ ‬حالة‭ ‬شاذة‭. ‬لكن‭ ‬الفردية‭ ‬الحديثة‭ ‬أعادت‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الفرد‭ ‬والجماعة،‭ ‬حيث‭ ‬أعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬طبيعة‭ ‬الروابط‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬ما،‭ ‬فأي‭ ‬مجموعة‭ ‬أو‭ ‬تجمّع‭ ‬سكاني‭ ‬توجد‭ ‬بين‭ ‬أفراده‭ ‬قيم‭ ‬وممارسات‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد،‭ ‬لكنّ‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬التحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تسلّط‭ ‬الجماعة‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬وخضوعه‭ ‬لسلطتها،‭ ‬بل‭ ‬تضمنت‭ ‬استقلالًا‭ ‬فرديًّا‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬الجماعة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬معيار‭ ‬واحد‭ ‬وقيم‭ ‬محددة‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬الجماعة‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬هناك‭ ‬معايير‭ ‬وقيم‭ ‬متعددة‭ ‬تمارس‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

 

تفاوت‭ ‬التحصيل

ب‭ - ‬ساهم‭ ‬التطور‭ ‬العلمي‭ ‬وارتباط‭ ‬العلم‭ ‬بالصناعة‭ ‬في‭ ‬تحوّل‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬بالنظام‭ ‬الإقطاعي‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭. ‬وأحدث‭ ‬ذلك‭ ‬تحوّلًا‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬الإنتاج‭ ‬ودور‭ ‬الفرد‭ ‬فيها‭. ‬فطريقة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تستدعي‭ ‬أي‭ ‬مهارات‭ ‬وفروق‭ ‬فردية‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬لإنتاج‭ ‬الزراعة‭ ‬نتيجة‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬ووجود‭ ‬طرق‭ ‬محددة‭ ‬ورتيبة‭ ‬للزراعة‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قدراته‭ ‬الذهنية‭ ‬أو‭ ‬الإبداعية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يتساوون‭ ‬في‭ ‬عملهم‭ ‬الزراعي‭. ‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬تختلف‭ ‬طبيعة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬عن‭ ‬سابقتها،‭ ‬فهي‭ ‬تعتمد‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المهارات‭ ‬والفروق‭ ‬الفردية،‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬بمستطاع‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬التي‭ ‬يرغبها،‭ ‬بل‭ ‬يعتمد‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬قدراته‭ ‬الذاتية‭ ‬ومدى‭ ‬ملاءمة‭ ‬متطلباتها،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يسري‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأفراد‭ ‬والعاملين‭. ‬وينسحب‭ ‬الأمر‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬العلمية‭ ‬للفرد،‭ ‬إذ‭ ‬يوجد‭ ‬تفاوت‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬والقدرات‭ ‬العلمية،‭ ‬فهناك‭ ‬أفراد‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬التجريبية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنماطها‭ ‬وآخرون‭ ‬يجيدون‭ ‬التخصصات‭ ‬الأدبية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وغيرها‭.‬

عزز‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تفرّد‭ ‬الفرد‭ ‬وتميّز‭ ‬قدراته‭ ‬عن‭ ‬أقرانه‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬ليطور‭ ‬الفرد‭ ‬نفسه‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬المراتب‭.‬

جـ‭ - ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬تعزيز‭ ‬الفردية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأوربي‭ ‬الناهض‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬هو‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬المعتقدات‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬تتداول‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬

فكما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬وخلال‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬كان‭ ‬المعتقد‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬هو‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬وتحديدًا‭ ‬المذهب‭ ‬الكاثوليكي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يسمح‭ ‬لأحد‭ ‬باعتناق‭ ‬ديانات‭ ‬أو‭ ‬مذاهب‭ ‬أخرى‭.‬

لكن‭ ‬الأمر‭ ‬انقلب‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب‭ ‬بعد‭ ‬تراجُع‭ ‬حكم‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وتم‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬الواحدية‭ ‬في‭ ‬المعتقد‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬العقائدية‭ ‬والفكرية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الحريات‭ ‬الفكرية‭ ‬والدينية‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وضمن‭ ‬ذلك‭ ‬حرية‭ ‬الاعتقاد‭ ‬الفردي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الفرد‭ ‬تابعًا‭ ‬لسلطة‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬تفرض‭ ‬عليه‭ ‬معتقدها‭ ‬أو‭ ‬أفكارها،‭ ‬فعزّز‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬استقلالية‭ ‬الفرد‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬علاقة‭ ‬الأفراد‭ ‬بعضهم‭ ‬ببعض‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬الحديث‭.‬

 

أسس‭ ‬جديدة‭ ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬الفردية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الجماعة‭ ‬وقيام‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬بعد‭ ‬مسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الجماعية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬أشكال‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الأطر‭ ‬الجماعية‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬علاقة‭ ‬الفرد‭ ‬بالجماعة،‭ ‬وساهم‭ ‬ذلك‭ ‬ببروز‭ ‬الهوية‭ ‬كإشكالية‭ ‬فكرية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬المعرفي‭ ‬الغربي‭.‬

خلال‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬طمست‭ ‬الكنيسة‭ ‬المسيحية‭ ‬الفروق‭ ‬الثقافية‭ ‬والعرقية‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬أوربا،‭ ‬وفرضت‭ ‬معتقدها‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬فوحّدت،‭ ‬بمختلف‭ ‬الأساليب،‭ ‬الشعوب‭ ‬الأوربية‭ ‬تحت‭ ‬إمرتها‭ ‬باستنادها‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتوحيد،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬التفكك‭ ‬التدريجي‭ ‬لسلطة‭ ‬الكنيسة‭ ‬وظهور‭ ‬الدويلات‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الدول،‭ ‬بدأ‭ ‬الفرز‭ ‬العرقي‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬أذابته‭ ‬الكنيسة‭ ‬بالظهور،‭ ‬فبرزت‭ ‬القوميات‭ ‬الأوربية‭ ‬التقليدية‭ ‬بثقافاتها‭ ‬وقيمها،‭ ‬وازدهرت‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فكرة‭ ‬االقوميةب‭ ‬أو‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الإطار‭ ‬الجماعي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬الشعوب‭ ‬وتميّزها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭. ‬

فقد‭ ‬بدأت‭ ‬المجاميع‭ ‬العرقية‭ ‬تتلمس‭ ‬طريقها‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬رابطة‭ ‬جديدة‭ ‬تجمعها‭ ‬بعد‭ ‬انحسار‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬كرابط،‭ ‬فوجدت‭ ‬في‭ ‬ثقافاتها‭ ‬التقليدية‭ ‬ولغاتها‭ ‬الأصلية‭ ‬رابطًا‭ ‬جديدًا‭ ‬يوحدها‭ ‬بما‭ ‬تتضمنه‭ ‬من‭ ‬تعبيرات‭ ‬فنية‭ ‬وأدبية‭ ‬وثقافية‭ ‬وطريقة‭ ‬حياة‭ ‬تميّز‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬الأخرى‭.‬

واتضح‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الرابط‭ ‬الديني‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬لم‭ ‬يقضِ‭ ‬على‭ ‬العرقية‭ ‬ولا‭ ‬الثقافة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬حكم‭ ‬الكنيسة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬عام‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬الكنيسة‭ ‬المسيحية‭ ‬ظهور‭ ‬الرأسمالية‭ ‬كنظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬أزاح‭ ‬النظام‭ ‬الاقطاعي‭ ‬وأفرز‭ ‬طبقتين‭ ‬جديدتين‭ ‬هما‭ ‬البرجوازية‭ ‬والعمال‭.‬

 

مصير‭ ‬مشترك

قادت‭ ‬الطبقة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الجديدة‭ ‬مسألة‭ ‬تحديث‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجــــالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفكرية،‭ ‬وكان‭ ‬دورها‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنــــية‭ ‬والقومـــــية،‭ ‬إذ‭ ‬ربطـــت‭ ‬العلم‭ ‬بعملية‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي،‭ ‬وبناء‭ ‬بنيـــة‭ ‬تحتية‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬وتسويقه،‭ ‬وبناء‭ ‬المؤسسات‭ ‬التجارية‭ ‬والمراكز‭ ‬المالية‭.‬

واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تضمّ‭ ‬تحت‭ ‬لوائها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬وما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬رأسمال‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬لتوحيد‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التفاوت‭ ‬بينها،‭ ‬حيث‭ ‬يشارك‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإنتاج‭ ‬وسوف‭ ‬ينعكس‭ ‬نجاح‭ ‬الدولة‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬وإخفاقها‭ ‬كذلك،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬التشارك‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الإنتاج‭ ‬خلق‭ ‬وسيلة‭ ‬جديدة‭ ‬لمصير‭ ‬مشترك‭ ‬تحوّل‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬الأوربي‭ ‬من‭ ‬المصير‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬وقبلها،‭ ‬إلى‭ ‬مصير‭ ‬يصنعه‭ ‬بيده‭ ‬ويستدعي‭ ‬التكاتف‭ ‬بين‭ ‬الجميع،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الخضوع‭ ‬للطبيعة‭.‬

وتوّج‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬دساتير‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬السلطات،‭ ‬ومواطنة‭ ‬تسودها‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬وجسد‭ ‬انتماءً‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬للدولة‭ ‬وكيانها‭ ‬السياسي،‭ ‬ومهّد‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬للدولة‭ ‬هويتها‭ ‬الوطنية‭.‬

إن‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬والتأسيس‭ ‬الجديد‭ ‬للثقافة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬لم‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬الطابع‭ ‬الجماعي‭ ‬للهوية،‭ ‬فالفردية‭ ‬مهما‭ ‬تعززت‭ ‬وأعطت‭ ‬للإنسان‭ ‬استقلالية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬كائن‭ ‬اجتماعي‭ ‬ويعيش‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬جماعة‭ ‬ومجتمع‭ ‬ما،‭ ‬ويشترك‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬والممارسات‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬الهوية‭ ‬أصبح‭ ‬محط‭ ‬سجال‭ ‬فكري‭ ‬وفلسفي‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتحوّل‭ ‬من‭ ‬طابعه‭ ‬الفلسفي‭ ‬التقليدي‭ ‬المجرد‭ (‬أ‭ ‬هي‭ ‬أ‭) ‬في‭ ‬المنطق‭ ‬الأرسطي،‭ ‬إلى‭ ‬طابع‭ ‬اجتماعي‭ ‬وثقافي‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬سلّطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬لازم‭ ‬التجمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأولى،‭ ‬لكن‭ ‬ظل‭ ‬ضمنيًّا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أزاح‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬الستار،‭ ‬بعد‭ ‬انعكاس‭ ‬تطوراته‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والثقافة‭ ‬الإنسانية‭ .