كيف يمكن التغلب على حواجز اللغة في التواصل العلمي؟ نحو ثقافة علمية أفضل

كيف يمكن التغلب على حواجز اللغة في التواصل العلمي؟ نحو ثقافة علمية أفضل

من بين الفائزين الـ 25 بجائزة نوبل في الآداب حتى عام 2007، كتب 9 فقط روائعهم بالإنجليزية، بينما خطّ الـ 16 الآخرون أعمالهم بلغات أخرى. وكثير من أعمالهم تُرجمت في نهاية المطاف إلى الإنجليزية، الأمر الذي ربما كان ضرورياً للاعتراف الدولي بها ولجذب انتباه لجنة جائزة نوبل السويدية لها.  وتصدى المترجمون لمهمة نقل جمال النص الأصلي وجلاله إلى تركيب نحوي وبنيوي مختلف، وأحياناً إلى سياق ثقافي مُغاير بحيث يستميل جمهوراً أعرض.

أغلب الفائزين بجائزة نوبل في مجالات الفيزياء والكيمياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب لا يواجهون تحدي ترجمة أعمالهم إلى لغة أخرى قبل أن ينالوا التقدير والعرفان. فكثير منهم ناطق بالإنجليزية كلغة أم، وحتى غير الناطقين بها عادةً ينشرون اكتشافاتهم بالإنجليزية. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى حقيقة أن الإنجليزية هي اللغة المشتركة للعلوم، فإن المجتمع الدولي، بما في ذلك لجان جائزة نوبل في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم ومعهد كارولنسكا، لا يضطر إلى انتظار ترجمة.
ويعيد هذا الموقف إلى الأذهان العصر القديم والعصور الوسطى، عندما لم يكن بوسع العلماء سوى التواصل باللاتينية، حتى بادرت شخصيات تاريخية بارزة، أمثال دانتي أليجيري ووليام شكسبير ومارتن لوثر، باستخدام الإيطالية والإنجليزية والألمانية على الترتيب، إذ خَطُّوا أعمالهم بلغاتهم الأم.
وحقيقة الأمر أن الإنجليزية أمست اللغة الوسيطة الحديثة في عالم تهيمن عليه إلى حد كبير دول أنجلو- أمريكية اقتصادياً وعلمياً وثقافياً. 
ولذلك، على أي عالم أن يتقن الإنجليزية – على الأقل إلى حد ما – لينال الاعتراف الدولي وليصل إلى المنشورات وثيقة الصلة بتخصصه. ولكن، رغم أن إتقان الإنجليزية يجعل التواصل بين العلماء أسهل بكثير، فهو يخلق مشكلات أيضاً للدول غير الناطقة بالإنجليزية. حتى لو استطاع علماء تلك الدول قراءة المنشورات الإنجليزية، فعليهم ترجمة تلك المعارف إلى سياقهم القومي لحصد الثمار المجتمعية.

انتشار أوسع
في المقابل، ما زال كثير من العلماء في قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوربا ينشرون أعمالهم في دوريات محلية، وغالباً بلغتهم الأم، مما يؤدي إلى خطر احتمال تجاهل الأفكار المتعمقة والنتائج الجديرة بالاهتمام، لمجرد أن تلك الأعمال ليست مُتاحة بسهولة للمجتمع العلمي الدولي.
وللتغلب على هذه المعضلة، يهدف عديد من المبادرات الآن إلى تعزيز أثر الدوريات القومية وجودتها، بغية إكساب المقالات المنشورة بلغةٍ غير الإنجليزية انتشاراً دولياً أوسع. 
لقد تطورت الإنجليزية العلمية تطوراً كبيراً منذ ظهور المنشورات الأولى في القرن الثامن عشر، وخاصةً تلك التي أصدرتها الأكاديميات العلمية الوطنية. وهؤلاء الذين طالعوا كتاب «أصل الأنواع» لتشارلز داروين ربما يتذكرون عبارات مثل «الإنسان بكل ما يتمتع به من خصال نبيلة، ما زال يحمل في هيئته الجسمانية البصمة الواضحة لأصله الخسيس» في خضم النقاش حول المبادئ النظرية. 
وفي فترة أكثر حداثة، يُختتم منشور جيمس واتسون وفرانسيس كريك حول بنية الحامض النووي الريبي المنزوع الأكسجين (DNA) بالعبارة الخجلة: «لم يفُتنا أن الإقران المحدد الذي افترضناه يوحي على الفور بآلية النسخ المحتملة للمادة الوراثية» (واتسون وكريك، 1953). وتمثّل مثل هذه العبارات الجهود الحثيثة لترجمة الفكر العلمي إلى ضرب من التواصل البارع.
لكن مثل هذه العبارات الجميلة أصبحت نادرة؛ فالإنجليزية العلمية الحالية لا تشبه إلا قليلاً الشكل الأدبي، كما أنها وضعت قوانينها وأسلوبها وفضائلها وعاداتها الخاصة بها (بورنيت، 1999).

معضلة مزدوجة
نادراً ما تُستخدم ضمائر مثل «أنا» أو «نحن»، وحلّت محلها صيغة المبني للمجهول حتى أمست شائعة. وأصبحت بنية الإنجليزية العلمية أقل مرونة كي تلبي متطلبات توصيل المعلومات في فضاء محدود، والحاجة إلى الصرامة والاقتضاب وكمية المقالات المهولة المنشورة. ولقد خلق هذا التوجه «إنجليزية علمية» في المتناول بقدر أكبر لقدرات القراءة والكتابة للباحثين غير الناطقين بالإنجليزية. 
وعموماً، أصبحت الإنجليزية العلمية أداة تواصل في عالم أقل اطّلاعاً على المعارف من ذي قبل، قوامه الراغبون في التعلم وتمرير معارفهم للآخرين.
لكن، حتى لو كانت الإنجليزية هي اللغة المهيمنة في مجال العلوم، فهي ليست بلا شك اللغة الأم لأغلب العلماء، الأمر الذي يخلق معضلة للقراء والمؤلفين على حد سواء.
فالمؤلفون عادةً ما يكون مرادهم لفت الانتباه لأعمالهم للارتقاء بسمعتهم محلياً ودولياً. وفي المقابل، فالقراء والمستخدمون، أمثال العاملين في مجال الرعاية الصحية والصحافيين، يجدون من الأسهل الوصول إلى مقالة ومطالعتها إذا كانت مكتوبة بلغتهم الأم.
وهذه الظاهرة وثيقة الصلة بالبحث في مجال الطب الأحيائي الذي له تداعيات سريرية، لأن خبراء المجال بحاجة إلى الوصول لأحدث النتائج العلمية – المنشورة غالباً بالإنجليزية – لإفادة مرضاهم الذين يتواصلون معهم بلغتهم الأم.
وإذا لم تُنشر العلوم باللغة الإنجليزية، فسنجد أنفسنا أمام معضلة أخرى تتمثل في احتمال «فقدان» معارف ذات حيثية، الأمر الذي يمكن أن يؤخر أو يعرقل المزيد من الأبحاث أو السياسات. 

علاقة عارضة
على سبيل المثال، في ثلاثينيات القرن الماضي أثبت العلماء الألمان وجود علاقة عارضة بين التدخين وسرطان الرئة، ونشروا بحثهم بالألمانية (بروكتور، 1999). لكن نتائجهم غفل عنها كثيرون حتى الستينيات، عندما أعاد علماء بريطانيون وأمريكيون اكتشاف تلك الصلة، مما أدى إلى وضع سياسات وبرامج تتعلق بالصحة العامة للحد من التدخين.
وحتى في بلد يتمتع بتاريخ علمي طويل، مثل ألمانيا، أقرت الدولة بمشكلة اللغة، واقترحت حلاً ممكناً لها: «يبدو أن الحل الحقيقي هو أن ننتظر حتى تصبح ألمانيا مجتمعاً ثنائي اللغة حقاً، فتستخدم الإنجليزية كلغة عالمية للعلوم، والألمانية كلغة محلية للتواصل اليومي التي يتحدث ويقرأ بها العاملون في مجال الصحة والمرضى» (أوفوري أدجي وآخرون، 2006).
وعلى كل بلد غير ناطق بالإنجليزية التعامل مع هذه المشكلة بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، قرر عدد من الدوريات الإسبانية في مجال الطب السريري نشر مقالاتها بالإسبانية والإنجليزية لمخاطبة العاملين في مجال الرعاية الصحية والعلماء الدوليين على الترتيب. (بوردنز، 2004).
تخلق حركة الوصول المُتاح للجميع والأهمية المتصاعدة لشبكة الإنترنت طرائق جديدة للتعامل مع مشكلة اللغة. وتشجع دوريات المكتبة العامة للعلوم (PLoS) الآن المؤلفين غير الناطقين بالإنجليزية على تقديم نسخة من مقالاتهم بلغتها الأم كمادة داعمة (مقالة افتتاحية، 2006). 

عبء إضافي
في المقابل، ثمة عدد متزايد من الدوريات غير الإنجليزية تقدم ترجمات إنجليزية لمقالاتها. وهذا عبء إضافي على كاهل المؤلفين، لأن عليهم تقديم ترجماتهم الخاصة لمقالاتهم، غير أنه مُجزٍ لهم من حيث أنه يضمن لهم انتشاراً أوسع.
وقد يحل هذا التوجه المعضلة التي تواجه كثيراً من المؤلفين عندما يحاولون لفت الانتباه القومي والدولي. في الوقت نفسه، فبعض الدول تبذل جهوداً إضافية لكسب الانتشار العلمي بلغتها الأم.
وليس من عجب أن لفرنسا عديداً من المبادرات في مجال البحث الزراعي، وأنها تتيح دوريات فرنسية في مجاليْ العلوم الإنسانية والاجتماعية – وهما مبحثان قويان في فرنسا – بالمجان للدول النامية الناطقة بالفرنسية.
جدير بالملاحظة أنه في التعليم العالي تحولت اللغة التي تستخدمها الموارد الإلكترونية على شبكة الإنترنت بشكل متزايد باتجاه اللغة المحلية (هولمز، 2004). ومع ذلك، فالمصنفات العلمية مختلفة نوعاً ما عن الموارد التعليمية. ورغم أن هناك جوانب فكرية ومقالات ذات اهتمام خاص لدى الجمهور المحلي، يفضل المؤلفون نشر مقالاتهم في الدوريات الدولية ذات عامل التأثير الجذاب. وهذه الدوريات تستخدم الإنجليزية حتماً، ومن ثم فهي تُميل كفة الميزان نحو اللغة المشتركة. إذا استطاعت الدوريات ترسيخ توجه نحو استخدام أكثر توازناً للغات في المنشورات العلمية، فقد يساعد ذلك على قَلْب تداعي اللغات الأخرى في التواصل العلمي الدولي. 

نهج معاكس
مع ذلك، تبنت بلدان أخرى نهجاً معاكساً، وراحت تبذل جهوداً لنشر علومها بالإنجليزية. فها هي الصين مثلاً أبرمت اتفاقاً مع دار سبرينغر للنشر العلمي (هايدلبرغ، ألمانيا)، بغية انتقاء أفضل المقالات من بين 1700 دورية جامعية صينية وترجمتها إلى الإنجليزية.
وفَهْرَسَ مُجَمّع العلوم وتكنولوجيا المعلومات الياباني ما يربو على 500 دورية يابانية تغطي جميع الجوانب العلمية، وأغلبها مُتاح بالإنجليزية. وبالمثل، نجد أن ثمة دوريات تشيكية ومجرية وكورية جنوبية فهرستها شركة طومسون ساينتفك منشورة كلها تقريباً بالإنجليزية.
وما زالت هذه المبادرات جديدة وغامضة نوعاً ما، والتبعات التي يمكن أن تكون لها على استخدام اللغة في مجال العلوم ليست واضحة. 
لكن، من الجلي أن هناك حافزيْن يوجهان هذه الأفعال. فالعلماء يسعون وراء الانتشار الدولي بنشر أبحاثهم بالإنجليزية، إما في الدوريات القومية أو في الدوريات الدولية المرموقة.
وفي المقابل، فهم يعقدون الآمال على جذب انتباه جمهور إقليمي أكبر إما بنشر أعمالهم بلغتهم الأم، وإما باختيارهم دورية قومية لأنهم لا يتقنون الإنجليزية بقدرٍ كافٍ.
والاختيار الثاني مشكلة متفاقمة، فخلال العقود الثلاثية الماضية، أمسى المحررون صارمين بشكل متزايد، وراحوا يطالبون بإنجليزية أفضل في المسودات العلمية. 
وقد يتذكر البعض الأيام السابقة لأواخر السبعينيات عندما كان المحررون يعيدون صياغة الأبحاث العلمية التي يرونها جديرة بالنشر، لكن العدد المتنامي للأعمال المُقدمة الآن يجعل هذا المستوى من الخدمة مستحيلاً.
وقد يكون المحررون أيضاً أكثر ميلاً لرفض بحث علمي بسبب مستوى إنجليزيته المتدني. علاوة على ذلك، فإن اشتراط الإنجليزية الواضحة المفهومة يزداد قوة مع مكانة الدورية و/أو عامل تأثيرها، مما يخلق عائقاً لغوياً يجد كثير من العلماء مشقة في التغلب عليه.

تقارب حثيث
إن الذين يمارسون العلوم أو يعلّمونها في الدول الناطقة بالإنجليزية ربما لا يجدون صعوبة تحديداً في جمع المعلومات والمفاهيم الجديدة ونقل المعرفة إلى طلابهم.
إن توصيل العلوم عبر المؤتمرات والدوريات عملية سريعة وتخلق تقارباً حثيثاً للتقنيات العلمية، بحيث يكون نقلها إلى صفوف العلم متسقاً نسبياً. لكن الحال ليست كذلك في الدول غير الناطقة بالإنجليزية. فالعلماء والمعلمون، على حد سواء، عليهم الاطلاع على المفاهيم والمعارف التي ظهرت للمرة الأولى في منشورات إنجليزية، وإلقاء محاضرات حول فحواها. 
وفي مبحثيْ الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية تحديداً، يخلق هذا الموقف مشكلة تتعلق بكيفية مواكبة التدفق المستمر للمعلومات والأفكار والتقنيات الإنجليزية في أثناء التواصل والتعليم بلغة أخرى.
 وتصبح المشكلة حتى أكثر حساسية في الدول النامية، لأن قليلاً من الشباب فيها يتعلمون الإنجليزية.
وعلاوة على الصعوبات العملية، نجد أن العلم جزء من الثقافة. وما من أحد يزاوله في برج عاجي بمعزل عن بقية المجتمع، بل يُعترف به باعتباره مصدراً أساسياً للمعرفة لأغراض التطور الاقتصادي والتقني. وتنتشر نتائجه واصطلاحاته وأفكاره في المجتمع المحيط بنا، وتخلق منتجات وخدمات وتعبيرات جديدة تندرج في نهاية المطاف ضمن استخدامنا المشترك للغة.

استيعاب أفضل
إذا لم تكن هناك جهود حثيثة لخلق مبحث للدلالات في اللغة المحلية داخل المجتمع العلمي القومي، فلن يكون البلد وثقافته قادريْن على استيعاب الأفكار والمعارف العلمية التي تخدم مجتمعه في نهاية المطاف (كوشنر، 2003). 
وهذا الصراع الدلالي بين العلم والثقافة أُثير لأول مرة بالطبع في الأدب الإنجليزي. لقد وضع تشارلز سنو يده على قصور الجسر الواصل بين العلم والدراسات الإنسانية – «بين الثقافتيْن» – وزعم أن الحاجة تستدعي استيعاباً ثقافياً أفضل للعلوم (سنو، 1959). وحقيقة الأمر أن العلم خلق وفرة في الاصطلاحات استوعبتها اللغة بفعل وسائل الإعلام واستعمال العامة. 
في الستينيات، كانت اصطلاحات مثل الحامض النووي الريبي المنزوع الأكسجين والشفرة الوراثية والثقوب السوداء والقصور الحراري مجهولة لعامة الناس غالباً. والآن، لم تعد تلك الاصطلاحات مألوفة للمواطن العادي المُتعلم، بل ونجد كذلك أن الأفكار التي تنطوي عليها تلك الاصطلاحات يسهل تمييزها.
أينبغي علينا، إذاً، أن نبذل المزيد من الجهود لدمج الإنجليزية العلمية في ثقافتنا؟ أم ينبغي علينا تحسين لغتنا العلمية الأم؟ 
يبدو أنه لا يوجد حل سهل، ولو أن البديليْن يطرحان تحديات كبيرة لأي بلدان ناطقة بالإنجليزية. وإذا تخلينا عن الجهود الساعية إلى خلق لغة أمّ علمية، فعلى العلماء فُرادى أن تكون لديهم طريقة ما لاستغلال المصادر الأساسية للمعارف العلمية، ألا وهي المنشورات الإنجليزية. ولذلك، فإن قدرة العلماء على التواصل بلغة علمية مشتركة جزء من القدرات العلمية للبلد.

تجارب جديدة
إن عبء الاضطرار إلى التعامل مع لغتيْن يمكن أن يكون مفيداً حقاً، حيث إنه يخلق فرصاً وتجارب جديدة. لكن هذه غاية بعيدة المنال لأغلب الدول النامية. فالسواد الأعظم من الطلاب الحاصلين على درجة الدكتوراه في تلك البلدان يمكنهم قراءة النصوص الإنجليزية في تخصصهم، لكنهم نادراً ما يتقنون الإنجليزية بالقدر الكافي لكتابة نص واضح وموجز. وعلى النقيض تماماً، يواجه تقدم اللغة العلمية الأم أيضاً عقبات، كما سنورد لاحقاً مستشهدين بالبرازيل كمثال ساطع.
ينشر العلماء البرازيليون حالياً قرابة 50 ألف مقالة سنوياً؛ 60 في المئة منها باللغة البرتغالية. وتُنشر حوالي 18 ألف مقالة منها في دوريات تفهرسها قاعدة بيانات شبكة العلوم التابعة لشركة طومسون رويترز؛ 2.7 في المئة منها باللغة البرتغالية.
ظاهرياً، يبدو أن البرازيل حلّت مشكلة اللغتيْن، بالنظر إلى أن كمّاً كبيراً من الناتج العلمي يُنشر باللغة الأم. لكن هذا ليس صحيحاً تماماً؛ فجودة المقالات الإنجليزية والبرتغالية تتفاوت تفاوتاً كبيراً، حيث إن أغلب المقالات البرتغالية تُنشر في دوريات تخاطب مجتمعاً صغيراً وحسب يغطي اهتمامات هامشية، ولا تحظى إلا بتحكيم محدود من النظراء أو قد لا تحظى بأي تحكيم مطلقاً.
وهذا الموقف لا يساهم إلا قليلاً في اللغة العلمية غير الإنجليزية. فالأفكار الأكثر تنقيحاً ودقةً تتطلب مفردات وعلم دلالة متطوراً للتعبير عنها تعبيراً وافياً. 

مكتبة إلكترونية
في المقابل، فإن نشر مقالات علمية قاصرة فقط لا يخدم غاية تحسين اللغة البرتغالية العلمية. وهذا أحد الأسباب الداعية إلى إطلاق مشروع المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت (SciELO).
وهناك قليل من الدوريات البرازيلية التي يديرها أفراد مخلصون بدعم مالي محدود من الهيئات الحكومية تنشر أبحاثاً عالية الجودة؛ ومثلها حال دوريات بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان منطقة الكاريبي الأخرى. ولكن – عدا قليل من الاستثناءات – أسلوب العمل هذا ليس بكافٍ لتحسين تلك الدوريات بقدر أكبر. وبالتالي، ابتُكِرَ نهج جديد.
في عام 1997، أطلق مركز أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي المعني بمعلومات العلوم الصحية (BIREME)، منظمة الصحة للبلدان الأمريكية (PAHO، واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة) ومنظمة الصحة العالمية (WHO؛ جينيف، سويسرا)، بشراكة مع مؤسسة دعم البحوث في ولاية ساو باولو (FAPESP) المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت (SciELO) – ناشر إلكتروني غير ربحي للدوريات العلمية – التي نالت لاحقاً دعماً بدايةً من عام 2002 من مجلس البحث العلمي القومي البرازيلي.
وقد أُسس برنامج المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت استناداً إلى ثلاثة أهداف؛ أولها نشر مجموعة من أفضل الدوريات البرازيلية على الإنترنت تماشياً مع نموذج الوصول المفتوح الذي بموجبه يمكن الولوج إلى مقالات نصية كاملة لتحقيق انتشار قومي ودولي واسع (بيكر وآخرون، 1998؛ مينيغيني، 2003). 
في أكتوبر 2006، تضمن البرنامج 173 دورية و65 ألف مقالة في مجموعة المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت/ البرازيل (www.scielo.br). وسرعان ما تبنت شيلي المبادرة نفسها، ثم انتشرت في بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان شبه الجزيرة الأيبيرية الأخرى، وأمست تضم الآن ما يربو على 350 دورية.

توليد منهجي
كان الهدف الثاني تحسين جودة الدوريات في البلدان التي تبنت مشروع المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت فيما يختص بموثوقية صلة المقالات ودقتها، والعناية بتقديم المقالات وتقييمها بمعرفة المُحكّمين. ويحكم على هذه المتطلبات جميعها لكل دورية فريق متخصص خارجي من الخبراء. 
وكان الهدف الثالث للمكتبة الإلكترونية العلمية إنشاء قاعدة بيانات لتحليل الاستشهادات المرجعية لوضع مؤشرات للأداء شبيهة بتلك التي تقدمها «ويب» العلوم لمؤسسة طومسون ساينتفيك، وتقارير استشهاد الدوريات. 
تسمح قاعدة البيانات هذه بالتوليد المنهجي للبيانات التي قد تكون مهمة لدعم القرارات السياسية في الميدان العلمي (مينيغيني وآخرون، 2006).
 حالياً، نُشر حوالي 30 في المئة من المقالات الموجودة في قاعدة بيانات المكتبة الإلكترونية العلمية باللغة الإنجليزية. وكانت السياسة المتبعة في المكتبة أن يُحدد محررو كل دورية اللغة التي ينبغي أن تُنشر بها، بينما تدعم المكتبة تقييم الجودة العلمية للمقالات.
وقد أصبح موقع Google Scholar مؤشراً مهماً على الانتشار المتزايد لدوريات المكتبة الإلكترونية العلمية. فبعد إقامة رابط بين هذه البوابة ومقالات المكتبة عام 2005، أمست المكتبة الآن مُصنفة بين أكثر 10 مواقع يدخلها المستخدمون لدى Google Scholar. وزاد الوصول إلى مقالات فردية من مليوني مقالة في يناير 2006 إلى 6 ملايين في مايو 2006. ومن المرجح أن يؤثر هذا الانتشار على عامل التأثير لـ 19 مقالة من مقالات المكتبة الإلكترونية العلمية التي فهرستها بالفعل مؤسسة طومسون ساينتفيك. 
ويبين لنا شكل 1 أداء سبعٍ من هذه المقالات التي فُهرِسَت في قاعدتيْ البيانات منذ عام 1998. وقد زادت عوامل التأثير لتلك المقالات بشكل منتظم بنسبة 100 بالمئة في المتوسط خلال تلك الفترة. ولأغراض المقارنة، فقد زادت عوامل تأثير المقالات العشرين الأبرز في مجالات البيولوجيا والطب والكيمياء والفيزياء التي فهرستها «طومسون ساينتفيك» عام 2005 في الفترة عينها بنسبة 42 بالمئة في المتوسط.

نتائج مثيرة
 فيما عدا الصين وكوريا الجنوبية، تُعد هذه الزيادة الأكبر في عامل التأثير لدوريات من دولة نامية لديها أكثر من 10 دوريات فهرستها تقارير استشهادات الدوريات لمؤسسة طومسون ساينتفيك. 
ومن اللافت أن الصين وكوريا الجنوبية أيضاً دولتان تتمتعان بأعلى نسبة للدوريات المُفهرسة التي تديرها دور نشر تجارية. وقد يحتج المرء بأن هذا كان سبباً مهماً لنجاحها. ولذلك، من الممكن أن يكون للمكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت، رغم أنها ليست تجارية الطابع، دور شبيه كمنظمة راعية للدوريات البرازيلية.
ورغم أن المكتبة الإلكترونية العلمية وغيرها من المبادرات ربما ساعدت الدول غير الناطقة بالإنجليزية على ترسيخ اللغة العلمية وتحسينها – وجودة العلوم في نهاية المطاف – فهي لا تحل بالكامل مشكلة كيفية العثور على المعارف العلمية «المفقودة» ومكان العثور عليها؛ تلك العلوم الدفينة تحت ستار لغة غير مألوفة (غيبس، 1995).
منذ نشر مقالة غيبس، غيّرت شبكة الإنترنت إلى حد كبير من كيفية تواصلنا مع بعضنا البعض، لكنها لم تُبَدِّل قدرة العلماء على الكشف عن نتائج مثيرة للاهتمام لو استترت وراء عقبات لغوية. تزيد الدول الناجحة اقتصادياً – كالصين والهند وكوريا الجنوبية وكثير من دول أمريكا الجنوبية – أو تخطط لزيادة استثماراتها في البحث والتطوير العلمييْن، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من المنشورات التي سيكون كثير منها باللغة المحلية. 
وقد كان من الممكن أن تُتجاهل تلك المقالات في أماكن أخرى، كما حال كثير من الأعمال المنشورة الآن باليابانية أو الفرنسية لا تجد تقديراً من العلماء الآخرين، ولاسيما في الولايات المتحدة (باراني، 2005).

مخاوف من الجودة
رغم أن شكل 1 يُظهر انتشاراً دولياً متزايداً للدوريات البرازيلية، فإن غالبية مقالات المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت يطالعها المستخدمون من دول لغتها السائدة هي البرتغالية أو الإسبانية.
وهذه ليست بالظاهرة المفاجئة إذا ما نظرنا إلى التشابه بين هاتيْن اللغتيْن، وربما عززت بقدر أكبر التعاون العلمي بين الـ 29 دولة الناطقة بأي من هاتين اللغتين. وينعكس ذلك أيضاً على عامل التأثير؛ فتسع من بين الدوريات العشر الأبرز على الإطلاق في المجموعة البرازيلية للمكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت بين عامي 2003 و2005 نشرت مقالات باللغة البرتغالية بالدرجة الأولى.
لكن، من بين أهداف برنامج المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت تحقيق انتشار دولي أوسع للمنشورات البرازيلية. وأفضل العلوم من الدول التي تغطيها المكتبة الإلكترونية – فيما خلا القليل من المناطق – منشورة في دوريات دولية (مينيغيني وآخرون، 2006). 
وسيظل هذا الوضع هكذا في المستقبل القريب، حيث إن دوريات المكتبة الإلكترونية ليست مُعترفاً بها بعد على نطاق واسع باعتبارها قنوات جذابة للتواصل، نظراً للمخاوف المرتبطة بجودتها العلمية، وأن أغلب المقالات الموجودة بها ليست منشورة بالإنجليزية.
ويبدو أن الاستراتيجية المثلى هي التعامل مع الصعوبتيْن خطوة بخطوة. فالجودة العلمية ستعلو في نهاية المطاف عن طريق الإدارة الاحترافية للمكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت لنظام مراجعة الأقران. وبينما يصبح المزيد من بيانات تحليل الاستشهادات المرجعية مُتاحاً للعامة لبيان الجودة المُتنامية لدوريات المكتبة الإلكترونية العلمية، ستلفت انتباه المجتمع العلمي وصُنّاع السياسات بقدر أكبر.  

مشكلة حصرية
إن حاجز اللغة ليس مشكلة حصرية تواجهها دوريات المكتبة الإلكترونية العلمية على الإنترنت؛ فكثير من الدوريات يمكن أن يستفيد إذا نُشرت مقالات من مؤلفين غير ناطقين بالإنجليزية بلغتها الأصلية وبالإنجليزية.
 لكن الترجمة المناسبة للنص العلمي ستتطلب مترجماً بشرياً، مما يجعل العملية مُكلفة جداً بما يحول دون تنفيذها على نطاق واسع. وسوف تستغرق أتمتة هذه العملية بواسطة برمجيات ترجمة وقتاً طويلاً لا شك (باراني، 2005؛ هارتفيلد، 2004)، ولو أن بعض المؤلفين على ثقة بأن ثمة برمجيات متطورة ربما تُتاح في المستقبل القريب (كورتسفايل، 2002).
وفي الوقت الراهن، هذه التقنيات مفيدة في الوصول إلى الفكرة العامة للنص، لكنها ليست قادرة بالتأكيد على إنتاج ترجمة دقيقة، الأمر الذي له أهمية خاصة للأبحاث العلمية.
إن النشر الإلكتروني للمقالات الثنائية اللغة ليس صعباً ولا مكلفاً للدوريات في عصر شبكة الإنترنت العالمية، لكنه ما زال بحاجة إلى دعم بشري وتحسينات لهيكل التواصل العلمي.
وفي هذه المرحلة، من الحكمة تشجيع المؤلفين على إنجاز ذلك بجهودهم الشخصية. وبالطبع، فالباحثون الملهمون أو الطموحون أو المُمَوَّلون تمويلاً كافياً يميلون إلى التماس الدعم البشري في بداية الأمر.
وفي المقابل، على الدوريات الدولية والقومية على حد سواء دراسة تقديم نسختيْن من كل مقالة؛ إحداهما باللغة الأم للمؤلف، والأخرى بالإنجليزية. علاوة على ذلك، فالمؤشرات الدولية بحاجة إلى التعامل مع مشكلة كيفية التعاطي مع النسخ المتعددة اللغات للمقالات، بما في ذلك عرض البيانات الوصفية والنصوص الكاملة وإدراج الربط المراعي للسياق والحساب الشامل للاستشهادات. 
سيتطلب ذلك جهوداً مُجمعة ودولية من المحررين ومزودي المؤشرات والمؤلفين، ودعماً من هيئات البحث القومي المهتمة بتطوير اللغات العلمية الأصلية والارتقاء بالانتشار القومي والدولي للبحث القومي. إن نظام النشر الثنائي اللغة هذا سيكون خطوة أولى مهمة للتغلب على حواجز اللغة في التواصل العلمي والتحرك صوب منظومة نشر عالمية حقيقية ■