سؤال الضحك في فلسفة برغسون

سؤال الضحك  في فلسفة برغسون

هناك‭ ‬موضوعات‭ ‬ملازمة‭ ‬لحياتنا‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬منها،‭ ‬بيد‭ ‬أننا‭ ‬قليلا‭ ‬ما‭ ‬نستوقفها‭ ‬قصد‭ ‬التفكير‭ ‬فيها،‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬فهي‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬المجال‭ ‬اللامفكّر‭ ‬فيه‭ ‬ضمن‭ ‬حياتنا،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬نقوم‭ ‬بذلك‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬قيامنا‭ ‬بها‭ ‬صباح‭ ‬مساء؟

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الضحك‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الموضوعات‭ ‬الخفية‭ - ‬إن‭ ‬صح‭ ‬تسميتها‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ - ‬،‭ ‬فسؤال‭ ‬الضحك‭ ‬عند‭ ‬برغسون‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬مقاربته‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساهمة‭ ‬يحملنا‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الضحك،‭ ‬ويزج‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬خباياه‭ ‬وأسراره‭ ‬العميقة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬نقاشاته‭ ‬في‭ ‬الفلسفة،‭ ‬فإن‭ ‬المحطة‭ ‬الأهم‭ ‬التي‭ ‬ناقشت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬بطريقة‭ ‬علمية،‭ ‬في‭ ‬نظرنا،‭ ‬هي‭ ‬محطة‭ ‬هنري‭ ‬برغسون،‭ ‬الذي‭ ‬خص‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بكتاب‭ ‬عنونه‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الضحك‮»‬‭ (‬1900‭)‬،‭ ‬وترجمه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬علي‭ ‬مقلد،‭ ‬ضمن‭ ‬منشورات‭ ‬المؤسسة‭ ‬الجامعية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع‭.‬

‭ ‬إذن،‭ ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬مفهوم‭ ‬الضحك‭ ‬عند‭ ‬برغسون؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬أشكاله؟‭ ‬وهل‭ ‬الضحك‭ ‬خاصية‭ ‬إنسانية‭ ‬يمتاز‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الكائنات‭ ‬الأخرى؟‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الجواب‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬فكيف‭ ‬ذلك؟‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬المخلوقات،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬الضحك‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية؟‭ ‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الطرح‭ ‬البرغسوني‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬الضحك‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭ ‬القائلة‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للهزلي‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بشري،‭ ‬إذ‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬الضحك‭ ‬خاصية‭ ‬بشرية،‭ ‬ويصبح‭ ‬الضحك‭ ‬أيضًا‭ ‬داخل‭ ‬جماعة‭ ‬معيّنة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسنى‭ ‬للفرد‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ ‬خارج‭ ‬جماعة‭ ‬معيّنة‭.‬

يقول‭ ‬برغسون‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الضحك‭ ‬صفحة‭ ‬13‭: ‬الفهم‭ ‬الضحك‭ ‬يجب‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬وسطه‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويجب‭ - ‬بشكل‭ ‬خاص‭ - ‬تحديد‭ ‬وظيفته‭ ‬المفيدة،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعيةب،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الفكرة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬برغسون‭ ‬في‭ ‬تصوره‭ ‬لمفهوم‭ ‬الضحك‭ ‬ضمن‭ ‬كتابه‭ ‬السالف‭ ‬الذكر،‭ ‬والتي‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فخارج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬اجتماعي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬ظاهرة‭ ‬الضحك‭.‬

 

عملية‭ ‬عقلية

غني‭ ‬عن‭ ‬البيان،‭ ‬إذن،‭ ‬أن‭ ‬برغسون‭ ‬ينتقد‭ ‬التصورات‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬الضحك‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬عقلية‭ (‬أرسطو‭ ‬كما‭ ‬سنرى‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭ ‬من‭ ‬القول‭) ‬وليس‭ ‬وجدانية،‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬الضحك‭ ‬إعمالًا‭ ‬للعقل،‭ ‬فبرغســـــون‭ ‬لا‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬القول،‭ ‬إذ‭ ‬يصبح‭ ‬الضحك‭ ‬من‭ ‬وجهـــــة‭ ‬نظره‭ ‬مسألة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تخضع‭ ‬للخصــوصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬لكل‭ ‬مجتمع‭ ‬على‭ ‬حدة‭. ‬

‭ ‬فالضحك‭ ‬حسب‭ ‬برغسون‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬مبين‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬االضحكب‭ ‬صفحة‭ ‬89،‭ ‬اله‭ ‬معـــــنى‭ ‬وله‭ ‬مدلول‭ ‬اجتـــــماعيانب،‭ ‬وينـــــتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬القــــول‭ ‬كون‭ ‬الهزل‭ ‬هو‭ ‬خاصــــية‭ ‬إنسانيــــة‭ ‬اإن‭ ‬الهزل‭ ‬يعبّر‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬نـــوع‭ ‬من‭ ‬اللاتكيّف‭ ‬الخاص‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬الشخص،‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع،‭ ‬وإن‭ ‬لا‭ ‬هزل‭ ‬أخيرًا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الإنــــسان،‭ ‬إن‭ ‬الهزل‭ ‬هو‭ ‬الإنسانب‭.‬

‭ ‬إذن،‭ ‬فالهزل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬الهزل‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬ذاته،‭ ‬ولكن،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬فينا‭ ‬الضحك؟

يجيبنا‭ ‬برغسون‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬89‭: ‬ايعتبر‭ ‬المضحك‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬بصورة‭ ‬أوتوماتيكيةب،‭ ‬لأن‭ ‬الضحك‭ ‬موجود‭ ‬لكي‭ ‬يصحح‭ ‬له‭ ‬سهوه،‭ ‬ولكي‭ ‬يصحيه‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬حلمه،‭ ‬ويقدم‭ ‬مثالاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬13‭ ‬ارجل‭ ‬يركض‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬يعثر،‭ ‬فيقع،‭ ‬المارة‭ ‬يضحكون،‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يضحكون‭ ‬عليه،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬اعتقد،‭ ‬إذا‭ ‬أمكن‭ ‬الافتراض‭ ‬بأنه‭ ‬خطر‭ ‬له،‭ ‬فجأة،‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬إنهم‭ ‬يضحكون،‭ ‬لأنه‭ ‬جلس‭ ‬رغمًا‭ ‬عنهب‭.‬

 

أشكال‭ ‬الضحك

من‭ ‬هنا‭ ‬فليس‭ ‬التغيير‭ ‬المفاجئ‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬وضعه‭ ‬هو‭ ‬المضحك،‭ ‬بل‭ - ‬وفق‭ ‬برغسون‭ - ‬الشيء‭ ‬غير‭ ‬الإرادي‭ ‬في‭ ‬التغيير،‭ ‬إنها‭ ‬االرعونةب‭ ‬إنها‭ ‬االغشمنةب،‭ ‬إذن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬سلف‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أشكال‭ ‬الضحك؟

أشكال‭ ‬الضحك‭ ‬وفق‭ ‬برغسون‭ ‬ثلاثة‭ ‬أساسية،‭ ‬نرصدها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬يرفض‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬المضحك‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬محدد،‭ ‬فيعتبره‭ ‬كيانًا‭ ‬حيًّا‭ ‬يقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومهما‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬خفيف‭ ‬الوزن‭ ‬فهو‭ ‬يستحق‭ ‬الاحترام‭ ‬الذي‭ ‬تستحقه‭ ‬الحياة،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهو‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬ككائن‭ ‬حيّ‭ ‬يكبر‭ ‬ويزدهر،‭ ‬فيتدرج‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬تدرجًا‭ ‬لطيفًا‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يرى،‭ ‬لأنه‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬نتعرف‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬معاشرتنا‭ ‬لديها‭ ‬وتعودنا‭ ‬بها،‭ ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يوصف‭ ‬الضحك‭ ‬باللهو‭ ‬والعبث،‭ ‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬المعقولية‭ ‬الخاصة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أبعد‭ ‬فلتاته،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬جنونه‭ ‬ذو‭ ‬منهج،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يستحضر‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬مرويّ‭ ‬يفهمه‭ ‬ويقبله‭ ‬مجتمع‭ ‬برمته‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬يؤكد‭ ‬برغسون،‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬8‭ ‬من‭ ‬كتابه،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬مستويات‭ ‬أساسية‭ ‬تمر‭ ‬منها‭ ‬عملية‭ ‬الضحك،‭ ‬وهي‭:‬

امستوى‭ ‬أول؛‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بشري‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬ومستوى‭ ‬ثان‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬منظر‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬جميلاً‭ ‬ولطيفًا‭ ‬وساميًا‭ ‬وتافهًا‭ ‬أو‭ ‬قبيحًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬أبدًا‭ ‬مضحكًا،‭ ‬ومستوى‭ ‬ثالث‭ ‬ربما‭ ‬تضحك‭ ‬من‭ ‬حيوان،‭ ‬لأننا‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬عثرنا‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬كموقف‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬تعبير‭ ‬كتعبير‭ ‬البشرب‭.‬

 

‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعية

هذه‭ ‬هي‭ ‬عمليات‭ ‬مستويات‭ ‬الضحك‭ ‬عند‭ ‬برغسون‭ ‬بشكل‭ ‬وجيز،‭ ‬فهو‭ ‬إذن،‭ ‬كما‭ ‬لاحظنا،‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬هزلي‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬تصبح‭ ‬وظيفة‭ ‬الضحك،‭ ‬وفق‭ ‬برغسون،‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ - ‬كما‭ ‬يرى‭ - ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬واقعي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬هو‭ ‬تعثّر‭ ‬للإرادة‭ ‬أمام‭ ‬جلاميد‭ ‬الواقع،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬نجد‭ ‬برغسون‭ ‬يميّز‭ ‬بين‭ ‬الضحك‭ ‬والفن،‭ ‬فيقول‭ ‬االضحك‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬تمامًا‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬تمامًاب‭ (‬كتاب‭ ‬الضحك‭ ‬ص‭ ‬9‭).‬

فملاحظ‭ ‬إذن،‭ ‬أن‭ ‬تفكير‭ ‬برغسون‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬الضحك‭ ‬هو‭ ‬تفكير‭ ‬متميز؛‭ ‬سواء‭ ‬للذين‭ ‬سبقوه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬سيأتون‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬الذين‭ ‬يربطهم‭ ‬خيط‭ ‬ناظم‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬فكروا‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الضحك‭ ‬بربطه‭ ‬بمشاريعهم‭ ‬وأنساقهم‭ ‬الفلسفية‭ ‬العامة‭ ‬المؤطرة‭ ‬لهذا‭ ‬التفكير،‭ ‬فهذا‭ ‬أرسطو‭ ‬نجده‭ ‬يربط‭ ‬الضحك‭ ‬بالعقل،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬االإنسان‭ ‬حيوان‭ ‬ضحاكب‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬الصفحة‭ ‬16‭ ‬فيعرّف‭ ‬الكوميديا‭ ‬بـأنها‭ ‬اهي‭ ‬محاكاة‭ ‬الأراذل‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬نقيصة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الهزلي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬القبيحب‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬أنواع‭ ‬الكوميديا‭ ‬فهي‭ ‬ثلاثة‭: ‬الكوميديا‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬الأشياء‭ ‬المضحكة،‭ ‬والكوميديا‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رفيع‭ ‬أو‭ ‬عظيم‭ ‬أو‭ ‬مهمّ،‭ ‬والكوميديا‭ ‬الوسطية‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬وسطًا‭ ‬بين‭ ‬النوعين‭ ‬السالفين،‭ ‬فيفضي‭ ‬به‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬إلى‭ ‬تحريم‭ ‬الضحك‭ ‬عن‭ ‬المعوقين‭ ‬جسديًّا‭ ‬وعقليًّا،‭ ‬أما‭ ‬دور‭ ‬الضحك‭ ‬عنده‭ ‬فهو‭ ‬ترويح‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬وتلطيفها‭. ‬وهذا‭ ‬هوبز،‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭ ‬باعتباره‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الإعجاب‭ ‬والتباهي‭ ‬والبهجة‭ ‬المفاجئة‭ ‬بالذات،‭ ‬وهذا‭ ‬اسبنوزا‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الفرح،‭ ‬وهذا‭ ‬الأخير‭ ‬هو‭ ‬افرح‭ ‬خاصب‭.‬

 

أعظم‭ ‬وسيلة‭ ‬للتربية

‭ ‬أما‭ ‬نيتشه‭ ‬فيقر‭ ‬بأنه‭ ‬يغامر‭ ‬بتصنيف‭ ‬الفلاسفة‭ ‬حسب‭ ‬ضحكهم،‭ ‬لأن‭ ‬الضحك‭ - ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ - ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬وسيلة‭ ‬للتربية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الإنسان‭. ‬وهذا‭ ‬فرويد‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭ ‬باعتباره‭ ‬علاجًا،‭ ‬والفكاهة‭ ‬وفق‭ ‬رؤيته‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الإنجازات‭ ‬النفسية‭ ‬للإنسان،‭ ‬وميّز‭ ‬بين‭ ‬النكتة‭ ‬العدائية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬أغراض‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬العدوان‭ ‬والنكتة‭ ‬البذيئة‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬الأغراض‭ ‬الخاصة‭ ‬بالاستعراض‭ ‬أو‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭.‬

‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النقاشات‭ ‬عند‭ ‬الفلاسفة‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬الضحك،‭ ‬فإن‭ ‬موقف‭ ‬برغسون‭ - ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ - ‬يبقى‭ ‬موقفًا‭ ‬متميزًا،‭ ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬قولنا‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفيلسوف‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬إشكالية‭ ‬الضحك‭ ‬كظاهرة‭ ‬علمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬دلالتها‭ ‬وأنواعها،‭ ‬وأهم‭ ‬إشكالاتها‭ ‬بارتباطها‭ ‬بالوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬والانفتاح‭ ‬عليه،‭ ‬لاسيما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬علاقة‭ ‬الذات‭ ‬بالآخر‭ (‬الجماعة‭)‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زعمه‭ ‬بأن‭ ‬الضحك‭ ‬هو‭ ‬ظاهرة‭ ‬إنسانية‭/ ‬اجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬برغسون‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬امتياز،‭ ‬ولحظة‭ ‬تفكير‭ ‬ومساءلة‭ ‬ما‭ ‬تفتأ‭ ‬تتجدد‭ .

هنري برغسون