تقنيات العلاج بالفن التشكيلي للأطفال المرضى بالسرطان

تقنيات العلاج بالفن التشكيلي للأطفال المرضى بالسرطان

الفن التشكيلي مجال من المجالات الإنسانية التي تعنى بشخصية الإنسان، لأنه يعبّر من خلاله عن خبراته الدفينة وانفعالاته المكبوتة، فممارسة الفنون التشكيلية تعمل على تكامل شخصية الإنسان، ليتمكن من التغلّب على الضغوط والصعوبات التي تواجهه، لتصل به إلى حالة من الاتزان الانفعالي والتكيف الاجتماعي، فيستطيع مواصلة حياته. 

ومن هذا المنطلق برز اتجاه حديث، وهو مجال العلاج بالفن التشكيلي الذي ظهر في ستينيات القرن الماضي، كأحد المجالات العلاجية الحديثة التي أثبتت فعاليتها كوسيلة تشخيصية وعلاجية لعدد كبير من المرضى والمصابين بأمراض وإعاقات مزمنة. 
لم تظهر معالم العلاج بالفن التشكيلي بشكل علمي إلا من خلال دراسات العالِم النفسي فرويد (1856 - 1939)، فقد كشف عن بعض الخطوط الدالة على ماهية الفن، وقدرة الفنون التشكيلية على احتضان مشاعر نفسية ذات صلة مباشرة بالفنان تكشف عن شخصيته النفسية. 
وقد أدت مجهودات كبيرة من فنانين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1960 إلى تأسيس الجمعية الأمريكية للعلاج عن طريق الفن، كما ظهرت محاولات في بريطانيا، تمثلت في إنشاء الجمعية البريطانية للمعالجين بالفن. 
في المملكة العربية السعودية، مازال العلاج بالفن يخطو خطواته الأولى، التي بدأت مع محاولات د. عوض اليامي في بحوث عدة، من خلال إعطاء فكرة عن مسيرة العلاج بالفن، وكذلك رسالة دكتوراه باللغة الإنجليزية عنوانها «أثر الرسوم التفاعلية في العلاج عن طريق الفن على ثلاثة مرضى نفسيين بأحد مستشفيات المملكة». 
وقد استطاع د. اليامي إقناع المسؤولين بإضافة مهنة «معالج بالفن التشكيلي» إلى قائمة المهن الصحية بالوزارة عام 1999. كما توجد وحدة متكاملة للعلاج بالفن التشكيلي في مدينة الملك فهد الطبية، وبرنامج العلاج بالفن التشكيلي بوزارة الداخلية.
كما عمل د. اليامي والاختصاصية آمال عليان في مركز أورام الأطفال بالرياض بوصفهما متطوعين، لبناء برنامج في العلاج بالفن التشكيلي مع الأطفال المصابين بالسرطان في عام 2005. كما أُسس برنامج العلاج بالفن بمدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية عن طريق الاختصاصية نور الأحمدي، وقدمت الاختصاصية نجلاء المبدل (2009 - 2012)، من خلال عملها بجمعية سند الخيرية لدعم الأطفال المرضى بالسرطان بمدينة الرياض، برامج علاجية بالفن التشكيلي في مركز الملك فهد الوطني لأورام الأطفال.  
ولأن الأمراض السرطانية تأتي في المرتبة الثانية لأسباب الوفاة بعد الحوادث لدى الأطفال، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 10 في المئة من وفيات الأطفال سببها الأمراض السرطانية، خصوصاً مع التزايد الملحوظ في عدد الأطفال المرضى بالسرطان، إذ إن متوسط الشفاء الكامل لأورام الأطفال يبلغ 70 - 90 في المئة، الأمر الذي يدعو إلى الاستفادة من مجال العلاج بالفن التشكيلي مع الأطفال المصابين بالسرطان، حيث تظهر عليهم بعض الأعراض، كالخوف والقلق والتوتر وعدم الاستقرار النفسي، الناتجة عن الإصابة بمرض السرطان، بحيث تنعكس هذه المظاهر على رسومهم، فمن خلال تقديم طرائق علاجية تستعمل فيها مجالات الفن التشكيلي المختلفة،  فإنها تسهم في التخفيف من وطأة المرض والألم عليهم، وتقوية مشاعرهم الإيجابية، ليستعيد الطفل المريض قدرته على مواجهة الأعراض النفسية، وردات الفعل الانفعالية المتعلقة بمرض السرطان، والتأثيرات الجانبية للجرعات العلاجية الكيميائية. 
الخوف والقلق، وعدم الاستقرار النفسي، تظهر هذه الأعراض منعكسة في رسوم الأطفال المصابين بأمراض السرطان بشكل واضح وصريح، حتى عندما يرسم الطفل لوحته من دون قصد إظهار هذه الأعراض. فأطفال السرطان يعانون الخوف من الإبر، كما أنهم يخافون من المستقبل المجهول، وربما المؤلم أو الموت. 
فتجد ذلك ينعكس في اختيار أحدهم لمواضيع رسوماته، ففي لوحة رسمتها طفلة مصابة بالسرطان رسمت مجموعة من السّحُب والأمطار في الجزء الأعلى من اللوحة، بينما الجزء الأسفل منها رسمت البحر وفي داخله وحوش تفزع الأسماك، ولوّنتها بطريقة قلقة بشكل كبير، فخطوط التلوين تتصادم وتتضارب بعضها مع بعض، مما قد يشير إلى تصارع الأفكار والانفعالات، فيتضح الخوف من لوحة الطفلة من رسمتها، والتي تظهر وحوشاً داخل البحر، ولكن ظهر في لوحتها مؤشر إيجابي هو أنه بعد أن رسمت الطفلة البحر والوحوش، انتقلت لترسم السحب والأمطار، وظهرت تلك الرموز أقل حدة وتشويشاً، مما يدل على الارتياح النفسي، إذ إن المطر يرمز في ثقافة الطفلة إلى السعادة والفرح والارتياح، كما يرمز أيضاً إلى ابتعاد كل الوحوش إلى جحورها وأحراشها، مبتعدة عن الطفلة، لتنعم بالهدوء والطمأنينة، وذلك مما أشارت الطفلة إليه، بأنها رسمت هطل المطر لكي تختفي الوحوش بعيداً عن الأسماك لتعيش بسلام. 
كما يشترك أغلب الأطفال المرضى بالسرطان في الخطة العلاجية بأهداف علاجية مشتركة غالباً مثل: التخفيف من درجة الخوف والقلق من الحقن (الإبر)، والتأقلم مع الوضع الحالي للطفل المريض بالسرطان، وتنمية مهارات التواصل مع الآخرين، والتعبير عن المشاعر السلبية والانفعالات المكبوتة، وشغل أوقات الفراغ بطريقة إيجابية، وزيادة الثقة بالنفس، والتدريب على حل المشكلات.

الاستراتيجيات العلاجية بالفن التشكيلي
1 - التعبير الحر
 من خلال هذا الاختبار يطلب المعالج من الطفل بعد إعطائه ورقة الرسم وقلم الرصاص، والأقلام الملونة، أن يرسم أي شيء، ولا يحدد له موضوعاً ما، وإنما تترك له الحرية التامة بأن يرسم أي شيء يفكر فيه، ولو طلب المريض تحديد نوع، أو جنس، أو مكان، أو زمان، أو غير ذلك، فإن المعالج يوجهه إلى أن يرسم «أي شيء».
فيعبّر الطفل عن أفكاره ومشاعره وانفعالاته المكبوتة، للتنفيس عما يشعر به في أثناء المرحلة العلاجية، ليساعده ذلك على التأقلم مع المرض، والكشف عن المشكلات التي تشغله، ويساهم التعبير الفني الحر في شغل وقت الفراغ بطريقة إيجابية، وزيادة الثقة بالنفس.
2 - التلوين بطريقة السحب بالإبرة
 تعتمد هذه الطريقة على استخدام الألوان المائية وتخفيفها بالماء، وذلك باستخدام الإبرة في سحب الماء ووضعه بالكوب الشفاف، ثم سحب اللون ليتسنى للطفل المريض رؤية اللون في أثناء سحب اللون، وتفريغه على اللوحة، إما على شكل بقع لونية، أو باستخدام الفرشاة لتوزيع اللون على مساحة اللوحة، وذلك يعود إلى رغبة الطفل المريض في تفريغه لانفعالاته.
ويساعد هذا النشاط على كسر حاجز الخوف، وتخفيف مستوى القلق والتوتر من الحقن (الإبر) في أثناء المراحل العلاجية للطفل المصاب بالسرطان، ليتمكن من رؤية الإبر بزوايا مختلفة عن تلك التي تعود على رؤيتها في المستشفى كمصدر للألم، ليراها بطريقة مغايرة كمصدر للمتعة من خلال استخدام الألوان وتوزيعها على اللوحة بطريقة حرة، فيدرك أن الإبرة مجرد أداة في يد الإنسان يستخدمها حسب ما يتطلّبه الموقف.

3 - التشكيل بالخامات لعمل دُمية
تعتمد هذه الطريقة على توفير مجموعة من الخامات (الجوخ، خيوط صوف متنوعة، مجموعة من الأقمشة، ألوان قليتر، قطن، مقص، قلم رصاص، غراء)، ثم يطلب من الطفل التفكير في طريقة لعمل دمية من هذه الخامات.
فهذه الطريقة تساعد المعالج على فهم نظرة الطفل إلى نفسه، ليساعده على تعديل بعض الأفكار السلبية المصاحبة له في أثناء الفترة العلاجية. فغالباً يسقط الطفل الذي يخضع للعلاج الكيماوي مشكلاته التي يواجهها نتيجة تساقط شعره بصنع دمية دون شعر.
كما تعد هذه الطريقة من الأنشطة التي أثبتت فعاليتها في البرامج العلاجية للأطفال المصابين بالسرطان، كوسيلة لتنمية مهارات التواصل لدى الطفل مع الآخرين، وذلك بإشراك طفل آخر في أثناء تنفيذ هذا النشاط.
فبعض الأطفال المصابين بالسرطان في أثناء فترة مرضهم يصابون بنوع من العزلة الاجتماعية، ولذلك لابد من إشراكهم في مثل هذه الأنشطة لتنمية هذه المهارة.

4 - التشكيل الفني الحُر والموجّه
التشكيل الفني الحر يقصد به التشكيل المجسم، وهو استخدام الخامات المختلفة التي من أهمها الصلصال، والتشكيل البنائي في العملية العلاجية، وذلك لتكوين عمل فني وتجسيمه بطريقة حرة لا يتدخل فيها المعالج لأغراض علاجية. 
أما التشكيل الموجّه فهو استخدام الخامات والأدوات المختلفة التي من أهمها أيضاً الصلصال (العجينة الطبية)، لتكوين عمل فني مجسم بطريقة محددة، وهو يختلف عن التشكيل الحر بأن موضوعاته وعناصره محددة من قبل المعالج، وذلك لأغراض علاجية محددة.

5 - الاسترخاء والتخيّل الموجّه
 يستعمل المعالجون بالفن التشكيلي الاسترخاء والتخيل الموجه في العمليات العلاجية مجتمعين في حين، وكل واحد على حدة في حين آخر، وذلك حسب الحالة وما تحتاج إليه من أساليب علاجية. 
والاسترخاء هو أن يكون المريض على السرير أو على الكرسي، مسترخياً ومغمضاً عينيه، ويستجيب لما يطلبه منه المعالج من أوامر نحو الاسترخاء جسمياً وذهنياً، ويتبع تلك النصائح للوصول إلى أقصى درجة من الاسترخاء، سواء جسمياً أو ذهنياً. 
والتخيل الموجّه هو أن يغمض المريض عينيه، ويقوم بعملية الاسترخاء كاملة، ويبدأ بالتخيل لمشهد ما، ويكون ذلك المشهد مختاراً من جهة المعالج لهدف علاجي محدد، ويكون المشهد في الطبيعة، أو في المنزل، أو في مكان آخر، حسب الهدف العلاجي المحدد، ومن خلال هذه التصورات لهذا المشهد يبدأ المريض بالاستجابات العلاجية من خلال معايشته للمشهد، أو من خلال تعبيراته عنه، أو من خلال استجاباته الجسمية. ويستخدم التخيل الموجّه غالباً عند المعالجين بالفن التشكيلي بعد القيام بالاسترخاء، وذلك للتهيؤ للدخول في مشهد التخيّل الموجه. ويستخدم مع الأطفال الأكبر عمراً من 12 سنة فما فوق، عن طريق سرد قصة معيّنة لهدف محدد.

6 - العمل بالبالون
 تعتمد هذه الطريقة على استخدام البالون لتفريغ الانفعالات السلبية المكبوتة، وذلك بتقديم بالون للطفل المريض لنفخه، واستدعاء تلك الأفكار المزعجة بالقدر الذي يراه مناسباً، ثم تترك الحرية للطفل في التعامل مع هذا البالون الذي يحمل أفكاراً ومشاعر سلبية مصاحبة للمريض في أثناء نفخه. 
ويترك الخيار مفتوحاً إما بالتخلص منه كخروج المعالج والمريض إلى الحديقة وإطلاق البالون ليطير في الهواء، أو بالتخلص منه بضغطه بيديه حتى يتخلص من الأفكار المزعجة، ويستمر هكذا حتى يشعر المريض بأنه استطاع تفريغ انفعالاته المكبوتة. 

7 - الكولاج
 من خلال هذا الاختبار يعطي المعالج الطفل لوحة فارغة ومجموعة من الصور والمقصوصات المتنوعة من المجلات والصحف والصور المطبوعة، ويطلب من الطفل أن يختار الصور التي يراها مناسبة، من دون أن يحدد المعالج موضوعاً بذاته، ثم ينسقها الطفل ويرتبها، ثم يلصقها على اللوحة أو الورقة الفارغة بمادة الغراء، وذلك للتعبير عن موضوع معيّن يدور في ذهنه. 

8 - لوحة جماعية
 تثبت هذه الطريقة فعاليتها مع الأطفال الأصغر سناً من (5 - 8) سنوات في عمل جماعي، دون وجود فكرة موحدة للعمل، أو شخص مسؤول عن تنظيم العمل، فلكل طفل لوحته الخاصة به التي تعكس دلالات رمزية لدى الطفل المريض نفسه، في محاولة لمعرفة المشكلات والمواقف التي تركت بالغ الأثر في نفسيته، من خلال إشراك مجموعة من الأطفال مع وجود الحالة التي يدرسها المعالج، لزيادة دافعية الحالة بالحديث في أثناء الرسم والتلوين.
من جانب آخر، يمكن استخدام ألوان الطعام (وهي مادة تضاف إلى الطعام لتعطي ألواناً متعددة) في التلوين، بحيث يصاحب عملية التلوين إضافة ألوان نكهات ذات روائح طبيعية للفواكه (كرائحة الكرز، الموز، الفراولة)، لتساهم في فتح شهية الأطفال المصابين بالسرطان ويخضعون للعلاج الكيماوي من خلال الفن التشكيلي، وهو ما يعرف بالآثار الجانبية للعلاج الكيميائي والإشعاعي، مثل فقدان الشهية وفقدان حاسة التذوق.
كما يمكن استخدام هذه الطريقة مع الأطفال الأكبر عمراً (10 - 13) سنة بألوان الإكريلك، ولكن هذه المرة بوجود فكرة موحدة للوحة، وجعل الطفل المريض مسؤولاً عن تنظيم العمل بين الأفراد، بهدف زيادة الثقة بالنفس لدى الحالة التي يتابعها المعالج، ولتساهم في التفكير بطريقة حل المشكلات أيضاً ■