الصرعة الرقمية

الصرعة الرقمية

تجتاح العالم ظاهرة جديدة تتمثل في الصرعات العابرة للقارات، وهي تختلف اختلافًا كليًّا عن القوالب التي سادت من قبل بأدوات ما قبل الرقمية، نحن هنا لا نتحدث عن تسريحة غريبة للاعب كرة قدم أو ثوب ترتديه إحدى ممثلات «هوليوود»، لكننا نتحدث عن حكاية يصنعها القِلة، وخطوط توزيع ضوئية جاهزة لتسويق تلك الحكاية، هنا يجب التفريق بين الصرعة التي يغلب عليها طابع الترفيه، والحملات التي تحمل أهدافًا ومضامين محددة.
لقد كانت السّمة الغالبة على الصرعات القديمة هي البطء في الانتشار والثبات حين تصل، لأن كمية التواصل بين البشر محدودة، مقارنة بما يحصل هذه الأيام، وعليه تأخذ الصرعة وقتًا طويلًا حتى تكبر ووقتًا أطول حتى تزول، أما اليوم فيمكن وصف الصرعة بالرقمية، لأن مولدها وحياتها ومماتها تكون داخل العالم الافتراضي، هي لا تحتاج إلى أكثر من تزكية من شخصية شهيرة على «تويتر» حتى تمتد، وصرعة أسخن منها حتى تنهَدّ.
هذا الوضع جعل من المستحيل توقّع المكان الذي ستأتي منه الصرعة الجديدة، لأن شخصًا في العالم مرشّح لأن يكون هو المادة الأكثر انتشارًا بكلمة أو رقصة أو حركة غير متوقّعة، وهو بالمناسبة ليس بحاجة إلى أن يمتلك هاتفًا ذكيًّا لتسويق ما لديه، فقط يكفي أن يقوم شخص عابر بتصويره لتبدأ الحكاية.
هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ على الإطلاق، هناك أشياء يصعب تفسيرها في عالم الصرعات الرقمية، فمثلًا انتشرت لعبة «بوكيمون غو» في العالم بطريقة جنونية، على الرغم من وجود مئات التطبيقات الشبيهة التي يتم تنزيلها يوميًا على الهواتف الذكية، وأغنية «غانغام ستايل» الشهيرة احتلت المركز الأول على موقع يوتيوب كأكثر فيديو تمت مشاهدته في تاريخ هذا الموقع (ملياران ونصف المليار مشاهدة).
لقد عمدت إلى ذكر «غانغام ستايل» لسببين؛ الأول لأنها مثال صارخ للصرعة الرقمية، والثاني لأنها كسرت قوالب الشهرة واللغة والمكان، منشأها داخل «يوتيوب» وليس قناة تلفزيونية، لغتها غير عالمية، مكانها قارة آسيا وليس أوربا أو أمريكا الشمالية، فكيف إذًا ذاع صيتها في القارات الخمس؟ إنه عالَمٌ جديد■