إبراهيم الحضراني.. صوت الرومانسية والتجديد في الشعر اليمني

إبراهيم الحضراني..  صوت الرومانسية والتجديد في الشعر اليمني

اليمن‭ ‬أرض‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬ومنشؤه‭ ‬ومهاده‭. ‬ومن‭ ‬اليمن،‭ ‬جاء‭ ‬امرؤ‭ ‬القيس‭ - ‬أمير‭ ‬شعراء‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلي‭- ‬ورأس‭ ‬شعرائه‭ (‬497‭ - ‬545م‭). ‬وكان‭ ‬أبوه‭ ‬اليمني‭ ‬الأصل‭ ‬ملكاً‭ ‬على‭ ‬غطفان‭ ‬وبني‭ ‬أسد‭ ‬الذين‭ ‬ثاروا‭ ‬عليه‭ ‬وقتلوه‭.‬

ومن‭ ‬بعده‭ ‬جاء‭ ‬وضّاح‭ ‬اليمن‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬عام‭ ‬708م،‭ ‬من‭ ‬آل‭ ‬خولان‭ ‬من‭ ‬حمير‭. ‬وهو‭ ‬أرق‭ ‬الشعراء‭ ‬اليمنيين‭ ‬وأكثرهم‭ ‬تشبيباً‭ ‬بالنساء،‭ ‬قتله‭ ‬الوليد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ - ‬الخليفة‭ ‬الأموي‭ - ‬لأنه‭ ‬تغزَّل‭ ‬بزوجته‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭, ‬قدّم‭ ‬اليمن‭ ‬لديوان‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬شعراء‭ ‬العربية‭ ‬الكبار‭, ‬في‭ ‬طليعتهم‭: ‬الزبيري‭ ‬والشامي‭ ‬والبردّوني‭ ‬والحضراني‭, ‬الذين‭ ‬خرج‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬قوالب‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬صنعها‭ ‬البارودي‭ ‬وشوقي‭ ‬وحافظ‭ ‬في‭ ‬مصر‭, ‬وتوهَّجت‭ ‬قصائد‭ ‬المجددين‭ ‬منهم‭ ‬بعنوان‭ ‬النَّفَس‭ ‬الرومانسي‭, ‬محدثين‭ ‬ثورة‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬اليمن‭. ‬وعندما‭ ‬بزغ‭ ‬الشعر‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬كان‭ ‬نجمه‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬المقالح‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬الروح‭ ‬الثورية‭ ‬الرومانسية‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬انتفاضة‭ ‬اليمن‭, ‬وتطلعه‭ ‬إلى‭ ‬الانعتاق‭ ‬من‭ ‬أسْر‭ ‬التخلف‭ ‬والخروج‭ ‬على‭ ‬المألوف‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬شاعت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬وملأته‭ ‬بالمآسي‭ ‬والفجائع‭ ‬المتلاحقة‭. ‬فأصبح‭ ‬الشعر‭ ‬بسببها‭ -‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬والناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬المقالح‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬الضافي‭ ‬لديوان‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحضراني‭- ‬مادة‭ ‬خصبة‭ ‬للشكوى‭ ‬المرة‭ ‬والصراخ‭ ‬الحزين‭.‬

يقول‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحضراني‭:‬

أنا‭ ‬ثورة‭ ‬كبرى‭, ‬تلوح‭ ‬وتختفي

أنا‭ ‬من‭ ‬أنا‭? ‬أنا‭ ‬جذوة‭ ‬لا‭ ‬تنطفي

أنا‭ ‬روح‭ ‬جبار‭ ‬تئن‭ ‬حزينةً

تحت‭ ‬الإسار‭, ‬وما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مُسعفِ

أنا‭ ‬أنَّة‭ ‬المسكين‭ ‬تأخذ‭ ‬حقه

كفُّ‭ ‬الغنيِّ‭, ‬وما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬مُنصفِ

أنا‭ ‬خطْرةُ‭ ‬الصوفيِّ‭ ‬في‭ ‬محرابه

عظمت‭, ‬ففاضت‭ ‬عن‭ ‬نطاق‭ ‬الأحرفِ

لا‭ ‬الدهر‭ ‬يسعفني‭ ‬بما‭ ‬أهوى‭, ‬ولا

هذه‭ ‬الحياة‭ ‬بها‭ ‬فؤادي‭ ‬يكتفي

‭ ‬ويقول‭ ‬المقالح‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المقطوعة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1944‭, ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬السنوات‭ ‬ال

يا‭ ‬من‭ ‬أذبْتُ‭ ‬فؤادي‭ ‬في‭ ‬هواه‭, ‬وما

مُنيت‭ ‬إلا‭ ‬بإبعاد‭ ‬وحرمان

ما‭ ‬زال‭ ‬يصطاد‭ ‬بالآمال‭ ‬مجتهداً

قلبي‭, ‬ويرميه‭ ‬من‭ ‬آنٍ‭ ‬إلى‭ ‬آنِ

حتى‭ ‬ذوى‭ ‬زهر‭ ‬آمالي‭ ‬وأعقب‭ ‬لي

بين‭ ‬الجوانح‭ ‬آلامي‭ ‬وأحزاني

أهذه‭ ‬هي‭ ‬أيام‭ ‬الصبا‭, ‬وإلى

رجوعها‭ ‬يتنزّى‭ ‬العاجز‭ ‬الفاني

فلو‭ ‬بلغت‭ ‬قصارى‭ ‬العمر‭ ‬ما‭ ‬نزعت

عواطفي‭ ‬نحوها‭ ‬يوماً‭, ‬ووجداني

ماذا‭? ‬سوى‭ ‬أنةٍ‭ ‬حرَّى‭ ‬يكاد‭ ‬لها

قلبي‭ ‬يذوب‭, ‬وجفن‭ ‬دمعه‭ ‬قاني

وصاحب‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أنفكُّ‭ ‬أذكرُهُ

على‭ ‬المدى‭, ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬ينفكُّ‭ ‬ينساني

هذا‭ ‬هو‭ ‬الحبُّ‭ ‬لا‭ ‬ينفكُّ‭ ‬يخلق‭ ‬لي

عوالماً‭ ‬ذات‭ ‬أشكالٍ‭ ‬وألوانِ

دنيا‭ ‬وعالم‭ ‬أشجانٍ‭ ‬أعيش‭ ‬به

وحدي‭, ‬وللناس‭ ‬حولي‭ ‬عالمٌ‭ ‬ثاني

يا‭ ‬موقظ‭ ‬الفتنة‭ ‬العمياء‭ ‬مُجتهداً

دعني‭ ‬أعشْ‭, ‬لسْتَ‭ ‬من‭ ‬همّي‭ ‬ولا‭ ‬شاني

وأنت‭ ‬لا‭ ‬زلت‭ ‬يا‭ ‬ذا‭ ‬الجاه‭ ‬في‭ ‬دعةٍ

مباركاً‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬مالٍ‭ ‬وولدانِ

نفسي‭ ‬الخلية‭ ‬عن‭ ‬دنياكمو‭, ‬ولها

منها‭ ‬منادحُ‭ ‬من‭ ‬شجوٍ‭ ‬وأشجانِ

لذاكَ‭ ‬لم‭ ‬تطْوِ‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬حنقاً

على‭ ‬الزمان‭, ‬ولا‭ ‬بُغْضاً‭ ‬لإنسانِ

كما‭ ‬يرى‭ ‬الشاعر‭ ‬والناقد‭ ‬اليمني‭ ‬المقالح‭ ‬أن‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحضراني‭ ‬حافظَ‭ - ‬بحساسية‭ ‬شعرية‭ ‬فائقة‭ - ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬الشعري‭ ‬تنسجم‭ ‬فيه‭ ‬بداياته‭ ‬مع‭ ‬أحدث‭ ‬إبداعاته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬ارتعاشة‭ ‬الحنين‭ ‬الرومانتيكي‭ (‬الرومانسي‭) ‬أو‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬ذاتية‭ ‬صوته‭ ‬الغنائي‭ ‬الحالم‭. ‬يقول‭ ‬الحضراني‭:‬

مستهامٌ‭ ‬يعبث‭ ‬الشوق‭ ‬به

عبث‭ ‬الموج‭ ‬بأنّات‭ ‬الغريق

قلبه‭ ‬الدامي‭ ‬وقد‭ ‬حمَّلهُ

من‭ ‬تباريخ‭ ‬الهوى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يطيقُ

ليس‭ ‬ينفكُّ‭ ‬حزيناً‭ ‬موجعاً

يصحب‭ ‬الأيام‭ ‬بالجرح‭ ‬العميق

وحّدتْه‭ ‬في‭ ‬الورى‭ ‬أشجانهُ

فهو‭ ‬في‭ ‬وادٍ‭ ‬من‭ ‬الشَّجْوِ‭ ‬سحيق

حيث‭ ‬لا‭ ‬موجدة‭ ‬من‭ ‬ناقمٍ

تبلغ‭ ‬الشكوى‭, ‬ولا‭ ‬نجوى‭ ‬صديق

حار‭ ‬في‭ ‬حمل‭ ‬الهوى‭, ‬لا‭ ‬كفُّه

عافت‭ ‬الكأس‭, ‬ولا‭ ‬جفَّ‭ ‬الرحيق

‭ ‬ويرى‭ ‬قرّاء‭ ‬شعره‭ ‬أن‭ ‬رومانتيكية‭ ‬الشاعر‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحضراني‭ ‬ولدت‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الأربعينيات‭, ‬ورافقته‭, ‬متمردة‭ ‬تارة‭, ‬ناعمة‭ ‬هادئة‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭, ‬يطفو‭ ‬عليها‭ ‬النشوة‭ ‬والفرح‭ ‬حيناً‭, ‬كما‭ ‬يطفو‭ ‬عليها‭ ‬الحزن‭ ‬واليأس‭ ‬أحياناً‭, ‬وهي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬تقول‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقوله‭ ‬إلا‭ ‬شاعر‭ ‬أحرق‭ ‬نفسه‭ ‬ليضيء‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬المقالح‭ -‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬مثير‭- ‬أن‭ ‬الحضراني‭ ‬سبق‭ ‬بدر‭ ‬شاكر‭ ‬السيَّاب‭ ‬ونازك‭ ‬الملائكة‭ ‬في‭ ‬الريادة‭ ‬لشعر‭ ‬التفعيلة‭, ‬الذي‭ ‬تمرد‭ ‬على‭ ‬سيطرة‭ ‬العمود‭ ‬الشعري‭ ‬الخليلي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬البيتية‭ ‬إلى‭ ‬شعر‭ ‬يعتمد‭ ‬التفعيلة‭ ‬ويلغي‭ ‬نظام‭ ‬الشطرين‭. ‬ولقد‭ ‬شغل‭ ‬الدارسون‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬بمحاولة‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬السابق‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬السيَّاب‭ ‬أم‭ ‬نازك‭?, ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬الحضراني‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬الاثنين‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬له‭ ‬أبدعها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1942‭, ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬هل‭ ‬كان‭ ‬حبّاً‮»‬‭ ‬للسياب‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1946‭ ‬و«الكوليرا‮»‬‭ ‬لنازك‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬بأربعة‭ ‬أعوام‭ ‬وخمسة‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬الحضراني‭ ‬أكثر‭ ‬جرأة‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬الشعرية‭ ‬الإبداعية‭ ‬للتجديد‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬البدايات‭ ‬الأخرى‭, ‬وأنها‭ ‬تتجاوز‭ ‬بنية‭ ‬العروض‭ ‬الخليلي‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬شبه‭ ‬حاسم‭ ‬وإلى‭ ‬صياغة‭  ‬شعرية‭ ‬أكثر‭ ‬تمثيلاً‭ ‬وإدراكاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬التغيير‭ ‬المطلوب‭. ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يصبح‭ ‬الحضراني‭ ‬أقدم‭ ‬من‭ ‬السيَّاب‭ ‬ونازك‭ ‬الملائكة‭ ‬في‭ ‬الريادة‭ ‬لهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬شعر‭ ‬العصر‭ ‬والصوت‭ ‬المثير‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭, ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬النصّ‭ ‬قد‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خروجاً‭ ‬صارخاً‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المكان‭ ‬والزمان‭:‬

ما‭ ‬لقلبي‭ ‬يتضرّم‭? ‬وكياني‭ ‬يتهدم‭?‬

أيها‭ ‬النفس‭ ‬حنانيك‭ ‬اهدئي

أيها‭ ‬الآمال‭ ‬مه‭, ‬لا‭ ‬تعبسي‭, ‬وابتسمي

لمَ‭ ‬لا‭ ‬أحيا‭ ‬كما‭ ‬تحيا‭ ‬الطيورْ‭.. ‬وادعا‭?‬

أتغنى‭ ‬حين‭ ‬أغدو‭ ‬وأروحْ‭.. ‬لاهيا

لا‭ ‬أبالي‭ ‬همَّ‭ ‬أمسي‭ ‬أو‭ ‬غدي

واجداً‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬مُتعتي

في‭ ‬الهواء‭ ‬الطلْق‭, ‬في‭ ‬عَرْف‭ ‬النسيم

في‭ ‬خرير‭ ‬الماء‭, ‬في‭ ‬سحْر‭ ‬الأصيل

لست‭ ‬بالمسؤول‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭:‬

أنا‭ ‬فيه‭ ‬ذرة‭ ‬في‭ ‬جبلٍ

أو‭ ‬حصاة‭ ‬في‭ ‬خِضمٍّ‭ ‬مُزبدِ

إنما‭ ‬جئتُ‭ ‬لأحيا

بفؤادٍ‭ ‬كالربيع

وهزارٍ‭ ‬يتغنى‭ ‬فيه‭, ‬أو‭ ‬زهرِ‭ ‬يضوعْ

لمَ‭ ‬لا‭ ‬أقطع‭ ‬شوطي‭ ‬هاديا

وادعاً‭ ‬كالبدر‭ ‬يهدي‭ ‬السائرين

ويُجلِّي‭ ‬ظلمات‭ ‬الغَسقِ

دون‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬أجرا

من‭ ‬جميع‭ ‬الخلْقِ‭,‬

أو‭ ‬يرهب‭ ‬ضُرّاً‭?‬

لمَ‭ ‬لا‭ ‬أسرِ‭ ‬كما‭ ‬يسري‭ ‬النسيم

عاطرا

يُنعش‭ ‬الناس‭ ‬شذاهْ

كلما‭ ‬هَبَّت‭ ‬صَباهْ

 

‭* * *‬

لمَ‭ ‬لا‭ ‬أقضي‭ ‬حياتي‭ ‬وأنا

مثلما‭ ‬الزهرة‭ ‬في‭ ‬الروض‭ ‬النضير

كم‭ ‬تَسرُّ‭ ‬الناظرين

وتُزيلُ‭ ‬الحزن‭ ‬عن‭ ‬قلب‭ ‬الحزين

فإذا‭ ‬آن‭ ‬الأوانْ‭.‬

تَركتْ‭ ‬هذي‭ ‬الحياة‭ ‬الصاخبة

ثم‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬خِضمّ‭ ‬الأبدية

حيثما‭ ‬تفْنى‭ ‬الحياة‭!‬

‭* * *‬

يا‭ ‬لهذا‭ ‬القبر‭ ‬ما‭ ‬أوسعهُ

يلتقي‭ ‬فيه‭ ‬جميعُ‭ ‬العالمين

من‭ ‬شريفٍ‭ ‬ووضيع

وعصيٍّ‭ ‬ومطيع

يتلاقى‭ ‬الذئب‭ ‬فيه‭ ‬بالحملْ

ولديْه‭ ‬الشهد‭ ‬والحنظلُ‭, ‬حلاَّ‭ ‬في‭ ‬مَحلّ

والحصى‭ ‬والدرُّ‭ ‬والمسك‭ ‬الثمين

كلها‭ ‬تُجمع‭, ‬والطين‭ ‬المهينُ‭!‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬صفحات‭ ‬ديوان‭ ‬الخضراني‭ -‬الذي‭ ‬جمعه‭ ‬وحققه‭ ‬وقدّم‭ ‬له‭ ‬علوان‭ ‬مهدي‭ ‬الجيلاني‭- ‬الحافل‭ ‬بما‭ ‬أبدعه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬رحلة‭ ‬إنسانية‭ ‬وشعرية‭ ‬طويلة‭ ‬شغل‭ ‬فيها‭ ‬بهموم‭ ‬وطنه‭ ‬اليمن‭, ‬وبقضايا‭ ‬أمته‭ ‬العربية‭, ‬وبانتمائه‭ ‬الإنساني‭ ‬الرحب‭, ‬المتسع‭ ‬لقضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬وأشواقه‭ ‬ومطامحه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭, ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الصفحات‭ ‬تطالعنا‭ ‬قصيدته‭ ‬‮«‬رمال‭ ‬عطشى‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تعتصر‭ ‬بقايا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬وأحزان‭ ‬ومرارات‭ ‬وانكسارات‭, ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

الندامى‭, ‬وأين‭ ‬مني‭ ‬الندامى

ذهبوا‭ ‬يمْنةً‭, ‬وصرتُ‭ ‬شآما

يا‭ ‬أحباءنا‭ ‬تنكّر‭ ‬دهرٌ

كان‭ ‬بالأمس‭ ‬ثغرهُ‭ ‬بسّاما

ما‭ ‬عليكم‭ ‬في‭ ‬هجرنا‭ ‬من‭ ‬ملامٍ

قد‭ ‬حملْنا‭ ‬عن‭ ‬الليالي‭ ‬الملاما

وطويْنا‭ ‬على‭ ‬الجراح‭ ‬قلوباً

دميتْ‭ ‬لوعةً‭, ‬وذابت‭ ‬غراما

سوف‭ ‬يدري‭ ‬من‭ ‬ضيّع‭ ‬العهد‭ ‬أنّا

منه‭ ‬أسمى‭ ‬نفْساً‭, ‬وأوفى‭ ‬ذماما

نحن‭ ‬من‭ ‬لقّن‭ ‬الحمامَ‭ ‬فغنى

ومن‭ ‬الشوق‭ ‬عطَّر‭ ‬الأنساما

والندى‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬فيض‭ ‬دموعٍ

من‭ ‬جفونٍ‭ ‬لنا‭ ‬أَبتْ‭ ‬أن‭ ‬تناما

كم‭ ‬سجا‭ ‬الليل‭ ‬والجوانحُ‭ ‬هيما

تباريحها‭, ‬تُناجي‭ ‬الظلاما

الندامى‭, ‬وأين‭ ‬مني‭ ‬الندامى

ذهبوا‭ ‬يمْنةً‭, ‬وصرتُ‭ ‬شآما

 

‭* * *‬

الرمال‭ ‬العطشى‭ ‬وتلك‭ ‬نفوسٌ

تتلظَّى‭ ‬صبابةً‭ ‬وهُياما

هوّمي‭ ‬يا‭ ‬رمال‭, ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬النّعْ

 

قد‭ ‬بذلْنا‭ ‬النفيس‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ

فجنيْنا‭ ‬الأحلامَ‭ ‬والأوهاما

يا‭ ‬ليالي‭ ‬الأحلام‭ ‬عودي‭, ‬فإنا

قد‭ ‬عشقْنا‭ ‬برغمنا‭ ‬الأحلاما

نبتدي‭ ‬حيث‭ ‬ننتهي‭, ‬ما‭ ‬بلغْنا

من‭ ‬مرامٍ‭, ‬ولا‭ ‬شَفيْنا‭ ‬أُواما

‭ ‬وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬ثانية‭ ‬يكشف‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحضراني‭ ‬عن‭ ‬وهم‭ ‬الشعراء‭ ‬المحبين‭, ‬عندما‭ ‬يرون‭ ‬محبوباتهم‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صنعهم‭ ‬هم‭, ‬جمالاً‭ ‬وفتنةً‭ ‬وتأثيراً‭, ‬ويخلعون‭ ‬عليهن‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬فيهن‭ ‬لكنها‭ ‬عين‭ ‬المحب‭, ‬عندما‭ ‬يقول‭:‬

الله‭ ‬قد‭ ‬صاغِك‭ ‬من‭ ‬طِينةٍ

كسائر‭ ‬الناس‭, ‬ولا‭ ‬أكثرُ

فحدّثيني‭ ‬يا‭ ‬مُنى‭ ‬خاطري

من‭ ‬خلق‭ ‬الحسن‭ ‬الذي‭ ‬يبهرُ‭?‬

من‭ ‬جعل‭ ‬الألحاظ‭ ‬فتّاكةً‭?‬

والثغر‭ ‬من‭ ‬صيّرهُ‭ ‬يُسكرُ‭?‬

من‭ ‬خلق‭ ‬الفتنة‭ ‬غيري‭ ‬أنا

أنا‭.. ‬أنا‭ ‬خالقُكِ‭ ‬الأكبرُ

لولاي‭ ‬ما‭ ‬افترَّت‭ ‬زهورُ‭ ‬الرُّبا

ولا‭ ‬شدا‭ ‬نايٌ‭ ‬ولا‭ ‬مزهرُ

ولا‭ ‬عَلتْ‭ ‬عينيْكِ‭ ‬إشراقةٌ

يُسبّحُ‭ ‬اللهَ‭ ‬لها‭ ‬عبقرُ

ما‭ ‬جسمُكِ‭ ‬الرجراجُ‭ ‬لولا‭ ‬أنا‭?‬

ما‭ ‬سحره‭? ‬ما‭ ‬طرْفهُ‭ ‬الأحورُ‭?‬

إن‭ ‬تسأليني‭: ‬كيف‭ ‬صوّرتني‭?‬

وأنت‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬ولا‭ ‬تقدرُ‭!‬

أنت‭ ‬لعمري‭ ‬أعرفُ‭ ‬الناسِ‭ ‬بي

ما‭ ‬أحدٌ‭ ‬مثلُكَ‭ ‬بي‭ ‬أَخبرُ

ورعشة‭ ‬الوجنة‭ ‬عند‭ ‬اللّقا

تشهد‭ ‬لي‭, ‬والطرف‭ ‬إذ‭ ‬يكسرُ

خلقتُ‭ ‬هذا‭ ‬الحسن‭ ‬من‭ ‬خافقٍ

مُضنًى‭, ‬وطرْفٍ‭ ‬في‭ ‬الدجى‭ ‬يسهرُ

خلقتُه‭ ‬من‭ ‬همسات‭ ‬المنى

من‭ ‬كلِّ‭ ‬ما‭ ‬أَهْوى‭ ‬وما‭ ‬أُكبرُ

من‭ ‬ومضات‭ ‬النور‭ ‬عند‭ ‬الدجى

والليل‭ ‬من‭ ‬حوليَ‭ ‬يعكوْكرُ

أوّاهُ‭ ‬من‭ ‬قلبٍ‭ ‬يُقاسي‭ ‬الضنى

في‭ ‬كلِّ‭ ‬يومٍ‭ ‬جرحهُ‭ ‬يَنْغَرُ

أشكوكِ‭? ‬لا‭ ‬أدري‭, ‬ألستُ‭ ‬الذي

بكفِّه‭ ‬قد‭ ‬وُضع‭ ‬الخنجرُ‭?‬

‭ ‬وفي‭ ‬وقفة‭ ‬للحضراني‭ ‬على‭ ‬قبر‭ ‬الشاعر‭ ‬الألماني‭ ‬الأشهر‭ ‬جوته‭ -‬عندما‭ ‬زار‭ ‬ألمانيا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭- ‬متذكراً‭ ‬رائعته‭ ‬الشهيرة‭ ‬الباكية‭ ‬آلام‭ ‬فرتر‭ ‬التي‭ ‬قرأ‭ ‬ترجمة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬وتركَتْ‭ ‬في‭ ‬نفسه‭  ‬أثراً‭ ‬لا‭ ‬يبلى‭ ‬ولا‭ ‬يزول‭, ‬لكن‭ ‬وجدانه‭ ‬كان‭ ‬يرتعش‭ ‬ويتماوج‭ ‬ببقايا‭ ‬سطورها‭ ‬ومواقفها‭ ‬في‭ ‬نفسه‭, ‬يقول‭:‬

أنا‭ ‬على‭ ‬قبرك‭ ‬يا‭ ‬شاعري

أستلهم‭ ‬الفن‭ ‬وأُذكى‭ ‬الشجون

وتعبرُ‭ ‬الذكرى‭ ‬على‭ ‬خاطري

في‭ ‬لحظاتٍ‭ ‬تتخطّى‭ ‬القرون

أنا‭ ‬هنا‭ ‬جئتُ‭ ‬من‭ ‬المشرقِ

أزورُ‭ ‬مثواكَ‭ ‬بأقصى‭ ‬الغروبْ

من‭ ‬قال‭ ‬إنّا‭ ‬قطُّ‭ ‬لا‭ ‬نلتقي

قد‭ ‬جمعتْنا‭ ‬خفقاتُ‭ ‬القلوبْ

أنا‭ ‬هنا‭ ‬حيثُ‭ ‬ترى‭ ‬مُقلتي

مجال‭ ‬عينيْك‭ ‬النديَّ‭ ‬الفسيح

حيث‭ ‬تناجى‭ ‬السَّفْحَ‭ ‬في‭ ‬رقةٍ

وحيث‭ ‬تدعو‭ ‬القلْبَ‭ ‬أن‭ ‬يستريحْ‭!‬

هنا‭ ‬أرى‭ ‬السحر‭ ‬الذي‭ ‬ألهما

وألمِسُ‭ ‬الحسن‭ ‬الذي‭ ‬تيَّمَكْ

في‭ ‬الأرض‭, ‬في‭ ‬أبنائها‭, ‬في‭ ‬السَّما

في‭ ‬كلّ‭ ‬شيءٍ‭ ‬سرُّهُ‭ ‬كلّمكْ

أُهِيبُ‭ ‬بالمقلة‭ ‬أن‭ ‬ترعوي

فقد‭ ‬كفى‭ ‬الأحشاء‭ ‬ما‭ ‬تنطوي

عليه‭ ‬من‭ ‬جُرحٍ‭ ‬وحزن‭ ‬عميقْ

جئتُ‭ ‬وفي‭ ‬قلبي‭ ‬جراحُ‭ ‬الوجود

وفي‭ ‬جفوني‭ ‬قلقُ‭ ‬الراحلِ

أودّ‭ ‬لو‭ ‬زالت‭ ‬أمامي‭ ‬السُّدودْ

أو‭ ‬تستقرُّ‭ ‬النفسُ‭ ‬في‭ ‬السّاحلِ

الحسنُ‭ ‬يا‭ ‬شاعر‭ ‬لمّا‭ ‬يزلْ

كمثلِ‭ ‬ما‭ ‬شاهدْتَ‭ ‬أو‭ ‬أروعا

والناس‭ ‬كلُّ‭ ‬الناس‭ ‬تهوى‭ ‬العمل

وتمقتُ‭ ‬الخنجر‭ ‬والمدفعا

والموكب‭ ‬الفخم‭ ‬الذي‭ ‬يُفزعُ

قد‭ ‬اختفى‭ ‬والنظراتُ‭ ‬الغِضابُ

لم‭ ‬يبْق‭ ‬إلا‭ ‬كلُّ‭ ‬من‭ ‬ينفعُ

أو‭ ‬يحمل‭ ‬الفأس‭ ‬ويبني‭ ‬الخراب

بمثل‭ ‬هذا‭ ‬هزموا‭ ‬الماردا

وحُقّ‭ ‬للشيطان‭ ‬أن‭ ‬ينهزمْ

بالنفس‭ ‬تسمو‭, ‬بالنُّهى‭ ‬صاعدا

بالصدق‭ ‬في‭ ‬أفعالهم‭ ‬والشيّمْ

‭ ‬والذين‭ ‬أتيح‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يع

يعيش‭ ‬في‭ ‬هامش‭ ‬الأيام‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬ال

 

إلا‭ ‬خيالات‭ ‬أوهامٍ‭ ‬يصوّرها

غير‭ ‬الحقيقة‭ ‬إحساس‭ ‬ووجدانُ

يا‭ ‬قوم‭, ‬إنْ‭ ‬حياتي‭ ‬كلّها‭ ‬حُلُمُ

وإنني‭ ‬من‭ ‬عجيب‭ ‬الأمر‭ ‬يقظانُ

وربما‭ ‬كانت‭ ‬الدنيا‭ ‬بأجمعها

حلما‭ ‬سترويه‭ ‬أجيالٌ‭ ‬وأزمانُ

هو‭ ‬الوجود‭, ‬ولكن‭ ‬كلُّهُ‭ ‬عدمٌ

وإنّ‭ ‬أضعف‭ ‬شيءٍ‭ ‬فيه‭ ‬إنسانُ

يا‭ ‬ويح‭ ‬قلبٍ‭ ‬عميق‭ ‬الحزن‭, ‬ليس‭ ‬له

من‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬سلوانُ

‭ ‬وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬ثناياها‭ ‬لفح‭ ‬العروبة‭ ‬والوطنية‭ ‬وجذوة‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬والإنسان‭ ‬

يا‭ ‬رجال‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬الضَّا

دِ‭, ‬ورواد‭ ‬م

كادت‭ ‬الدار‭ ‬هذه‭ ‬إذ‭ ‬نزلْتم

سُوحَها‭, ‬أن‭ ‬تشيد‭ ‬بالأشواقِ

فاعذروها‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تطق‭ ‬أن‭ ‬تُحيّي

فيكمو‭ ‬كلَّ‭ ‬ماجدٍ‭ ‬سبّاقِ

حين‭ ‬كنتم‭ ‬أحبابَها‭ ‬من‭ ‬قديمٍ

فبخلْتم‭ ‬أن‭ ‬تسمحوا‭ ‬بالتلاقي

كم‭ ‬أذابت‭ ‬قلباً‭ ‬رجاءَ‭ ‬وصالٍ

من‭ ‬حبيبٍ‭ ‬منكم‭, ‬وخوْفَ‭ ‬فراقِ

فلماذا‭ ‬جفوتموها‭ ‬إلى‭ ‬أن

بلغت‭ ‬روحها‭ ‬حبال‭ ‬التراقي‭?‬

نَحلتْ‭ ‬هيكلاً‭, ‬وذابت‭ ‬فؤاداً

ودبيب‭ ‬الفناءِ‭ ‬في‭ ‬الأعماقِ

فاعذروها‭ ‬إن‭ ‬أنشدتْ‭ ‬قولَ‭ ‬حِبٍّ

قال‭ -‬لما‭ ‬براه‭ ‬طولُ‭ ‬الفراق‭-:‬

حُلْتِ‭ ‬دون‭ ‬المزارِ‭ ‬واليومَ‭ ‬لو‭ ‬زُرْ

تِ‭, ‬لَ

‭ ‬ونقلِّب‭ ‬صفحات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬ديوان‭ ‬الحضراني‭, ‬وتستوقفنا‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬احتفال‭ ‬القاهرة‭ ‬بالذكرى‭ ‬الخمسين‭ ‬لرحيل‭ ‬شاعريها‭ ‬العَلَميْن‭: ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬وحافظ‭ ‬إبراهيم‭, ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬1982‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الحضراني‭ ‬يمثل‭ ‬وحده‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭, ‬وإنما‭ ‬ك

حرسَا‭ ‬الروض‭ ‬وهو‭ ‬ريّانُ‭ ‬حالمْ

واعداتٌ‭ ‬زهورُه‭ ‬والبراعمْ

حرساهُ‭, ‬جذورهُ‭ ‬تضربُ‭ ‬الأر

ضَ‭, ‬وأغصانُه‭ ‬اللّدانُ‭ ‬النواعمْ

ملءُ‭ ‬قلبيهما‭ ‬حنينٌ‭ ‬لماضٍ

مشرقٍ‭, ‬وانتظارُ‭ ‬خيرٍ‭ ‬قادم

سألاني‭ ‬هل‭ ‬أخلف‭ ‬الروضُ‭ ‬أْم‭ ‬كا

نَ‭ ‬له‭ ‬موسمٌ‭ ‬كأغلى‭ ‬المواسم‭?‬

لم‭ ‬أُجبْ‭, ‬بل‭ ‬صمتُّ‭ ‬حين‭ ‬تولّى‭ ‬الرَّد

من‭ ‬مقْلتيَّ‭ ‬دمعٌ‭ ‬ساجمْ

ويْك‭ ‬ماذا‭ ‬عَرَا‭? ‬أصوَّح‭ ‬نبتٌ‭?‬

أيُّما‭ ‬حاصبٍ‭? ‬وأيُّ‭ ‬مُداهمْ‭?‬

أجيوش‭ ‬التتار‭ ‬عادت‭ ‬وجنكيز‭ ‬خا

نُ‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬يدكُّ‭ ‬العواصم‭?‬

أجمالُ‭ ‬السَّفاكُ‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الشا

مِ‭, ‬يحزُّ‭ ‬الطُّلى‭ ‬ويفري‭ ‬الجماجمْ‭?‬

ودِنَشْوايُ‭, ‬هل‭ ‬دِنِشْوايُ‭ ‬عادَت

يا‭ ‬لأيامها‭ ‬الطوالِ‭ ‬القوائمْ

قلتُ‭: ‬كلا‭, ‬لا‭ ‬ذا‭ ‬ولا‭ ‬ذاك‭ ‬قد‭ ‬عا

د‭, ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬هولٌ‭ ‬حاطمْ

حكم‭ ‬الشرُّ‭, ‬أو‭ ‬فَقُلْ‭ ‬حكم‭ ‬الفرْ

دُ‭, ‬وأصل‭ ‬البلاء‭ ‬فردٌ‭ ‬حاكمْ

وهكذا‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬الحضراني‭ ‬المناسبة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬الفرد‭ ‬وسيطرة‭ ‬الطغيان‭ ‬وغيْبة‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬أخّرت‭ ‬تقدم‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وجرَّته‭ ‬إلى‭ ‬التخلف‭ ‬والهوان‭.‬

‭ ‬ولإبراهيم‭ ‬الحضراني‭ ‬بكائيات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬شعره‭, ‬كان‭ ‬يفقلبي‭ ‬يكاد‭ ‬لفرط‭ ‬الشوق‭ ‬ينصدعُ

أحبّتي‭ ‬حمّلوهُ‭ ‬فوق‭ ‬ما‭ ‬يسعُ

قد‭ ‬عاد‭ ‬كالطفل‭ ‬يهوى‭ ‬كلَّ‭ ‬سانحةٍ

تبدو‭ ‬له‭, ‬وبلمْح‭ ‬الطرْفِ‭ ‬ينخدعُ

والقلب‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الوجدان‭ ‬يعوزهُ‭ ‬الت

 

‭ ‬وفي‭ ‬ختام‭ ‬الرحلة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬اليمني‭ ‬الرمز‭ ‬في‭ ‬الريادة‭ ‬والتجديد‭, ‬وجمال‭ ‬اللغة‭ ‬وانطلاق‭ ‬الخيال‭, ‬واحتشاد‭ ‬العقل‭ ‬وصفاء‭ ‬الوجدان‭, ‬نستمع‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭:‬

لا‭ ‬أُحبُّ‭ ‬العيش‭ ‬إلا‭ ‬قمةً

إن‭ ‬تفُتْ‭, ‬فالموتُ‭ ‬أعلى‭ ‬القممِ‭ .‬