الفلسفة... والمقاومة

الفلسفة... والمقاومة

‮«‬المقاومة‮»‬‭ ‬فعل‭ ‬إنساني‭ ‬نبيل،‭ ‬يدل‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬ورغبته‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬وصنع‭ ‬التقدم،‭ ‬وللمقاومة‭ ‬بوصفها‭ ‬فعلاً‭ ‬إنسانياً‭ ‬صور‭ ‬عديدة،‭  ‬فمنها‭ ‬المقاومة‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يكتفي‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬بالاستنكار‭ ‬الداخلي‭ (‬أي‭ ‬بقلبه‭)‬،‭ ‬ومنها‭ ‬المقاومة‭ ‬الإيجابية،‭ ‬التي‭ ‬يبدأ‭ ‬فيها‭ ‬بالجهر‭  ‬برفض‭ ‬أي‭ ‬أفعال‭ ‬أو‭ ‬أقوال‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬عنها،‭ ‬وقد‭ ‬تتطور‭ ‬به‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬الاحتجاج‭ ‬بصور‭ ‬شتى‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬التظاهر‭ ‬أو‭ ‬الاعتصام‭ ‬أو‭ ‬الثورة‭... ‬إلخ‭. ‬

داخل‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬للمقاومة،‭ ‬نجد‭ ‬أنواعاً‭ ‬لها؛‭ ‬فهناك‭ ‬المقاومة‭ ‬السياسية‭ ‬والمقاومة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬المقاومة‭ ‬الفكرية،‭ ‬أي‭ ‬المقاومة‭ ‬بالأفكار،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للفيلسوف‭ ‬بأفكاره‭ ‬أن‭ ‬يقاوم‭ ‬الصور‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬وينقدها‭ ‬بعد‭ ‬رصدها‭ ‬وتحليلها،‭ ‬كما‭ ‬يمكنه‭ ‬مقاومة‭ ‬هذه‭ ‬السلبيات‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬جديدة‭ ‬للحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬باليوتوبيات‭ (‬أي‭ ‬الدول‭ ‬المثالية‭ ‬أو‭ ‬المدن‭ ‬الفاضلة‭).‬

والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬تاريخاً‭ ‬للمقاومة‭ ‬والثورة‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬القائمة،‭ ‬سواء‭ ‬اكتفى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬السلبية‭ ‬بنقد‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬السائدة‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬أو‭ ‬بنقد‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬تجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬الشامل‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬عايشها‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬إليها‭. ‬وينبغي‭ ‬ألا‭ ‬نندهش‭ ‬أو‭ ‬نتعجب‭ ‬من‭ ‬العبارة‭ ‬السابقة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬والتجديد‭ ‬هي‭ ‬الوظيفة‭ ‬الأهم‭ ‬والأسمى‭ ‬للفيلسوف؛‭ ‬ففي‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬المراحل‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬وانتقالهم‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬كان‭ ‬أساسها‭ ‬دائماً‭ ‬فكرة‭ ‬فلسفية‭ ‬جديدة،‭ ‬ويمكن‭ ‬للقارئ‭ ‬أن‭ ‬يراجع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مؤلفاته،‭ ‬وخاصة‭ ‬افلاسفة‭ ‬أيقظوا‭ ‬العالمب‭ ‬وافي‭ ‬فلسفة‭ ‬الثقافةب‭ ‬وافي‭ ‬فلسفة‭ ‬الحضارةب‭ ‬وافلسفة‭ ‬التاريخب‭ ‬واتطور‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسيةب‭.‬

‭ ‬ولعلنا‭ ‬نجد‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬للفلسفة‭ ‬بوصفها‭ ‬دعوة‭ ‬للتغيير‭ ‬والمقاومة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحضارة‭ ‬اليونانية؛‭ ‬حيث‭ ‬تعاظم‭ ‬دور‭ ‬فلاسفة‭ ‬اليونان‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬حضارتهم‭ ‬الفتية،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬حفلت‭ ‬به‭ ‬فلسفاتهم‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬دائمة‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬والتجديد‭ ‬ومقاومة‭ ‬كل‭ ‬الصور‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفكر‭ ‬النظري‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولقد‭ ‬ظهر‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬ظهور‭ ‬الفلسفة‭  ‬عندهم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬طاليس‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد؛‭ ‬إذ‭ ‬تعد‭ ‬فلسفته،‭ ‬ومعها‭ ‬فلسفات‭ ‬معاصريه‭ ‬من‭ ‬الطبيعيين‭ ‬الأوائل،‭ ‬بصورة‭ ‬ما،‭ ‬مقاومة‭ ‬للتفسيرات‭ ‬الأسطورية‭ ‬والخرافية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬شائعة‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬محاولاتهم‭  ‬لتفسير‭ ‬الطبيعة‭ ‬تفسيراً‭ ‬مادياً،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬مادية‭ ‬يرتد‭ ‬إليها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬المحسوس،‭ ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬فلسفات‭ ‬التيارات‭ ‬المثالية،‭ ‬كالإيلية‭ ‬والفيثاغورية‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬نفسه‭ ‬مقاومة‭ ‬ورفضاً‭ ‬لتلك‭ ‬النظرة‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الطبيعة‭ ‬والوجود‭.‬

وهكذا‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الفلسفة‭ ‬اليونانية،‭ ‬بل‭ ‬وتطور‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنظور؛‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬فلسفة‭ ‬السوفسطائيين‭ ‬مقاومة‭ ‬لهذا‭ ‬التيار‭ ‬الفلسفي‭ ‬الذي‭ ‬شغله‭ ‬تفسير‭ ‬العالم‭ ‬الطبيعي‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بقضايا‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبالطبع‭ ‬كانت‭ ‬فلسفة‭ ‬سقراط‭ ‬مقاومة‭ ‬لهذا‭ ‬التيار‭ ‬نفسه،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬مقاومة‭ ‬لفلسفة‭ ‬السوفسطائيين‭ ‬الإنسانية‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬النسبية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأخلاق‭ ‬والفضيلة‭.‬

 

مقاومة‭ ‬المادية

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬جاءت‭ ‬فلسفة‭ ‬أفلاطون‭ ‬مقاومة‭ ‬للمادية‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬العالم‭ ‬الطبيعي‭ ‬والنسبية‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الأمور‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والسياسية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المادي‭ ‬المحسوس،‭  ‬بل‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الفارق‭ ‬الذي‭ ‬افترضه‭ (‬عالم‭ ‬المثل‭ ‬ذ‭ ‬عالم‭ ‬المعقولات‭). ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬فلسفة‭ ‬تلميذه‭ ‬أرسطو‭ ‬قد‭ ‬برزت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفضه‭ ‬لهذا‭ ‬الافتراض،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬خياليا‭ ‬ولا‭ ‬يحل‭ ‬أي‭ ‬مشكلة‭ ‬واقعية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قاومه‭ ‬ونقده‭ ‬واعتبره‭ ‬فرضاً‭ ‬خيالياً‭ ‬زائداً‭ ‬على‭ ‬الحاجة‭.‬

ثم‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬مذهبه‭ ‬الفلسفي‭ ‬والعلمي‭ ‬الخاص،‭ ‬الذي‭ ‬حرص‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬متجهاً‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الكلي‭ ‬والمعقول‭. ‬

وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬نفسه،‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬وسيطاً‭ ‬وحديثاً،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يعد‭ ‬تاريخاً‭ ‬يقاوم‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬فيلسوف‭ ‬أفكار‭ ‬سابقيه،‭ ‬كما‭ ‬يقاوم‭ ‬ما‭ ‬يسود‭ ‬في‭ ‬عصره‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬جامدة‭ ‬عقيمة‭ ‬ومن‭ ‬أوضاع‭ ‬ومظاهر‭ ‬حياتية‭  ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬عنها،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬فلسفات‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭ ‬الإيمانية‭ ‬مقاومة‭ ‬ورافضة‭ ‬للفلسفات‭ ‬القديمة،‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تيارات‭ ‬مادية،‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬فلسفات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬بيكون‭ ‬وديكارت‭ ‬إلى‭ ‬جون‭ ‬لوك‭ ‬وجون‭ ‬ستيوارت‭ ‬مل،‭ ‬ومعهم‭ ‬فلاسفة‭ ‬عصر‭ ‬التنوير،‭ ‬مقاومة‭ ‬لكل‭ ‬الأفكار‭ ‬والفلسفات‭ ‬التقليدية‭ ‬والمدرسية‭ ‬العقيمة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قدم‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفلاسفة‭ ‬رؤيته‭ ‬الإيجابية‭ ‬لتغيير‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اهتمامه،‭ ‬فكان‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬وساد‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭  ‬نتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لهذه‭ ‬الدعوات‭ ‬البناءة‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬الفكر‭ ‬المدرسي‭ ‬العقيم‭ ‬واستبدال‭ ‬الأطر‭ ‬المنهجية‭ ‬الجديدة‭ ‬به،‭ ‬سواء‭ ‬بالمنهج‭ ‬العقلي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الشك‭ ‬والحدس‭ ‬والاستنباط‭ ‬عند‭ ‬ديكارت‭ ‬والعقليين،‭ ‬أو‭ ‬بالمنهج‭ ‬الاستقرائي‭ ‬التجريبي‭ ‬عند‭ ‬بيكون‭ ‬ومل‭ ‬والتجريبيين‭. ‬وهكذا‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬فلسفة‭ ‬مكيافيللي‭ ‬السياسية‭ ‬مقاومة‭ ‬للجمود‭ ‬السياسي‭ ‬الغربي‭ ‬وتدخل‭ ‬الكنيسة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬فلسفة‭ ‬لوك‭ ‬السياسية‭ ‬الليبرالية‭ ‬مقاومة‭ ‬لفلسفة‭ ‬مكيافيللي‭ ‬وهوبز‭ ‬الأنانية،‭ ‬الداعية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جوانبها‭ ‬إلى‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬والاستبداد‭ ‬السياسي‭. ‬وعلى‭ ‬النحو‭ ‬نفسه،‭ ‬كانت‭ ‬الفلسفة‭ ‬الماركسية‭ ‬بما‭ ‬دعت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬اشتراكية‭ ‬علمية‭ ‬مقاومة‭ ‬لتوحش‭ ‬الرأسمالية‭ ‬واحتكار‭ ‬الرأسماليين‭ ‬للثروة‭ ‬والسلطة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ضياع‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬وغياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬جاءت‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتأمين‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬وإعانة‭ ‬البطالة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬مقاومة‭ ‬لانتشار‭ ‬الفلسفة‭ ‬الماركسية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انتصرت‭ ‬الرأسمالية‭ ‬بما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬مرونة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النظم‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الليبرالية،‭ ‬توارت‭ ‬معها‭  ‬النظم‭ ‬الاشتراكية‭ ‬حينما‭ ‬عجز‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬مقاومة‭ ‬عيوب‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادى‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬بوجود‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬هي‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬البروليتاريا،‭ ‬تلك‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬المبادرة‭ ‬الفردية‭ ‬وروح‭ ‬المنافسة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الشريفة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬نمط‭ ‬اقتصادي‭ ‬مهم‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحر‭.‬

 

الفلسفة‭ ‬والتغيير

وهكذا‭ ‬حال‭ ‬الفلسفة‭ ‬والفلاسفة،‭ ‬فهي‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬مقاومة‭ ‬ودعوة‭ ‬دائمة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬والتجديد‭. ‬وإذا‭ ‬كنا‭ ‬نقول‭ ‬عادة‭: ‬اإن‭ ‬التغيير‭ ‬سنة‭ ‬الحياةب،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬نغفل‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الفلاسفة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭! ‬وما‭ ‬بالنا‭ ‬نغفل‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الفلسفة‭ ‬والتفلسف‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬قائلين‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬السخيفة‭: ‬ابلاش‭ ‬فلسفةب‭!‬

إن‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فلسفة‭ ‬وتفلسف،‭ ‬وإلا‭ ‬فليخبرني‭ ‬أحدكم‭ ‬أثابه‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬آخر‭ ‬نتعلم‭ ‬منه‭ ‬وعن‭ ‬طريقه‭ ‬التفكير‭ ‬العقلي‭ ‬ونتدرب‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬على‭ ‬الاستخدام‭ ‬الصحيح‭ ‬لهذه‭ ‬الأداة‭ ‬الفكرية‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬وهبنا‭ ‬الله‭ ‬إياها‭ ‬المسماة‭ ‬االعقلب‭!‬

إننا‭ ‬بالفلسفة‭ ‬نتدرب‭ ‬بداية‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬العقلي‭ ‬السليم،‭ ‬وبها‭ ‬نعي‭ ‬أهم‭ ‬قضايا‭ ‬الحياة‭ ‬والوجود،‭ ‬بها‭ ‬أمكننا‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬الإلهي‭ ‬وآمنا‭ ‬بالله،‭ ‬وبها‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬المؤمن‭ ‬أن‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬عقيدته‭ ‬ضد‭ ‬الملاحدة‭ ‬ويجذبهم‭ ‬إلى‭ ‬حظيرة‭ ‬الإيمان،‭ ‬وبها‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الخلل‭ ‬والفساد‭ ‬المستشري‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬مقاومتها‭ ‬وتغييرها‭ ‬برفضها‭ ‬والثورة‭ ‬عليها،‭ ‬وبها‭ ‬يمكننا‭ ‬استشراف‭ ‬آفاق‭ ‬المستقبل‭ ‬المشرق‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحلم‭ ‬به‭ ‬ونسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭.‬

إننا‭ ‬بالفلسفة‭ ‬يمكننا‭ ‬مقاومة‭ ‬مظاهر‭ ‬الملل‭ ‬والجمود‭ ‬والرتابة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وندعو‭ ‬إلى‭ ‬تجاوزها‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭.‬

 

مقاومة‭ ‬المقاومة

علينا‭ ‬مقاومة‭ ‬من‭ ‬يقاومون‭ ‬الفلسفة‭ ‬ودورها‭ ‬الخطير‭ ‬في‭ ‬نهضة‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وأمتنا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نكون‭  ‬أشبه‭ ‬بمن‭ ‬ألقى‭ ‬بحجر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬لتحركها‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬نحو‭ ‬تغيير‭ ‬أسلوب‭ ‬حياتنا‭ ‬الغارق‭ ‬في‭ ‬الرتابة‭ ‬والجمود،‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬مقاوم‭ ‬لهذه‭ ‬الرتابة‭ ‬وذلك‭ ‬الجمود‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬المبدع‭ ‬الخلاق،‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬المتقن‭ ‬حتى‭ ‬يتحقق‭ ‬لنا‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬نصبو‭ ‬إليه‭ ‬والرخاء‭ ‬الذي‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭.‬

علينا‭ ‬توسيع‭ ‬معنى‭ ‬المقاومة،‭ ‬فلا‭ ‬نقصرها‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬بمعناها‭ ‬السياسي؛‭ ‬فقد‭ ‬نكون‭ ‬اليوم‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬الفكري‭ ‬التي‭ ‬نحياها‭ ‬والتي‭ ‬كاد‭ ‬الحوار‭ ‬والاجتهاد‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬يتوقفا،‭ ‬وقد‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬حالة‭ ‬التسيب‭ ‬والفوضى‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬نحياها‭ ‬حتى‭ ‬انقلب‭ ‬سلم‭ ‬القيم‭ ‬لدينا،‭ ‬وقد‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬حالة‭ ‬التعصب‭ ‬والتطرف‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬حداً‭ ‬جعلها‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬يسكنونه‭ ‬والشعب‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬بين‭ ‬أفراده‭. ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التخلف‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬من‭ ‬الأمية‭ ‬التي‭ ‬لايزال‭ ‬يعانيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن،‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬يخرج‭ ‬لنا‭ ‬أنصاف‭ ‬المتعلمين‭ ‬وأنصاف‭ ‬المثقفين‭... ‬إلخ‭.‬

كما‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬حقيقية‭ ‬إلى‭ ‬صور‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬فلسفات‭ ‬المقاومة‭ ‬علنا‭ ‬نبلغ‭ ‬يوماً‭ ‬شاطئ‭ ‬الأمان‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرسو‭ ‬عليه‭ ‬ونطمئن‭ ‬أننا‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬سنبدأ‭ ‬الطريق‭ ‬المستقيم‭ ‬نحو‭ ‬التقدم‭ ‬والرفاه،‭ ‬متمسكين‭ ‬بقيمنا‭ ‬الأصيلة‭ ‬ومسترشدين‭ ‬بتعاليم‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف،‭ ‬دين‭ ‬العقل‭ ‬والعلم‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬التطرف‭ ‬والهمجية‭ .‬