قراءة في معجم الصمت (إلى أبي الطيّب المتنبي)

قراءة في معجم الصمت (إلى أبي الطيّب المتنبي)

تجودُ‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬المآتــــــــــــمُ

كما‭ ‬جادت‭ ‬الرّؤيا‭ ‬وتلك‭ ‬المواســـــــمُ

مواسـمُ‭ ‬خوف‭ ‬كنتُ‭ ‬أحذر‭ ‬يَنْعَهــــــــــا

ففاضَتْ‭ ‬بها‭ ‬الدّنيا‭ ‬وغيضَ‭ ‬لهـا‭ ‬دمُ

سيسمو‭ ‬مدى‭ ‬الأحزان‭ ‬حزنكَ‭ ‬يا‭ ‬أنـا

وإنْ‭ ‬مُزجتْ‭ ‬في‭ ‬أصغريك‭ ‬التمائـمُ

تشـاطأ‭ ‬ندّايَ‭: ‬الســّــــــــــــــــــقام‭ ‬ولوعتـي

وغرّد‭ ‬في‭ ‬شرقي‭ ‬الأسى‭ ‬والحمـائمُ

أراني‭ ‬سليل‭ ‬الجرح،‭ ‬أسيانَ‭  ‬أنتشي

ظلالٌ‭ ‬هيَ‭ ‬الأصداء‭ ‬والصّوت‭ ‬هائم

على‭ ‬قلقٍ‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬نحيا،‭ ‬ونرتدي

قروحَ‭ ‬فـــــــــــــــراقٍ‭ .. ‬والقوافي‭ ‬مراهــمُ

تسمّرَ‭ ‬صمتُ‭ ‬العاشقيـنَ‭ ‬على‭ ‬فمـي

فأيقظَ‭ ‬دمعَ‭ ‬القلب‭... ‬والبوحُ‭ ‬جاثـم

وما‭ ‬نجمُ‭ ‬صوتٍ‭ ‬في‭ ‬المنافي‭ ‬يضيء‭ ‬لي

طريقَ‭ ‬نداء‭ ‬الرّوح‭ ‬والفقْـدُ‭ ‬ســـــــــاجمُ‭ ‬

ولكنـّه‭ ‬الإحـراقُ‭ ‬مـدّ‭ ‬ليَ‭ ‬الرّؤى

وقـام‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬قـاع‭ ‬جبّـيَ‭ ‬قائـــــــــــــــــــــــمُ

كأنّك‭ ‬يا‭ ‬قلبي‭ ‬الصغيــرَ‭ ‬غزالـةٌ

وعصفورُ‭ ‬ضـوء‭ ‬تقتفيـه‭ ‬المعالـــــــــمُ

كأنك‭ ‬نهـرٌ‭ ‬للمآسـي‭... ‬وربّمــــــــــــــــا‭ ‬

‭ ‬ستنمو‭ ‬على‭ ‬حزن‭ ‬الضفافِ‭ ‬عواصمُ

لضوءٍ‭ ‬بغيم‭ ‬الحرف‭ ‬تسرج‭ ‬أنجماً‭ ‬

  ‬وتنسج‭ ‬في‭ ‬روض‭ ‬الكـلام‭ ‬الغمائمُ

جدائلَ‭ ‬فجـر‭ ‬من‭ ‬لدنْ‭ ‬كلّ‭ ‬عاشـق

يشيّعُ‭ ‬نهــر‭ ‬الحبّ‭ ‬وهو‭ ‬مسـالم‭ ‬

كأنّ‭ ‬الحزانى‭ ‬ما‭ ‬ترفّقـن‭ ‬بالأسـى

ودمـعٌ‭ ‬على‭ ‬خدّ‭ ‬الأنامـل‭ ‬نائــمُ

جماهيركَ‭ ‬العشّاقُ‭ ‬عادوا‭ ‬وما‭ ‬درَوا

بأنّـا‭ ‬لهمْ‭ ‬عينٌ‭ ‬وذكرى‭ ‬أنَاهــمُ‭ ‬

‭ ‬فلا‭ ‬تكُ‭ ‬مرّاً‭ ‬أو‭ ‬غليـظَ‭ ‬مشاعــرٍ‭ 

لتشرقَ‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحياة‭ ‬مباســمُ‭ ‬

يقيناً‭ ‬بهذا‭ ‬الصّمت‭ ‬أغلـقُ‭ ‬معجمـي

  ‬لتصعدَ‭ ‬نخلَ‭ ‬الأغنيـاتِ‭ ‬عوالـمُ

وأسلك‭ ‬درباً‭ ‬من‭ ‬أمــام‭ ‬قصيدتـي

  ‬فتخرجُ‭ ‬عن‭ ‬طور‭ ‬المعاني‭ ‬المعاجمُ

أجوبُ‭ ‬بلاد‭ ‬الله‭ ‬عشقـاً‭ ‬كما‭ ‬أرى

جوازي‭ ‬الهوى،‭ ‬ختمُ‭ ‬المودّات‭: ‬آدمُ

كأني‭ ‬اتّخذتُ‭ ‬الماء‭ ‬صورة‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬

عليه‭ ‬وذرّاتِ‭ ‬الضيـاء‭ ‬توائـــــــــــــــــــــمُ

أقول‭ ‬لحسنـاء‭ ‬القصــائد‭ ‬إننـي‭:‬

  ‬لديك‭ ‬الرّؤى،‭ ‬والأحجياتُ‭ ‬لهـا‭ ‬فمُ

فما‭ ‬لي‭ ‬سوى‭ ‬عينيك‭ ‬أقرأ‭ ‬زخرفــاً

لقـولٍ‭ ‬بديعيٍّ‭ ‬حوتـــــــــه‭ ‬التراجــــــــمُ

ولي‭ ‬طفـل‭ ‬وقتٍ‭ ‬يستظلّ‭ ‬بخافقـي

ويلهو‭ ‬على‭ ‬سطحي،‭ ‬فنبضي‭ ‬سلالمُ

تذكّرْتُ‭ ‬في‭ ‬المرآة‭ ‬حلـــمَ‭ ‬طفولتي

وقد‭ ‬كانت‭ ‬الأحـلامُ‭ ‬جيلاً‭ ‬يقــــــاومُ

صعِدتُ‭ ‬إليهـا‭ ‬قائــــــــــلاً‭ ‬لعيونهــا‭:‬

كأنّــا‭ ‬سبايـاكَ‭ ‬الذين‭ ‬تقاســـــمُـوا

رغيفَ‭ ‬غيابٍ‭ ‬خالطَ‭ ‬النـومُ‭ ‬صحوه

وكان‭ ‬انتبــاهٌ‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ينــــــــــــــــــــادمُ‭.‬

بقيّـةَ‭ ‬ليـلٍ‭ ‬في‭ ‬تجاعيـــد‭ ‬هدأةٍ

من‭ ‬العمــر‭ ‬شدّتني‭ ‬إليها‭ ‬المآثـمُ

سأختار‭ ‬جوديّـاً‭ ‬كرامــة‭ ‬نُـوحه

ليُعصمَ‭ ‬من‭ ‬ذلّ‭ ‬السؤالاتِ‭ ‬عاصـمُ

وأصنع‭ ‬من‭ ‬طيـن‭ ‬الكلام‭ ‬سفائنـي

وترسو‭ ‬على‭ ‬سفح‭ ‬الرّحيق‭ ‬النسـائم

تيتّمتِ‭ ‬الأسمـاءُ‭ ‬والموتُ‭ ‬شــاهد

وقد‭ ‬نُصبـتْ‭ ‬من‭ ‬صمتـهنّ‭ ‬المآتـم

غنِمتُ‭ ‬الأسى‭ ‬واليأسُ‭ ‬أقبل‭ ‬داجيـاً

‭ ‬فعمري‭ ‬امتدادُ‭ ‬الجرح،‭ ‬والصّبحُ‭ ‬قاتمُ

تكبّلَ‭ ‬عمـري‭ ‬بالشّتات‭ - ‬وغيـره

تحرّرَ‭ ‬باللقيـا‭ - ‬وشوقيَ‭ ‬حالــــــــــــــــــــــمُ

فأدركتُ‭ ‬أنّ‭ ‬الفقـد‭ ‬يهطلُ‭ ‬عاتيــاً‭ ‬

وكم‭ ‬قصمتْ‭ ‬ظهـرَ‭ ‬الحياة‭ ‬مظــالـــمُ

وقد‭ ‬صدق‭ ‬الناعون‭ ‬حين‭ ‬تنغّصـوا‭:‬

مصائبُ‭ ‬قوم‭ ‬عند‭ ‬قـــومٍ‭ ‬مغانـــــــــــــــمُ

فما‭ ‬أسرعَ‭ ‬الأيّـــــــام‭ ‬وهي‭ ‬تعدُّنــــــــــــــــا‭ ‬

ونحن‭ ‬أمـام‭ ‬الحادثـــــــــــــــــات‭ ‬غنائـمُ

هُزمنـا‭ ‬عراة‭ ‬القلب‭ ‬والعزّ‭... ‬إنّما

على‭ ‬قدر‭ ‬وهنِ‭ ‬العـزم‭ ‬تأتي‭ ‬الهزائم

سموتُ‭ ‬وما‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬عطرٌ‭ ‬لحاضرٍ

ولكنّ‭ ‬عطـرَ‭ ‬الأمس‭ ‬فيه‭ ‬العزائــم‭ .‬