«المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية» شمس كويتية سطعت في سماء العالم
بدا من زجاج السيارة، حين توقفت أمامه، شامخاً متأنقاً، يحسبه الناظر إليه للوهلة الأولى متحفاً معماريّاً شُيِّد مقصداً للزائرين، على نسق يحمل روح الفن المعماري الإسلامي الذي يسرُّ الناظرين، لاحت لي ابتسامة رُسمت على محياه... ابتسامة مزجت بين الزهو بما مضى من الأيام وانقضى، والحسرة على ما أمسى فيه الحال واغتدى... ابتسامة تحمل خلفها كثيراً من الأسرار التي يريد أن يحكيها، لكنه لا يجد لها آذاناً صاغية، ولا عقولاً واعية، فالقلوب عما يقول لاهية، فغدا يقص ما في نفسه على نفسه، مخافة أن ينسى ما كان في أمسه.. حاملاً على صدره لافتة ضخمة مكتوباً عليها «المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية».
لا أدري لماذا خيِّل إليَّ، لما ترجلتُ تجاه بوابته الخارجية للولوج إليه، أن مؤتمراً طبيّاً منعقداً فيه الآن بين ثلة من قدامى عمالقة الطب وفلسفته، تضم أبا بكر الرازي وابن سينا والزهراوي وداود الأنطاكي وابن البيطار الأندلسي وغيرهم، على تباعد الأزمنة بينهم!
مسافة قصيرة بين البوابة الخارجية والباب الزجاجي الرئيس للمبنى، مشيتها وأنا أشعر أني أسير إلى تاريخ تليد، تحملني إليه قسمات هذا المبنى وملامحه، ممتطياً ظهر سنين ممتدة، لأقلب البصر في عواصم طبية كانت عامرة إبّان أزمنة أورقت أشجارها، وأينعت ثمارها، وبسق نخيلها، واخضر عودها، وتفتحت أزهارها، وتراقصت على الأفنان بلابلها، في حضن الحضارة الإسلامية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس حيناً غير قصير من الدهر.. لكن هذه الأزمنة تولت غاضبة، وانقضت راهبة غير راغبة، بعد أن ضيع الأبناء ميراث الأجداد والآباء، فتفرق في العالمين، وتقاسمه كل الأبعدين والأقربين، إلا الورثة الأصليين، الذين عاشوا عالة على من اهتبلوا الفرصة وتسيدوا الموقف، وبنوا بنيانهم على أساس ثابت مما غنموه، وقواعد عتية مما سلبوه، فدالت الأيام وتبدلت المواقع، فارتد البصر خاسئاً وهو حسير.
دفعتُ الباب الزجاجي ذا المقبض الذهبي الضخم، لأجد نفسي أمام بهو كبير تحوط به أربعة أروقة.. بضعة أمتار تفصل الباب عن سلم رخامي، كأنما علقت كل درجة من درجاته منفردة في الهواء، فيستند الصاعد لاإراديّاً إلى «درابزين» ذهبي لامع، معلق فوق ألواح من الزجاج المقوى، المزخرف بالنقوش ذات الطابع الإسلامي.. ينتهي دور هذا السلم في الطابق الأول، وعلى الصاعد إلى الدور الثاني الأخير التوجه إلى المصعد الكهربائي الذي تبدأ محطاته من مرآب السيارات بالأسفل.
شرفات الأروقة الأربعة في الطابقين تطل على نافورة مياه يقطع خريرها صمتاً وقوراً يسيطر على الأجواء، أما السقف فمغطى بزجاج قبة تنفذ من خلاله إضاءة طبيعية تعم أرجاء المكان الذي غدا باسماً كوجوه كل من تلقاه هناك.
المؤتمر الذي تخيلته منذ لحظات منعقداً داخل المبنى، كان قائماً بالفعل، لكنه لم يكن في قاعة المؤتمرات أو الاجتماعات الفخمة، إنما على أرفف المكتبة العملاقة التي حوت من الكتب ألفافاً، من ذكرتهم من الأطباء النطاسيين وغيرهم، كانوا حاضرين بقوة.. كانت المفاجأة الحقيقية احتواء المكتبة على موسوعات تاريخية ولغوية وأدبية وفكرية وفقهية... وغيرها، فضلاً عن المراجع والدوريات والأبحاث الطبية العربية والأجنبية. مساحة المكتبة التي امتلأت عن آخرها، ورُتبت بعناية فائقة، شغلت رواقاً كاملاً من الأروقة الأربعة، هو الرواق المواجه للباب الرئيس في الطابق العلوي.
تحدثنا إلى ثلاثة من مؤسسي هذا الصرح العالمي العملاق الذي تحتضنه الكويت، منذ أن رعته وليداً، قبل 36 عاماً، حتى غدا فتيّاً يافعاً... فكان خير هدية تقدمها الكويت للعالم أجمع.
في البداية كان لا بد من الحديث إلى الأيقونة الأولى في المنظمة، د. عبدالرحمن العوضي، وزير الصحة الأسبق في دولة الكويت، ورئيس المنظمة، وكان السؤال من رأس هرم الإنجازات: 36 عاماً تقريباً على إنشاء المنظمة.. كيف ترون هذه المسيرة؟ فأجاب: نالت المنظمة عضوية في مجمع الفقه الإسلامي الدولي واليونسكو والإيسيسكو ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الـcioms، وغيرها من الهيئات والجهات الدولية، ومنظمة الصحة العالمية تعتمد عليها اعتماداً أساسيّاً الآن في موضوع الأخلاقيات الطبية.
تقنين فتاوى المستجدات الطبية
كما أن المنظمة لها كلمة مسموعة في العالم أجمع، حتى إنه لما ظهر موضوع الاستنساخ خاطب الرئيس الأمريكي، كلينتون وقتئذٍ، المنظمة لمعرفة رأيها، وكنا قد عقدنا ندوة حول ذلك فأرسلنا له التوصيات، لأننا في الحقيقة نجمع كبار الفقهاء من كل أنحاء العالم الإسلامي على تنوع مذاهبهم واختلاف أفكارهم، لاسيما التابعين للجهات الرسمية الكبرى المعترف بها عالميّاً، مثل الأزهر الشريف، ومعهم أطباء وصيادلة وغيرهم من العاملين في المجال الطبي، وكذلك رجال قانون واجتماع وعلم نفس، وكل يدلي بدلوه في المسألة، ونخرج بنتائج نهائية يتفق عليها الجميع، بعد مناقشات ممتدة، ثم ترفع التوصيات إلى مجمع الفقه الإسلامي وتناقش مرة أخرى، ثم توزع على أنحاء العالم كنتائج نهائية معتمدة، فعملت المنظمة بذلك على توحيد الفتوى في المستجدات الطبية، ونجحت في هذا إلى حد كبير.
وأسهمت المنظمة كذلك في تقنين تلك المستجدات، فقد استعانت الجهات التشريعية في معظم الدول العربية بالمنظمة في إصدار قوانين ممارسة تلك المستجدات، لتعود بالنفع على الإنسانية كلها.
مركز الطب الإسلامي
كذلك أنشأنا مركزاً للطب الإسلامي مازال يقدم خدماته محليّاً ودوليّاً، ومن أسف أن هذا المركز كان من أول المباني الكويتية التي تعرضت للعدوان العراقي الغاشم، بسبب قربه من وزارة الدفاع الكويتية، فتهدم جزء كبير منه، وسُرق ما فيه من أدوات وأجهزة طبية وملفات للمرضى، ما ألجأنا بعد انقشاع الغمة إلى البدء من جديد، ولا ينسى تاريخ المنظمة ومركز الطب الإسلامي أن هذا المركز أنشئ بتبرع من أسرة المرحوم يوسف المرزوق.
وحول ذكرياته مع فكرة إنشاء المنظمة قال
د. العوضي: لما فكرنا في إنشاء هذه المنظمة، كان العالم على أعتاب القرن الخامس عشر الهجري، وطال التفكير في كيفية الاحتفال بهذه الذكرى الطيبة، فثارت تساؤلات حول موقعنا في حضارة العالم قديماً وحديثاً، وهل لنا دور حقيقي فيها؟ وأين نحن من المستجدات الطبية المتلاحقة؟ هذه الأسئلة وغيرها طُرحت وسط تلاطم موجات عاتية ومحاولات مستميتة للتجني على تراثنا الطبي الهائل.
والمنصفون من مؤرخي الغرب يرون أن العلوم عامة، والطب بشكل خاص، ازدهرت وترعرعت على مدى خمسة قرون كان إنتاجنا خلالها الغذاء الذي نهلت منه أوربا في عصر نهضتها، ولمعت أسماء لأطباء أعلام، مثل الرازي وابن سينا وابن النفيس والزهراوي وابن البيطار، وترجمت أعمالهم إلى اللغات الحية في ذلك الوقت، فصارت علومهم تجري في شرايين الحضارة الأوربية التي أدارت لنا ظهرها، وقلبت لنا ظهر المجن، وتنكرت لما قدمناه، وظهرت مؤلفاتهم خالية من كل ذكر لأهل الفضل، بل فيها من التجني ما يوجب التصدي له.
وتابع د. العوضي حديثه في تأسف: كل هذا ونحن نقتفي أثر الأقدمين في محاكاة عاجزة أوقفت قدرتنا على الإبداع، مهملين قيمة العقل والفكر المستنير، فانحسرت حضارتنا وتراجعت، فكان لابد من دراسة تراثنا الطبي واكتشاف أسباب قوته وإحيائها، فالتراث للأمة كغذاء الأم لرضيعها... كلما كان الغذاء مكتمل العناصر كان الطفل مكتمل الصحة، وبهذه المناسبة أحب أن أقول إنه يخطئ من يظن أن الفكر الطبي الآن أفضل مما سبق، فالعكس صحيح، لأن الطب قديماً كان يعمل من أجل تنظيم أنماط الحياة، أي الوقاية، أما الآن فالأمر كله منصب على العلاج.
أخلاق الطب
أضف إلى ذلك تصدي الفلاسفة ورجال الاجتماع والدين في الغرب لمارد الهندسة الوراثية، في ذلك الوقت، بما تحمل من مضار للإنسانية، وصيحات إبعاد الطب عن الأخلاق، بما فيها القيم والأخلاق الدينية، من دون أن يكون لنا صوت مسموع في ذلك، اللهم إلا شتاتاً من اجتهادات فردية استُغلت في تشويه صورتنا... كل هذا دعانا إلى إنشاء منظمة عالمية يناط بها هذه الأدوار المهمة وغيرها، وقد لاقت الفكرة صدى كبيراً وكتب لها القبول.
وأشاد د. العوضي باليد البيضاء لسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، قائلاً: لما عَرضتُ عليه الفكرة سُرُّ بها كثيراً، ووافق عليها على الفور، وكان يتابع اجتماعاتنا، ويسأل عن آخر التطورات، بل أكثر من ذلك أنه أمر بترجمة بعض إصداراتنا وتوزيعها في مؤتمرات القمة على قادة العالم، مفتخراً بهذه الجهود الفريدة التي تقدمها الكويت للعالم أجمع.
وقد عقدت المنظمة سلسلة طويلة من المؤتمرات الطبية العالمية والندوات المحلية، كان أولها عن مفهوم الموت والحياة وما استجد حولهما من مستجدات طبية، وما يترتب عليهما من أمور تتعلق بنقل الأعضاء وغير ذلك، وآخرها مؤتمر «مسؤولية الطبيب عن الأخطاء الطبية غير العمدية» في مارس 2015، وناقشت المنظمة كل المستجدات بجرأة وشجاعة، وأصدرت كثيراً من الكتب والأبحاث والمطبوعات والنشرات التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، وعلى رأسها الميثاق العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية الذي يعد مفخرة إنسانية في هذا المجال.
وعن الهيكل التنظيمي للمنظمة قال العوضي: ينقسم أعضاء المنظمة إلى ثلاث فئات: أعضاء شرف وأعضاء عاملين، وأعضاء منتسبين، وهم ممثلو الجمعيات أو المراكز الطبية، وتكون عضوية المنظمة بناء على طلب يقدم لمجلس الأمناء يقر فيه العضو بالالتزام بأحكام قوانين المنظمة ولوائحها وأنظمتها، وتتكون أجهزة المنظمة من مجلس الأمناء واللجنة التنفيذية والأمانة العامة، ولكل اختصاصاته حسب ما نص عليه المرسوم الأميري بالمنظمة.
***
ثاني المؤسسين الذين تحدثنا إليهم كان المستشار عبدالله العيسى، عضو مجلس أمناء المنظمة، الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة الدستورية، ومحكمة التمييز بدولة الكويت الذي قال: كان لي الشرف أن أكون من المؤسسين الأُوَل لهذه المنظمة العالمية العملاقة التي أضافت إلي على المستوى الشخصي ثقافة ثرية حول المستجدات الطبية والآراء حولها، لم أكن لأحصلها لولا ارتباطي بالمنظمة.. أما ذكرياتي مع المنظمة فكثيرة لا يتسع لها المقام، لعل من أهمها لقاءاتنا مع رجالات العالم العربي في الفكر والطب والقانون والفقه، خلال المؤتمرات التي كنا نعقدها في الكويت ومصر وتركيا والمغرب والباكستان... وغيرها، وكنا نعجب إذا أعلنت المنظمة عن عقد مؤتمر دولي في أي دولة عربية من تشوُّف كثير من الجهات إلى حضوره، لما سيسمعونه من آراء ومحاضرات لا يسمعونها مجتمعة بهذا الشكل إلا في مؤتمرات المنظمة، ثم يزداد العجب من كثرة المراسلات التي تسأل عن توصيات المؤتمرات والأبحاث والإصدارات المطبوعة وغيرها.
ما أريد أن أؤكده أن المنظمة لاقت قبولاً عجيباً في الداخل والخارج، لاسيما عند أهلنا الذين يعيشون في بلاد الغرب، إذ كانوا لا يجدون إجابات شافية حول كثير من المستحدثات التي تشهدها حياتهم اليومية، لا سيما في مجال الطب، فكانت المنظمة بالنسبة لهم نقلة ضخمة.
مصداقية عالمية
وعن أبرز ما يميز المنظمة، قال المستشار العيسى: تميزت المنظمة عبر رحلتها الطويلة بعملها الدؤوب المنظم الشامل لكل المستجدات الطبية، وهو ما وثقته إصداراتها المطبوعة وصفحتها على الإنترنت، ما جعلها هيئة ذات مصداقية عالمية.
أما عطاء الكويت للمنظمة، فقال عنه العيسى: الكويت أنشأت المنظمة ورعتها ماليّاً وأنفقت عليها بسخاء، وشيدت لها مبنى فخماً مستقلّاً، ولم تعق عملها أو تتدخل فيه بأي شكل من الأشكال، وفوق ذلك كله أن ضيوف المنظمة يُستقبلون استقبالاً رسميّاً من قبل حضرة صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي عهده الأمين، وآمل للمنظمة، بعد أن بلغنا هذا العمر أنا وجيل المؤسسين، أن تُضخ فيها دماء جديدة تحمل اللواء من بعدنا، بعد مسيرة قاربت على أربعين عاماً.
وختم المستشار عبدالله العيسى كلامه بتحية مجلة العربي، قائلاً: لقيت بعض الإخوة في دول المغرب العربي يترقبون شهريّاً صدور المجلة ويحتفون بها حفاوة بالغة، ويؤكدون أنها صدى حقيقي لدولة الكويت ودورها الرائد، بما تنشره من ثقافة في ربوع العالم العربي، وبما تحدثه من نقلة نوعية في الفكر والأدب والإبداع.
كان اللقاء الثالث مع د.أحمد رجائي الجندي الأمين العام المساعد للمنظمة، سألناه: كيف ولدت فكرة المنظمة؟ ومن أين كانت البداية؟ فأسند ظهره إلى كرسي مكتبه، وأخذ نفساً عميقاً، ولم تخف نظارته الطبية ما بدا في عينيه من حنين الذكريات، ثم قال: في عام 1978 ولدت أول طفلة عن طريق التلقيح خارج الرحم، وهو ما عرف بعد ذلك بـ«طفل الأنابيب»، وسعد كثيرون بهذه المولودة، لأنهم سيتغلبون على مشكلات عدم الإنجاب التي تعانيها الإنسانية، لكن العالم أجمع تصدى لهذا الموضوع من الناحية الأخلاقية، هل هذا يجوز أخلاقيّاً؟ وألا يمكن أن يؤدي هذا إلى اختلاط الأنساب؟ وكان العالم العربي من بين المتصدين لهذا، لكن المشكلة في العالم العربي تمثلت في تضارب الفتاوى والآراء، وبالتحقيق بدا لنا أن هذا التضارب ناتج عن اختلاف طرق تقديم السؤال للفقهاء وغيرهم من المختصين، فكان لابد من جهة مختصة يُخول إليها صياغة المستحدثات الطبية وعرضها على الفقهاء ورجال القضاء وغيرهم من المختصين، حتى يروا رأيهم فيها، ويتم ذلك في إطار منهجي علمي.
في العام نفسه عقدت المنظمة العالمية لتاريخ العلوم ندوة في جامعة السوربون الفرنسية عن الرازي، واختلفت بعض دول العالم الإسلامي حول هوية الرازي العربية، فكان لابد من صوت طبي عربي إسلامي موحد ينطلق في هذه المحافل الطبية الدولية، وكذلك كان قرار منظمة الصحة العالمية «الصحة للجميع» دافعاً إلى النظر في موضوع الأعشاب الطبية من منطلق علمي.
منظمة عالمية ذات سيادة
وقد تطلب إنشاء المنظمة جهوداً مضنية، وكذلك الخروج بها من حيز المحلية إلى حيز العالمية، فكان لابد من أن يصدر بها مرسوم أميري، وحدث ذلك بالفعل، فصدر بها المرسوم رقم 18 في الثامن من شوال 1404هـ، الموافق السابع من يوليو 1984م، وهي جهة اعتبارية عالمية ذات سيادة، لا تتبع أي مؤسسة حكومية أو أهلية، وتتخذ من الكويت مقرّاً لها، وتخضع لقوانين دولة الكويت، وتخصص لها إعانة مالية سنوية من حكومة دولة الكويت.
بادرناه بالسؤال ثانية: ماذا إذن عن أهم أهداف المنظمة، والغايات الأخرى التي أُسست من أجلها؟ فقال: أهداف المنظمة نص عليها المرسوم الأميري في مادته الأولى، ومنها تحديث البحوث والدراسات التي وضعها الرواد من الأطباء المسلمين على ضوء التقدم التقني المعاصر وتطبيقها بأسلوب علمي حديث، لخدمة الإنسانية، والعمل على تضافر الجهود الطبية والفقهية، بهدف الوصول إلى رأي موحد في تطبيق ما يستجد من أمور البحث الطبي الحديث، وتوفير الإمكانات اللازمة لمتابعة الأبحاث الطبية الجديدة، وإيجاد البدائل الصحيحة للوسائل والعقاقير المحظور استعمالها إسلاميّاً، والتعاون مع الهيئات والجمعيات الوطنية والدولية التي تعنى بالأهداف نفسها في أنحاء العالم، ومساعدتها لنشر رسالتها على أكمل وجه، وتشجيع تكوين مراكز أو جمعيات جديدة تعنى بالأهداف نفسها، والعمل على انضمامها للمنظمة، وإنشاء المراكز الصحية للفئات المحتاجة في العالم، وربط برامج الدراسات الطبية بالقيم التي ارتكزت عليها الحضارة الإسلامية، وتوحيد ونشر المصطلحات والمفاهيم العلمية والأخلاقية.
متى كانت الانطلاقة الفعلية للمنظمة؟ ومن تذكر من بين المؤسسين الفعليين؟ سألناه، فأجاب: بدأ الإعداد لمؤتمر المنظمة الأول وتم عقده في عام 1981، وتبلورت أعمال المنظمة على أرض الواقع، وسارت على خطها المرسوم لها حتى الآن، وكان من بين المؤسسين المستشار عبدالله العيسى، ود.خالد المذكور، من الكويت، ود.حسان حتحوت ود. إبراهيم بدران من مصر ود. إحسان دوغراماجي من تركيا ود. الحكيم سعيد من الباكستان ود. المهدي بن عبود من المغرب ود. أحمد القاضي من الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهم.
عطاء المنظمة
عاودنا سؤال د. الجندي مرة أخرى: ماذا قدمت المنظمة للعالم بعد هذا التاريخ الطويل؟ فأجاب: قدمت المنظمة للعالم الكثير، فقد ناقشت كل المستجدات الطبية مناقشة علمية منهجية رصينة مستفيضة من منظور أخلاقي من قِبل مختصين عالميين، بدءاً من طفل الأنابيب وانتهاء بالجينوم البشري، ومروراً باستئجار الأرحام وبنوك الحليب البشري المختلط وزراعة الأعضاء والخلايا الجذعية والحلال والحرام في الدواء والغذاء... وغير ذلك.
كما قنّنت المنظمة العلاج بالنباتات والأعشاب الطبية، على أسس علمية سليمة، ووضعت له قوانين ضابطة، وأصبح مركز الطب الإسلامي المنبثق عن المنظمة، أو إن شئت قل اليد التنفيذية للمنظمة، مثالاً يحتذى في هذا المجال في العالم كله، وسلك مسلكه كثير من المؤسسات الطبية، حتى في العالم الغربي، فقد صنف النباتات والأعشاب المستخدمة في العلاج، وبيَّن تأثيرها في الأمراض، لاسيما المزمنة، وذكر المصرح بالتداوي به منها وغير المصرح به، وهو نفسه ما قامت به كثير من الدول الغربية بعد ذلك.
وناقشت المنظمة دور الرواد العظام من أطباء العالم الإسلامي القدامى، وأبرزت إسهاماتهم في كثير من المحافل والندوات العالمية، وألقت الضوء عليها، بعد أن تبجَّح كثير من الغربيين بنفيها، كما أحيت طباعة كثير من كتبهم في تحقيقات علمية منهجية، في محاولة لبعث الروح العلمية في العالم العربي واستعادة أمجاد الأجداد الكبار .