القصة القصيرة جداً

القصة القصيرة جداً

القصة القصيرة جداً نوع قصصي تروج كتابته في هذه الأيام، ويستخدم غير مصطلح في تسميته، ومن هذه المصطلحات، إضافة إلى القصة القصيرة جداً: القصيصة، القصة الومضة، القصة بحجم الكف، القصة الشذرة، القصة القبسة؛ والمصطلح الأكثر صواباً من بين هذه المصطلحات هو القصيصة. ذلك لأنه كلمة واحدة ويدل على معنى القص، وعلى القصير منه، وهو أيضاً ما تشترك المصطلحات جميعها في الدلالة عليه، في حين أن مصطلح القصة القصيرة جداً مؤلف من ثلاث كلمات وهو ترجمة للمصطلح الأجنبي. ومصطلح القصة في حجم الكف مؤلّف من أربع كلمات وقائم على التشبيه؛ والقصة الومضة هي نوع آخر يقتصر على جملتين سرديتين تثيران مفارقة مدهشة مفاجئة دالة. والمصطلحان الآخران: القصة الشذرة والقصة القبسة، يدلان على نوع من القص التراثي مثل: «وقعت فأس في الغابة، ارتجفت الأشجار، قالت كبيرتهن: لا تخفن إن لم تعطها إحداكن زنداً تصدأ وتصبح غذاء لكنَّ».

القصيصة‭ ‬أو‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬هي‭ ‬بنية‭ ‬سردية‭ ‬قصيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬كلماتها‭ ‬على‭ ‬المائة‭ ‬كلمة‭ ‬برأيي،‭ ‬وعلى‭ ‬المائة‭ ‬والخمسين‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭. ‬وإن‭ ‬يكن‭ ‬عنصر‭ ‬الحجم‭ ‬لازماً‭ ‬فإنه‭ ‬ليس‭ ‬كافياً؛‭ ‬إذ‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتوافر‭ ‬عناصر‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬القصصي‭ ‬ليكون‭ ‬قصيصة‭. ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭: ‬

‭- ‬الحدث‭ ‬لحظة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬أي‭ ‬جزئية‭ ‬مقتنصة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬حالة،‭ ‬أو‭ ‬موقف،‭ ‬أو‭ ‬شخصية،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬تفصيلات‭.‬

‭- ‬الشخصيات‭ ‬قليلة‭ ‬جداً‭. ‬شخصية‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬اثنتان‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭. ‬لا‭ ‬ترسم‭ ‬بالتفصيل‭ ‬إنما‭ ‬بالإشارة‭ ‬الدالة‭. ‬هي‭ ‬دور‭ ‬يؤدى،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تمثل‭ ‬بضمير‭.‬

‭- ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬متحدان‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬ومفتوحان‭ ‬وغير‭ ‬محدّدين‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التحديد‭ ‬موظفاً‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الدلالة،‭ ‬وبقليل‭ ‬من‭ ‬الكلمات،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنهما‭ ‬فضاء‭ ‬قصصي‭. ‬

‭- ‬في‭ ‬مسار‭ ‬السرد‭ ‬تتجلى‭ ‬ثنائية‭ ‬الحضور‭/‬الغياب،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬للقارئ‭ ‬ملء‭ ‬الثغرات‭ ‬وبذلك‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬النص‭ ‬القصصي‭.‬

‭- ‬النهاية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مفتوحة‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬مفارقة‭ ‬كاشفة،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬للقارئ‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬النهاية‭ ‬ويؤول‭ ‬المفارقة،‭ ‬بذلك‭ ‬يتأكد‭ ‬دوره‭ ‬المسهم‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬النص‭. ‬والمفارقة‭ ‬اسم‭ ‬مفعول‭ ‬من‭ ‬فارق،‭ ‬أي‭ ‬غاير‭ ‬وباين‭ ‬واختلف‭. ‬والمفارقة‭ ‬اصطلاحاً‭ ‬هي‭ ‬وحدة‭ ‬لغوية‭ ‬توحي‭ ‬بما‭ ‬يباين‭ ‬ويخالف‭ ‬ويغاير‭ ‬معناها‭ ‬المعجمي‭. ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬مدحاً‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬الذم‭ ‬أو‭ ‬العكس؛‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬سخرية‭ ‬وتهكماً،‭ ‬وبتعبير‭ ‬آخر‭: ‬هي‭ ‬أداء‭ ‬معنى‭ ‬بلغة‭ ‬لا‭ ‬تقوله‭ ‬حقيقة‭ ‬وإنما‭ ‬توحي‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬تشير‭ ‬إليه،‭ ‬ما‭ ‬يقتضي‭ ‬التأويل‭ ‬وبذل‭ ‬الجهد‭ ‬لذلك،‭ ‬فيكون‭ ‬المؤول‭ ‬مشاركاً‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬
المعنى،‭ ‬وقد‭ ‬يختلف‭ ‬المؤولون‭ ‬فيتعدّد‭ ‬المعنى،‭ ‬المفارقة‭ ‬تفاجئ‭ ‬وتدهش‭ ‬بمخالفتها‭ ‬أفق‭ ‬المتوقع‭ ‬المنتظر‭. ‬

‭- ‬اللغة‭ ‬مكثفة‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬مركزة‭ ‬مقطرة،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬غير‭ ‬موظفة‭. ‬المعجم‭ ‬اللغوي‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬ومألوف‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬معاني‭ ‬سياقية،‭ ‬أو‭ ‬إيحائية،‭ ‬والعبارات‭ ‬قصيرة‭ ‬بسيطة‭ ‬التركيب‭ ‬المتصف‭ ‬بالانزياح‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بنيته‭... ‬تقديم،‭ ‬تأخير،‭ ‬حذف،‭ ‬زيادة،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬المجاز‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعه،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬اللغة‭ ‬تتصف‭ ‬بالشعرية‭ ‬المشعة‭ ‬بالدلالات؛‭ ‬وما‭ ‬يجعل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اللغوي‭ ‬فائض‭ ‬الدلالة،‭ ‬فيصدق‭ ‬قول‭ ‬النفري‭: ‬‮«‬كلما‭ ‬اتسعت‭ ‬الرؤية‭ ‬ضاقـــت‭ ‬العبارة‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬نماذج‭ ‬القصيصة‭ ‬نذكر‭ ‬‮«‬الجاذبية‮»‬‭ ‬لنعيمة‭ ‬الفضوي‭: ‬‮«‬تأمّل‭ ‬التفاحة،‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬مغرية‭ ‬وفاتحة‭ ‬للشهية‭. ‬تذكر‭ ‬تفاحة‭ ‬نيوتن‭ ‬وتفاحة‭ ‬آدم‭ ‬وحارمني‭ ‬معنى‭ ‬الجاذبية‭!‬‮»‬‭.‬

والحق‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬القصصي‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬الأشكال‭ ‬الجاهزة،‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬مكونة،‭ ‬فذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬تحديد‭ ‬خصائص‭ ‬عامة‭ ‬شائعة؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الإبداع‭ ‬فرادة‭ ‬وليس‭ ‬اتباعاً،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬القصصي‭. ‬فـــهو‭ ‬وليـــد‭ ‬التجـــــريب،‭ ‬المولّد‭ ‬أشكالاً‭ ‬مفاجئة،‭ ‬تبدعها‭ ‬الذات،‭ ‬وهنا‭ ‬يصدق‭ ‬قول‭ ‬سليمان‭ ‬جمعة‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬قرى‭ ‬الملول‮»‬‭: ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬الذات‭. ‬فالذات،‭ ‬عندما‭ ‬يكتب‭ ‬القاص‭ ‬قصيصته‭ ‬تتشكل‭ ‬على‭ ‬الورق‭. ‬

ولعلي‭ ‬أخالف‭ ‬جمعة‭ ‬في‭ ‬قوله‭: ‬إن‭ ‬الكتابة‭ ‬ليست‭ ‬تدفقاً‭ ‬تلقائياً،‭ ‬لأرى‭ ‬أن‭ ‬التجربة‭ ‬الشخصية‭ ‬الحياتية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تلد‭ ‬الكتابة،‭ ‬وهي‭ ‬تجربة‭ ‬فردية‭ ‬فريدة‭ ‬فقد‭ ‬تولد‭ ‬تلقائياً،‭ ‬وقد‭ ‬تولد‭ ‬قيصرياً‭ ‬وقد‭ ‬تولد‭ ‬قيصرياً‭ ‬أو‭ ‬تلقائياً‭... ‬ثم‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬حاضنة‭ ‬التجويد‭. ‬

وإني‭ ‬لا‭ ‬أخفي‭ ‬أن‭ ‬الأجود‭ ‬هو‭ ‬التلقائي‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬الرحم‭ ‬كائناً‭ ‬كاملاً‭ ‬يسبّح‭ ‬الخالق‭ ‬عز‭ ‬وجل‭. ‬وإني‭ ‬لأخالف‭ ‬جمعة‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬آخر،‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬هي‭ ‬لبّ‭ ‬الحداثة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬رأيي،‭ ‬وقد‭ ‬أكون‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الصواب،‭ ‬أنها‭ ‬وليدة‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬تقتضي‭ ‬التعبير‭ ‬والتلقي‭ ‬السريعين‭ ‬وتتجاوز‭ ‬مفهوم‭ ‬الذات‭ ‬العاقلة‭ ‬التي‭ ‬أرسى‭ ‬دعائمها‭ ‬ديكارت،‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬مرحلة‭ ‬أنجبت‭ ‬خطابات‭ ‬متنوعة‭ ‬ومتعدّدة‭ ‬محورها‭ ‬نقد‭ ‬الأساس‭ ‬العقلاني‭ ‬للحداثة،‭ ‬لتؤسّس‭ ‬التنوّع‭ ‬والتعدّد‭ ‬والاختلاف‭ ‬والتفكيك‭. ‬

إنها‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التقنية‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعولمة‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬للمفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬فرانسوا‭ ‬ليتوار‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬القصصي،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬انتقد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬حالة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭... ‬السرديات‭ ‬الكبرى،‭ ‬وكشف‭ ‬عيوبها،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬العيوب‭ ‬نظرتها‭ ‬الشمولية‭ ‬وإقصاؤها‭ ‬السرديات‭ ‬الصغرى‭.‬

ومَن‭ ‬يفتح‭ ‬صفحات‭ ‬المجموعات‭ ‬القصصية‭ ‬على‭ ‬‮«‬فيسبوك‮»‬‭ ‬مثلاً‭ ‬يجد‭ ‬عشرات‭ ‬مجموعات‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬والقصة‭ ‬الومضة‭. ‬

الحداثة‭ ‬أنجبت‭ ‬اليقين‭ ‬والأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬ووضعت‭ ‬الحدود‭. ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬أنجبت‭ ‬اللايقين‭ ‬وتداخل‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية،‭ ‬وتوالد‭ ‬الأشكال‭ ‬الجديدة‭ ‬المتجاوزة‭ ‬للأشكال‭ ‬الجاهزة‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬الابتكار‭ ‬المتواصل‭ ‬غير‭ ‬المقيد‭ ‬بقواعد‭ ‬أو‭ ‬حدود‭. ‬

والقصيصة‭ ‬هي‭ ‬نوع‭ ‬قصصي‭ ‬وليد‭ ‬هذا‭ ‬الابتكار،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬أشكالها‭ ‬جديدة‭ ‬دائماً‭ ‬ومبتكرة‭ ‬دائماً‭. ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬بدأنا‭ ‬حديثنا‭ ‬بالكلام‭ ‬عن‭ ‬تعريف‭ ‬لها،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مكوّنات‭ ‬عامة‭ ‬تتخذ‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬مبدع‭ ‬البنية‭ ‬التي‭ ‬تشكّلها‭ ‬تجربته‭. ‬

وإن‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا،‭ ‬فإن‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يهددها‭ ‬هو‭ ‬استسهال‭ ‬كتابتها،‭ ‬والاتباع‭ ‬والتقليد‭ ‬وتكرار‭ ‬النماذج‭ ‬المتشابهة‭. ‬إن‭ ‬الفرادة‭ ‬هي‭ ‬صفة‭ ‬الأساس‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬أحدهم‭: ‬نجد‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬القصصي‭ ‬العربي‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬مثل‭ ‬الخاطرة‭ ‬والخبر‭ ‬القصير‭ ‬والشذرة‭ ‬والقبسة،‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التشابه‭ ‬في‭ ‬الحجم‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬الخصائص‭ ‬والمكونات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬متعاضدة‭ ‬نوعاً‭ ‬أدبياً‭ ‬جديداً‭ ‬متميزاً‭ ‬بنية‭ ‬ودلالة‭. ‬فالقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬ليست‭ ‬وسيلة‭ ‬لنقل‭ ‬النكت‭ ‬والعبر‭ ‬والعظات‭ ‬والأفكار‭ ‬الجاهزة؛‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬نوع‭ ‬أدبي‭ ‬جـــديد‭ ‬يشع‭ ‬بدلالـــــة‭ ‬تكــــشف‭ ‬الـــــذات‭ ‬والواقــع،‭ ‬وتخــــرج‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬السرد‭ ‬الخطي‭ ‬المسبب،‭ ‬لتكون‭ ‬لها‭ ‬أنظمة‭ ‬ظهور‭ ‬للوحدات‭ ‬القصصية‭ ‬جديدة‭ ‬وفريدة‭. ‬

وقد‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديــث‭ ‬نصوصاً‭ ‬قصيـــــرة‭ ‬جداً،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬نشره‭ ‬القاص‭ ‬العراقي‭ ‬مانؤيل‭ ‬رسام‭  ‬سنة‭ ‬1930‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬جريدتي‭ ‬البيادر‭ ‬والــزمان‭ ‬البغداديتيـــن،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬نشره‭ ‬الروائي‭ ‬والقاص‭ ‬اللبناني‭ ‬توفيق‭ ‬يوسف‭ ‬عواد‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬العذارى‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬سنة‭ ‬1944‭ ‬وسماه‭ ‬حكايات‭... ‬قد‭ ‬تمثل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬وسواها‭ ‬ممــــا‭ ‬لم‭ ‬نعثر‭ ‬عليه،‭ ‬بدايات‭ ‬لم‭ ‬تمثــــل‭ ‬ظـــــاهــــرة‭ ‬ويمـــكن‭ ‬الحديــــث‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬الظـــــــاهرة‭ ‬منــــذ‭ ‬1973‭ ‬عندما‭ ‬استخدم‭ ‬القاص‭ ‬العراقــــي‭ ‬إبراهيم‭ ‬أحمد‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريــــخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬لـــدى‭ ‬نشره‭ ‬خمس‭ ‬قصص‭ ‬قصــــيرة‭ ‬جداً‭ ‬فــــي‭ ‬ملــف‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬خمس‭ ‬قصص‭ ‬قصيرة‭ ‬جداً‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬تتــــالت‭ ‬الكتابات‭. ‬وممن‭ ‬كتب‭ ‬قصصاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النـــــوع‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬مجــــيد‭ ‬الربيعــي‭ ‬والمصريان‭: ‬محمد‭ ‬المخزنجي‭ ‬وإبراهيم‭ ‬أصـــــلان‭ ‬والمغربي‭ ‬محمد‭ ‬إبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬علو‭ ‬والسوري‭ ‬زكـــريا‭ ‬تـــامر‭. ‬

وتكثر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬القصصي،‭ ‬وتتفاوت‭ ‬الكتابات،‭ ‬ولعلها‭ ‬في‭ ‬أمسِّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والموضوعي‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬عدم‭ ‬قيامه‭ ‬بواجبه‭ ‬مشكلة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭. ‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬النقد،‭ ‬وهو‭ ‬نقد‭ ‬انطباعي،‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭ ‬عن‭ ‬قصص‭ ‬زكريا‭ ‬تامر‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭: ‬‮«‬تشبه‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬البرقية‭ ‬المستعجلة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬نبأ‭ ‬صاعقاً‭ ‬لا‭ ‬تمحوه‭ ‬الذاكرة‮»‬‭. ‬والقصة‭ ‬عنده‭ ‬ذات‭ ‬منحى‭ ‬واحد‭ ‬وشخصية‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬وهي‭ ‬مثل‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬يختمها‭ ‬الشاعر‭ ‬بفكرة‭ ‬مدهشة‭ ‬وساخرة‮»‬‭.‬

وممن‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬نقدها‭ ‬يوسف‭ ‬الشاروني‭ ‬سنة‭ ‬1959‭ ‬وعبدالرحمن‭ ‬الربيــعي‭ ‬سنة‭ ‬1969،‭ ‬ولأحمد‭ ‬جاسم‭ ‬الحسين‭ ‬كتاب‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جــداً‮»‬‭ ‬جاء‭ ‬فـــيه‭: ‬‮«‬حلّت‭ ‬القصة‭ ‬القصــــيرة‭ ‬جـــداً‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخــيرة‭ ‬جنـــساً‭ ‬أدبياً‭ ‬لـــه‭ ‬أركـــانه‭ ‬وتقنياته‭ ‬وعناصـــره‭ ‬وإشكالياته‮»‬‭ ‬