الكاريكاتير المصري... ابتسامة لكل الأجيال

الكاريكاتير المصري...  ابتسامة لكل الأجيال

لكل‭ ‬شعب‭ ‬أسلوبه‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬الفني‭ ‬الساخر‭ ‬بالكاريكاتير،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بالأجانب‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يأخذون‭ ‬أفكارهم‭ ‬من‭ ‬مصريين،‭ ‬ثم‭ ‬يرسمونها‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬ساخرة،‭ ‬فإنه‭ ‬انتقل‭ ‬سريعاً‭ ‬إلى‭ ‬أيدي‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬برعوا‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الساخرة‭ ‬في‭ ‬رسوم‭ ‬كاريكاتيرية‭ ‬تحمل‭ ‬الروح‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬تحديها‭ ‬لظروفها‭ ‬الخاصة‭ ‬بشجاعة‭ ‬نادرة،‭ ‬والتي‭ ‬تبحث‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأجيال‭ ‬عن‭ ‬ابتسامة‭ ‬تواجه‭ ‬بها‭ ‬متاعبها‭ ‬اليومية‭. ‬ولعرض‭ ‬تاريخ‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري‭ ‬وحاضره‭ ‬ومستقبله،‭ ‬نظمت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬حلقة‭ ‬حوارية‭ ‬حول‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري،‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬هم‭: ‬عمرو‭ ‬سليم،‭ ‬وأحمد‭ ‬عبدالنعيم،‭ ‬وجمعة‭ ‬فرحات،‭ ‬وأحمد‭ ‬عزالعرب‭.‬

الأجانب‭ ‬يرسمون‭ ‬أفكار‭ ‬المصريين‭ ‬الساخرة

‮«‬العربي‮»‬‭: ‬سوف‭ ‬نناقش‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬بتاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬ومدى‭ ‬تفاعله‭ ‬مع‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬العربي‭ ‬والأجنبي‭.‬

جمعة‭ ‬فرحات‭: ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬تأثير‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬المصري،‭ ‬فقد‭ ‬مارس‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬بدايته‭ ‬رسامون‭ ‬أجانب‭ ‬مثل‭ ‬خوان‭ ‬سانتس‭ ‬الإسباني‭ ‬ومعه‭ ‬رفقي‭ ‬وأخوه‭ ‬شوقي‭ ‬التركيزان،‭ ‬وسبقهم‭ ‬يعقوب‭ ‬صنوع‭ ‬وهو‭ ‬مصري‭ ‬أنشأ‭ ‬جريدة‭ ‬عام‭ ‬1896‭. ‬ومع‭ ‬ظهور‭ ‬المطبعة‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬برسوم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬هم‭ ‬فنانون‭ ‬لبنانيون‭ ‬وأتراك‭. ‬خوان‭ ‬سانتس‭ ‬مثلاً‭ ‬كان‭ ‬كاريكاتيراً‭ ‬سياسياً،‭  ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬بدايات‭ ‬المصريين،‭ ‬خاصة‭ ‬محمد‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬رخا،‭ ‬أول‭ ‬رسام‭ ‬مصري،‭ ‬تأثرت‭ ‬به‭ ‬وتأثر‭ ‬به‭ ‬طوغان‭ ‬أيضاً‭. ‬وفي‭ ‬1827‭ ‬ظهر‭ ‬صاروخان‭ ‬الأرمني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬بلجيكا‭ ‬وجاء‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬فتأثر‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬الرسامين‭ ‬المصريين،‭ ‬ومنهم‭ ‬رخا‭ ‬وزهدي‭ ‬وعبدالسميع‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬متأثراً‭ ‬به‭. ‬وكانت‭ ‬بدايات‭ ‬كل‭ ‬المصريين‭ ‬متأثرة‭ ‬بصاروخان‭. ‬ولأن‭ ‬أغلب‭ ‬الرسامين‭ ‬كانوا‭ ‬أجانب،‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬إعطاء‭ ‬فكرة‭ ‬الرسم‭ ‬لهم‭ ‬ليرسموها،‭ ‬واستمرت‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬لدى‭ ‬الرسامين‭ ‬المصريين‭ ‬أنفسهم‭ ‬بسبب‭ ‬عدد‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬التي‭ ‬ينشرون‭ ‬فيها،‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬الصحف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬رخا‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬جريدة‭ ‬ومثله‭ ‬زهدي،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬تقديم‭ ‬أفكار‭ ‬فكانوا‭ ‬يأخذون‭ ‬الأفكار‭ ‬من‭ ‬آخرين‭. ‬وبداية،‭ ‬الرسام‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬صاحب‭ ‬الفكرة‭ ‬والرسم‭ ‬كان‭ ‬عبدالسميع‭ ‬بعد‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬سنة‭ ‬1946،‭ ‬وكان‭ ‬يجلس‭ ‬مع‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬لعمل‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬استقل‭ ‬عن‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬،‭ ‬فكان‭ ‬يقدم‭ ‬الفكرة‭ ‬والرسم،‭ ‬ووصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬رسم‭ ‬المجلة‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬إلى‭ ‬الغلاف‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬بداية‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬حالياً،‭ ‬فهو‭ ‬مفكر‭ ‬سياسي‭ ‬ورسام‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

أحمد‭ ‬عبدالنعيم‭:‬‭ ‬أضيف‭ ‬هنا‭ ‬تعريف‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬إنه‭ ‬ببساطة‭ ‬محاولة‭ ‬نقل‭ ‬صورة‭ ‬مع‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬العناصر‭ ‬المميزة‭ ‬بغية‭ ‬تحقيق‭ ‬التأثير‭ ‬الساخر‭, ‬إذن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬الثلاثة‭. ‬هل‭ ‬ظهر‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬1876‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬صحافة‭ ‬يعقوب‭ ‬صنوع؟‭ ‬أو‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أقدم‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭ ‬لو‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬رسوم‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‭ ‬لوجدنا‭ ‬بعض‭ ‬الرسومات‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬مجازاً‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬لكنه‭ ‬مفهوم‭ ‬حديث‭ ‬ويمكن‭ ‬تسميتها‭ ‬‮«‬رسوماً‭ ‬ساخرة‮»‬‭.  ‬نجدها‭ ‬كما‭ ‬ذكرها‭ ‬سليم‭ ‬حسن‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬‮«‬الموسوعة‭ ‬المصرية‭ ‬القديمة‮»‬‭ ‬في‭ ‬بردية‭ ‬‮«‬الأوضاع‭ ‬المقلوبة‮»‬‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الرعامسة‭. ‬واختلف‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الساخر‭ ‬في‭ ‬الحضارتين‭ ‬القبطية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وظهرت‭ ‬الكتابات‭ ‬الساخرة‭. ‬أصدر‭ ‬يعقوب‭ ‬صنوع‭ ‬مطبوعة‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬نضارة‮»‬‭ ‬في‭ ‬يوليو‭  1876‭ ‬وكانت‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬فكانت‭ ‬تُصادر‭ ‬فيتم‭ ‬تغيير‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬زمارة‮»‬‭ ‬وأبو‭ ‬النضارة‭ ‬الصفراء‭ ‬والخضراء،‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬اسماً‭. ‬وتمت‭ ‬ضده‭ ‬محاولتا‭ ‬اغتيال،‭ ‬لكنه‭ ‬نجا‭ ‬فاعتبره‭ ‬المصريون‭ ‬شخصاً‭ ‬مباركاً‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬بداية‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الحواري‭ ‬وابتكار‭ ‬شخصيات‭ ‬مثل‭ ‬أبو‭ ‬الغُلْب‭ ‬ويرمز‭ ‬إلى‭ ‬المصري،‭ ‬وتلفيق‭ ‬ويرمز‭ ‬إلى‭ ‬توفيق،‭ ‬ومجلس‭ ‬الطراطير‭ ‬ويرمز‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭. ‬والبداية‭ ‬الحقيقية‭ ‬ظهرت‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الكشكول‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أصدرها‭ ‬القصر‭ ‬للسخرية‭ ‬من‭ ‬سعد‭ ‬زغلول،‭ ‬ورأينا‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬والمبالغة‭. ‬وظهر‭ ‬مصري‭ ‬لم‭ ‬يستمر‭ ‬هو‭ ‬إيهاب‭ ‬خلوصي،‭ ‬وكان‭ ‬يرسم‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬اللطائف‮»‬‭. 

عمرو‭ ‬سليم‭:‬‭ ‬بدأ‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الأجانب‭ ‬وكان‭ ‬يتم‭ ‬عمل‭ ‬مجلس‭ ‬تفكير،‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬مصريين‭. ‬ومع‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‮»‬‭ ‬ظهر‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬تتميز‭ ‬خطوطه‭ ‬بالبساطة‭ ‬والرشاقة،‭ ‬والميزة‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يفكرون‭ ‬لأنفسهم‭. ‬وكانت‭ ‬البداية‭ ‬مع‭ ‬جورج‭ ‬البهجوري‭ ‬وصلاح‭ ‬جاهين‭ ‬وحجازي‭ ‬وبهجت‭ ‬عثمان‭. ‬وكانت‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‮»‬‭ ‬و«روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬مدارس‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬وظلتا‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬كله‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬بأسلوب‭ ‬ساخر‭ ‬وخطوط‭ ‬مدهشة‭ ‬وبساطة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وعاش‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬ثورة‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ونكسة‭ ‬1967‭ ‬وأُحبط‭ ‬في‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد،‭ ‬وهو‭ ‬جيل‭ ‬الستينيات،‭ ‬الجيل‭ ‬العظيم‭ ‬الذهبي‭ ‬في‭ ‬الكاريكاتير‭.‬

أحمد‭ ‬عز‭ ‬العرب‭:‬‭ ‬الناس‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬مفهوم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭. ‬ومعنى‭ ‬أنه‭ ‬فن‭ ‬السخرية‭ ‬يجعلنا‭ ‬نعود‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬القديمة،‭ ‬فالسخرية‭ ‬فن‭ ‬قائم‭ ‬بذاته‭ ‬وموجود‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الصحافة‭ ‬والطباعة،‭ ‬لكن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬نشأ‭ ‬مع‭ ‬الصحافة‭ ‬والطباعة،‭ ‬وبدأ‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬يعقوب‭ ‬صنوع‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تتابع‭ ‬الأجيال‭ ‬المصرية‭ ‬فالدراسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الحديثة‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬رخا‭ ‬أول‭ ‬رسام‭ ‬مصري،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬إيهاب‭ ‬خلوصي‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬رسام‭ ‬مصري،‭ ‬وبدأ‭ ‬في‭ ‬‮«‬اللطائف‭ ‬المصورة‮»‬،‭ ‬وأهميته‭ ‬أنه‭ ‬أدخل‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الرسامون‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬سياسية،‭ ‬فقام‭ ‬بعمل‭ ‬‮«‬إستربس‮»‬،‭  ‬ثم‭ ‬كاريكاتير‭ ‬اجتماعي‭ ‬لتوجيه‭ ‬أخلاقي،‭ ‬مثلاً‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الآباء‭ ‬مع‭ ‬الأبناء،‭ ‬والأزواج‭ ‬مع‭ ‬الزوجات‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬التوجه‭ ‬سياسياً‭ ‬وأغلبهم‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬الوطني‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬رخا،‭ ‬بل‭ ‬نجد‭ ‬أيضاً‭ ‬رسوم‭ ‬محمود‭ ‬مختار‭ ‬النحات‭ ‬ومحمد‭ ‬حسن‭ ‬ومصري‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬رمزي‭. ‬وأساتذة‭ ‬الفنون‭ ‬اتخذوا‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وسيلة‭ ‬أكثر‭ ‬شعبية‭ ‬للتفاهم‭ ‬مع‭ ‬الجمهور،‭ ‬وللحشد،‭ ‬وأصبح‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لديهم‭ ‬وعي‭ ‬سياسي‭ ‬خاص،‭ ‬وأولهم‭ ‬كان‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬رخا‭ ‬أول‭ ‬رسام‭ ‬مصري‭ ‬يدخل‭ ‬السجن‭ ‬للعيب‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬الملكية‭. ‬ورخا‭ ‬بعد‭ ‬السجن‭ ‬أصبح‭ ‬حذراً‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

 

الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬يجذب‭ ‬شباب‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير

‮«‬العربي‮»‬‭: ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر؟‭ ‬وما‭ ‬مدى‭ ‬انتشاره‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام؟‭ ‬وما‭ ‬مساحة‭ ‬الحرية‭  ‬المتاحة‭ ‬له؟

جمعة‭ ‬فرحات‭:‬‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬حالياً‭ ‬أخذ‭ ‬وضعه‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬جداً،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الجرائد‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كاريكاتير‭, ‬ويوجد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الشباب‭ ‬مستواهم‭ ‬جيد‭ ‬جداً،‭ ‬ولا‭ ‬يجدون‭ ‬فرصة‭ ‬للنشر،‭ ‬لكن‭ ‬ظهور‭ ‬الإنترنت‭ ‬كان‭ ‬وسيلة‭ ‬جيدة‭ ‬يستخدمها‭ ‬الشباب‭ ‬لينتشروا،‭ ‬ونعرف‭ ‬الآن‭ ‬أسماء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬ينتشروا‭ ‬في‭ ‬صحف‭ ‬لكنهم‭ ‬يرسمون‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬جرائد‭ ‬إلكترونية‭ ‬أو‭ ‬مواقع‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭ ‬وهم‭ ‬ممتازون‭. ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬محاولة‭ ‬لتشغيلهم‭ ‬في‭ ‬الجرائد‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬تنجح،‭ ‬فالجرائد‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رسامين‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬دفع‭ ‬أجور‭ ‬جيدة‭ ‬للرسام‭ ‬تشجعه‭ ‬على‭ ‬التفرغ‭ ‬للكاريكاتير،‭ ‬وهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬يرسمون‭ ‬كتباً‭ ‬للأطفال‭ ‬ويعملون‭ ‬مهندسي‭ ‬‮«‬جرافيك‮»‬‭ ‬ويعجزون‭ ‬عن‭ ‬التفرغ‭ ‬للكاريكاتير‭. ‬والكاريكاتير‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬تزعج‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الرسام‭ ‬له‭ ‬موقف‭ ‬سياسي،‭ ‬وهذا‭ ‬يثير‭ ‬خوف‭ ‬رؤساء‭ ‬التحرير‭. ‬وجيلنا‭ ‬عاش‭ ‬أواخر‭ ‬عهد‭ ‬مبارك‭ ‬وعملنا‭ ‬بقوة،‭ ‬فبينما‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬قومية‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬جرائد‭ ‬معارضة‭: ‬الوفد‭ ‬والأهالي،‭ ‬والعربي‭ ‬الناصري‭ ‬والشعب،‭ ‬والأحرار،‭ ‬لكي‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬ما‭ ‬أعجز‭ ‬عن‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬قومية‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬حالياً‭ ‬حرية‭ ‬كاملة،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬ممنوع‮»‬،‭ ‬لأننا‭ ‬نرسم،‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬أو‭ ‬مدير‭ ‬التحرير‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬ينشر‭ ‬ولا‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭. ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬تعليمات‭ ‬واضحة،‭ ‬فكل‭ ‬جريدة‭ ‬لها‭ ‬سقفها‭ ‬الخاص‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬ممنوع،‭ ‬ويختلف‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭. ‬أتذكر‭ ‬أيام‭ ‬كان‭ ‬عادل‭ ‬حمودة‭ ‬رئيساً‭ ‬لتحرير‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬كان‭ ‬خطه‭ ‬الأحمر‭ ‬عالياً‭ ‬حتى‭ ‬سألني‭ ‬البعض‭ ‬وأنا‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬الوفد،‭ ‬وهي‭ ‬جريدة‭ ‬معارضة،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬رسوماً‭ ‬قوية‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬تنشره‭ ‬في‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أننا‭ ‬ندخل‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تقييد‭ ‬الحريات،‭ ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬تعليمات‭ ‬تقيد‭ ‬عملنا،‭ ‬وأنا‭ ‬أرسل‭ ‬أعمالي‭ ‬لـ«الأهرام‮»‬‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تنشرها‭ ‬أنشرها‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬مستقلة‭. ‬

 

‮«‬العربي‮»‬‭: ‬ما‭ ‬تفسيرك‭ ‬لـــعدم‭ ‬وجود‭ ‬مجلات‭ ‬كاريكاتير‭ ‬شعبية؟

جمعة‭ ‬فرحات‭:‬‭ ‬كان‭ ‬عندنا‭ ‬مجلة‭ ‬كاريكاتير‭  ‬واحدة‭  ‬باسم‭ ‬‮«‬كاريكاتير‮»‬‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬مصطفى‭ ‬حسين،‭ ‬بمشاركة‭ ‬سعودية،‭ ‬وصل‭ ‬توزيعها‭ ‬إلى‭ ‬170‭ ‬ألف‭ ‬نسخة،‭ ‬وتوقفت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬السعوديون‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تدخل‭ ‬السعودية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يصل‭ ‬توزيعها‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬ألفاً،‭ ‬وتحولت‭ ‬من‭ ‬أسبوعية‭ ‬إلى‭ ‬شهرية‭ ‬ثم‭ ‬توقفت‭. ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬المصرية‭ ‬للكاريكاتير‭ ‬أعدنا‭ ‬إصدارها‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬برئاسة‭ ‬مصطفى‭ ‬حسين‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬رئيساً‭ ‬للجمعية،‭ ‬وتوقفت‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬بسبب‭ ‬التعثر‭ ‬المالي‭. ‬ولقد‭ ‬فشلت‭ ‬محاولات‭ ‬إصدار‭ ‬مجلات‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬عدم‭ ‬انتظامها‭ ‬في‭ ‬الصدور‭ ‬هو‭ ‬السبب‭. ‬

أحمد‭ ‬عبدالنعيم‭:‬‭ ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬1876‭ ‬حتى‭ ‬1952‭ ‬حوالي‭ ‬181‭ ‬مجلة‭ ‬ساخرة،‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬نظارة‮»‬‭ ‬وانتهت‭ ‬بـ«البعكوكة‮»‬‭ ‬وما‭ ‬بعدها،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬في‭ ‬1900‭ ‬صدرت‭ ‬‮«‬حمارة‭ ‬منيتي‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬توزيعها‭ ‬80‭ ‬ألف‭ ‬نسخة،‭ ‬وتصور‭ ‬أصحاب‭ ‬المجلات‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬المجلة،‭ ‬فتم‭ ‬تغيير‭ ‬الرسم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بغل‭ ‬المعشر‮»‬‭ ‬و«الحمارة‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬وظهرت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬كان‭ ‬رخا‭ ‬أول‭ ‬رسام‭ ‬يستمر،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬المصريين‭ ‬لم‭ ‬يستمر‭ ‬مثل‭ ‬عباس‭ ‬كامل‭ ‬وحسين‭ ‬فوزي‭. ‬واليوم‭ ‬لدينا‭ ‬24‭ ‬جريدة‭ ‬يومية‭ ‬و250‭ ‬مطبوعة‭ ‬بين‭ ‬يومية‭ ‬وأسبوعية‭ ‬وشهرية،‭ ‬وهي‭ ‬تمثل‭ ‬مجالاً‭ ‬واسعاً‭ ‬لرسامي‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬لكن‭ ‬العائد‭ ‬المادي‭ ‬ضئيل‭ ‬لذلك‭ ‬يجد‭ ‬الرسامون‭ ‬عائداً‭ ‬أكبر‭ ‬لو‭ ‬عملوا‭ ‬في‭ ‬‮«‬كوميك‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬كرتون‮»‬‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الجرافيك‮»‬‭. ‬وهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬الممتازين‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬بارعون‭ ‬في‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديدة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬سنوياً‭ ‬تنظيم‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬مسابقة‭ ‬كاريكاتير‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬مما‭ ‬أوجد‭ ‬جيلاً‭ ‬جديداً‭ ‬يستوعب‭ ‬هذه‭ ‬المستجدات‭ ‬جيداً‭. ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬المساحة‭ ‬في‭ ‬الجرائد‭ ‬محدودة،‭ ‬فجريدة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬في‭ ‬عددها‭ ‬الخاص‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭  64‭ ‬صفحة،‭ ‬نجد‭ ‬ثلاث‭ ‬قطع‭ ‬كاريكاتير‭ ‬فقط،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عزوف‭ ‬بعض‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وخاصة‭ ‬الشباب‭. ‬

 

هل‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬أن‭ ‬يقبّل‭ ‬رأس‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير؟

‭ ‬عمرو‭ ‬سليم‭:‬‭ ‬أنا‭ ‬أفصل‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬1952‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري‭, ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬2004‭ ‬كان‭ ‬عاماً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬لأننا‭ ‬قررنا‭ ‬حينئذ‭ ‬إصدار‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬وكان‭ ‬رئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬الزميل‭ ‬إبراهيم‭ ‬عيسى،‭ ‬وكنت‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وطُلب‭ ‬مني‭ ‬إنشاء‭ ‬قسم‭ ‬من‭ ‬رسامين‭ ‬يرسمون‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وكان‭ ‬معي‭ ‬بين‭ ‬10‭ ‬و11‭ ‬رسام‭ ‬كاريكاتير،‭ ‬معظمهم‭ ‬ينشرون‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وكانت‭ ‬المطبوعة‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وليس‭ ‬الصورة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنني‭ ‬بعد‭ ‬عدد‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬70‭ ‬كاريكاتيراً‭ ‬كلها‭ ‬أفكار‭ ‬متميزة‭ ‬مدهشة،‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أعيد‭ ‬تجربة‭ ‬مجلة‭ ‬صباح‭ ‬الخير،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬لإعطاء‭ ‬الفرصة‭ ‬لرسامين‭ ‬جدد‭ ‬بأفكارهم‭ ‬المدهشة،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬لكسر‭ ‬حدود‭ ‬المحظورات،‭ ‬وكان‭ ‬أمامي‭ ‬هدف‭ ‬محدد‭: ‬لماذا‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ننتقد‭ ‬الحاكم‭ ‬وهو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬وننتقده‭ ‬بعد‭ ‬وفاته؟‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬هدفنا‭ ‬ونجحنا‭ ‬فيه،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يرون‭ ‬نقداً‭ ‬لمبارك‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬ورسمه‭ ‬مع‭ ‬ابنه،‭ ‬وأحدث‭ ‬ذلك‭ ‬اختلافاً‭ ‬كبيراً‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الجيل‭ ‬من‭ ‬الرسامين،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬الجريدة‭ ‬بأربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬رئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬صديقي‭ ‬العزيز‭ ‬عبدالله‭ ‬كمال‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬تجربة‭ ‬مثل‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬وأكون‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فيها،‭ ‬فأصبحت‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬التالي‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬روز‭ ‬اليوسف،‭ ‬وبعد‭ ‬الظهر‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬هنا‭ ‬إنني‭ ‬كنت‭ ‬مؤيداً‭ ‬صباحاً‭ ‬وفي‭ ‬الليل‭ ‬معارضاً،‭ ‬لأنني‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬ضد‭ ‬فساد‭ ‬النظام،‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬أن‭ ‬قدراتي‭ ‬أعلى‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬«الدستور‮»‬‭. ‬وأنا‭ ‬فاهم‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬حدودي‭ ‬في‭ ‬روز‭ ‬اليوسف‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬‮«‬لك‭ ‬مطلق‭ ‬الحرية‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬مبارك‮»‬‭. ‬لذلك‭ ‬أنا‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬أقوم‭ ‬به،‭ ‬وهذا‭ ‬اتفاق‭ ‬ودّي‭ ‬بيني‭ ‬وبينه‭. ‬لكن‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حجراً‭ ‬تم‭ ‬قذفه‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬راكدة،‭ ‬مما‭ ‬أحدث‭ ‬انتعاشاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬وبدأ‭ ‬منذ‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الصحف‭ ‬القومية‭ ‬الاعتماد‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬وقت‭ ‬صدور‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬وكانت‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬رسمتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬أسبوعياً،‭ ‬وكانت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬الفوتوغرافية،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬قلق‭ ‬و«وجع‭ ‬دماغ‮»‬‭. ‬وعندما‭ ‬صدرت‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬بدأت‭ ‬أرى‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬و«الأخبار‮»‬‭ ‬و«الجمهورية‮»‬‭ ‬وبدأت‭ ‬معظم‭ ‬الجرائد‭ ‬تقلد‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬،‭ ‬وانتعشت‭ ‬حركة‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬كان‭ ‬بداية‭ ‬ظهور‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الخاصة‭. ‬ولو‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬الصحف‭ ‬الحزبية‭ ‬ضعفت‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الناس‭ ‬يقبلون‭ ‬عليها‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬سابقاً،‭ ‬فإن‭ ‬التنافس‭ ‬أصبح‭ ‬بين‭ ‬الجرائد‭ ‬الخاصة‭ ‬والقومية،‭ ‬وانتصرت‭ ‬الصحف‭ ‬الخاصة‭ ‬بجرأتها‭ ‬وجسارتها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬معركة‭ ‬عجزت‭ ‬أمامها‭ ‬الصحف‭ ‬القومية،‭ ‬وما‭ ‬زلنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬

أحمد‭ ‬عز‭ ‬العرب‭:‬‭ ‬هناك‭ ‬إدراك‭ ‬لأهمية‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬كثيرين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬لحساباتهم،‭ ‬وهنا‭ ‬أتوقف‭ ‬عند‭ ‬تجربتين‭ ‬توضحان‭ ‬أهمية‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬ومن‭ ‬يرسمونه،‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬التلفزيون‭ ‬المصري‭ ‬يخصص‭ ‬برنامجاً‭ ‬أسبوعياً‭ ‬لزميلنا‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات،‭ ‬يقدم‭ ‬خلاله‭ ‬رسامين‭ ‬جدداً‭ ‬ويجعلهم‭ ‬نجوماً‭.‬‭ ‬والتجربة‭ ‬الثانية‭ ‬أوجد‭ ‬خلالها‭ ‬عمرو‭ ‬سليم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬الممتازين‭ ‬وكانت‭ ‬بداية‭ ‬لظهور‭ ‬العنصر‭ ‬النسائي‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وهي‭ ‬رسامة‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬دعاء‭ ‬العدل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ترسم‭ ‬مرة‭ ‬ثم‭ ‬تتوقف،‭ ‬لكنها‭ ‬استمرت‭ ‬حتى‭ ‬تحترف‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الجانب‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬أما‭ ‬الجانب‭ ‬السلبي‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬أصبح‭ ‬بالقانون‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عما‭ ‬يُنشر،‭ ‬وله‭ ‬الرفض‭ ‬والقبول،‭ ‬وأصبح‭ ‬الوضع‭ ‬متأرجحاً‭ ‬بلا‭ ‬معيار،‭ ‬فلكل‭ ‬رسام‭ ‬سقف‭ ‬حرية‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬غيره‭. ‬ولدينا‭ ‬رسامون‭ ‬موهوبون‭ ‬وذوو‭ ‬كفاءات‭ ‬عالية‭ ‬يمكنهم‭ ‬إصدار‭ ‬عشرات‭ ‬المجلات،‭ ‬لكن‭ ‬الإطار‭ ‬العام‭ ‬الرسمي‭ ‬لديه‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الرسامين،‭ ‬لذلك‭ ‬يهرب‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬جهات‭ ‬نشر‭ ‬بديلة‭ ‬مثل‭ ‬النشر‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬لهم‭ ‬ونافذة‭ ‬جديدة‭ ‬لنمو‭ ‬المواهب‭ ‬بشكل‭ ‬صحي‭. ‬

جمعة‭ ‬فرحات‭:‬‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالنعيم‭ ‬أوضح‭ ‬جوانب‭ ‬أساسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لرئيس‭ ‬التحرير،‭ ‬ونحن‭ ‬نتهم‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬التحرير‭ ‬بأنهم‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬حتى‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬ينظرون‭ ‬عند‭ ‬عرض‭ ‬الرسومات‭ ‬عليهم‭ ‬بوجهة‭ ‬نظر‭ ‬فنية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬سابقاً،‭ ‬بل‭ ‬يرونها‭ ‬كرسم‭ ‬مكمل‭ ‬للكتابة‭ ‬أو‭ ‬التعليق‭. ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬فتحي‭ ‬غانم،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬‮«‬الجمهورية‮»‬‭ ‬كان‭ ‬ينشر‭ ‬كاريكاتيراً‭ ‬لبعض‭ ‬الرسامين‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬كاملة‭. ‬لكن‭ ‬رؤساء‭ ‬التحرير‭ ‬الآن‭ ‬يحكمون‭ ‬على‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬ليتجنبوا‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يجلبه‭ ‬لهم‭. ‬

عمرو‭ ‬سليم‭:‬‭ ‬هناك‭ ‬اختلاف‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬يفهم‭ ‬المسؤول‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬ومكان‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬القائمون‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬ولا‭ ‬يتذوقونه،‭ ‬وأحكي‭ ‬هنا‭ ‬أمراً‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬وتغيير‭ ‬رئاسة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬طُلب‭ ‬ترشيح‭ ‬رسام‭ ‬كاريكاتير،‭ ‬فقلت‭ ‬لرسام‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حياته‭ ‬الفنية‭: ‬ستذهب‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬وستجد‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬تفهم‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬وجاءني‭ ‬آخر‭ ‬اليوم‭ ‬مندهشاً‭ ‬جداً،‭ ‬وقال‭: ‬لن‭ ‬تصدق‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬تخيل‭... ‬رسمت‭ ‬فأخذني‭ ‬المشرف‭ ‬الفني‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬قائلاً‭ ‬انظر‭ ‬الهدية‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬لنا‭ ‬عمرو‭ ‬سليم‭. ‬

انحنى‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬وقبَّل‭ ‬رأسي،‭ ‬قائلاً‭: ‬كلهم‭ ‬يفهمون‭ ‬في‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬وأنا‭ ‬جالس‭ ‬أعمل‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬الشاي‭ ‬والقهــــوة‭ ‬ويقول‭ ‬هذا‭ ‬شغل‭ ‬عظيم‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الجمال‭! ‬هناك‭ ‬كانوا‭ ‬يعاملونني‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬نجماً،‭ ‬بداية‭ ‬ممن‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬الباب‭ ‬ومن‭ ‬يحضر‭ ‬لي‭ ‬الشاي‭ ‬والقهوة،‭ ‬حتى‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭. ‬

هذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬أنت‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيه‭ ‬يفهم‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬كاريكاتير‮»‬،‭ ‬بداية‭ ‬ممن‭ ‬يحضر‭ ‬الشــاي‭ ‬والقهوة‭ ‬وانتــــهاء‭ ‬برئيــــس‭ ‬تــــحرير،‭ ‬يقبِّل‭ ‬رأسك‭ ‬للفكرة‭ ‬الجميلة،‭ ‬ولست‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالكاريكاتيــر،‭ ‬ومن‭ ‬فيه‭ ‬يعتــــبرون‭ ‬أهـــم‭ ‬شيء‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬الكاريكاتـــــير‭ ‬مصدر‭ ‬مشاكل،‭ ‬أي‭ ‬لو‭ ‬تركت‭ ‬المساحة‭ ‬خالية‭ ‬يكون‭ ‬أمراً‭ ‬جيداً‭. ‬المهم‭ ‬ألا‭ ‬يزعجنا‭ ‬أحد‭ ‬ويقول‭: ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬نشرتموه؟‭ ‬وكيف‭ ‬استطاع‭ ‬الرسام‭ ‬أن‭ ‬يضحك‭ ‬عليكم‭ ‬لتوافقوا‭ ‬على‭ ‬نشره‭?‬،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الفرق،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬مدرسة‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬رسام‭ ‬كاريكاتير‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬فيها‭. ‬

أحمد‭ ‬عز‭ ‬العرب‭:‬‭ ‬أسعدني‭ ‬حظي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬تلميذاً‭ ‬لعبدالغني‭ ‬أبوالعنين‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬جريدة‭ ‬الأهالي،‭ ‬وأثار‭ ‬غيظي‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يطلب‭ ‬مني‭ ‬إعادة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أرسمه،‭ ‬وعندما‭ ‬اشتكيت‭ ‬لصلاح‭ ‬جاهين،‭ ‬وقلت‭: ‬إنه‭ ‬يرهقني‭ ‬جداً‭ ‬فكلما‭ ‬قدمت‭ ‬له‭ ‬رسماً‭ ‬يطلب‭ ‬إعادته‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬عمل‭ ‬تصميم‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬مائة‭ ‬مرة،‭ ‬ضحك‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬انتبه،‭ ‬عبدالغني‭ ‬أبو‭ ‬العينين‭ ‬يدقق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬علمني‭ ‬معنى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬بشكل‭ ‬جاد‭ ‬وجعلني‭ ‬أكتشف‭ ‬أن‭ ‬إعادة‭ ‬الرسم‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬اختزاله‭ ‬وعلى‭ ‬تلخيص‭ ‬مساحات‭ ‬وخطوط،‭ ‬فيصبح‭ ‬الشكل‭ ‬أكثر‭ ‬جمالاً‭.‬

هل‭ ‬بيع‭ ‬البطاطا‭ ‬أصبح‭ ‬أفضل‭ ‬لرسام‭ ‬الكاريكاتير؟

‮«‬العربي‮»‬‭: ‬نناقش‭ ‬الآن‭ ‬مستقبل‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري‭.‬

جمعة‭ ‬فرحات‭: ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬عمرو‭ ‬سليم‭ ‬في‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬ظللت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬أو‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬لا‭ ‬أستقبل‭ ‬أي‭ ‬رسام‭ ‬كاريكاتير‭ ‬هاو،‭ ‬حتى‭ ‬تصورت‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬مستقبل‭ ‬للكاريكاتير،‭ ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬عمرو‭ ‬فوجئت‭ ‬كأن‭ ‬صنبوراً‭ ‬تم‭ ‬فتحه‭ ‬ليظهر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬بالفعل‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬الآن،‭ ‬عندما‭ ‬أرى‭ ‬على‭ ‬‮«‬الفيس‭ ‬بوك‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أندهش‭ ‬من‭ ‬كمية‭ ‬الأعمال‭ ‬وجمالها،‭ ‬فهم‭ ‬رسامون‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬ولهم‭ ‬مستقبل‭ ‬واعد،‭ ‬وأحمد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬شبكة‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬للرسام‭ ‬نشر‭ ‬أعماله،‭ ‬فالكاريكاتير‭ ‬روحه‭ ‬النشر‭ ‬لكي‭ ‬يتم‭ ‬تطويره‭. ‬لكنه‭ ‬كفن‭ ‬صحفي‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لأن‭ ‬الجرائد‭ ‬الورقية‭ ‬لا‭ ‬تكسب‭ ‬وهي‭ ‬مهددة‭ ‬بالإغلاق‭. ‬

أحمد‭ ‬عبدالنعيم‭:‬‭ ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عمرو‭ ‬عن‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬مدرسة‭ ‬عظيمة،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬نجاحها‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أشرفوا‭ ‬عليها‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يفهمون‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬جيداً‭. ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬روز‭ ‬اليوسف‭ ‬عندما‭ ‬ترك‭ ‬صاروخان‭ ‬المجلة‭ ‬وذهب‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬آخر‭ ‬ساعة‮»‬‭ ‬مع‭ ‬محمد‭ ‬التابعي‭ ‬بكت‭ ‬بالدموع‭. ‬وأذكرها‭ ‬أيضاً‭ ‬عندما‭ ‬رسم‭ ‬جورج‭ ‬البهجوري‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬شاباً،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬كاريكاتير‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬1952‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬الذي‭ ‬يهتم‭ ‬بالنسب‭ ‬والتشريح،‭ ‬فقد‭ ‬أحدث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الخطوط،‭ ‬بينما‭ ‬أحدث‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭. ‬وجاء‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬لروز‭ ‬اليوسف‭: ‬ماذا‭ ‬يحدث؟‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬عبدالسميع‭ ‬وزهدي‭ ‬والناس‭ ‬اعتادت‭ ‬على‭ ‬أسلوبهما‭. ‬فقالت‭ ‬لهم‭: ‬لا،‭ ‬اتركوه،‭ ‬سيكون‭ ‬مختلفاً‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭.‬‭ ‬ورخا‭ ‬عندما‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬وذهب‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭ ‬لم‭ ‬يقدموا‭ ‬له‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحصل‭ ‬عليه،‭ ‬فقال‭: ‬كانت‭ ‬‮«‬روز‭ ‬اليوسف‮»‬‭ ‬تقسم‭ ‬معي‭ ‬المبلغ‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬جيبها،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬ليس‭ ‬معي‭ ‬نقود‭ ‬فقلبت‭ ‬حقيبتها‭ ‬ووجدت‭ ‬خمسين‭ ‬قرشاً،‭ ‬وقالت‭ ‬خذ‭ ‬أنت‭ ‬ربع‭ ‬جنيه‭ ‬وأنا‭ ‬الربع‭ ‬الثاني‭. ‬

وقال‭: ‬مستعد‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬بربع‭ ‬الجنيه‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يفهمون‭ ‬قيمة‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬

وبالنسبة‭ ‬للمستقبل،‭ ‬لدينا‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬جيد‭ ‬جداً،‭ ‬وكل‭ ‬فترة‭ ‬تحدث‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬المصري‭. ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬كاريكاتير‭ ‬في‭ ‬1952‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‮»‬‭ ‬فأحدثت‭ ‬طفرة،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬جيل‭ ‬ثان‭ ‬من‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬عمرو‭ ‬سليم‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدستور‮»‬‭ ‬وأسس‭ ‬مدرسة‭ ‬مختلفة،‭ ‬والآن‭ ‬هناك‭ ‬أجيال‭ ‬تشاهد‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬‭ ‬وتنظر‭ ‬إلى‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭. ‬

عمرو‭ ‬سليم‭: ‬بالنسبة‭ ‬لمستقبل‭ ‬رسامي‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬كمهنة،‭ ‬أرى‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صحفاً‭ ‬غنية‭ ‬وأخرى‭ ‬فقيرة،‭ ‬الغنية‭ ‬هي‭ ‬الصحف‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬استقطبت‭ ‬نجوم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وبدأت‭ ‬مرتباتهم‭ ‬ترتفع،‭ ‬بينما‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬منافستها‭ ‬الصحف‭ ‬القومية‭. ‬أتذكر‭ ‬رسام‭ ‬كاريكاتير‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‮»‬‭ ‬ليرسم،‭ ‬وجاء‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬مكافأته‭ ‬آخر‭ ‬الشهر‭ ‬فوجدها‭ ‬150‭ ‬جنيهاً،‭ ‬فذهب‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬متسائلاً‭: ‬أستاذ‭ ‬رشاد‭... ‬ما‭ ‬هذا؟‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭: ‬أنت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‮»‬‭ ‬ونحن‭ ‬نعطي‭ ‬لك‭ ‬مجداً‭. ‬وبعد‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬ترك‭ ‬المجلة‭ ‬قائلاً‭ ‬لي‭: ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬عمرو‭ ‬هل‭ ‬ستكون‭ ‬مكافأتي‭ ‬مجداً‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬جيبي‭ ‬ولا‭ ‬مليم‭. ‬اسم‭ ‬الرسام‭ ‬أشرف‭ ‬حمدي‭ ‬وقد‭ ‬ترك‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأنيميشن‮»‬‭. ‬والآن‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة،‭ ‬فالرسامون‭ ‬لا‭ ‬يذهبون‭ ‬أساساً‭ ‬إلى‭ ‬الصحف‭ ‬القومية‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬دفع‭ ‬المكافآت،‭ ‬بينما‭ ‬الصحف‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬استوعبت‭ ‬الرسامين‭ ‬بدأت‭ ‬تقيم‭ ‬هيكلة‭ ‬جديدة،‭ ‬وبعضها‭ ‬يغلق‭ ‬أو‭ ‬يقلل‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬العمالة‭. ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬صحف‭ ‬جديدة،‭ ‬لأن‭ ‬الصحف‭ ‬الموجودة‭ ‬لا‭ ‬تستوعب‭ ‬رسامين‭ ‬جدداً‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬أتذكر‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬التحقيق‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مبارك‭ ‬بتهمة‭ ‬إهانة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬مرسي‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬3‭ ‬بلاغات‭ ‬ضدي‭ ‬للنائب‭ ‬العام‭ ‬
بتهمة‭ ‬ازدراء‭ ‬الأديان‭. ‬والآن‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬مستقبل‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬فعندما‭ ‬كنت‭ ‬ترسم‭ ‬مبارك‭ ‬كنت‭ ‬تتجرأ‭ ‬وترسمه‭ ‬وتنتقده،‭ ‬وكنت‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬تعتبرك‭ ‬بطلاً‭. ‬لكن‭ ‬الآن‭ ‬لو‭ ‬انتقدت‭ ‬الرئيس‭ ‬لن‭ ‬يمنعك‭ ‬أحد،‭ ‬وسوف‭ ‬يتم‭ ‬نشر‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬لكن‭ ‬الناس‭ ‬سوف‭ ‬تهينك،‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬مأزق‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬فلأول‭ ‬مرة‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬توجيهات‭ ‬حول‭ ‬ماذا‭ ‬ترسم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ترسم‭. ‬لكنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬حرية،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬عليها،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬وجود‭ ‬الكاريكاتير‭. ‬

أحمد‭ ‬عز‭ ‬العرب‭:‬‭ ‬هناك‭ ‬مشاكل‭ ‬مادية‭ ‬تقلل‭ ‬فرص‭ ‬نجاح‭ ‬الرسام،‭ ‬لكن‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬المناخ‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬احتقان‭ ‬وتأزم‭ ‬ومظاهرها‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الكاريكاتير،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬أيضاً،‭ ‬فموضوع‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الأهلي‮»‬‭ ‬و«الزمالك‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬تنافــــس‭ ‬بين‭ ‬الناديين،‭ ‬بل‭ ‬مسألة‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬الخيانة‭ ‬الوطنية،‭ ‬فرئـــيس‭ ‬نادي‭ ‬الزمالك‭ ‬مثلاً‭ ‬يقول‭: ‬أعطي‭ ‬مهلة‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬لرئيس‭ ‬نادي‭ ‬الأهلي‭. ‬ماذا‭ ‬يقصد‭ ‬بالمهلة؟‭ ‬هل‭ ‬سيضرب‭ ‬بالمدافع‭ ‬أم‭ ‬ماذا‭ ‬سيفعل؟‭ ‬البلد‭ ‬غير‭ ‬مهـــــيأ‭ ‬لدرجة‭ ‬من‭ ‬التسامح‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬سخرية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬ماذا‭ ‬يفعل‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وأمامه‭ ‬مليون‭ ‬حاجز‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يتخطاه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬100‭ ‬جنيه‭. ‬لا‭... ‬شكــــراً،‭ ‬أنا‭ ‬أبيع‭ ‬بطاطا‭ ‬أفضل‭.