بين الغيطاني وألبير كامو ... الخير والشر والجمال

بين الغيطاني وألبير كامو ...  الخير والشر والجمال

كاتبان‭ ‬روائيان،‭ ‬يمثلان‭ ‬الاستثناء‭ ‬في‭ ‬السرد،‭ ‬أما‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬كلما‭ ‬قرأت‭ ‬رواياتهما‭ ‬ذكراني‭ ‬بما‭ ‬يحملانه‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬الوجود‭ ‬والجمال،‭ ‬بالكتابات‭ ‬الروائية‭ ‬والفلسفية‭  ‬لألبير‭ ‬كامو‭ (‬Albert Camus‭ ‬1960-‭ ‬1913‭).‬

‭ ‬أما‭ ‬الروائي‭ ‬التونسي‭ ‬فهو‭ ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ (‬1911‭ - ‬2004‭) ‬صاحب‭ ‬الأعمال‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬حدث‭ ‬أبوهريرة‭ ‬قال‮»‬‭ ‬و«السد‮»‬‭ ‬و«مولد‭ ‬النسيان‮»‬،‭ ‬وأما‭ ‬الروائي‭ ‬المصري‭ ‬فهو‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬الذي‭ ‬فقدته‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ (‬1945‭ - ‬18‭ ‬أكتوبر‭ ‬2015‭)‬،‭ ‬وصاحب‭ ‬‮«‬الزيني‭ ‬بركات‮»‬‭ ‬و«أوراق‭ ‬شاب‭ ‬عاش‭ ‬منذ‭ ‬ألف‭ ‬عام‮»‬‭ ‬و«التجليات‮»‬،‭ ‬و«رسالة‭ ‬في‭ ‬الصبابة‭ ‬والوجد‮»‬،‭ ‬و«متون‭ ‬الأهرام‮»‬،‭ ‬و«شطح‭ ‬المدينة‮»‬‭ ‬وسواها‭.‬

يتقاطع‭ ‬عالم‭ ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ ‬الروائي‭ ‬المليء‭ ‬بالإشارات‭ ‬الصوفية‭ ‬والوجودية‭ ‬في‭ ‬حياكة‭ ‬لغوية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وفي‭ ‬بناء‭ ‬روائي‭ ‬فريد‭ ‬أيضاً،‭ ‬مع‭ ‬عالم‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬في‭ ‬غموضه‭ ‬وفي‭ ‬مصائر‭ ‬الشخوص‭ ‬الروائية‭ ‬الغامضة،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬غموض‭ ‬الوجود،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬الغريب‮»‬‭ ‬و«الطاعون‮»‬‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المسعدي‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬نقاش‭ ‬فلسفي‭ ‬مع‭ ‬كامو‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬نقاش‭ ‬يؤكد‭ ‬التقارب‭ ‬المختلف،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أيضاً‭ ‬المتون‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬القروئية‭ ‬وفي‭ ‬الهواجس‭ ‬الفلسفية،‭ ‬فإن‭ ‬العوالم‭ ‬الروائية‭ ‬لجمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬في‭ ‬‮«‬الزيني‭ ‬بركات‮»‬‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬‮«‬التجليات‮»‬‭ ‬تتقاطع‭ ‬مع‭ ‬عوالم‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬الفلسفي‭ ‬والتاريخي‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الشر‭ ‬ومصدر‭ ‬الخير‭ ‬ومصدر‭ ‬الجمال،‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬الكتابة؛‭ ‬لغة‭ ‬وبناء‭.‬

يلتقي‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬بألبير‭ ‬كامو‭ ‬أيضاً،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬منهما‭ ‬عمل‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬الإعلام،‭ ‬حتى‭ ‬تقاطعت‭ ‬أعمالهما‭ ‬الأدبية‭ ‬بكتاباتهما‭ ‬الإعلامية،‭ ‬فكانت‭ ‬أسئلتهما‭ ‬الروائية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬مرتبطة‭ ‬بسؤال‭ ‬الوجود،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ظلت‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬باليومي‭ ‬وبالتاريخي؛‭ ‬في‭ ‬عنفه‭ ‬المسلط‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬وعلى‭ ‬الجماعة‭ ‬وعلى‭ ‬الشعوب‭ ‬وعلى‭ ‬الهوية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬اليومي‭ ‬الواقعي‭ ‬ظاهرة‭  ‬‮«‬الحرب‮»‬‭ ‬وظاهرة‭ ‬‮«‬الفقر‮»‬‭ ‬وظاهرة‭ ‬‮«‬التراث‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الموروث‭ ‬المادي‭ ‬واللامادي‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬الروائيين‭.‬

اشتغل‭ ‬الروائي‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬مراسلاً‭ ‬للحرب،‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬عليها‭ ‬وقائع‭ ‬الحرب‭ ‬خلال‭ ‬معركة‭ ‬1973،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬عشرات‭ ‬التحقيقات،‭ ‬وظل‭ ‬يراقب‭ ‬هذا‭ ‬الشر‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية‭ ‬أيضاً‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الذائع‭ ‬‮«‬حكايات‭ ‬الغريب‮»‬،‭ ‬شاهداً‭ ‬ومتابعاً‭ ‬لما‭ ‬تزرعه‭ ‬الحروب‭ ‬من‭ ‬كراهيات‭ ‬وخراب،‭ ‬مراقباً‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬‮«‬فكرة‭ ‬التحرير‮»‬‭ ‬و«الكرامة‮»‬‭ ‬و«الشرف‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬‮«‬الخوف‮»‬‭ ‬و«الدم‮»‬‭ ‬و«الخراب‮»‬‭ ‬و«الأحقاد‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الروائي‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬‮«‬أشكال‭ ‬الموت‮»‬،‭ ‬ومثله‭ ‬وقبله‭ ‬دخل‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬في‭ ‬نقاش‭ ‬إعلامي‭ ‬وفلسفي‭ ‬وأدبي‭ ‬عن‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الجزائرية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دامت‭ ‬سبعة‭ ‬أعوام‭ ‬ونصف‭ ‬العام،‭ ‬والتي‭ ‬اتخذ‭ ‬منها‭ ‬الروائي‭ ‬موقفاً‭ ‬سياسياً‭ ‬معيناً،‭ ‬لكنه‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬الحوار‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬‮«‬سؤال‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬الفلسفي،‭ ‬الخراب‭ ‬وإعادة‭ ‬التشكيل،‭ ‬وقد‭ ‬خلقت‭ ‬علاقته‭ ‬بالحرب‭ ‬الجزائرية‭ ‬وضعية‭ ‬تعارض‭ ‬وقطيعة‭ ‬فكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬مع‭ ‬كتاب‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬وغيره‭. ‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬خزاناً‭ ‬حقيقياً‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬الأدبية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الطروحات‭ ‬الفلسفية،‭ ‬والشأن‭ ‬ذاته‭ ‬كانته‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭. ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬الحرب‭ ‬عند‭ ‬الغيطاني‭ ‬مسألة‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬رؤية‭ ‬فلسفية‭ ‬للوجود‭ ‬وقراءة‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬مواجهته‭ ‬للموت‭ ‬والنسيان‭ ‬والمصير‭.‬

مثل‭ ‬ألبير‭ ‬كامو،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬عاملة‭ ‬نظافة‭ ‬عاشت‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬بلكور‭ ‬الشعبي‭ ‬بالجزائر‭ ‬العاصمة،‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬المغلوبين‭ ‬الذي‭ ‬يلتقي‭ ‬فيه‭ ‬الأوربي‭ ‬والجزائري‭ ‬التقاء‭ ‬طبقياً،‭ ‬فإن‭ ‬الغيطاني‭ ‬ابن‭ ‬قلب‭ ‬القاهرة‭ ‬الشعبي‭ ‬أيضاً،‭ ‬كان‭ ‬مسكوناً‭ ‬بفكرة‭ ‬‮«‬المواطنة‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬مثقف‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬وصوت‭ ‬القاهرة‭ ‬العميق‭ ‬والصادق،‭ ‬الذي‭ ‬يفقهها‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬ومواسمها‭ ‬ولغتها‭ ‬ونكتها‭ ‬وأسرارها‭ ‬وألغازها‭ ‬ومقابرها‭ ‬ومقاهيها‭ ‬ونرجيلتها‭ (‬ملامح‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬كتاباته‭ ‬وشخوصه‭ ‬الروائية‭ ‬والقصصية‭ ‬قريبة‭ ‬إلى‭ ‬القلب‭ ‬لواقعيتها‭ ‬العفوية‭ ‬التاريخية،‭ ‬تلك‭ ‬الواقعية‭ ‬غير‭ ‬المبتذلة،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬العميقة‭ ‬خرج‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬نصوصه‭ ‬الروائية‭ ‬والقصصية‭ ‬مؤسساً‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭  ‬‮«‬المشاهدة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬العين‮»‬‭ (‬وقائع‭ ‬حارة‭ ‬الزعفراني‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬السردية‭ ‬قابلة‭ ‬للتحويل‭ ‬وبيسر‭ ‬فني‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬الشاشتين‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬معاً‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬مسكوناً‭ ‬أيضاً‭ ‬بحال‭ ‬الفقر‭ ‬والتهميش‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬منه‭ ‬سكان‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل،‭ ‬وكتب‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أعمق‭ ‬التحقيقات‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬‮«‬جريدة‭ ‬الجزائر‭ ‬الجمهورية‮»‬‭ ‬اليسارية،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬التحقيقات‭ ‬كشف،‭ ‬بحس‭ ‬الروائي،‭ ‬فداحة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬إجرامية‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬حُرم‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬الفلاحين‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬لقمة‭ ‬الخبز،‭ ‬ومن‭ ‬أراضيهم‭ ‬التي‭ ‬صودرت‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬أقدامهم‭. 

مثل‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬الذي‭ ‬أعتبره‭ ‬روائي‭ ‬‮«‬العين‮»‬‭ ‬بامتياز‭ ‬لا‭ ‬شبيه‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬تفوته‭ ‬تفاصيل‭ ‬‮«‬نافذة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مشربية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬رصيف‮»‬‭ ‬أو‭  ‬‮«‬جدار‮»‬‭  ‬إلا‭ ‬وحاوره،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُضيِّع‭ ‬ذاكرتَه،‭ ‬قلّبه‭ ‬تقليباً‭ ‬ليخرج‭ ‬منه‭ ‬سراً‭ ‬أو‭ ‬سؤالاً،‭ ‬وذلك‭ ‬هو‭ ‬مركز‭ ‬فلسفة‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬لدى‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬أيضاً‭ ‬أسست‭ ‬كتابات‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مهووساً‭ ‬بالآثار،‭ ‬أمام‭ ‬الآثار‭ ‬الرومانية‭ ‬بمدينة‭ ‬تيبازا‭ (‬مدينة‭ ‬ساحلية‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬الجزائر‭ ‬العاصمة‭ ‬بحوالي‭ ‬80‭ ‬كلم‭) ‬وقف‭ ‬مندهشاً،‭ ‬متسائلاً،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صوفية‭ ‬عميقة،‭ ‬فكتب‭ ‬أجمل‭ ‬نصوصه‭ ‬التي‭ ‬عنونها‭ ‬بـ«الأعراس‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬فيها‭ ‬أبان‭ ‬عن‭ ‬عبقريته‭ ‬الشعرية‭ ‬والسردية‭.‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬الذهني‭ ‬والفني‭ ‬من‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬روايات‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬المترجمة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الفرنسية‮»‬‭ ‬تحظى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الاستقبال‭ ‬والتلقي؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القارئ‭ ‬العادي‭ ‬أو‭ ‬الجامعي‭ ‬أو‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬نادر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية،‭  ‬إذ‭ ‬نادراً‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬رواية‭ ‬عربية‭ ‬جادة‭ ‬مترجمة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الفرنسية‮»‬‭ ‬استقبالاً‭ ‬وحضوراً‭ ‬في‭ ‬المقروئية‭ ‬الفرنسية‭ ‬مثلما‭ ‬حققته‭ ‬وتحققه‭ ‬روايات‭ ‬الغيطاني،‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬الروائيين‭ ‬العرب‭ ‬حظاً‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسية،‭ ‬بل‭ ‬أكثرهم‭ ‬حظاً‭ ‬في‭ ‬الدرس‭ ‬الجامعي،‭ ‬حيث‭ ‬يحظى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬بالدراسة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الفرنسية‭. ‬

لهذا‭ ‬كله‭ ‬فإنني‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬كما‭ ‬فقد‭ ‬الأدب‭ ‬المغاربي‭ ‬والتونسي‭ ‬في‭  ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ ‬روائياً‭ ‬ظاهرة‭ ‬لم‭ ‬تتكرر،‭ ‬وفقد‭ ‬الأدب‭ ‬الفرنسي‭ ‬والفرنكفوني‭ ‬في‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬روائياً‭ ‬من‭ ‬حبر‭ ‬خاص‭ ‬ومن‭ ‬حساسية‭ ‬خاصة‭... ‬فقد‭ ‬الأدب‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭ ‬برحيل‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬صوتاً‭ ‬روائياً‭ ‬فريداً‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬وجنونه‭ ‬وسرده‭ ‬وعمق‭ ‬فلسفته‭ ‬وإنسانية‭ ‬طروحاته‭ .